أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الصديق بودوارة - صندوق -أم البنين- الليبي















المزيد.....

صندوق -أم البنين- الليبي


الصديق بودوارة

الحوار المتمدن-العدد: 5654 - 2017 / 9 / 29 - 20:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يوماً ما ، سنشعر بالحرج ، وربما سنعلن حالة القوة القاهرة للحرج المطلق، وسنجد أنفسنا شرقاً وغرباً وجنوباً مضطرين إلى الجلوس على طاولة حوارٍ حقيقية ، لا يديرها مبعوث أممي بقدر ما يفرضها منطق الوجود ذاته .
يوماً ما ، سوف نسأم من الجري كالمجانين في محاور قتال حربنا الأهلية ، وسوف ينفذ مداد البيانات العاجلة وتخفت أصوات الصراخ الزاعق ، ويصبح الرصاص كابوساً يثقب فروات رؤوسنا بلا رحمة ، ويصل العالم من حولنا إلى درجة الملل من مجرد عبورنا خبراً باهتاً على نشرات أخباره .
يوماً ما ، سنفاجأ بأن المجتمع الدولي صار يعتبرنا نوعاً من الصراصير المنقرضة منذ ألف عام ، تسربت بدون سابق انذار من بالوعة مجاري نسيها التاريخ ، وأن الأمم المتحدة صارت تفكر في أن تمنح مقعد ليبيا الشاغر لنوعٍ مثابر من الحشرات لم يكتشفه العلماء بعد .
يوماً ما ، سيقبل ذلك اليوم ، وعندها سوف نشعر برغبة حقيقية في إنهاء كل هذه المهزلة السخيفة ، وعندها ، سوف نجد أنفسنا مضطرين لتوجيه شكر عميق للسيد "المبعوث الدولي" ، ولتوديعه على باب طائرته الخاصة ، ثم التوجه بكل هدوء إلى أول صالة مناسبات متواضعة لنجلس معاً ، بدون شروط مسبقة ، ودون مطالب متبجحة ، لنصل إلى حل يرضى به الجميع ، ويتنازل من أجله الجميع ، لكننا لن نصل إلى هذا الحل دون أن نصحب معناً إلى طاولة الحوار ذلك الحل السحري الذي وجده " الوليد بن عبد الملك " منذ 1307عاماً من الآن ، أن نصحب معنا "صندوق أم البنين " ، فهل أروي لكم الآن شيئاً عن صندوق "أم البنين" و "وضاح اليمن" و "الوليد بن عبد الملك" ؟
"وضاح اليمن" ، عبد الرحمن أبو اسماعيل الخولاني ، كما تقول بيانات بطاقته الشخصية في العصر الأموي ، أيام كان حاكمه وطاغيته وولي أمره هو "الوليد بن عبد الملك" ، وما أدراك من هو "الوليد بن عبد الملك" .
وخولان حي من صنعاء لازال ذكره قائماً إلى اليوم ، وإن غاب وسط ركام القات وغبار معارك الحوثيين وأوهام علي عبدالله صالح بالعودة من جديد .
لكن "وضاح اليمن" لم يكن مجرد رجل من اليمن ، لقد كان الفتى وسيماً كآلهة الأساطير ، إلى حد أنه كان مضطراً لتغطية وجهه بقناع من قماش كما يبدو اللثام ، ولا أدري مصدر هذه الوسامة فأنا لا أرى هذه الصفة سائدة هناك ، أم أن وكالات الأنباء ونشرات الأخبار لا تنقل سوى البشاعة كما اعتدنا مؤخراً .
"وضاح اليمن" كان وسيماً كآلهة الأساطير ، ولأنه كان كذلك فقد أبى إلا عشقاً اسطورياً يليق بوسامته الخارجة عن مألوف الاعتياد ، لقد عشق الفتى " أم البنين" ، وما أدراك من هي "أم البنين" .
