أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - المناضل-ة - التعليم ليس بضاعة...دفاعا عن التعليم كخدمة عمومية حول -الميثاق الوطني للتربية و التكوين-















المزيد.....



التعليم ليس بضاعة...دفاعا عن التعليم كخدمة عمومية حول -الميثاق الوطني للتربية و التكوين-


المناضل-ة

الحوار المتمدن-العدد: 1470 - 2006 / 2 / 23 - 11:42
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


حول "الميثاق الوطني للتربية و التكوين"
التعليم ليس بضاعة...دفاعا عن التعليم كخدمة عمومية

السياق العام لفرض الميثاق الليبرالي للتعليم

ليس "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" سوى تتويجا لسيرورة مديدة شكل فيها الحق في التعليم مجالا للصراع بين الطبقات السائدة التي عملت جاهدة للانقضاض عليه في سعيها الدائم لتوجيه سياسة البلد لخدمة مصالحها، وبين الطبقات الكادحة التواقة لتجسيد هذا الحق في كامل أبعاده. وقد كان لمسألة التعليم مكانة كبيرة في الصراع لاسيما ان بناء دولة ما بعد الاستقلال الشكلي استلزم توسيع دائرة المستفيدين من التعليم وتشغيل خريجيه لتلبية حاجاتها إلى الكوادر ( الإدارة ومنشات القطاع العام)، مما جعله سبيلا للترقي الاجتماعي لدى شرائح من تلك الطبقات الكادحة .
وقد بين التمرد الشعبي-1- في 23 مارس 1965 حساسية مشكل التعليم وخطورة الإقدام على هجمات مباشرة على هذا الحق. فكان التمرير التدريجي وخلق إجماع يشمل القوى السياسية "المعارضة" الطريقة الناجعة لتفادي الرد الجماهيري. هكذا تراوحت حملات الطبقات السائدة على الحق في التعليم بين الهجوم السافر والتراجع التكتيكي، حسب موازين القوى (وضع الحركة النقابية العمالية والطلابية وقوى اليسار الجذري).
شكل مستهل عقد الثمانينات نقطة انعطاف بالتدخل السافر للبنك العالمي، وتطبيق برنامج التقويم الهيكلي مع ما تلا من من خطوات تجرأت على أضعاف ما فجر غضب 1965:
- تقنين تسجيل الموظفين في الجامعة (1982)
إحداث رسوم التسجيل في الجامعة (1983)
تضخم عدد المطرودين ابتداء من (1984)
- إصلاح 1985 القائم على انتقائية شديدة في التعليم العالي، وتشجيع التعليم الخاص والتكوين المهني، و السماح بتكرار سنة واحدة فقط في الثانوي.
خفض عدد منح الدراسة بالخارج، وتحميل الشغيلة التعليمية ساعات عمل مجانية من1985.
تشجيع التعليم العالي الخاص.
قرار الحد من منح الدراسة بالتعليم العالي (1993) على هذا النحو مثل "الميثاق" تتويجا لحملات متصاعدة أتاحت فرض "إلاصلاحات". فقد أمال النظام موازين القوى لصالحه باعتماد القمع والاحتواء، قمع الثوريين واستمالة الإصلاحيين. بطش بمناضلي المنظمات الثورية (إلى الأمام، 23 مارس…)، و تصدى بالحديد والنار للعصيانات الشعبية وعمل على تحطيم المنظمات الجماهيرية المكافحة (اجتثاث النقابة الوطنية للتلاميذ وودادياتهم،و قمع نضالات الشغيلة التعليمية في 79-81 وحظر الاتحاد الوطني لطالبة المغرب ثم نسفه من الداخل). هذا بينما يستميل الأحزاب الإصلاحية اللبيرالية لندوات ولجن إصلاح التعليم (ندوتي افران الأولى والثانية)، و اللجنة الوطنية لاصلاح التعليم، واللجنة الملكية لاصلاح التعليم، والبرلمانات المزورة والمجالس الاستشارية، وغيرها من المؤسسات الرجعية المزيفة التي تصادق على ضرب الحق في التعليم وتضفي عليه المشروعية والديمقراطية.
ورغم كل أبخرة التضليل حول "الوطنية" وملائمة التعليم مع خصوصيات الشخصية المغربية و المقدسات ...ليس "إصلاح التعليم" سوى تصريف محلي لهجوم رأسمالي عالمي على التعليم بما هو خدمة عمومية لغاية تحقيق أهداف أساسية: التخلص من عبء النفقات، جعل التعليم مجالا للاستثمار المربح، استعمال التعليم لخلق المواطن المستهلك.


