أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر ياسين طه حافظ (السيدة)..















المزيد.....

المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر ياسين طه حافظ (السيدة)..


وديع العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5369 - 2016 / 12 / 12 - 13:37
المحور: الادب والفن
    


وديع العبيدي
المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر ياسين طه حافظ (السيدة)..

"من طبعي احترام المرأة انطلاقا من نظرية الجمال، ويجب أن تكون ندّا لهذا الجمال حتى تسمو به"- ياسين طه حافظ


رغم الطابع الذاتي لقصيدة (السيّدة) للشاعر ياسين طه حافظ كما تتكشف عنه لغة النص، فإن وقع العنوان الموضوعي يبدّد ذلك التصور. ثمة احتمالات متعددة للعنوان بهذه المناسبة، وفي مقدمتها (إمرأة، فتاة، حبيبة) وغير ذلك، مع (أل) التعريف أو بدونها، والذي تشي ضرورته هنا بشرعنة مناسبة اللقاء/ المواجهة.

لكن الشاعر ارتأى تقديم تصوّره الشخصي- الثقافي على النصّ، ويوجه من خلال (صيغة) صياغة العنوان، رسالة ضمنية للقارئ، تؤكد القيمة التقديرية العالية، التي ينبغي النظر عبرها للمرأة. وهي بالتأكيد صورة غير تقليدية في المجتمع الشرقي وتراكماته التاريخية الثقيلة.

وهذا يعني، بعبارة أخرى، أن هذه القصيدة تسير على حافة التماسّ الحضاري بين ثقافتين وعقليتين، ليس الغرب والشرق فحسب، وانما بين ثقافة الفرد، وثقافة العقل الجمعي التي لا زالت هي المتحكم الأول في مجتمعاتنا والعائق البنيوي الأساس في طريق تطوره وتحرره.

هذا المنظور يبين مغزى استخدام الشاعر للفظة (مواجهة) بدل (لقاء)، وما هو سرّ حراجة الموقف الذي يجد –الرجل/ الشاعر- نفسه فيه إزاءها كما لو كان يقدم على أمر غير مقبول. هذه المواجهة – انما- تستمدّ عناصر استثنائيتها وحراجتها من كونها مقابلة غير متكافئة، بين مرجعيتين ثقافيتين مختلفتين، وليس الخلاف الجندري المحض.

وهذا ما يسجّل للشاعر ياسين طه حافظ في قصيدة (السيّدة). فالواقع ان التباين الثقافي والخلاف الحضاري بين – الزوجين- نادرا ما كان موضوع دراسة واهتمام في مجتمعاتنا. ولم يسبق تناوله سواء في تخطيط الزيجات، أو الابحاث الاجتماعية والنفسية المتعلقة بالمشاكل العائلية وحوادث الانفصال أو عدم القدرة على الانسجام.

حتى عقود قليلة كان المستوى الثقافي للرجال متقدما على النساء. والمستوى الثقافي يتضمن كلاّ من درجة التعليم والمثاقفة الغربية إلى جانب تراكم الخبرة الاجتماعية. وكان على كثير من الرجال التعايش مع حالة اجتماعية مغايرة وأقل درجة في مؤسسة العائلة. وفي مقابل ذلك، طرحت العقود التالية مشكلة جديدة نتيجة اختلاف فهم قيم الحياة والحداثة، في مجتمع لا يسمح بما يكفي لتحقيق التعارف والتفاهم قبل الزواج. فالتفاوت الثقافي والحضاري، هو مغزى هذه القصيدة، وسرّ التوتر المتنامي بين سطورها. وما نستخلصه منها مبدئيا، هو التقدير والتبجيل الذي يكنّه الشاعر/ الرجل لامرأته داخل النص، رغم الاشكالية الحضارية بين الطرفين.

وهذا ما يجعل القصيدة تغتني بأكثر من إشارة جديرة بالوقوف والتقصي والدراسة والتحليل، من خلال ما اكتنزت به من معان ثرة ورموز لها دلالاتها في وضع – مؤشر- لترسيم تاريخ المراة عبر جملة التراكمات والحقب الزمنية الماضية.

*

ففي هذه القصيدة يحاول الشاعر (أن يمسك الضوء سرّا)، ومن خلال الضوء في ظاهرة الرعد - والبرق- ومحاولة الإمساك به، يجسّد الشاعر المصاعب ودرجات الاستحالة المتوقعة في إطار علاقة الرجل بالمرأة، لتبقى مركونة في زاوية، مثل قطعة أثاث قديم..

(ليس يعرفها الآخرون)، فهي أدنى من أن تثير اهتمام أحد بسبب وضعها، إلى حدّ أصبحت هي نفسها (ليس تعرف صورتها) كجزء من حالة تماهي الحقائق.

ان الموضع الذي دفعت فيه المرأة وطيلة مراحل تاريخية بأكملها، كان له دور كبير في إضفاء هذا الكم الهائل من الغموض والتعقيد في تركيبتها النفسية والاجتماعية، وكنوع من التراكم اللاواعي الذي تتحسسه منذ طفولتها.

ومن هنا يتحاشى الشاعر – ابن هذا المجتمع- الاقتراب من هذا الكائن. هذا الاقتراب يمثل حالة المواجهة التي تستدعي تحضير أجوبة لكل الأسئلة التي ستوجه إليه في محاكمة تبدأ ولا تنتهي.

