أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (9)*















المزيد.....

فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (9)*


محمود الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 5451 - 2017 / 3 / 5 - 03:02
المحور: الادب والفن
    


(9)
لا أدري فكرة من، في الأصل، كانت توزيع القوات على الدول السبع التي اتُفِق عليها. أنا أستبعد أن تكون خياراً فلسطينياً خالصاً ومفضّلاً، لأن قيادتنا العسكرية قيادة محترفة ولا أشك في قدرتها على استنتاج نتائجها قبل حصولها. فهل كانت "الخيار الوحيد" المطروح وشرطاً أميركياً-اسرائياً، أم اشتراطاً من الدول المضيفة بأن تستقبل أعداداً محدودة فقط على أراضيها وحظي الإشتراط بمباركة أميركية-اسرائيلية وتمّ فرضه على ،القيادة الفلسطينية. لأن الغاية من توزيع ما يعادل، أو يفوق، ثلاثة ألوية من المقاتلين (عدا اللواء السوري الذي عاد الى موطنه) الى سبع كتائب (كتيبة، أو نحو ذلك، في كل بلد) هي إضعاف قدرة الفدائيين القتالية، بحيث يسهل احتواؤهم عندما تقتضي الضرورة ذلك. وبمعزل عن هذا الإفترض، فإن بعثرة المقاتلين ووضعهم في معسكرات (أو مخيمات) مجرّدين من السلاح وبلا عمل، وفي حالات بلا رواتب، وبلا عائلاتهم، ستفقدهم معنوياتهم، وتصيبهم بالإحباط، وقد تنفتح لهم سبل الإنحراف، فيتحولون، بمرور الزمن، من "ضرورة نضالية" الى "عالة مجتمعية" لا رجاء منها. ويؤول كل ذلك الى اسقاط عنصر الكفاح المسلّح ونهاية الثورة.
لم تعد الفاكهاني والطريق الجديدة كما كانتا قبل الرحيل. الوجوه الكثيرة المألوفة التي كنت أعرف أصحابها، ويعرفونني، عن ظهر قلب غابت عن مسرح حياتي، وجاءت بعض الوجوه الجديدة.
وفتح "مقهى أم نبيل" على رصيف الطريق الجديدة، الذي كان مصدر ،رزقه من جيوب "عواطليّة" الثورة الذين لا يبارحونه طول النهار، بابه مجدداً، لكن بالكاد أرى فيه غير صاحبته تدور بين الطاولات الخالية، بعد أن غادره زبائنه القدامى ل"يناضلوا" من مقاهي الشتات الجديد. فعلى الرغم من إجلاء المقاتلين الفلسطينيين وتوقف الإغارات الجوية والقصف البري والبحري، بقي الوضع في بيروت الغربية على قدر من التوتر، وما زالت تسمع على محاور الجبهة طقطقات الإشتباكات بين مقاتلي الحركة الوطنية اللبتاتية والقوات الإسرائيلية.
كما عاد الى العمل، في شارع عفيف الطيبي، محل "حلويات أبو علي" الذي كان محلّه يزدحم عادة بزبائنه الفلسطينيين، صار صاحبه أبو علي، في الوضع المستجد، يقضي الوقت متكئاً على "كاونتر الكاشير" بانتظار زبون ما يدخل. أمّا بائع اليانصيب، فلم يظهر على الرصيف المقابل بعد. كان قبل الحصار قلّما يغيب ، ويظل يلوّح بأوراق اليانصيب وصوته يلعلع في الزحام: "نصّ مليون !"
في صباح 15 أيلول (سبتمبر) 1982، قبل شروق الشمس، كنت وزوجتي على الشرفة نحتسي القهوة وندخّن، ففوجئنا بالدبابات الإسرائيلية تتقدم من مستديرة السفارة الكويتية بمحاذاة المدينة الرياضية لتتجه نحو مستديرة الكولا. تركنا القهوة على الشرفة، وقلت لزوجتي:
- إنهم يجتاحون بيروت! أيقظي البنت وهيّا نغادر الفاكهاني فوراً، فالكل يعرفنا هنا.
وفي دقائق قليلة كنّا في السيارة، نغادر المنطقة الى الرملة البيضاء من أمام مقر "المرابطون"، فكورتيش المزرعة، قبيل التفاف الدبابات الى الطريق الجديدة ودخول الفاكهاني.
كانت الدبابات الإسرائيلية ضمن اجتياح شامل من خمسة محاور هي، بالإضافة الى محور مستديرة شاتيلا - السفارة الكويتية - المدينة ،الرياضية - الكولا - الفاكهاني، طريق المطار - ساحة الغبيري الأوزاعي - الجناح - الرملة البيضاء - سبينيس - مار الياس باتجاه كورنيش المزرعة، المتحف - البربير وتمركزت الآليات قرب مستشفى البربير، المرفأ - فتّال - ميناء الخشب - الحاج داوود .والنورماندي