صنع البنك العالمي ومباركة القوى "الوطنية الديمقراطية" والنقابات

في ظل ميزان القوى هذا، وتنفيذا لأوامر المؤسسات المالية للإمبريالية، دعا الملك برلمانه في أبريل 1994 إلي "فتح حوار وطني حول التعليم". واحدث"لجنة وطنية" تمثلت فيها الأحزاب والنقابات، غير أن تقريرها النهائي لم يرق بالكامل حيث لم يتجرأ على مس مجانية التعليم. ثم عمد في مارس 99 الى تشكيل لجنة ملكية، اسند رئاستها إلى مستشاره وزيره مرتين (الأشغال العمومية والفلاحة)، عبد العزيز مزيان بالفقيه. ضمت اللجنة ممثلي 14 حزبا سياسيا مؤيدين و"معارضين" على السواء، وممثلين اثنين للمؤسسة الدينية الرسمية، 8 ممثلين عن النقابات العمالية و9 من كوادر النظام (منهم عضو بقيادة النقابة الوطنية للتعليم العالي / عبد الواحد رجواني)، أي ما مجموعه 34 عضوا مع غياب رسمي للنقابة الوطنية للتعليم العالي . إنه"الاجماع الوطني" الذي لا غنى عنه لتمرير الضربات القاصمة للحق في التعليم.
وعلى جري العادة المتبعة عند حبك مؤامرات الإجهاز على المكاسب الشعبية، عملت الدولة كل ما في وسعها لتفادي أي نقاش عمومي حول التعليم. واشتغلت اللجنة في سرية تامة، وطلبت من الصحافة الامتناع عن الحديث عما يجري في اللجنة وفي ملف التعليم إلى غاية صياغة الميثاق. كما أن التمثيل في اللجنة كان بمقياس الولاء لا غير. فحتى خمس وزارات لها علاقة بالتعليم تم تغييبها، ورغم تواطئها لم تمنح الأحزاب و النقابات حرية تعيين ممثليها باللجنة. فقد أمر الملك في رسالته إلى بلفقيه (2 فبراير 1999) بمناقشة تلك المنظمات في أمر هوية ممثليها في اللجنة. كما حددت الرسالة الملكية ما سيأتي من مضمون الميثاق (مرونة التعليم للتلاؤم مع حاجات الاقتصاد –حد أدنى من التعليم للعوام – محو الأمية والتعليم الأساسي- دور القطاع الخاص والجماعات المحلية).
بهذه الكيفية أمسكت الدولة بزمام "معالجة مشكل التعليم" بمساعدة جوقة مباركين لإضفاء المشروعية على الميثاق. تمر توجيهات المؤسسات المالية الدولية الرامية إلى خفض ميزانية التعليم وخصخصته بقناة سلطة الملك الفردية، المستعينة بتزكية قيادات منظمات شعبية خادعة لقاعدتها، لترتدي شكل وثيقة وطنية معززة بـ"اجماع القوى الحية بالبلد": هذا هو ميثاق التعليم.
لكن الحقيقة التي لا لبس فيها انه إجماع فوقي يستهدف تخدير القاعدة الشعبية باستقطاب مسيري منظماتها-2- . فمصادقة هؤلاء لا تعني الشغيلة في شيء، إذ حتى النقابة الوطنية للتعليم المعنية مباشرة بالميثاق لم تفتح نقاشا داخليا حوله ولا قامت بمجهود إعلامي في اتجاه الشغيلة وعموم الكادحين. كما يرمي هذا الإجماع إلى إخراس كل من يناهض سياسة المؤسسات الإمبريالية التي تنفذها الدولة البرجوازية التابعة بتقديمه كمعارض" للإجماع الوطني" حول إصلاح التعليم. لم يكن للمشرفين على العملية بد من هذا التضييق لاسيما بوجه العواقب الاجتماعية الخطيرة لهكذا سياسة تعليمية، وردود الفعل المحتملة في الوسط الطلابي والتلاميذي والشغيلة التعليمية، إضافة للأسر التي يحملها الميثاق عبء تمويل دراسة أبنائها بما هو ثقل فوق الخنق الضريبي المفروض عليها أصلا.
ويتحدثون عن إجماع وطني !
يبلغ عدد الأساتذة و المعلمين والإداريين بالتعليم 260 آلف بالإضافة إلى مئات الآلاف من التلاميذ والطلبة وملايين العمال والفلاحين والعاطلين و الخ...هؤلاء لم يشاركوا بأي وجه في اتخاذ القرار في أحد المجالات الحيوية.


الميثاق: تكريس الفكر القدري و تسويغ الاستبداد

في قسم "المرتكزات الثابتة" يصور الميثاق النظام التربوي كنظام "يلتحم بالكيان الوطني المغربي العريق ويربي المواطنين على الإيمان بالله وحب الوطن والذود عنه والتمسك بالملكية الدستورية. كما يروم تنشئتهم على المشاركة في الشأن العام والخاص وهم واعون أتم الوعي بواجبات المواطنة وحقوقها، متمكنون من التواصل باللغة العربية، لغة البلاد الرسمية تعبيرا وكتابة، متفتحون على اللغات الأكثر انتشارا في العالم متشبعون بروح الحوار وقبول الاختلاف وتبني الممارسة الديمقراطية".
خلف الكلام المنمق يمهد الميثاق لتكثيف استعمال الدين لتسويغ الاستبداد السياسي وكافة أشكال الاضطهاد، وذلك بحشو برامج التعليم بالغيبيات والفكر الخرافي والتعصب الديني و إلغاء أي فكر عقلاني و وأد أي حس نقدي، وتكريس دونية المرأة سواء بوجود شعبة خاصة بالإناث( شعبة الخياطة والتربية النسوية والسكرتارية، مقابل قلتهن في الشعبة التقنية)، أو من حيث محتوى البرامج المسوغة للميز على أساس الجنس ولقبوله كقدر طبيعي.
أما "حب الوطن" فحشو أدمغة التلاميذ والطلبة بالأضاليل الرسمية، بتزييف تاريخ المغرب بإقصاء المكون اللغو والثقافي الامازيغي، و طمس الأوجه المشرقة لكفاح الجماهير المضطهدة ضد الاستبداد المحلي وضد السيطرة الاستعمارية(بخس مكانة عبد الكريم الخطابي و المقاومين الحقيقيين و تبييض صفحة من باعوا البلد في 1912 و 1956 وتواطؤوا مع المحتل لإرساء نظام الاستعمار الجديد لدرجة التآمر على جيش التحرير بالجنوب وقمع انتفاضة الريف)، كما يتم تدريس التاريخ و"التربية الوطنية" بتعليم قواعد طاعة الاستبداد وعبادة الشخصية. يجري مزج كل هذه الأوجه السلفية والمخزنية بالفكر البرجوازي الليبرالي الذي يرى في استغلال الإنسان معطى طبيعيا ويفصل التلميذ عن واقعه الاجتماعي ويلجم فكره عن فهمه لشل قدرة تغييره.


