أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - دموع الصّناديد قصّة قصيرة















المزيد.....

دموع الصّناديد قصّة قصيرة


شهربان معدي

الحوار المتمدن-العدد: 5366 - 2016 / 12 / 9 - 17:12
المحور: الادب والفن
    


دموع الصّناديد..

قصة قصيرة

شهربان معدي


كان "زينة الشّباب"! يمتلك بُنية قوية كالسنديانة، وهامة شامخة كالنخلة.. وصحيحُ أنه لم يسمع قط عن الدون كيشوت، ولم يدعِ يوما أنّه عنترة ابن شدّاد، أو رامبو عصره! ولكنه كان جبّارا قويّاً، لا يرحم خصْمه في ساحات النِزال والمباطحة، يلعب بالشرعة كالطابة، ويحمل "شوال القمح" على كتفه كالريشة.. ولطالما كابر، وصبر على صروف الزّمان، التي لسعته مِرارا وتكرارا، خوفا أن يراه أحدهم، حزيناً أو موجوعاً، أو باكي العين!! وكيف يبكي! وهل يبكي الرجال!؟ عيْب، أن يبكي الرجال!!

ولكنّه، وبعد هذا العمر الطّويل، وبعد أن تجاوز الثمانين عاما، اكثر ما يحتاج إليه.. هو البُكاء..

- إجمد يا رجل، "بنية صغيرة" تُبكيك!؟

- ولكنها لم تعد صغيرة، "زهرة" صارت صبية..

- ولأنها صارت صبية، دعْها وشأنها، أخرج من حياتها، ألم تخبرك بذلك البارحة، وبعظمة لسانها..

- ولكنها نسيت مني، أنا جدّها الحنون، جدّها الذي أحبّها أكثر من كل شيء في حياته..

- يا رجل، استعذ بالله، عِد للعشرة، زهرة لم تعُد طفله، تُشاهد معها، "ماوكلي" "وسبونج بوب"، زهرة صارت صبية!

- زهرة صارت صبية، أنا لا أنكر ذلك!! حتى عندما قصْت جدائلها الطويلة، ونعفتْ شعرها على ظهرها.. لم أنبسْ ببنت شفة، ولكن ..

- ولكن ماذا!؟ أرجوك، لا تكمل يا رجل، زهرة أصيلة وحنونة، وحنونة جدا، كجدتها "زهرة"، أليس هي التي تُجرّعك دواءك قبل ذهابها للمدرسة، وفي المساء؟

- بلى..

- وتقّطر لك في عينيك، صباحا مساءا؟

- بلى..

- فماذا تريد منها بعد الآن، دعها وشأنها..

- ولكنها..

- لكنها ماذا؟ هيا تكلّم!

- مذ ابتاع لها والدها، ذلك "الجهاز الشيّطاني الصغير"، أصبحت واحدة أُخرى.. تقضي سحابة النّهار، وهي تسد أذنيها بتلك الأسلاك البيضاء الدقيقة، ولا تسمعني حتى ولو صرخْت بأعلى صوتي.. وهي مشغولة به لدرجة أنها تنسى حتى أن تتناول طعامها...

- الآن أدركت سبب غضبك الذي جعلك تغلي كإبريق شاي!!

- نعم، وسأترك "لهم" هذا البيت الذي لا يُكلمني فيه أحدهم، سِوى زهرة.. ألا تذكر قبل اسبوعين، وعند انقطاع التيار الكهربائي، كيف أتوا كُلهم وجلسوا حولي، حتى كنتي التي تدّعي أنها دائما مشغولة، أتت وجلست معي.. وكم تمنيت أن يبقى تيّار الكهرباء مقطوعاً لأحظى قليلا برعايتهم وعطّفهم.. واليوم سألقنهم درساً لن ينسونه أبد الدهر..


وكانت الريح الشرقية، تهب، جافّة قوية، وتلعب بهامات الأشجار التي بدأ يُعريها الخريف، والغُبار يغبّش مناديل الأثير، ويُعيق الرؤية، عندما انطلق العجوز المسكين، في انشغال أهل البيّت، إلى.. لا مكان..

وأين سيذهب في قرية غيّر ملامحها الزّمان..

كان يمشي ببطء وتؤدة، غير آبه بوجوه المارّة، التي كانت تتفحص ملامحه وكأنه كائن فضائي، سقط من أحد الكواكب!..