وعلى اللرغم من تصدي الحركة الوطنية لها، تمكنت الآليات الإسرائيلية من مواصلة تقدمها في عمق المدينة وبسط سيطرتها الكاملة، فأمست بيروت بشطريها تحت الإحتلال. وبذلك أُلغي "خط التماس" تلقائياً، ولم يعد ثمّة وجود للحواجز المتقابلة، وتحوّلت المدينة برمّتها الى أرض مستباحة من قبل الفريق الأقوى.
قضيت النهار في ضيافة قريب زوجتي، خليل. ومن عنده كنت أشاهد الآليات الإسرائيلية تعبر الشوارع أو تتوقف في نقاط معينة. بتُّ ليلتي تلك في الشقة ذاتها التي أقمت فيها من قبل ويدي على قلبي خشية من أن يداهموا البناية ليلاً. ولمّا طلع النهار بسلام، شربنا القهوة، وقلت لخليل إننا سنترك بيروت الغربية مؤقتاً الى أن يستقر الوضع على نحوما. فلا شك في أنهم . سيقومون بحملة مداهمة اليوم أو غداً.
:سألني
إلى أين أنت ذاهب؟ -
:أجبت
- أعود الى الجبل، الى الفساقين.
- الحال واحدة: هناك قوات اسرائيلية، وهنا قوات اسرائيلية.
- لا، الحال تختلف. هناك قرية لبنانية درزية، أهلها من عائلات تعرف بعضها، ولا يعرفون عنّي أكثر من أني لبناني أصطاف عندهم. هنا مدينة كبيرة، ترسانة أسلحة ويختلط فيها الحابل بالنابل: فيها مخيمات فلسطينية، والفاكهاني، والطريق الجديدة. وفيها أحزاب وميليشيات الحركة الوطنية. هناك ربما داهموا وانتهى الأمر. هنا المداهمة .حتمية للإعتقالات، ولمصادرة السلاح من المخازن والمنازل، وسيطول أمدها.
وشكرته على حسن استقباله لنا، ووعدته بأن ألتقيه إذا سمحت الظروف. وركبنا السيارة وانعطفت الى الأوزاعي.
كانت طريق الأوزاعي سالكة للسيارات المدنية باتجاه الجنوب والجبل وبالعكس. وكانت، أيضاً، تعجّ بالآليات العسكرية التي تتقدم الي بيروت عبر مثلث خلدة الذي فتح على وسعه لمرور الدبابات. ولمّا وصلته أخذت طريق الجبل الى عرمون، وتابعت الى الفساقين دون أن يوقفني أحد.
وكنت مصيباً في اعتقادي. فبعد ظهر اليوم نفسه (الخميس، 1982/9/16) داهمت قوات الإحتلال مناطق التواجد الفلسطيني وعاثت فيها خراباً، واعتقلت، حسب وكالات الأنباء، أكثر من ألف شخص من مخيمي صبرا وشاتيلا. وأباحت للميليشيا المسيحية، التي دخلت معها الى الشطر الغربي، وقيل انها بقيادة إيلي حبيقة، بارتكاب مجزرة في المخيمين استمرت حتى صباح السبت (1982/9/18) وراح ضحيتها، حسب التقديرات، ما يزيد على 1400 شخص من الفلسطينيين واللبنانيين، واستخدمت في المجزرة البلطات والخناجر والقنابل اليدوية والرصاص. وقال شهود فرّوا من المخيمين إن القتلة أبادوا في طريقهم كلّ مخلوق حيّ، حتى الكلاب والقطط والدجاج.
وشملت عمليات الدهم والتفتيش، أيضاً، جميع الأحياء اللبنانية في المدينة، وأعتقل خلالها أكثر من 1500 شخص، وصودرت من منازلها كميات كبيرة من الأسلحة.
________________________
* التواريخ والأرقام تمّ اعتمادها من "لبنان 1982: يوميات الغزو الإسرائيلي، وثائق وصور"، المركز العربي للمعلومات، توزيع دار الأندلس، بيروت، لبنان، 1982.

(يتبع)



#محمود_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (8)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (7)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (6)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة (5)*
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (4)
- فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (3)
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعيّة بحلقات (2)
- فضاء لطيور الموْت - قصّة واقعية بحلقات (1)
- في حالة ما
- النكبة 68
- على شُرفة حلم
- يوم الأرض (حكاية فلسطينيّة)
- الضحيّة
- ... ليس كأيّ صيف (أقصوصة)
- من ذاكرة الحرب (أقصوصة)
- حزن طويل الأجل (أقصوصة)
- في الطريق الى جانيس (قصة قصسرة)
- ليلة -محور المتحف-
- الرهان
- يا وطني هل أنت بلاد الأعداء؟


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود الخطيب - فضاء لطيور الموت - قصّة واقعيّة بحلقات (9)*