تفكيك المدرسة العمومية:

الملائمة مع حاجات المقاولات الرأسمالية

لا تقتصر التحولات الناتجة عن العولمة الرأسمالية على مجال الاقتصاد فحسب، بل تطال كل اوجه الحياة في سعي محموم إلى تحويل كل شيء إلى سلعة. بات التعليم يشكل اليوم هدفا لهجوم الرأسمال العالمي بقيادة المؤسسات المالية العالمية بأداة رئيسة هي الاتفاق العام حول تجارة الخدماتAGCS الموقع في أبريل 1992. " فالبرجوازية الباحثة عن مجال لاستثمار أموالها ترى في التعليم ميزانية عالمية سنوية تقدر بألف مليار دولار وقطاع ثقيل بـ 50 مليون عامل، وقبل كل شيء مليار زبون مفترض من الطلاب والتلاميذ" –3-
سارعت البرجوازية بربوع العالم إلى وضع مشاريع "إصلاح" التعليم بانسحاب الدولة ودخول الرأسمال بحثا عن الربح. عبر جاك اتالي عن ذلك بخصوص التعليم في فرنسا قائلا: " لا تستطيع الجامعات ان تبقى أمكنة للمعارف ونقلها بل يجب ان تصبح أداة للمردودية وان تصبح الأبحاث ذات منفعة ومربحة ان أمكن". ونفس المقاصد يواريها بلفقيه بالحديث عن "رهانات تأهيل المغرب للاندماج في الاقتصاد العالمي وتقوية قدرته التنافسية".
يرسم قسم الميثاق المسمى "المرتكزات الثابتة والغايات الكبرى" الإطار الإيديولوجي العام لسياسة التعليم وأهدافها. فالمادة 5 تجعل نظام التربية والتكوين يروم تأهيل البلاد " لامتلاك ناصية العلوم والتكنولوجيا المتقدمة والإسهام في تطويرها بما يعزز قدرة المغرب التنافسية ونموه الاقتصادي والاجتماعي والإنساني في عهد يطبعه الانفتاح الشامل على العالم…". وتضيف المادة 7 بان التعليم" يمنح الأفراد فرصة اكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهلهم للاندماج في الحياة العملية ..." . ففيما يتعلق بالتعليم الأساسي ينبغي حسب الميثاق الغوص المنظم في مواقع الإنتاج الشامل ومبادلات المواد والخدمات )مقاولات، مشاغيل تقليدية، حقول، ضيعات ،إدارات...الخ، من زيارات محض استكشافية إلى مساهمة في الأشغال إلى تداريـــــــب مديدة ومؤطرة ، ومن تمرس ميداني على المهن إلى تكوين بالتعاقد بين المدرسة و المقاولة –4- .
وعن التعليم الثانوي تقول المادة 71 :" يتوخى التعليم الثانوي (الثانوي العام والتقني والمهني) بالإضافة إلى تدعيم مكتسبات المدرسة الابتدائية تنويع مجالات التعلم بكيفية تسمح بفتح سبل جديدة للنجاح والاندماج في الحياة المهنية والاجتماعية أو متابعة الدراسات العليا". وتضيف المادة 72 ان هدف التأهيل المهني هو تكوين يد عاملة قادرة على التكيف مع المحيط المهني ومتمكنة من القدرات الأساسية لممارسة المهن ومزاولة الشغل في مختلف قطاعات الإنتاج والخدمات".
وترسم جملة مواد مستقبل التعليم الجامعي، إذ تشير المادة 80 إلى وجوب أن تستجيب الدراسات الجامعية " للحاجات الدقيقة وذات الأولوية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية". وتلح المادة 130 على " تطوير ثقافة المقاولة والتدبير والإبداع في مؤسسات البحث والتكوين وتكثيف الأنشطة ذات القيمة المضافة المرتفعة عبر تشجيع البحث (…) وتشجيع إحداث محاضن للمقاولات المبدعة داخل الجامعة...". وفي نفس الاتجاه تسير المادة 126 :" توطيد الوشائج بين الجامعات والمقاولات لترسيخ البحث في عالم الاقتصاد وإفادة المقاولات بخبرات الجامعات وتسيير إضفاء القيمة المضافة المستحقة على نتائج البحث وتعميمها". هذا علاوة على إعطاء الجامعات صلاحية "المساهمة في رأسمال مقاولات خاصة وتابعة.-5-
أذن ستكون الحلقة المركزية في نظام التعليم ذات طابع مهني وتقني ومستجيب للمتطلبات المباشرة للمقاولة. فلن يبقى التكوين المهني مقتصرا على استقطاب الشباب المنقطع عن الدراسة " (البنك العالمي –تقرير 95) بل سيندمج التكوين المهني والتعليم العام مع هيمنة الأول، خاصة أمام توجيه ثلثي المتعلمين إلى هذا النمط التعليمي. فماذا يقول البنك العالمي عن الشكل الذي يجب أن يكون عليه هذا التعليم؟
" يتعين في أفق 2010 أن يخطط القسم الأكبر من التكوين المهني ويمول مباشرة من قبل المشغلين أو عبر تعاقد" (ب ع تقرير 95). هكذا يوضع مصير التعليم بين أيدي الرأسمال لإخضاعه مباشرة لمنطق الربح و المنافسة. فالمقاولات ستحدد بشكل أساسي البرامج والأهداف ولأجل ذلك تعزز تمثيلها في مجالس تدبير مؤسسات التعليم وشبكات التربية والتكوين –6- على نحو ينسف أي استقلالية وديمقراطية لمؤسسات التعليم.
ينعدم كل اختيار لمسار التعلم طبقا لميول المتعلمين وملكاتهم بفعل الانتقاء والتوجيه المدرسي ومتطلبات المقاولة. أي أن الشواهد ذات القيمة في سوق الشغل هي ما سيسعى إليه الطلبة. هذا ما ينحي جانبا المعرفة المتكاملة متعددة الأبعاد و الفكر النقدي، و يفضي إلى إفقار البرامج باستهداف تحصيل تكوين تقني سريع ليد عاملة مرنة. ويمثل هذا استجابة لانشغال سياسي لدى البرجوازية بتقليص مجال الاهتمامات الفكرية لرواد التعليم لمنع امتلاك فهم إجمالي للمجتمع قد يضع طابعه الطبقي محط تساؤل، وكذا بجعلهم في آخر المطاف " موارد بشرية" عمياء لتشحيم دواليب المقاولة.
كما يتغنى الميثاق بتشجيع البحت العلمي من اجل تحقيق "التنمية الشاملة". لكن واقع التبعية و طبيعة الطبقات المالكة، التي تعتبر الاقتصاد مجرد منبع للنهب والاغتناء السريع، يفندان ذلك.


