أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الغني سلامه - حماس، وقبائل الزولو















المزيد.....

حماس، وقبائل الزولو


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 5447 - 2017 / 3 / 1 - 12:11
المحور: القضية الفلسطينية
    


كان العام 1989 عام التحولات الدولية، الذي أسس لبداية نظام دولي جديد، في هذا العام اختير "دوكليرك" رئيسا لحكومة جنوب إفريقيا العنصرية. وكانت حكومته آنذاك تئن تحت وطأة الضغوطات الدولية؛ فبادر لاتخاذ بعض الإصلاحات السياسية، ورفع الحظر عن حزب "المؤتمر الوطني الإفريقي"، وأطلق سراح بعض السجناء السياسيين ومنهم "نيلسون مانديلا"، ثم شرع بحوار مع أحزاب المعارضة حول مستقبل البلاد. وخلال سنتين اشتدت عليه الضغوطات، فلم يكن أمامه مفر من إلغاء بعض قوانين الفصل العنصري. والإعلان عن نيته تكوين حكومة متعددة الأعراق، وعن حق جميع المواطنين في التصويت.

ولكن، وباعتراف "مانديلا"، لم يكن "دوكليرك" حتى ذلك التاريخ جادا وصادقا في نيته إلغاء نظام الفصل العنصري، بل كان براغماتيا، يماطل ويراوغ لكسب الوقت والتكيف مع الظروف الدولية والمحلية الجديدة، والالتفاف على الإرادة الشعبية. وربما كان في ذهنه أن الإصلاحات التي يقوم بها ستكون كافية لتخفيف العقوبات الدولية المفروضة على حكومته، وكافية لإخراجها من عزلتها؛ فكان يحاول إيجاد مقترحات - اعتبرها تنازلات جوهرية - الهدف منها الخروج بأقل الخسائر، والاحتفاظ بالسلطة لأطول مدى ممكن، وإبقائها في أيدي الأفريكان تحت أي إدارة جديدة؛ ولم يكن مستعدا لإنهاء حكم البيض.

وعندما تعمقت عزلته، واشتدت العقوبات والضغوطات الدولية على حكومته، اضطر "دوكليرك" للبدء بالمفاوضات، ولكن حكومته كانت تهيئ الظروف لاندلاع حرب أهلية بين السود، بغية تفتيت جبهة الخصوم، والحيلولة دون قيام دولة واحدة تحكمها الأغلبية، وذلك من خلال إظهار عجز السود عن إقامة دولة حديثة، وإبراز تخلفهم وتعطشهم للقتل، وسفكهم لدماء بعضهم البعض.

من أجل ذلك، سعت حكومته لإضعاف حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، وتشكيل حلف معادي له؛ فدعمت حزب "إنكاثا"، وساندت زعيمه "بوتيليزي" للاحتفاظ بقوة الزولو، وهويتهم الإثنية ومكتسباتهم في إطار نظام الحكم الاتحادي الفدرالي، كبديل عن الدولة الواحدة.
ومن الجدير بالذكر أن أغلبية أعضاء حزب "إنكاثا" من قبائل الزولو، أما "بوتوليزي"، فهو من أحفاد ملك الزولو العظيم، الذي كان رغم معارضته لنظام الفصل العنصري، يعارض النضال المسلح، ويرفض فكرة قيام دولة واحدة في جنوب إفريقيا، حتى إنه قاد حملة ضد العقوبات الدولية المفروضة على بريتوريا.

ومع مطلع العام 1990، بدأ مسلحو "إنكاثا" حربهم ضد المؤتمر الوطني الإفريقي؛ فأضرموا النيران في قرى كاملة، وقتلوا المئات وشردوا الآلاف، وتكررت التفجيرات والمذابح الجماعية، وصارت البلاد بأسرها على شفير حرب أهلية. وقد تجاوز عدد الضحايا في عام 1990 لوحده ألفان وخمسمائة قتيل. ولم تجدي توسلات ومناشدات "مانديلا" الجماهير الغاضبة وقف الاقتتال، فكان واضحا أن "إنكاثا" ماضٍ في حربه دون رحمة، وأن هذه الحرب وأعمال التخريب كانت تتصاعد كلما اقتربت الحكومة وحزب المؤتمر من التوصل لاتفاق. وكانت كل هذه الأعمال تحدث على مرأى ومسمع الشرطة، دون أن تتدخل، بل أنه تبين أن الأسلحة التي كان يستخدمها مقاتلو "إنكاثا" أعطيت لهم من قِبَل السلطات، وأن الشرطة ومتطرفون من الحزب الحاكم كانوا يمولون "إنكاثا" سرا. حتى أن الحكومة أصدرت قانونا يسمح للزولو بحمل ما يسمى "أسلحة تقليدية" في الاجتماعات العامة، وهذه الأسلحة هي الرماح والعصي والحراب، وهي نفسها التي كان يقتل بها أنصار "إنكاثا" ضحاياهم.

وفي تلك الأجواء الساخنة تدهورت أوضاع البلاد إلى مستوى خطير، وكاد حلم السود بالحرية أن ينتهي، وكان المتعصبون من الحزب الحاكم ومن الزولو يفضلون أن تنحدر البلاد بأسرها نحو حرب أهلية على أن تنتقل السلطة ليد حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بالوسائل السلمية.
وبالرغم من كل تلك الأعمال المروعة، ومن عدد الضحايا المرتفع، ومن حملة الانتقادات الداخلية العنيفة؛ إلا أن "مانديلا" رفض الانجرار إلى الحرب، ومنع أنصاره من الرد، وظل محتفظا باستراتيجة المفاوضات والسلام، إلى أن انتصر وحقق حلم شعبه بالحرية.

