أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - في تفسير أزعومة الثوابت















المزيد.....

في تفسير أزعومة الثوابت


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1441 - 2006 / 1 / 25 - 09:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ارتبط العناد، والتشبث بالمواقف، والعنجهية الفارغة، في مراحل بدائية في المجتمعات الأبوية المغلقة والمتسلطة التي يبنى فيها القرار على الأحادية، والتفرد بالقرار البعيد كليا عن الواقعية، والدراسة العميقة والفهم الموضوعي للواقع، التي كان من نتائجها المباشرة، وبشكل دائم الخسارة والسير نحو الهاويات، ارتبط كل ذاك بالعقلية الفردية والمائلة دائما نحو الجنوح المفرط بالإصرار على صوابية الموقف والقرار التي لا تقبل الجدال، وتحت ذرائعية التميز النرجسي، ويباس الرأس الأرعن بالرغم من كل التداعيات المأساوية الظاهرة في المكان. و كان ذلك دوما ملازما ونتاجا لتلك الشخصية المستبدة الطاغية التي لا تقيم وزنا واعتبارا للآخر ومهما كان. وفي الوقت الحاضر، أخذ هذا السلوك مفهوما جديدا، وأصبح متداولا بكثرة، وتبريريا لكل حالات الشلل والتقوقع وانعدام الحراك الكلي بكل تفرعاته، وهو ما اصطلح على تسميته لاحقا، بمبدأ الثوابت.

وكثيرا ما يردد الإعلام الرسمي، الآن، هنا وهناك، لازمة الثوابت القومية والوطنية، في معرض تفسيره لحالة العجز عن الخروج من نطاق النمطية البدائية، التي وجد نفسه فيها ولم يبارحها على الإطلاق إلا في الخطب والبيانات، أو مواكبة المتغيرات التي تعصف بالعالم في كل مكان، والتشبث بوضعية التباطؤ، والتمنع عن الاستجابة لاستحقاقات باتت في حكم البديهيات والمنسيات في مجتمعات ليست ببعيدة جدا. وفي الواقع، لن تعد تفي هذه الاستحقاقات، لو جاد بها الأكارم في هذه اللحظة بالذات، بالاحتياجات المتنامية يوميا، أو حتى إذا ما قورنت بما حققته شعوب أخرى سبقناها في زمن الانطلاق بنفس المضمار. و اكتسبت هذه الكلمة معان رمزية ممعنة بالسلبية، على العكس تماما مما كان مقصودا ومتوخى منها، وهي طرحت وتطرح بهذا الشكل لاستثارة الهمم، والنخوة، وإيقاظ الضمائر، وتأجيج المشاعر الوطنية في حالة التعبئة العامة المعلنة هذه الأيام.

وفي الواقع فقد أصبحت لازمة الثوابت تشكل كابوسا يقض مضاجع الوطنيين والديمقراطيين، بشكل جدي وخطير، وينظرون إليها بنوع من الريبة، أينما ورد ذكرها، حتى ولو في معرض الحديث عن ثبات وتثبيت الأسعار. و كلما تطرق لها أي من المتحدثين الرسميين، صار ينظر على أنه تنكر لأي وعد بالتغيير والإصلاح. و صارت تشكل عامل تيئيس وإحباط للغالبية المتطلعة لإحداث أي نوع من التطوير. وارتبطت هذه الثوابت اللغز بشكل عام مع تشدد عام في الداخل، واتجاه حثيث على الصعيد الخارجي لنيل شهادة حسن السلوك من هذا الطرف أو ذاك. وكلما اشتد الخطر والتهديد، وتلكأت و تعثرت السياسات، كلما ازدادت الحاجة للتذكير بالتمسك بالثوابت الوطنية والقومية. وأن أي حديث عن أي ثابت من الثوابت يعني دخولا جديدا في نفق مظلم من الويل والآلام والعذاب والصعاب. كما أصبحت أزعومة الثوابت الثورية الأسطورية سبيلا ديماغوجيا ومنفذا فضفاضا للتهرب من الكثير من التساؤلات، والاستحقاقات، والوفاء بالالتزامات إن على الصعيد المحلي أو على الصعيد الخارجي. وأصبح معنى هذه الثوابت في ذهن الكثيرين هو استمرار سياسات البطش و الإقصاء والتعسف والإلغاء، والفساد والاستبداد، والقمع اللامحدود، وشخصنة الأوطان، ودوام تطبيق قوانين الطوارئ، والأحكام العرفية التي يتعرض لها المواطن في كل مكان تصل إليه سطوة، وجبروت أصحاب الثوابت.

ولقد صدّع الإعلام الثابت رؤوس مواطنيه الثابتين على ظروف القهر والظلم والشقاء، بهذه اللوازم بدون أن يكلف أحد ما نفسه عناء شرحها وتفسيرها للمواطنين وتبيان ماهية هذه الثوابت وجوهرها وتحليل أبعادها ومضموناتها الفعلية، وماذا تعني لكل من المواطن والمسئول على حد سواء، وماذا جلبت في النهاية من نفع للبلاد. وارتبط معناها في أذهان الكثيرين بأنها العدو اللدود للتغيير والإصلاح، وصارت عصاة مسلطة على رؤوس العباد يمارسه أي مسئول حين يريد التلويح بأي نوع من العقوبات الجماعية والتهديد، والانتقام.