أي تمويل بعد انسحاب الدولة ؟

ليس نقاش إصلاح نظام تمويل التعليم وليد اليوم، بل انطلق منذ مناظرة افران الثانية سنة 1980. آنذاك ُطرحت المسألة من زاوية تقليص الميزانية" دون المس بالبنيات وآليات التمويل". و أثيرت المسألة في خطاب الملك في 30 أبريل 1981 الذي أكد أن إلغاء مجانية التعليم سيمس الفئات المحظوظة في التعليم العالي كمرحلة أولى، ثم الابتدائي والثانوي لاحقا. لم يدرج ذلك في برامج رسمية وظل نوعا من جس النبض تحسبا للعواقب السياسية.
وكان مخطط التنمية 1981-1983 أثار مسألة تخلي الدولة عن تعميم المنح الدراسية ودعا إلى اللجوء إلى القطاع الخاص وشبه العمومي دون تدقيق الكيفية، أ قروض أم مجرد مساعدات؟
وبرزت المسالة في مخطط 1988 – 1992 بحدة بالتركيز على " ترشيد نظام التعليم في شروط تستطيع المالية العمومية تحملها". وشهدت سنوات هذا المخطط أعنف هجوم على التعليم بسبب تضافر عوامل عدة أهمها: تزايد ضغط المؤسسات المالية الإمبريالية على البلدان المستدينة من أجل تقويض البرامج الاجتماعية، بتزامن مع ضعف الحركة الجماهيرية وعجزها عن صد الهجوم. فكان سعى التقويم المدرسي إلى تقليص نفقات الاستثمار وتجميد نفقات التسيير. ومست هذه الإجراءات عنصرين: أجور المدرسين ومنح الطلبة. فشهد مستوى التعليم تدهورا مريعا لدرجة تعذر تقليص إضافي للنفقات العمومية.
و تواصل الهجوم بشكل أعنف بتوالي "الإصلاحات". ففي 1993 صدرت المذكرة 86 التي قننت حرمان الطلاب من المنح الدراسية بمبررات "الاستحقاق" الواهية التي تحولت عمليا إلى تصميم على نزعها من كافة الطلاب. تم جاء تقرير البنك العالمي عن أوضاع التعليم بالمغرب عام 1995 ونص على " وجوب تشجيع إسهام الطلاب في تكاليف التعليم العمومي، واقتصار المنح على مساعدة الطلبة المحتاجين ومكافئة الطلبة المتفوقين" وعلى وجوب البحث عن ممولين آخرين جدد غير الدولة. ويعتبر تقرير 1995 للبنك العالمي الموجه الأساسي لكل" الإصلاحات الجامعية" بدءا بمشروع إصلاح التعليم سنة 1996 وانتهاء ب" الميثاق الوطني للتربية والتكوين". فما هي مبررات الدولة للتخلي عن تمويل التعليم؟
يستند سعي الدولة إلى إقناع الشعب بصواب التراجع عن تمويل التعليم على مبررات واهية ودعاية غوغائية سخرت لها كل وسائل الإعلام وعلى تواطؤ مكشوف من أحزاب المعارضة البرجوازية والبيروقراطيات النقابية. وذلك باستبعاد كلي لمشكل تمويل سداد الديون الخارجية الذي يشد خناق التعليم وغيره من الخدمات العامة.
وتتمثل هذه الذرائع أساسا في :
مواصلة تمويل الدولة للتعليم بنفس الوثيرة عبء لا طاقة للمالية العمومية به في مطلع 2010.
تحقيق التوازنات المالية رهن بخفض ميزانية القطاعات الاجتماعية .
عشوائية التمويل العمومي تكريس للتفاوت بين المناطق و بين الفئات الاجتماعية.
سوء التسيير الناتج عن فرط مركزية القرارات وبطء طرق صرف الميزانية.
رفع جودة التعليم و نجاعته وتأهيله للمنافسة مشروط بمساهمة القطاع الخاص وتنافس المؤسسات.
تأهيل الجامعة لإرضاء حاجات الرأسمال المتجددة و إسهامه في ميزانية الجامعة مقابل تدخله في القرار بتمثيله في مجلس الجامعة.
ما بديل التمويل العمومي للتعليم حسب منطق الميثاق؟ إنها بما يخص التعليم العالي حسب ظهير 199 . 00 .1 الخاص بتنفيذ القانون رقم 00 .01 :
إحداث شركات لإنتاج السلع والخدمات وتسويقها سواء بشركات تابعة للجامعة أو شركات مساهمة مع مقاولات عمومية أو خاصة. وهذا ما شُرع فيه ببعض المؤسسات كالمدرسة المحمدية للمهندسين (إنشاء شركة لإنتاج برامج الكومبيوتر).
إعانات مالية وهبات ووصايا من أشخاص معنويين أو ذاتيين.
إسهام الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات التعليمية والمستفيدين (الطلبة) والمقاولات في تمويل التعليم.
فرض ضريبة وطنية للتعليم.
تفعيل "التضامن الاجتماعي" بإقرار رسوم التسجيل .
خلق نظام القروض المدرسية. ما من حاجة إلى جهد ذهني خارق لإدراك تهافت وزيف هذه البدائل. إن الأمر الأساسي هو كشف الخلفيات الحقيقية لمنطلق الدولة البرجوازية في سعيها إلى نفض يدها من تمويل التعليم، فالميثاق يندرج ضمن الهجمات التي استهدفت كل البرامج الاجتماعية (سكن ،صحة ، تعليم...) والتي اشتدت بالشروع في تطبيق إملاء المؤسسات المالية الإمبريالية القاضية بحفظ التوازنات المالية بترشيد القطاع العام أي التخلي عن الخدمات لضمان سداد الديون الخارجية.
تبرز هذه الإحاطة الهدف الحقيقي للميثاق المناقض لمزاعم مقدمته حول التحديث ورفع الجودة. تتمثل الغاية الأساسية في انسحاب الدولة إلى أقصى حد من تمويل التعليم والبحث عن وسائل أخرى، سواء بالشراكة مع القطاع الخاص، أو الاعتماد على البنوك الخاصة، أو تحميل أسر الطلبة مصاريف الدراسة، أو إثقال الجماعات المحلية والجهات بمسؤولية بناء مؤسسات التعليم وتمويلها. وتلك حلول ستؤدي إلى استفحال الإقصاء الاجتماعي وحرمان أوسع الفئات الشعبية من حقها في التعليم. كما أن رجال الأعمال لن يجازفوا بالرساميل في قطاع غير منتج . وحتى ان تدخلوا في تمويل التعليم فعلى نحو انتقائي ومحدود سيؤدي إلى جزر نموذجية قليلة مقابل تدمير كلي للقطاع. و باستحضار مخاطر المنافسة العالمية المحدقة بالرأسمال المحلي، لا سيما في إطار منطقة التبادل الحر مع الاتحاد الأوربي، وهشاشة نسيج المقاولات( 95% منها صغيرة)، يتضح زيف المراهنة على إسهام القطاع الخاص في تمويل التعليم.
