أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - -كلّنا في هالدنيا زوّار- قصة قصيرة














المزيد.....

-كلّنا في هالدنيا زوّار- قصة قصيرة


شهربان معدي

الحوار المتمدن-العدد: 5223 - 2016 / 7 / 14 - 09:47
المحور: الادب والفن
    


حدث ذلك عندما كنت في طريق عودتي لبيتي البعيد عن مركز القرية، حيث كانت شمس الأصيل تلملم جدائلها الذهبية وتخبئها في صُرّة الأفق الدامي، وكنت مؤملة نفسي عندما أمرُّ في أزقة الحيّ القديم، المرصوفة بحجارة الصّوان، بأن أحظى بلفحة من نسيم الصبا، حيث كانت مرتع طفولتي وصباي...وكم عزّ عليّ أن عددا غير قليل من البيوت التي كانت تنبض بالحيوية والحياة، قد أقفرت! بينما بيوت أُخرى قد تغيرت وبدّل ملامحها الزّمن...
ولكنني تابعت سيري تظللني تلك الذكريات الوردية، التي ذكّرتني بتلك الأيام الخوالي... وسرعان ما تسمّرت بمكاني، بل وكاد ينعقد لساني! عندما أبصرت إحدى النساء المسنّات تمشي متعثرة بقمبازها الطويل وهي تتكئ على شابة هندية ضئيلة القامة، وكنت أظن أن تلك المرأة التي عادت من سفر الزمان، قد رحلت منذ أمد طويل...ولكنها لاحت أمامي "بلحمها وشحمها"!
تلك المرأة الفاضلة التي طالما برّدت جوفي أنا وأترابي في أيام القيظ عند عودتنا من المدرسة، وكانت دعواتها الخضراء ترافقنا حتى عتبات بيوتنا...ولطالما طبخت لكل أهل القرية في الأفراح، وبكت كطفلة يتيمة في الأتراح!
هذه المرأة التي كانت تحمل على كاهلها، همْ كل الناس، ها هي تقضي ما تبقى من شيخوختها الهادئة برفقة تلك الشّابة الهندية، التي حاولت أن تبدو لطيفة جدا معي عندما تقدمتُ لأُلقي التحية على تلك الامرأة لأكتشف أنها فقدت القدرة على الكلام...
وكنت سعيدة جدا لأنها عرفتني، رغم مضي الكثير من السنين، ولكن دمعتها الغالية التي كانت بلون مروج القمح، اختصرت الكثير من الكلام.
وكم فرِحْتُ عندما اومأت إليَّ بأن نجلس تحت ظلال الزيزفونة الشّابة، ولكن لسوء حظي، أقبلت أحدى بنات عائلتها المقرّبات، وترجّلت من سيارتها الفخمة بسرعة الريح، وكانت سحُنتها الشمعية، وحاجبيها الذين صممتهما "كساحرات شكسبير"، يوحيان بأنها قضت ساعات طويلة على مبضع التجميل...وبالكاد ألقت التحية علينا! حيث اعتذرت للعجوز المسّنة بأنها في عُجالة من أمرها، وناولت الشابة الهندية قدرا مليئا بالطعام وانقرضت بلمح البصر...
تبا لهذه الحياة! صحيح أن هذا الزمن المعدني جعلنا نطبخ أيام عمرنا القصير، على أتون نار لا يهمد! وأجبر النساء أن يخرجن لسوق العمل كالرجال تماما! وصحيح أن وجود هؤلاء الشابات الهنديات والسريلانكيات أصبح "موضة" مستساغة في مجتمعاتنا القروية، وأصبحوا رغم الاختلافُ، أقرب الناس لمسنينا ومسناتنا، بإنسانيتهم وخدماتهم المتفانية، لنصبح نحن الغرباء، عن أهلٍ ربونا برموش العين، ودفء القلب! ولكن الحسرة والعتب الذين ارتسما على ملامح تلك المرأة الفاضلة، جعلاني أعتب على قريبتها التي تربطها بها صلة رحم قريبة جدا...والتي لم تُطيّب خاطرها ولو بكلمة واحدة، جميلة! وكم عتبت على هذا الزمن العجيب، الذي اصبحنا فيه كلنا غُرباء... وأصبحت علاقاتنا الاجتماعية، واهنة، هشّة، كخيوط العنكبوت...مُتجاهلين أن المسن يغدو كطفلٍ صغير، ليس في حاجاته الجسدية فقط، بل في حاجته للحب والحنان والرعاية النفسية...
فارقت تلك المرأة الفاضلة بعد أن وعدتها أن أزورها كلما مررت بهذا الحي القديم، ولست أدري في المرة القادمة، إن كنت سأجدها أم لا!؟ ومن يدري!؟ ربما سأسبقها "أنا" في الرحيل عن وجه هذه البسيطة!!



#شهربان_معدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشواك ناعمة
- لو أنها كانت شظية
- قصة قصيرة لملف يوم المرأه العالمي
- قصة شجرة لوز


المزيد.....




- الموسيقى الكاميرونية.. أنغام متجذّرة وهوية نابضة
- جيل تيك توك: نهاية الأيديولوجيا أم تحولها؟
- رحيل نجمة ثلاثية «العرّاب»... الممثلة الأميركية ديان كيتون
- السليمانية تحتضن مهرجان السينما الدولي بنسخته الخامسة بمشارك ...
- سليم نزال وإحياء الذاكرة الكنعانية قراءة في رواية قصص كنعاني ...
- هيام عباس تحصد -الهرم الذهبي-.. مهرجان القاهرة السينمائي يكش ...
- صورة من غزة.. نزوح بعد إخلاء
- نظرية الفوضى في الشعر العباسي.. مقاربة نصيّة في شعر أبي نواس ...
- من بينهم الفنّان خالد النبوي.. مهرجان -القاهرة السينمائي- ال ...
- شاركت في -العراب- وتألقـت في أفلام وودي آلن .. نجوم هوليوود ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شهربان معدي - -كلّنا في هالدنيا زوّار- قصة قصيرة