المهم من هذا المثال، هو فهم عقلية الأعداء في تفتيت الجبهة الوطنية الداخلية، بإحداث وتعزيز الانقسام، وتغذية الصراعات الداخلية..

بمقاربة هذا المثال مع الحالة الفلسطينية، سنجد أن "حماس" مارست بشكل أو بآخر دورا شبيها بالدور الذي مارسه حزب "إنكاثا"؛ انطلاقتها في بدء الانتفاضة الأولى جاءت كما لو أنها لمواجهة القيادة الوطنية الموحدة، والتشويش على منظمة التحرير، وإضعاف تمثيلها للشعب الفلسطيني، فعالياتها النضالية كانت مختلفة بتوجهاتها وأولوياتها وأيام إضرابها، الأمر الذي أضر بالإجماع الشعبي وأنهك الانتفاضة.. وعند بدء العملية السلمية بدأت تمارس تكتيكات كفاحية جديدة، ولأول مرة، وهي العمليات التفجيرية الانتحارية، وكانت هذه العمليات تأتي على إيقاع العملية السياسية بين المنظمة وإسرائيل، وتتصاعد كلما اقترب الجانبان من التوصل لاتفاق، حتى بدا كما لو أن الهدف منها إحراج السلطة، وإرباكها.. والغريب أن هذاه العمليات توقفت كليا بمجرد دخول حماس في العملية السياسية بدءا من العام 2004، وأخيرا استئثارها وتفردها بحكم غزة، وإصرارها على إبقاء الانقسام، وإفشالها كل جهود المصالحة بذرائع وحجج مختلفة..

الانقسام، لا يضعف السلطة وحسب، بل ويضر بالقضية الفلسطينية، وبسمعتها، وبقوتها الأخلاقية، ويعطل أية إمكانية للتوصل لأي حل..

صحيح أن إسرائيل لم تتعرض لعزلة وعقوبات دولية كما حدث لحكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، لكنها تعاني من أزمة إستراتيجية تستوجب منها إيجاد حل، وعانت في السنوات الأخيرة من حملة انتقادات دولية ومن عزلة غير مسبوقة، كما أن المجتمع الدولي طرح حلولا ومبادرات عديدة.. حتى لو كانت هذه الحلول لا ترق إلى مستوى الطموح، وحتى لو كانت الانتقادات الموجهة لإسرائيل ليست بالمستوى والفعالية المطلوبة.. إلا أن هذا لا يعفي الجانب الفلسطيني من مسؤوليته عن كل ذلك، بسبب ضعفه وانقسامه..

بمعنى أن الانقسام وضعف الجبهة الداخلية أحد أهم أسباب تمادي إسرائيل، وضعف الضغوطات الدولية عليها، إذ أن إسرائيل تتذرع بأن القيادة الفلسطينية لا تمثل كل الشعب، وليس لديها سيطرة على القطاع... بل أن هذا الوضع يشجع على طرح مشاريع تثبيت دويلة غزة على حساب الحل الشامل.

حماس استفردت بغزة، وحولتها إلى جيب بائس بلا أية فرصة للحياة، وفتح أيضا بترهلها وضعفها وتراجعها تتحمل مسؤولية هذا الخراب.. ببساطة لقد فتكنا بأيدينا بمشروعنا..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقدس عند نقابة الفنانين الأردنيين
- ماذا يعني حل الدولة الواحدة؟
- إدارة التوحش.. وبرنامج داعش العملي
- المسيحية الصهيونية
- مؤامرات شيطانية
- هجوم على الشيعة
- مظاهر الأبارتهايد في السياسات الإسرائيلية - دراسة بحثية
- عن التغير المناخي، مرة أخرى
- لنرحم الطفولة
- صور من التخلف التعليمي
- داعش، مرت من هنا
- رحلة الحياة .. البدايات، والنهايات..
- الموصل.. المعركة الأشرس والأخطر
- المرأة والرجل.. ورد الاعتبار
- المجاهدون الأجانب
- هيلاري، الحرب والأنوثة
- حقيقة داعش
- تسع سنوات من حكم حماس
- موجات متواصلة من العنف الطائفي
- تاريخنا المؤدب


المزيد.....




- السعودية الأولى عربيا والخامسة عالميا في الإنفاق العسكري لعا ...
- بنوك صينية -تدعم- روسيا بحرب أوكرانيا.. ماذا ستفعل واشنطن؟
- إردوغان يصف نتنياهو بـ-هتلر العصر- ويتوعد بمحاسبته
- هل قضت إسرائيل على حماس؟ بعد 200 يوم من الحرب أبو عبيدة يردّ ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل عضوين في حزب الله واعتراض هجومين
- باتروشيف يبحث مع رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية الوضع ...
- قطر: مكتب حماس باق في الدوحة طالما كان -مفيدا وإيجابيا- للوس ...
- Lava تدخل عالم الساعات الذكية
- -ICAN-: الناتو سينتهك المعاهدات الدولية حال نشر أسلحة نووية ...
- قتلى وجرحى بغارة إسرائيلية استهدفت منزلا في بلدة حانين جنوب ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - عبد الغني سلامه - حماس، وقبائل الزولو