أما كيف ترى الدولة إمكان اضطلاع الأسر بقسط من تمويل التعليم، فذلك ما يبينه واضعو الميثاق كما يلي:
حرمان أبناء الكادحين من المنح؛ فتلك الجملة المبهمة "إعطاء منح الاستحقاق للمتفوقين المحتاجين" (مادة 175 من الميثاق) لا تعدو أن تكون بداية الهجوم حتى يتم استساغة نزعها الكلي.
فرض رسوم التسجيل على تلاميذ التعليم الثانوي وطلبة الجامعة بمعيار الضريبة على الدخل و إعفاء ذوي الدخل المحدود. لكن إذا أعفي هؤلاء فمن سيدفع الرسوم ما دام ذوو الدخل غير المحدود لا يؤمون التعليم العمومي؟
فرض ضريبة " مساهمة وطنية" لتمويل التعليم تدفعها الأسر (مادة 170) أي تحميل أعباء إضافية للمنهكين أصلا بالضرائب و بانهيار قدرة شرائية سيأتي على بقيتها تحرير الأسعار و تصفية صندوق الموازنة وخفض قيمة العملة. هذا بينما ُتغدق الإعفاءات والامتيازات على الرساميل ،منها المستثمرة في التعليم (إعفاء مدة 20 سنة قابلة للتمديد - مادة 165).
حث الأسر على توجيه الأبناء إلى التعليم الخاص. وقد بلغ عدد مؤسساته 92 وحدة تضم ما مجموعه 10146 طالبا مقابل 91 مؤسسة جامعية عمومية يتكدس بها 273205 طالبا .
القروض . أكذوبة أخرى: ما زال القرض الفلاحي يمتص دماء الفلاحين المفقرين و يصادر الأراضي و الأملاك و يشرد الأسر، و ما زال مئات الشباب ممن خاضوا مغامرة "المقاولين الشباب" حبيسي السجون و دهاليز المحاكم. و ستعيد أغلب النساء الكادحات نفس التجربة مع ما يسمى "بالسلفات الصغيرة" . إنها الوصفة السحرية الجاهزة دائما لدى البنك العالمي لتدبير الأزمات و امتصاص غضب المفقرين.
حان دور الطلاب ليقترضوا بديلا عن المنحة الدراسية. تهافت البديل واضحة غنية عن تبيان، فلا قدرة سداد لدى الأسر ولا جرأة مجازفة عند البنوك . فماذا يا ترى ستكون ضمانة التسليف؟
الجماعات المحلية: تعتزم الدولة إلقاء مسؤولية بناء مؤسسات التعليم وتجهيزها وصيانتها على الجماعات المحلية. والحال ان تفاوت موارد الجماعات يحكم على اغلبها باستحالة تحمل تلك المسؤولية ، علاوة على واقع الجماعات المتسم بسوء التسيير والنهب الناتج عن عقود من الفساد المستشري برعاية وزارة الداخلية.
الهبات و الوصايا: على غرار الزوايا و الكتاتيب العتيقة تراهن الدولة اليوم على تمويل المدارس و الجامعات من صدقات المحسنين، إنها ترهن تعليم الأجيال بسخاء مفترض. فلينتظر إذن الطلبة و التلاميذ صدقات من لا هم لهم غير تكديس الأرباح باستغلال العمال في شروط العبودية.
جلي ان البدائل المنتظرة في تمويل التعليم لن تحل المشكل. ويكفينا تفحص فرضية أداء
50% من الطلبة 2500 درهم سنويا كرسوم (ويا لها من فرضية خيالية!). لن يتجاوز المجموع 15% من ميزانية التعليم العالي. فهل ستسد باقي السبل النقص ؟
لا جرأة لدى الدولة على منع الطبقات الشعبية من التعليم العالي ، لذلك تراها تخلق كافة شروط النفور منه. وقد نجحت إلى حد بعيد: 20% من الطلاب فقط ينهون السلك الأول في سنتين و 70% يغادرون الجامعة دون دبلوم.
لا تتمكن الأسر المغربية من الوفاء بمستلزمات التعليم في وضعه الراهن سوى بشد الحزام حتى أقصاه. و غالبا ما تنفذ طاقتها على التضحية مع انتهاء التعليم الابتدائي أو الإعدادي، و لا يصل إلى الثانوي و الجامعي إلا أبناء الأسر التي اعتبرها الميثاق" ذات دخل محدود و متوسط". وستنشأ عن سياسة "ميثاق التعليم" مصاعب تقصي أقساما إضافية من حق التعليم.
ليست الجامعة مجانية حتى دون رسوم، فكل عائلة لها ابن واحد في التعليم العالي تنفق ما لا يقل عن 5058 درهم كلفة سنوية، و في التعليم الخاص تؤدي أكثر من 14000 درهم. –7- و بالمقابل فإن دخل العائلات بالمغرب، حسب دراسة لمجلس الشباب والمستقبل كالتالي: يقل دخل 64.3% من الأسر عن 2500 درهم، ويتراوح دخل 21.6% من الأسر بين 2500 و 4000 درهم، ودخل 10% من الأسر بين 4000 و 8000 درهم، و 04% فقط من الأسر يفوق دخلها 8000 درهم.
كل السياسة الجاري تطبيقها ستزيد الإفقار باعتراف المؤسسات المالية الدولية التي تضع تلك السياسة فكيف يمكن اعتماد دخل الأسر موردا لتمويل التعليم؟
تمارس الدولة تضليلا واسع النطاق مبرزة حجم ميزانية التعليم، متغاضية عن العديد من الميزانيات التي لا نفع فيها للشعب، بمقدمتها ميزانية القمع، وأشكال التبذير وفضائح نهب المال العام والامتيازات الجبائية للطبقات المالكة، وضخامة الأرباح المتأتية من فرط استغلال الشغيلة، كل ذلك بغاية دنيئة: الإجهاز على ما تبقى من مكاسب شعبية في التعليم وغيره من الخدمات العامة.


