أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال














المزيد.....

الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 5432 - 2017 / 2 / 14 - 09:29
المحور: الادب والفن
    


الأمطار، كانت ما تني ترقّش المساء بلمعانها وكما لو أنها تولّت عبء وظيفة القمر. في اللهجة الدارجة، يدعون المطر بـ " الشتاء ". الطريف، أنّ الحشائش في هذه اللهجة توسَمُ بـ " الربيع ". لكأنما السنة في المغرب قد أختصرت إلى فصلين، حَسْب؛ الصيف والخريف.
قالت امرأتي، مستهلّةً إعترافاتها وهيَ ترفع اللحاف إلى أسفل ذقنها المستدق الموشوم بما يُشبه علامة الصليب: " أحبّ الغيث، ولكنني أكره الشتاء. الغيث يذكّرني بالعيد الكبير، الذي تصادفَ حضوره في طفولتي في مثل هذه الأيام من العام. كنا آنذاك ما نفتئ نقيم في مدينة الصويرة، وكانت دروب الأزقة مغمورة بموجات من الأطفال والفتية، المحتفلين بليلة العيد. البعض منهم كان يضرب على الطبول والدفوف ايقاعاتٍ مصاحبة للأهازيج، فيما آخرون يدفعون أمامهم خراف الأضاحي المجلوبة من منازلهم. شاءت والدتي تركَ شقيقي في البيت برعاية أبيه، محتجّة بكونها عاجزة عن اصطحاب ولدين للسوق في مثل ذلك اليوم المزدحم.
" كان منزلنا يقع على طرف المدينة، في الطريق المؤدية إلى ضاحية الغزوة. وكنا نملك أيضاً أرضاً زراعية، تنتهي حدودها على طرف الوادي الكبير. الجهة الأخرى من الأرض، كانت ملاصقة لمزرعة رسام فرنسيّ؛ هوَ المسيو جاك. ثمة، كان الرجل يعيش حياة كبار الملاكين، موزعاً وقت نهاره بين الرسم والصيد والإعتناء بالورود. والدتي كانت إذاك تخدم لدى المسيو، مقدّمة العون لإمرأته سواء بالطهي أو تدبير شؤون الفيللا. مدام هيلين، وكانت كاتبة معروفة، لم تكن في المغرب في ذلك اليوم المعيّد. إذ أعتادت قضاءَ عطلة الميلاد ورأس السنة في مسقط رأسها، هناك في نيويورك. يقال، أنها كانت يهودية. إلا أنّ أحداً ممن عرفها، لم يلحظ أيّ اهتمامٍ لديها بالدين وطقوسه. وكان ذلك حال زوجها، في واقع الحال، وبصرف النظر عن افتخاره بكاثوليكيته. أجل، كان المسيو بانتظارنا يومئذٍ في سيارته مع حلول الغروب. طلبَ من والدني أن تقود السيارة، ثم أنتقل إلى المقعد الخلفيّ ليجلس بقربي. كان شغوفاً بي للغاية، ينفحني بين حين وآخر بالهدايا أو بقطع نقدية صغيرة. من ناحيتي، كنتُ منذ ذلك الزمن المبكر أشعر بالشفقة تجاه أخي الوحيد، الذي كان يكبرني بنحو ثلاثة أعوام. فإنّ أبيه من البخل، أنه لم يكن يشتري له حتى ملابس مناسبة. كنتُ أحاول تقاسم هداياي مع أخي، ولكنه كان يرميها قائلاً بجفاء " هذه ألعاب للبنات... ".
توقف " الشريفة " عن الكلام، وقد بدا التأثر على صفحة سحنتها. كنتُ على علم، بطبيعة الحال، أنّ أخاها قد قضى في حادث دراجة نارية وكان فتىً مراهقاً بعدُ. لكي أحثّ المرأة الملولة على مواصلة سرد ذكرياتها، فإنني أبديتُ ملاحظة عابرة عن فارق العمر الشاسع بينها وبين " ميمو " الصغير. رفعت رأسها قليلاً عن الوسادة، محدّقة فيّ بنظرة ملية قبل أن ترد ببطء: " أظن أنك تعرف مسبقاً جوابَ ما تسأل عنه، كونك قرأت مذكرات شقيقتك؟ "
" إنك تعتقدين إأذاً، أنّ شيرين كانت تحيط بكلّ شيء عن حياتك؟ "
" بلى. لأنها كانت تمتلك نسخة عن مذكرات قرينها، مسيو غوستاف. لقد قدّر لي أن أرى اتفاقاً دفترَ المذكرات، آنَ كنتُ أخدم لديها في الرياض.. "
" أظن أنك عمدتِ إلى قراءة مذكرات المسيو، بما أنك تجيدين اللغة الفرنسية. أليس كذلك؟ "
" لا، لم أفعل ذلك. ولكنني أستللتُ تلك المذكرات من مكانها في درجٍ سريّ بمكتب شقيقتك، على أثر أعتقالها... "
" وماذا فعلتِ بالمذكرات؟ "
" أحرقتها..! "، أجابتني وكانت لا ترين متعلّقة بعينيّ نظرةُ الأفعى المسمومة.
يجدر بالذكر، أنني لم أكن حينئذٍ قد علمتُ من " سوسن خانم " بحقيقة احتفاظها بنسخة مصوّرة عن مذكرات " مسيو غوستاف ". فلما أعترفت لي " الشريفة " بفعلتها الشائنة، فإنني تكلّفتُ حالاً مظهراً لا مبالياً. إذ كان في خطتي، أن أوحي للمرأة الماكرة بكون مذكرات شقيقتي تضمّ معلومات مفصّلة مستقاة من مثيلتها تلك. في الأثناء، كان فكري مشغولاً بمسألة أخرى: أكان " مسيو جاك " مقرباً لهذه الدرجة إلى مواطنه الراحل، حدّ أن يبث له أسرارَ حياته الخاصّة؟ فلو كان الأمرُ كذلك، لماذا لم يرد ذكر " مسيو جاك " في مخطوطة شقيقتي مرة قط؟ المخطوطة، كانت أساساً غير مرقمة؛ فهل أن محامي شقيقتي قد عمدَ بدَوره إلى استلال صفحات معينة بغية الاستفادة منها لغرضٍ ما؟ وأقولُ " بدَوره "، ولا أعني ما فعلته امرأتي تحديداً!



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 3
- سيرَة أُخرى 47
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الخاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الثاء
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 3
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 التاء
- سيرَة أُخرى 46
- سيرَة أُخرى 45
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 3
- سيرَة أُخرى 44
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين 2
- الفردوسُ الخلفيّ: الجزء 2 الشين
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 3
- سيرَة أُخرى 43
- الجزء الثاني من الرواية: الراء 2
- الجزء الثاني من الرواية: الراء


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الفردوسُ الخلفيّ: الجزء الثاني الذال