أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - شكراً...لطوق الياسمين














المزيد.....

شكراً...لطوق الياسمين


شهربان معدي

الحوار المتمدن-العدد: 5245 - 2016 / 8 / 5 - 17:16
المحور: الادب والفن
    


شكرا ...لطوق الياسمين...قصة قصيرة



وأنا التي كنت أظن، أنه حتى موثّبات الزّهراء، لن تخرجني من تلك الثّلاجة المظلمة، وأخيرا... أبصرت النور...

وسمعتهم يتهامسون وهم يتبادلون نظرات الاستنكار، الممزوجة بالفرح:

_ كل شيء خير من بني آدم...

- سامحه الله! كيف فعل هذا بنا؟

- كيف رضي بأن نعيش، بهذا الفقر المُدقع، كل هذه "السنين"، ليكدّس كل تلك الأموال... بالثلاجة؟!

- حتما، لن يسامحه الله...

وصدقا أقول يا عزيزي القارئ، رغم أنني كنت ما زلت مشوشة النظر، بعد هذه العتمة الطويلة، والبرد القارص، الذي عانيته بجوف تلك الثّلاجة، أو بالأحرى القبر الموّحش!

لم أتوقع، أن المال يغيّر الوجوه والملامح، بهذه السرعة العجيبة!

وليتكم "مثلي" رأيتم وجوههم البائسة، التي أغرقها الحُزن والثكل، تزهو وتخضّر، فجّأةً، كربيع ندي، أزهر في أوّج تشرين، عندما أبصروا الرزم النقدية، الملفوفة بالنايلون، والمرتبة بإتقان، في العلب البلاستيكية المُخّتلفة الأشكال والألوان...

لم يمض على دفن الوالد، بضع ساعات، حتّى انقض ولداه، الكبير والأوسط، وابنته الصُغرى، على زوايا بيته الوضيع، ليفتشوا كل متر، بل وكل فترٍ فيه! وبعد أن نجح اليأس في السيطرة على أحلامهم البيضاء، صاحت البنت الصُغرى:

لم يتبق لنا إلا الثلاجة! دربكم على الثلاجة، لطالما منعني من تنظيفها وترتيبها كلما بادرت إلى ذلك!

وهناك كانت المُفاجأة...

قال الابن الأكبر وهو يخرج الأوراق النقدية الملفوفة بإحكام بنايلون سميك:

- الويل له! بخل علينا بكل شيء... ولم يأخذ معه شيئا!



وقالت الابنة الصُغرى، وهي تمسح دموعها الغزيرة:

- مسكينة والدتنا المرحومة، قتلها بتقتيره وبخله!

فقاطعها الابن الأوسط قائلا:

- صحيحٌ أن موته كان مُفاجئا، ولكنه كان خيرا لنا جميعنا...

وبدأ الكنز، يتفرق بالتساوي، وبدقة لم يُسبق لها مثيل...

وحمدت ربي، أنني كنت من نصيب الابنة الصغرى، بعد أن رأيت عدوى الشح والتقتير، تنتقل من الوالد لتلمع في عيني الابن الكبير، والطمع والأنانية، يستعران في عيني الأوسط، بينما بدت الصبية، جميلة الهندام، كريمة النفس، هادئة النظرات...

كم أنت ضعيف أيها الإنسان، مهما نجحت في كتم أسرارك، ونقاط ضعفك، ولكن، لطالما فضحتك عيناك، أمام بريق العملة!!

أتظنون، أننا معشر الأوراق النقدية، لا نشعر ولا نحسّ!

نحن نشعر ونحسّ، بل، ونرى ونسمع!

وأنا شخّصيا قلّبت وجوها كثيرة، رُغم ضآلة قيمتي...

لطالما رأيت وجوهاً، كانت تتظاهر كالنعاج، وبسببي، تحولت لذئاب!

وكم رأيت ذئاباً، تنكّرت بوجوه نعاج، لتظفر بي...

لطالما زغرد قلبي، وصدح مع فرحة الصّغار، بابتياع الحلوى والألعاب...

وذاقت روحي، شهد العزّة والكرامة، في قبضة العامل الخشنة، التي تعطرت، بندى جبينه اللُجيّن!

وكم شعرت، بالخزي والعار، في يد الفاجر والمُحتال، وبالقوة والأريحية، في يد الكريم، ندي النفس والكف...

وكم تمنيت الموت، في يد الخائن الوضيع، الذي باع تراب وطنه، من أجل حفنة نقود!

وكم رقصت بين شرفات الغيم، ولمست أناملي النجوم، عندما بنوا المدارس والمصانع، وموّلوا المشاريع الخيرية، من خلالي...

كم تقلبت على فراش من الجمر، عندما رأيت فلانا يبيع كليته، لحاجته لي...

وآخرٌ، أشعرني بالاشمئزاز والغثيان، عندما باع ابنته القاصر، بسبب طمعه بجمعي...

بينما هذا المبذّر الغني، الذي اشترى ساعة بآلاف الدولارات ليتباهى بها أمام أقرانه...

وتلك المرأة التي أنفقت كل مالها، على طعامها الدسم، الذي كانت تُفرغ كل أحزانها في تناوله! أشعراني بقلة القيمة والهوان!

تباً لك أيها الإنسان! لا ترى أبعد من أنفُكَ!

أنا مجرد ورقة، ورقة قابلة للاحتراق والفناء، ورغم ذلك، أميل بك، مرة ذات اليمين، ومرة ذات الشمال، وفقا، لرغباتي وأهوائي، وانت حتّى لا تدرك هذا...

أُقرّب البعيد، وأُبعّد القريب!

كم من عليلٍ شفيت، وكم من سليم بدنٍ، سلبته عافيته...

كم من عزيز نفسٍ، ذللّتهُ، ومن وضيعٍ رفعتهُ!

كم من مُزيّفٍ، أصبح أصيلا... ومن أصيلٍ، أصبح مُزيفا...بسببي!

كم من يتيم شرّدتُ، ورحم قطّعتُ، وما زلت في نظرك، أيها الإنسان، سدرة المنتهى، وغاية الغايات!؟

ليتك جعلتني وسيلة، لا غاية، لكي أشد أواصر نسيجك الاجتماعي، وأُقوّي خيوطه الواهية!

أنا الآن سعيدةٌ، بل في قمة السّعادة!

لأنني أبصرت النور، وخرجت من هذا القبر الموحش، لأغدو، طوق ياسمين، يُعانق زهر جدائل حفيدة ذلك الرجل البخيل، الذى سيذوب في تُراب هذه الأرض...


إلى الأبد...

بينما، سأبقى "أنا"، حرّة طليقة، ألِفُّ وأدورُ، في دنياكم العجيبة، الغريبة!

وكل ما أصلي له، أن لا أعلق، مرة أُخرى، كتلك العلقة السوداء، في الثلاجة اللعينة!!!



#شهربان_معدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -كلّنا في هالدنيا زوّار- قصة قصيرة
- أشواك ناعمة
- لو أنها كانت شظية
- قصة قصيرة لملف يوم المرأه العالمي
- قصة شجرة لوز


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - شكراً...لطوق الياسمين