مرامي السياسة البرجوازية في التعليم:

ترمي المؤسسات المالية الدولية، البنك العالمي و صندوق النقد الدولي، و منظمة التجارة العالمية" بإعادة هيكلة الاقتصاد و القطاعات الاجتماعية – ضمنها التعليم- إلى "إعداد المغرب، كغيره من بلدان العالم الثالث، لرهان التنافسية".
يتوارى خلف هذا الشعار عزم على الإخضاع الكلي للبلدان التابعة و إلغاء أي إمكانية بناء اقتصاد قائم بذاته متحكم بعلاقاته مع الخارج.إننا بصدد إعادة استعمار البلدان الرأسمالية المتقدمة للبلدان الرأسمالية التابعة، و حفز تنافس هذه الأخيرة فيما بينها بقصد بلوغ :
أكبر خفض ممكن لعجز الموازنة بأكبر خفض ممكن للخدمات العمومية و أسرع وتيرة للخوصصة من أجل سداد خدمة الدين.
أكبر تخصص ممكن في المواد الأولية المعدة للتصدير و أكبر خفض لأسعارها.
أرخص يد عاملة مع حد أدنى من التأهيل. يبرز هذا بجلاء الغايات الحقيقية لسياسة التعليم المسطرة في الميثاق:
التخلي عن التزام الدولة بتمويل التعليم، (يمثل التعليم 23% من الميزانية العامة عام 2001 و 7% من الناتج الداخلي الخام) شأن باقي الخدمات الاجتماعية، لتوفير هامش مادي أكبر لأداء خدمة الديون التي لم يستفد منها الكادحون أصلا، و بالمقابل وضع التعليم في يد أرباب العمل و إعطاء الريادة للتعليم الخاص-8- .
خلق الشروط المثلى للرأسمال الأجنبي: ان كان قصد " ربط المدرسة بمحيطها الاقتصادي" ربطها بالمقاولة المغربية، فإن حالة نسيج مقاولات المغرب تجعل هذا القول أجوف، حيث أن 95% مقاولات عائلية متخلفة على جميع المستويات (47% من المشرفين على المقاولات الصغرى و المتوسطة ليس لهم تكوين أولي أو مستمر و 92% منهم يجهلون تقنيات التسيير و التكنولوجيا،…) -9- . هذا ناهيك عن ما يتهدد هذا النسيج بفعل سياسة التبادل الحر، حيث تدل التقديرات أن 50% من المقاولات تعوزها شروط الاستمرار و 25% بحاجة إلى إعادة هيكلة. ستعد المدرسة إذن لخدمة مقاولات أخرى هي الشركات متعددة الجنسية، دون ان يعني ذلك حلا لمشكل تشغيل الخريجين .فنقل الصناعات نحو بلدان الجنوب ذو طابع جزئي و انتقائي و ظرفي.
يتفاوت استقطاب الاستثمارات عالميا،إذ يجري نمو الاستثمارات الخارجية المباشرة ما بين أقطاب الثالوث الرأسمالي – أمريكا- اليابان-الاتحاد الأوربي، مع تهميش البلدان التابعة. ففي سنة 1999 تركزت 78% من الاستثمارات و المبادلات و الإنتاج في البلدان الصناعية و 16% في البلدان الشبه مصنعة كوريا- التايلاند- لتبقى 6% للبلدان الأكثر تخلفا –10-.
و يظهر بوضوح اثر الاستثمار الأجنبي في المكسيك نفسه الذي يقدمه تقرير البنك الدولي سنة 1995 مثلا عن حسن تدبير "الموارد البشرية"، وهو من اكبر مستقبلي الاستثمارات الأجنبية لتوفره على عناصر "الجذب" الكافية: خوصصة فائقة و بورصة محررة، نسبة فائدة مرتفعة، يد عاملة رخيصة، مواد أولية و طاقية وفيرة (البترول). مع هذا كله لم يستفد اقتصاد المكسيك من توظيفات منتجة حقيقية و لا من خفض لنسبة البطالة، بل هزته أزمة خطيرة عام 1994 لكون الرساميل "الطيارة" تستثمر بالدرجة الأولى في المضاربات و تنسحب فور ظهور بوادر الأزمة. قد عصفت تلك الأزمة بما تبقى من مكتسبات اجتماعية، فلم يعجز المكسيك عن تطوير خدمات التعليم فحسب بل خلق نظام أبارتهايد اجتماعي ألقى بأغلبية الكادحين في مؤسسات دائرة التهميش بشكل نهائي. بل أن نفس السيناريو شهدته بلدان اعتبرت تجاربها نماذج مثالية طالما تغنت بها البورجوازية العالمية و ضرب بها المثال بدورها في تقرير البنك عن المغرب 1995 مثل كوريا و ماليزيا. لكن أزمة 1997-1998 دحضت هذه الأوهام، و حسب تقرير للمكتب الدولي للعمل في مارس 1999 تم تدمير 23 مليون منصب شغل في جنوب شرق أسيا منذ انفجار الازمة. فما بالك بالمغرب الذي يريد أن يجلب الرساميل العالمية عبر تدمير مكتسبات قوة العمل و عبر تجنيد نظامه التعليمي لتفريخ جيش احتياطي متوسط التأهيل أمام واقع ضعف شديد لسوق داخلي بسبب ما يفوق 20 سنة من التقشف و غياب بنية تحتية من شأنها خفض التكلفة.
إنها حقائق تعري شعار "ربط الجامعة بمحيطها الاقتصادي" وتؤكد الحاجة إلى نموذج للتنمية قائم على التحكم بالعلاقات مع الاقتصاد العالمي لخدمة أهداف تلبية الحاجات الإنسانية الأساسية بكيفية ديمقراطية.