ولو تم تحري المعاني الحقيقية التي خلفها الترويج الممجوج، والفج لهذا المفهوم الغامض على أرض الواقع لجاء الرد صاعقا ومعاكسا بكل المقاييس، وبأن أحد تفسيراته المؤلمة، ومعانيه الواقعية هي الديكتاتورية والاستبداد المنفلت واللامحدود، واستمرار سياسات التعنت والانتحار، واستشراء الفساد، ونشر البؤس والإفقار، وإطلاق يد الشبيحة وقطاع الطرق، والمافيات، وتفعيل كل الممارسات القمعية والأمنية، والاستفشار في وجه أية مطالبات شعبية لرفع نير الطغيان عن كاهل ورقاب الناس، والتنكر لأبسط الحقوق والواجبات، وتوليف، و"تظبيط" كل تلك الظروف التي تضمن إنتاج حالة الخوف والرهاب العام، ومحاولة الإبقاء على الأوضاع الراهنة، بشكلها العجيز الجامد، أطول فترة ممكنة، وإضعاف مكامن القوة، وأسباب تقدم ونمو المجتمعات، ونزع قدرات التحرك والمبادرة المجتمعية، وتثبيط الهمم، وشل الحراك الاجتماعي والسياسي، ووضع المجتمع برمته في قبضة أفراد لا يقيمون أي وزن واعتبار للقيم الحضارية والمبادئ والأخلاق التي تسهم في دفع المجتمعات قدما نحو الأمام، وإفراغ المجتمعات من أية معان إنسانية، ومنع أية محاولة لخلق فهم أو وعي علمي وموضوعي لهمومها ومشكلاتها الحقيقية.

ولو كانت هذه الثوابت التي تتغنى بها وسائل الإعلام صباح مساء، قد أنتجت حالة عامة إيجابية، وتجسدت، يوما ما، وبأي شكل كان، على الأرض رفاها اقتصاديا مثلا، أو تطويرا سياسيا، أو تفاعلا اجتماعيا خلاقا ومثمرا، ولو كانت تشير إلى ممارسات حضارية، وأنجزت نظما حديثة تراعي الحريات الفردية وتحترم حقوق الإنسان، وأقامت دولة النظام والقانون، تعنى وتلتزم بتداول سلمي للسلطات، ووجود انتخابات نزيهة ومباشرة، وبرلمان مستقل، وتكريس حرية التعبير والصحافة الحرة، لكان الموقف العام منها، ولا شك مختلف عما هو عليه الآن، ولأصبحت تفسيراتها الفورية في الذهنية العامة موضع تقدير واحترام بأكثر بكثير مما هو عليه الآن، ولدافع الناس عنها بالنواجذ والأنياب، وزال حتما ذاك الشعور السلبي منها المقترن بالتوجس، والريبة، والعُصاب.

ولكن لطالما ارتبطت بكل تلك المعايير السوداء، والممارسات المقززة النكراء، فإنها لن تحظى، في الواقع، سوى بالنفور، والاستهجان، والاستنكار.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعلان مناقصة لتوريد معارضين
- لغز الدكتورعارف دليلة
- حكم النسوان
- نحو استراتيجية أمنية جديدة
- سيمفونية في البرلمان
- يوم المزبلة الوطني
- خدام في المنطقة الحمراء
- بأية فضيحة عدت يا عيد
- سامحكم الله أيها الرفاق
- مقالب خدّام
- نكتة الموسم الشامية
- حرب المزابل والنفايات السياسية
- المنشق السوري الكبير
- تعقيبا على تعقيب
- مرايا السوريين
- البرلمان العربي: سراب السراب
- شجرة الحرية
- الحجاج نويل
- الأجندة العربية والأجندة الأمريكية
- صلوات لاستسقاء الديمقراطية


المزيد.....




- قطر.. حمد بن جاسم ينشر صورة أرشيفية للأمير مع رئيس إيران الأ ...
- ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟
- ملف الذاكرة بين فرنسا والجزائر: بين -غياب الجرأة- و-رفض تقدي ...
- -دور السعودية باقتحام مصر خط بارليف في حرب 1973-.. تفاعل بال ...
- مراسلتنا: مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في بلدة بافليه جنوبي ...
- حرب غزة| قصف متواصل وبايدن يحذر: -لن نقدم أسلحة جديدة لإسرائ ...
- بايدن يحذر تل أبيب.. أمريكا ستتوقف عن تزويد إسرائيل بالأسلح ...
- كيف ردت كيم كارداشيان على متظاهرة هتفت -الحرية لفلسطين-؟
- -المشي في المتاهة-: نشاط قديم يساعد في الحد من التوتر والقلق ...
- غزةـ صدى الاحتجاجات يتجاوز الجامعات الأمريكية في عام انتخابي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - في تفسير أزعومة الثوابت