وكان كل همّه أن ينتقم من حفيدته زهرة، وابنه وكنته، وباقي أفراد العائلة، الذين سرقهم منه، هذا "الشّيطان الصّغير"، الذي لا يتجاوز كف اليد، ليتركوه وحيدا "يتكلم مع الحيطان".. وليته تعرّف على هوية من اخترعه، وشتت به عقول البشر، وجفف عواطفهم، لسحق عِظامه، سحّقا..

- توكل على الله يا رجل، عد إلى البيت، حتما ستضيع في هذا الجو الأغبر، وربما ستمرض، أو تدهسك مركبة..

- ...

- ولكنك كبرتَ يا رجل، كَبرت، وأصبح يُزْعجك لعب الأطفال، ويُخيفك صوت الريح، فكيف ستخرج في هذه العاصفة؟

- لم تعد تهمني حياتي، بل لم يعد يهمني شيء، بعد أن فقدت زهرة..


رياح شرسة عظيمة، بدأت تُكنس الطرقات الخاوية حتى من القطط، وتشد في الشيخ المسكين، الذي انتابه نوع من الهذيان والهلع، وحاول سُدىً، التشبث بأحد الجدران الإسمنتية، وبدأ ينادي بصوت يُقطع القلوب:

- زهرة.. أين أنت يا زهرة؟ لماذا بكّرت في الرحيل، وتركتني لوحدي! ليتك بقيت معي لنكمل مِشوارنا معا، نشيخ معا، ننحني معا، نتناول الدّواء معا، ونتألم معا! من أوصيت بي يا زهرة، في هذا العالم الموحش الذي أصبحت فيه غريبا..


وسقط الرجل على الرّصيف، سنديانة عتيقة تجعّد جذعها، وهوتْ دون أن يشعر بها أحد..

وبدأت دموعه التي كان يختزنها سنوات طويلة، تتساقط كالدرر، وتنساب بين تجاعيد وجهه التي حفرها الزّمان، وتسقط حيث تُريد..

دموع غالية، ذرفها الشيخ الجليل، وهو الذي لم يبك قط في حياته..

- أبك يا رجل، أبك، حتى عندما حصدت الحصبة الألمانية، ثلاثة من أطفالك لمْ تبك، وعند رحيل زوجتك زهرة، لمْ تبك، دموع كثيرة خزنتها في قلبك الكبير.. والآن يحق لك أن تبكي..

- آه.. ليتك تدرك أن بُكاء القلوب ينزف و يؤلم أكثر من بكاء العيون..


وشاءت الصُدف أن تمر وسط تلك الرياح العاتية، زمرة من البنات، اللواتي كُنَّ يتمسكن بملابسهن الجميلة، التي يُكاد يُمزّقها الريح، وانتبهت إحداهن للشيخ المُسن الذي ينتحب على الرّصيف، واقتربت منه، لتكتشف أنه جد صديقتها المُقرّبة، زهرة، وبسرعة البرق، أخرجت جوّالها من جيب بنطالها الخلفية، وطلبت من زهرة الحضور بأسرع وقت..


وأقبلت زهرة بسرعة، وكأنه حملتها تلك الرّياح العاتية، إلى جَدّها المُلتاع، ركعت ركبة ونصف أمامه، واحتضنته بقوة، و انخرطتْ في بكاء مرير..

- أريد أن أعود للبيت، أين حفيدتي زهرة، الريح تُكاد تسحق عظامي.. أريد زهرة، زهرة، أين أنت يا ابنتي؟

- ها أنا ذا يا جدي، أتيت لأعيدك للبيت، أنا زهرة، هيا قمْ معي يا حبيبي، وساعدته على الوقوف، و تأبطت ذراعه، وهي تشْرُق دموعها الغزيرة التي اختلطت بدموعه العصية، الغالية، وكانت تهمس:

- لقد انصرفت عنك، وانشغلت بجوّالي الجّديد..

- سامحني، سامحني يا جدّي..

إضاءات:
الصناديد جمع كلمة صنديد
معنى اسم صنديد : الشجاع والمقدام والقوي والشديد وأصل الاسم عربي.
مرض الحصبة الألمانية، حصد أرواح الكثير من الأطفال في فلسطين، في مُنتصف الخمسينات.



#شهربان_معدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكراً...لطوق الياسمين
- -كلّنا في هالدنيا زوّار- قصة قصيرة
- أشواك ناعمة
- لو أنها كانت شظية
- قصة قصيرة لملف يوم المرأه العالمي
- قصة شجرة لوز


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - دموع الصّناديد قصّة قصيرة