إنها "حبابة بنت عبد العزيز بن مروان" ، سليلة البيت الأموي العتيد ، وقد تزوجها خليفة المسلمين بعد ذلك لتصبح "السيدة الأولى" حسب المتعارف عليه في عصرنا هذا .
أحياناً يصبح من سوء التدبير أن تمد أصابعك إلى ذيول العقارب المتأهبة ، لكن "وضاح اليمن" فعل ذلك ، فما كان من السم إلا أن فعل فعله ، فهل نلوم السم هنا أم نلوم سوء التدبير ؟
في قصة "وضاح اليمن" ثمة عبرة مدسوسة ، عظة خبأها التاريخ في صندوق امرأة منذ ألف وثلاثمئة وسبع سنوات من الآن ، غير أن هذه الأمة ليست مهتمة في الغالب بالتنقيب عن صناديق النساء الفاتنات .
في قصة "وضاح اليمن" ، وصندوق "أم البنين" ، معنى لم يأت به صندوق انتخاب ، ولم يفسره سياسي أو محلل استراتيجي ، مهما تفنن الساسة في تغطية وجوههم بالأقنعة ، ليس لحجب وسامتهم كما كان يفعل وضاح اليمن ، بل لإخفاء قبحهم كما نراهم يفعلون الآن .
"وضاح اليمن" يقع في المحظور، ويتورط في علاقة غرامية مع زوجة الخليفة شخصياً ، بل ويتمادى في علاقته إلى حد اقتحام مخدعها بالتراضي ، وزيارتها هناك في غياب زوجها المشغول بهموم الحكم .
أحياناً ، حتى رأس الدولة لا يستطيع منع رجل مقنع من إغواء زوجته ، فلا شيء يمكن أن يمنع المرأة من التمادي سوى ما بداخل رأسها فقط .
يتمادى الشاعر العاشق ، زيارة ، ثم غيرها ، ثم العديد منها ، ومع تكرار الزيارات تتعاظم متعة اللقاء ، وإذا تعاظمت المتعة تضاءل العقل ، وإذا تضاءل العقل فقد ساء التدبير ، وإذا ساء التدبير ، فإن ذيول العقارب تكون دائماً قد استعدت بالسم .
تمادى العاشق في زياراته ، وفي آخرها وقع المحظور ، لقد فاجأ الخليفة زوجته بزيارة ، ربما كان جهاز مخابراته قد استفاق فجأة ، وربما كانت وشاية عابرة من جاريةٍ غيورة ، وربما كان رأي سوء من عبد مخصي يشعر بالقهر ، وربما هذا كله معاً ، لكن الذي سجله التاريخ أن الخليفة فاجأ زوجته بزيارة على حين غفلة ، بينما كانت بين ذراعي عشيقها الشاعر ، فاضطرت على عجلٍ إلى أن تخبئه داخل صندوق ثيابها الخاص ، وأن تغلق الصندوق ، ثم تجلس عليه لتتصنع دور الأنثى المدللة التي أسعدتها زيارة رب البيت بعد طول غياب .
لكن "عبد الملك بن مروان" ليس مبتدئاً ، فالرجل داهية محنك ، وإذا كان صندوق ثياب زوجته قد أصبح موضع شك بالنسبة له ، فصندوق عقله العامر لم يخل من التدبير والحكمة ، وفي أقل من لحظة حسب حسابه ، وحلل موقفه ، فكان أن استقر على رأي في غاية الدهشة والقسوة معاً .
لو أنه أرغى وأزبد ، وهاج وماج ، وأمر عبيده وحرسه بالقبض على العشيق المختلس لأصبحت الفضيحة مدوية ، وربما لم يكن في الصندوق شيء فكانت خيبة الأمل ضربة قاصمة له بين خصومه السياسيين ، إن الفارق هنا يوضح لنا المسافة بين من يأتي به صندوق انتخاب ، وبين من يجلسه على السلطة صندوق حكمة .
