أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - الحب في زمن المربعات .. قصة قصيرة














المزيد.....

الحب في زمن المربعات .. قصة قصيرة


يعقوب زامل الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 5431 - 2017 / 2 / 13 - 18:37
المحور: الادب والفن
    


ما كنت بلغت عتبة باب غرفتي، عندما فكرت أن زيارة لمزارها شيء لابد منه، حتى لو كان مجرد تسلل. كنت في الأيام الأخيرة، تتملكني الرغبة، أن اتسلل لرؤيتها من خلال ستارة شباك غرفتها، حين كانت ترسم إشارات وكلمات على بعض ورق أمامها.
لم تكن المسافة المفترضة بقانون فيزياء التكنولجيا الحديثة، بعيدة، كما في قانون الواقع. فبرغم الطول المتري الرهيب بين مدينتينا الشاسع، إلا أن مجرد ضغطة واحدة على مربع صغير يمكنني من أسقط عبر ثانية واحدة بحضن غرفتها. لكنما مجرد شعور، كالبرزخ بين مجريين، كان يحول بيني وبين ذلك المربع الصغير في لوحة الكيبورد العجيبة.
تقول مربعات الحاسوب، شجيرات السرو، أضمن وسيلة، في الحسابات التخمينية، لعبور الرغبة دون جروح. وياما ترددت ، وانا في ظل السرو ان أبقى سليما دون جروح.
دائما كنت أراها من خلل نسيج الدنتيلا الشفافة، تكثر الانشغال بمرميها العذراء، وبسيدها الرب، يفتن قلبها!. ترجو العصمة، وتشرق أحيانا بالموسيقى. رسوم في سقف غرفتها تلوّن شحوب وجهها بالرغبة. أسمع تنفسها عبر ريح الأديرة المنقوعة بالشغف لأديرة أخرى أكثر شغفا. صخب نواقيس الأضرحة ترعشها. وانا الملحد، يفتنني الإيمان بنفسي، وثمة قياسات مجهولة الكنى تقربني لديانة الحب والمرأة وبالإنسان المخذول، أسأل نفسي:
ــ " ما الذي يجعلني كالمشلول أمام مربعي الصغير؟! ".
لم اتخيلها، أكثر من امرأة، لا تختلف عن سواها، ترتدي ثوبها الليلي، وتعبث، حين يضجرها الهم، بشعرها.. ثم تستلقي على سريرها، في نزهة مع الليل. لكني، ويا لذلك الحس الشيطان، كنت أراها، أشبه بتلك المرأة التي طارحها الأفاق المحسن، "أنتوني كوين" في "حلمه الملوكي" وغاص فيها وجعا.. المرأة الماسية اليونانية، المنسوجة بكل خيوط التاريخ، بجسدها المشمس بحرارة الانتصارات والهزائم وغرور المنح، تلك التي لم تمنعها الأعوام الطويلة أن تكون شريكة سريري، فيأخذنا العذر.
أحيانا، حين أراقبها، تجثو أمام مذبح سيدها المعمدان، مرخية على راسها شالا مطرزا بزهور البنفسج، أو حين تخرج مع عشرات النسوة في الطريق للبيت، مع العشرات غيرها، ممن يتوشحن بالزهور البرية، ويتلفعن بالتول الملون أيضا، كنت أدنو بخيالي منها، ألمس وجهها، وقبل أن يمسها حذر نون النسوة، أهرب لسرو الليل.
لم يكن مزاجا، ذلك العنقود المتدلي بوجهها الليلكي، إنما طيف يرسم شجرة نسبها.. امرأة لم ينأى بها الأزل المر عن نسبي.. عن تاريخي، حين أسقطتنا خطيئتنا الأولى لروعة الأرض.
في المساء.. في الليل، يستبد بي شوق، اتسلل عن طريق شائك بالأحاسيس نحو شباك غرفتها. تعودت ستارة الدنتيلا الشفافة على وجهي المتسلل. تعودت أنفاسي. وارى هيئتها القلقة تحنو على الحاسوب. تنبش في سلة الكلمات عن صور ورسوم لقصائد، واحيانا بعض الأنتيكات. تقترح الأفكار في لوحات المناظر الطبيعية. تخشع أمام ايقونات الرب، تتسلى بالمربعات، وحين يتشبث سهم من قوس "اكيوبيد" بقلبها، ترتعش أصابعها. تهرب من خانة المربعات، تتخلل الأصابع بشعر رأسها.. بقلبها الخافق، ثم تتوارى خلف كلمات معلولة. أعرف ما يسكن قلب هذه المتشعبة الخجولة، من حرقة لحرف شاف، يصعق بتياره راسها الناشف العنيد، كي يصحو. كي تعلن ما يتعبها. في تلك اللحظة، أود لملمة روحها. وعن كثب، أهمس بأذنها:
ــ " اعرفك.. أدرك كيف تعانين من شغب طفل الحلم باحشائك!!. وكيف تهدهديه بشوق مستنيم.. برفق كي ينام.
يا أنتِ .. كما المجدلية تتمنى أن تبقى متوارية عن عالم العامة. وعن عسس يهود العصر، لحظة يهيج بها الحب لفتاها الرب.. يدفعها الهوى لسرير النعمة، وتمسح بالطيب، قبل الغبش، جسدها المقدس. وتصبح تحت الشمس بثوب جديد " .
انتظر فسحتها، ساعة تلهو، كالعذارى، اللاتي فاتهن قطار الفرح، وانقطعن عن قلق الدورة الشهرية، ثم فجأة تمسكها حمى الله بالحب، فترقص كالمخبولة بهذا الرزق الآتي من الغيب.. بمنحة الرب المؤجلة. وكما يمجد الشيطان كلماته في قلبي، أزفر آهات ملحدة.
تبتسم بخمول متعب.. يتزوق وجهها بالحمرة بالغبش.. بالأصيل، عندها أحس بأن مائي وصل عودها.
ـــ " ها هي نقطة مائي.. تمس جذرك. عودك يخضر، ويعتدل !".
في تلك الليلة، وكنت وحيدا، أقلب بعض صور الماضي، وبعض وجوه الأحياء المبعدين، والموتى بغير ذنوب، وبعض كلمات متعثرة، سمعت همس على الباب. كان الطرق مريضا ينده علّتي:
ـــ من؟!.
أنحبس الهمس بصدري. " والعصرِ، إن الإنسان لفي خسر..". أعرف انك أنتِ!.
خطوات قصار تفصلني.. تفصلها عن أكرة بابي. خطوات بمقدار العصر الخاسر. لم ألحق أن أبدل ثوبي المبتل بعرقي، ولا رجلت شعري. قلبي يقفز مضطربا، يسابقني. كيف عليه أن يبدو أنيقا.. يتماسك، ليحسن استقبال ضيفة الليل. لكني ولشدة عجزي عن اقناعه، رددت : " ألم نجعل لك عينين ، ولسانا وشفتين، و.... ؟. لخاطري تماسك ". لم يمهلني حتى أطرد عنه غم الأعوام، وصدأ الوحدة، أن أمسح عن وجهه تراب الآمال المعجونة بماء العسر، ورطوبة حزني. جرجرني كالطفل مرتبكا. فتحت الباب. كانت كما رأيتها في معبد الرب يوما، متشحة بشال أزرق. وحين دلفت للداخل، خلعته على الأرض. هي ذات الكونتيس التي مات شوبان بين ذراعيها، لكنها أبعد عن ملل الرطوبة وفخامة السأم!.
شعر رأسها فارقته الجدائل. تتوسد شفتيها ابتسامة متقطعة. ومثل ماء في نزق شذروانات قديمة، تحاول اختصار كلمات مبهمة.
" غشيمة!. روايتك قرأتها من الأليف، حتى عبرت ياءها ".
ازاحتني عن ممشاها برفق. قالت: " أغلق باب غرفتنا !".
ثم ربطت سؤالها التالي بذيل السابق:
" كم بقي غيري لديك في الخارج ". أبيض وجهها وهي تبتسم، كلمعان اللؤلؤ.
ــ " أمزح معك.. لا تزعل ".
منذ تلك الليلة، ومن أول قدم دب في ليل غرفتي، ما زلنا نتهجى عصر الحلم. لا أدري كم سيدوم النوم؟. وكيف سيكون مذاق المشمش وطعم المسك؟!.



#يعقوب_زامل_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أخي نيلسون مانديلا..
- يستصرٍخُكَ اضطراب الضوءِ
- ما العمل؟.. ما البديل؟..
- غاز.. غاز قصة قصيرة
- الاشباح التوأم قصة قصيرة
- حلم أتمام القصيدة ...
- صمت الغرانيق قصة قصيرة
- مائدة الحلم قصة قصيرة
- الغائب قصة قصيرة
- شقي بن كسير !. قصة قصيرة
- دبيب التملك..
- اسفنديار.. قصة قصيرة .
- سيناريو الحلم والانهيار.. قصة قصيرة.
- ماذا إذا شحَ المُعنّى؟!..
- قراءة في كتاب...
- كان أسمه - أنا - !..
- ديرم أسمر...
- على وشك...
- تصلب الحب قصة قصيرة
- حكاية الشعبة (د) سيناريو قصة قصيرة


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يعقوب زامل الربيعي - الحب في زمن المربعات .. قصة قصيرة