ما العمل؟

يعاني ضحايا السياسة التعليمية النيوليبرالية المجسدة في "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" من افتقاد أدوات نضال فعالة على نحو غير مسبوق. إذ أدت عقود من القمع الشرس إلى القضاء على الحركة التلاميذية وعلى نسيج الجمعيات الثقافية التقدمية بالأحياء الشعبية، والى استئصال الاتحاد الوطني للطلبة. ومع تجدد أفواج الطلاب انقطع خيط الاستمرارية النضالية مفضيا إلى فراغ ساحة النضال الجامعي ما عدا بعض المواقع وبصورة نسبية. هذا علاوة على مكامن الضعف النوعي الموروث عن سلبيات الماضي والتي أضحت بدورها عوائق بوجه أي انبعاث لتقاليد نضال الشبيبة. ولم تتمكن جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان ولا الجمعيات النسائية من تعويض ما ضاع، لا بل يمثل عدم انغراسها في الشبيبة إحدى اكبر نقاط ضعفها. أما جمعيات آباء التلاميذ فلم تحظ أبدا باهتمام المناضلين على نحو يجعلها تساهم في الدفاع عن شروط لائقة لممارسة الحق في التعليم .
وان كانت حركة المعطلين ، من جمعية وطنية ومختلف المجموعات المناضلة، قد مثلت مكونا جديدا لحركة الشبيبة، فإن عزلتها واستنكاف النقابات العمالية عن التعاون والتضامن معها بوجه التنكيل المسلط عليها يحدان على نحو كبير من قدرتها على التصدي.
أما المعطى المستجد، قياسا بسنوات نضال اليسار بالجامعة والثانويات والجمعيات الثقافية، عنينا صعود التيارات السلفية، فلم ينفع جماهير الشباب في الحفاظ على المكاسب بقدر ما نفع الدولة في اجتثاث اليسار من الجامعة بحملات الإرهاب وكم الأفواه.
هذا ما جعل ردود فعل التلاميذ و الطلاب تتسم بالطابع الجزئي والمحلي مما يفقدها قدرة ردع تعديات الدولة البرجوازية على حقوقهم.
يرتدي الهجوم الذي تقوده الطبقة السائدة بتعاون مع الإمبريالية طابعا شاملا يستهدف المكاسب الطفيفة في مجال الخدمات العمومية والتشغيل والأجور والحماية الاجتماعية. يترتب عن تلك الشمولية لزوم تضافر جهود شتى أنواع المنظمات الشعبية من نقابات عمالية وحركات معطلين وهيئات الدفاع عن الحقوق الإنسانية وشتى أنواع الجمعيات بالمدن والقرى.
لكن هذه الحاجة الموضوعية ترتطم بواقع تلك المنظمات التي لم تنهض بعد من آثار هيمنة قوى انتقلت إلى الإسهام في تنفيذ الهجوم على المكاسب الشعبية.
بما أن "الميثاق" جرى تمريره دون نقاش حقيقي حتى في النقابات التي تم توريطها في اللجنة الملكية، ولا في الجامعات والمدارس، فان ظهور نتائجه الكارثية عند التطبيق يتعين ان يكون فرصة لنقاش جوهر السياسة النيوليبرالية في التعليم، بكشف أهدافها الحقيقية الإجرامية: ضرب الحق في التعليم خدمة لمصلحة اغتناء زمرة من البرجوازيين المحليين وسداد الديون لقوى استعمارية تستنزف البلد.
ان حجم العملية التضليلية المواكبة لتمرير الميثاق و دور النقابات في اللجنة التي وضعته يجعل المناضلين المناهضين للهجوم النيوليبرالي على حق التعليم في وضع سباحة ضد التيار حاليا. لكن ظهور النتائج الكارثية للميثاق بكامل حجمها قد يخلق تيارا عارما من الاستياء والاحتجاج بدأ يلوح في العديد من التحركات ضد الاكتظاظ في الأقسام بالمدراس ومشاكل نظام الامتحانات بالجامعة والاحتجاجات الإقليمية للطلاب. لكن هذا الزخم المرتقب لن يأخذ وجهته الصائبة إلا إذا اضطلع المناضلون منذ الآن بواجب التشهير بالميثاق وبسط البديل الديمقراطي في المسالة التعليمية بوصفه عنصرا من البديل المجتمعي الشامل.
فليكن ميثاق التعليم، وتصريفه في السياسة الآنية للدولة، محورا من المحاور الأساسية لعمل المجموعات الطلابية اليسارية بكل ألوانها و الفروع النقابية وجمعيات حقوق الإنسان والجمعيات الثقافية والجمعيات التنموية بالقرى ، من أجل إنتاج ترسانة حجج مضادة على كل صعيد وبلورة وعي شعبي مكتمل. ولتتشابك الصلات بين مختلف الهيئات المناضلة في المبادرة إلى النضال وفي التضامن.