لقد قرر "عبد الملك بن مروان" أن يستر الفضيحة بالصمت ، وأن يدفن الأمر برمته في رحم التراب ، فإذا كانت الوشاية صحيحة فالتراب ، وإذا كانت كاذبة فهو التراب أيضاً . فماذا فعل الخليفة في تلك اللحظة ؟
لقد طلب من زوجته أن تهبه صندوق ثيابها الذي تجلس عليه ، فهو فاخر ومذهب وثمين ، وهو يريده لأنه يعشق الفاخر والمذهب والثمين .
طبعاً ، لم يكن باستطاعة الزوجة أن ترد طلباً لخليفة المسلمين ، فوافقت والحيرة تستبد بها ، وفي أقل من اللحظة ، كان الخدم ينقلون الصندوق المغلق بما فيه ويحفرون له حسب طلب الخليفة حفرةً في باطن الأرض يوارونه فيها إلى الأبد ، وسط نظرات الزوجة وذهولها ، وتحت سمع وبصر الزوج الذي لم يأت به صندوق انتخاب .
دفن "الوليد بن عبد الملك" سره في التراب ، صندوق "أم البنين" لازال إلى اليوم حبيساً في باطن الأرض ، وبه ما به من سر ، فلا "وضاح اليمن" سيبوح بشيء ، ولا "أم البنين" ستعترف في نهاية المطاف، ولا الصندوق الكتوم سيفشي سره لأحد .
هكذا هي الحكمة يا افرازات صندوق الانتخاب الرديئة ، فلو أنكم تقرأون التاريخ فقط .
لا أحد يقرأ التاريخ ، ولا أحد يغطي وجهه الآن بقناع ، ولا أحد يستشعر اليوم حرجاً من قبح أفعاله ووجهه معاً ، الكل صار فخوراً بالبشاعة ، متمادياً فيها ، لكننا سنحتاج إلى صندوق أم البنين حتماً إذا ما قررنا أن نجلس على طاولة حوار حقيقية ذات يوم .
إنه الحل السحري لأزمتنا هذه أيها السادة ، فلا مناص من الاعتراف الآن بأننا تورطنا جميعاً في الخطأ ، وأننا ارتكبنا الموبقات شرقاً وغرباً ، وأننا أخطأنا الهدف في كل مرة ، وأننا أضعنا بوصلة الاتجاه الصحيح ، وأننا أعدنا انتاج مفردات كل الأنظمة البشعة التي مرت على بلادنا منذ أيام التحنو والمشواش إلى هذه اللحظة .
لا مفر من الاعتراف بأننا أحرقنا الوطن بأفعالنا ، وأن لا أحد منا بريء من أفعاله ، وأن الحل الوحيد الآن هو أن ندفن كل هذا القبح في صندوق محكم ، وأن ندفنه في باطن الأرض وأن نبدأ من جديد .
أليس رائعاً أن نقرأ التاريخ من آنٍ لآخر ؟ وأليست رائعة حكمة الصناديق أحياناً ؟



#الصديق_بودوارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديمقراطية البيرو العربية
- مقبرة براغ وشواهد قبورنا
- ويمينها مشغولة بعناقِ
- تأويل ما نحن فيه
- جوزف بلاتير وابن الرومي
- ليبيا وأسماء المرقش
- المُغتسلة
- شيطان أبوهم يبقى إيه
- يد .. في وجه الوطن
- ميم
- مأزق الحوثيين
- لعبة شارلي ابيدو
- مجلس أمن الجثث
- القداسة .. بذيل قرد
- الدم الرخيص .. جداًً !!
- سوق متعة الكذب !!
- مطلوب غاندي .. ليبي !
- متاهة الحقائق الضائعة
- ثورة صباحي أم دولة السيسي ؟!!
- أحزان الولاية الرابعة


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الصديق بودوارة - صندوق -أم البنين- الليبي