يقول الشاعر (لماذا أضيّع نفسي وأدخل عالمها).. وأي عالم هذا (عالمها المغلق).

ليست المرأة وحدها التي عانت، وانما الرجل كذلك. لأنه لا يمكن الفصل بتاتا بين امرأة ورجل. ليس ثمة عالمان، انه عالم واحد. وينبغي حرق هذا الحاجو الهلامي الداكن بين الإثنين، وهذا ما يحاوله الشاعر..

(أتبعها).. وحين يتبعها ويقترب منها، يفتح عينيه على النور، ويكتشف البهاء المكنون (أتأمل ياقوتها الكنون أحمله بيدي).. ويبقى الشاعر مترددا يعاني من وطأة الاحساس الأولي بالغبن، بالحاجز الفاصل بينهما..

(ولماذا أواجهها وهي محرجة الخطوات؟)..

هل الاقتراب من المرأة يمثل معنى واحدا، لا غير. كما رسمته عهود التخلف والاستلاب، دون اتساع أفق التفكير لتأمل جملة العلاقات الانسانية بينهما باعتبارهما يكونان أساس المجتمع البشري. يفاجئ الشاعر نفسه ويفاجئنا (تعزّ عليها براءتها). وكأن حالة الاقتراب هذه هي الأخرى، اكمال لحالة السلب التي فرضها المجتمع. وهنا تتكلم المرأة- السيّدة (فتخاطبني بالسكوت الجميل وبالوهج المتنقل بين العيون)..

ان وسائل المرأة الدفاعية في حالة المواجهة تختلف عن غيرها. وهذه كذلك، حتّمتها المراحل الغابرة. مقولة [ان المرأة يجب أن لا يسمع صوتها، ويكون صوتها خافتا إذا تكلمت].

إزاء حالة الاقتراب هذه، يبتهج الشاعر بانتصاره في المرحلة الأولى (أهو المجد أني اقتربت لشاطئها؟).. هذه العبارة تصف ايضا مدى شدّة الحاجز النفسي الذي يحسّ به كلّ منهما تجاه الآخر. والدليل أنه لا زال بين لحظة وأخرى، يعاوده التردد..

(أربكت أطياره الآمنات ومباهجة الناعمة..

ذاك غيري الذي يملك الردّ، غيري)..

وقد عبّر عن هذه الفكرة الشاعر بلند الحيدري، ولكن بصورة أكثر مباشرة حين قال..

(أنا لا أريد..

أنا لست مثل الآخرين)..

فالشاعر لا يريد أن يزيد حالة الاستلاب المتراكم، وانما المساهمة في رفع هذه الحالة، وهو ليس أحسن منها أزاء ضغط الظروف..

(أنا رجل مستبى

يتناوبني السرّ والصمت حتى

أجيء لها

فأراها)..

وبعد أن يعكس الشاعر نتائج ما عملته يد التاريخ في موضوعة الرجل والمرأة، يؤكد لنا الحقيقة الأولى والأخيرة التي لا مناص منها..

(كما هي في البدء ناضجة..

مثلما الله يراها

كما ترتضي الروح..

منسابة في الزمان الجميل)..

ان جغرافيا العلاقات الانسانية الجديدة، لابدّ أن تستند إلى أسس علمية عقلانية وموضوعية نابعة من الإدراك والفهم المتبادل لطبيعة الصراع الذي يواجهه المرء على صعيد المجتمع والوجود.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
· ياسين طه حافظ (مواليد بغداد 1936م). له: الوحش والذاكرة 1969 ، قصائد الأعراف 1974 ، البرج 1977 ، النشيد 1978، عبدالله والدرويش 1980 ، الحرب 1985 ، قصائد في زمن الحرب 1986 ، تموت الزهور .. تستيقظ الأفكار 1986 ، ليلة من زجاج 1987 ، قصائد السيدة الجميلة 1988، ولكنها هي ذي حياتي ، قصائد حب على جدار آشوري ، ديوان فاطمة، سمفونية المطر 2013، ما قاله آخر الخطباء.
· نشرت القصيدة في مجلة ألف باء العراقية- ع 942 لسنة 1986م.
· القراءة في أصلها نشرت في جريدة (العراق) البغدادية في الثالث من يناير 1987م، وتنشر هنا بعد المراجعة والاضافة.




#وديع_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر أحمد عبد الحسين :قول (قصة ...
- المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر سلمان داود محمد (عندما حذف ...
- بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (5)
- بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (4)
- بورتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي (3)
- بوتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي(2)
- بوتريه شخصي للدكتور صلاح نيازي(1)
- بورتريه جانبي للدكتور شاكر النابلسي
- (مقامة أميرجيو)
- التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (3-3)
- التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (2-3)
- التنوير عربيا.. اشكالية المصطلح (1- 3)
- أصداء نظرية الفراغ في رواية منى دايخ (غزل العلوج)
- المنظور الاجتماعي في رواية ليلى جراغي: (الصدأ)..
- الياس فركوح: الصعود الى حلب!.. الهوية والانتماء في رواية -قا ...
- (موسيقى في الظلام)
- (البستاني ذهب مع الريح)
- لوسيف..
- أوليات أولية..
- المنظور الاجتماعي والنفسي في مجموعة (ترانيم ابن ادم) لباسم ا ...


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وديع العبيدي - المنظور الاجتماعي في قصيدة الشاعر ياسين طه حافظ (السيدة)..