م . م. ث



--------------------------------------------------------------------------------
1 - كانت شرارة تفجيرها مذكرة وزارة التعليم حول توجيه التلاميذ المحددة لشروط الانتقال في الثانوي من السلك الأول إلى السلك الثاني بحيث تقصي منه كل من تجاوز عمره 17 سنة وقد سقط في الانتفاضة قرابة 1000 قتيل( رسميا 7 قتلى و 69 جريح ) .
2 - دمج مربح ماديا من خلال المؤسسات المزيفة-، رشوة مباشرة هي الدعم المالي من الدولة للأحزاب والنقابات-، إطلاق عنان هذه البيروقراطية في نهب أموال العمال في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي-والسمسرة في النضالات، التغاضي عن نهب أموال البلديات…
3 - انظر مقال "هل سيتحول التعليم إلى بضاعة؟" نيكو هيرت،جريدة المنظمة عدد 815
4 - انظر كتاب محمد البردوزي:"تحديث التعليم في المغرب:نحو تفعيل حقيقي للميثاق الوطني للتربية والتكوين" منشورات التحديث –2000 .
5 - المادة 37 من القانون المنظم للجامعة.
6 - المواد 9 و28 و62 من القانون المنظم للتعليم الجامعي
7 - استجواب المهدي لحلو وعز الدين أقصبي- جريدة النشرة عدد 181-31 ماي 1999.
8 - يمنح الميثاق للتعليم الخاص صدارة نظام التعليم ، إذ ينيط به تغطية عجز التعليم العمومي، بل يشجع ما يسميه بفائض أطر التعليم العمومي على إنشاء مؤسسات خاصة )انظر قانون رقم 00-06 للنظام الأساسي للتعليم الخاص والباب الثاني من قانون 00-01 المتعلق بالتعليم العالي الخاص. الجريدة الرسمية العدد 4798.
9 - انظر قراءة نقدية في الميثاق الوطني للتربية والتكوين الصادر عن لجنة الدراسات لفرع الجامعة الوطنية للتعليم. الاتحاد المغربي للشغل بالرباط-تمارة . دجنبر 1999.
10 - انظر "البورصة أو الحياة" ايريك توسان صفحة 55 منشورات CADTM –1998.



#المناضل-ة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ميلاد الحزب الاشتراكي الموحد: دلالات سياسية وواجبات المناضلي ...
- الشيلي : ميشال باشلييه رئيسة للبلد
- الديون الخارجية العمومية للمغرب الغاء الديون شرط لا غنى عنه ...
- مؤتمر الفيدرالية الديمقراطية للشغل أي نقابة هي الفيدرالية؟ م ...
- الطبقة العاملة الإسبانية: بين استفحال ظاهرة العنصرية ضد العم ...
- ما هي الثورة الدائمة؟
- المسيرة العالمية للنساء... نضال النساء المتواصل
- من هو ليون تروتسكي؟
- الذكرى المئوية الأولى لثورة 1905: لما أصبحت الثورة ممكنة
- وحده الحل الديمقراطي- لقضية الصحراء- سينهي مأساة شعوب المنطق ...
- مرحبا... تروتسكي
- راهنية الثورة الدائمة
- مصر: الإنهاك يصيب نظام مبارك
- تحديات بناء حركة نقابية قوية بالمغرب - 6
- تحديات بناء حركة نقابية قوية بالمغرب - 5
- تحديات بناء حركة نقابية قوية بالمغرب - 4
- تحديات بناء حركة نقابية قوية بالمغرب - 3
- تحديات بناء حركة نقابية قوية بالمغرب - 2
- تحديات بناء حركة نقابية قوية بالمغرب - 1
- فنيزويلا : ثورة في الثورة


المزيد.....




- ” استعلم عن موعد الصرف واستفيد من الزيادة” الاستعلام عن روات ...
- “متاح الان” موقع التسجيل في منحة البطالة الكترونيا 2024 بالج ...
- بُشرى سارة للجميع زيادة رواتب الموظفين في العراق! 2.400.000 ...
- “عاجل بشرى سارة اتحدد أخيرا” موعد صرف رواتب المتقاعدين في ا ...
- مد سن المعاش لـ 65 لجميع موظفين الدولة بالقطاع الحكومي والخا ...
- زيادة الأجور تتصدر مطالب المغاربة قبيل عيد العمّال والنقابات ...
- حماس تدعو عمال العالم لأسبوع تضامن مع الشعب الفلسطيني
- “وزارة المالية 100 ألف دينار مصرف الرافدين“ موعد صرف رواتب ا ...
- جددها الان من هنا.. اليكم رابط تجديد منحة البطالة في الجزائر ...
- “880.000 دينار فوري مصرف الرافدين“ وزارة المالية العراقية تُ ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - المناضل-ة - التعليم ليس بضاعة...دفاعا عن التعليم كخدمة عمومية حول -الميثاق الوطني للتربية و التكوين-