أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - جيسيكا..3















المزيد.....

جيسيكا..3


فاتن نور

الحوار المتمدن-العدد: 5353 - 2016 / 11 / 26 - 07:21
المحور: الادب والفن
    



..هل ترغب في تناول العشاء؟ في الجوار مطعم ايطالي أظنه سيروق لك.

..لا أعتقد، قالها بتردد وهو يحك فروة رأسه، لننطلق إلى المطار من هنا، أظن لدينا بعض الوقت لتناول القهوة هناك.
أعرف أن في هذه الضواحي، تتباهى المطاعم بأسعارها المرتفعة، استطرد مازحاً، جيبكم ممتلئ أظنه؛ فقد سمعت عن ذاك الرهان.
..يبدو أن السيدة نادين قد أخبرتك بهذا، هل قالت لك أنها من الفريق الخاسر في رهان الانتخابات، أحسبها مازالت تستدين منك لمثل هذه الخسارات الغبية.

.. آواه نادين وجيبها المثقوب، هي تأخذ ولا تستدين، قالها مع ضحكة باهتة. لا أدري ما عاقبة حبي لها.
أي أخبار عن جيسيكا؟ استطرد سائلاً وهو يحشر حقيبته في صندوق السيارة.

..مَن يفكر بالعواقب لا يعرف الحب، من الممتع أن نحب بجنون. عن جيسيكا تسأل ها، ترفل في ملكوتها، أجبته وأنا أدير المحرك استعداداً للانطلاق.

استقل السيد مروان مقعد المسافرين وربط حزام الأمان ثم سأل بفضول؛ ولكن هل تتواصل معكم؟

..تتواصل مع الأسوأ الذي اختارت، يقودها إهتمامها المفرط بالحثالة، وإنجرارها لطرائق عيشهم. أقصد الإهتمام بأرائهم وتصوراتهم وتنميط حياتها وفقاً، عدا هذا فعشوائيات من التواصل والغياب حسب أمزجتها الطارئة.

..ظننت أن وضعها الاجتماعي سيتحسن بعد الطلاق. أن يُعتق المرء من زيجة بائسة، فهذا مدعاة لتغيير جذري، والتحرر من روتين حياتي مكبّل بالترهات والسأم، لا سيما إذا كان قد ألقى بكل ما يقعده عن ممارسة الحياة، على شماعة زواج فاشل، مثل زواجها.

..لا يمكنني أن أتفق معك أكثر، ولكنني سيد مروان أشك في كون الطلاق قد حدث فعلاً.

..ها.. هذا قول غريب، لكنه ممكن وحالتها، يجعلني أشك في الأغرب، بأن الزواج لم يحدث آصلاً، على الأقل بشكله الرسمي المسجل..
التف نحوي وأردف سائلاً؛ هل ثمة ما يخرجنا من هذه الشكوك إلى يقين؟

..أطلقت ضحكة مجلجلة ارتجت بها مركبتي؛ ضربت المقود بكفي وقلت بتهدج؛ انظر ماذا فعلت بنا جيسيكا، ها نحن نسير بالإتجاه المعاكس، فمعها نريد الخروج من متعة الشك الى يقين.
تصور أني التقيتها الأسبوع الماضي، استطردت، وكانت قد اعتذرت -عن غير قناعة- وأبدت رغبة في التواصل مدعية أن لا شيء يمنعها من هذا. لكنها أردفت عندما أبديت رغبة مقابلة، وقالت بأنها ليست على ما يرام "هذه الأيام" وستتواصل لاحقاً. أخشى أن ذاكرتها تتداعى سيد مروان، فما تقوله في لحظة تنقضه في اللحظة التالية. أكاد لا أعرف عن حياتها شيئاً، وعما يشغلها فعلاً. ولكنك لم تسألني عن رأيي في محاضرتك مساء الأمس، سألته لتغيير دفة الحديث الذي يحتاج إلى جلسة طويلة معه في عيادته الخاصة.

..حقاً فاتني هذا، كانت طويلة، ثرية ورصينة، أوليس كذلك؟
سأل بشغف وابتسامة عريضة تجتاج وجهه الممتلئ كحبة قرع.
..ليس تماماً.. ليس تماماُ سيد مروان.. كانت مملة، لكن ليس لطولها، كانت محاضرة بلا جمهور. والأنكى؛ كانت بلا موضوع.

ساد بيننا صمت ملغوم بزفرات ساخنة من الاستياء وعدم الرضا؛ فالسيد مروان، يدري أن القاعة كانت تضج بالحضور، إنما محاضرته لم ترتق الى مستوى الرصانة والأمانة الفكرية التي أطمع بها، وهذا مما عكّر مزاجه؛ فلطالما أبدى إهتمامه برأيي طوال معرفتي به.
ظننت أنني جئت على رغبته في الاسترسال. قلت في سري هذا أفضل؛ وأنا على هذه الطريق السريعة، بسرعة بلغت تسعين ميلاً في الساعة، قد تسعفني الذاكرة التي كثرما تنشط مع السرع غير القانونية؛ فأتذكر كيف انتهيت وجيسيكا إلى مشهد الحائط الرومنطيقي في ذلك اللقاء.

فاجأني السيد مروان بعد مرور بضع دقائق، كأنه لملم خلالها رباطة جأشه، استدار نحوي بحمية، وقال بصوت حاسم لا يخلو من بعض توتر؛ أريد توضيحاً، لا يمكن إلغاء جمهور محترم من كبار المفكرين ودعاة الحداثة بمحض كلام لا مبرر له.لا يمكن إسقاط القيمة باللغو.

..ولا يمكن إضفاء قيمة باللغو أيضا. هدئ من روعك سيد مروان. قلت لك كنت مع جيسيكا قبل أيام...

..في الموضوع لنبقى رجاءً. قاطعني بصوت متهدج.

..أنا في لب الموضوع سيد مروان أو في طريقي إليه، دعني أكمل أرجوك. أجبته بهدوء. ثم أظنك تعرف بأني لا أسمح بالتدخين في مركبتي، ولكن لا أريدك أن تقلع جواً إلى لاس فيغاس وأنت متوتر. فهذا ما لا تنتظره منك حبيبة العمر التي سبقتك إلى هناك.
صدرت عنه همهمات متقطعة وهو يتابع حديثي، فهمت منها أنه فعلا متوتر ويرغب في نفث الدخان.
..هاك هذه الورقة سيد مروان، هل تعرف كيف تصنع قارباً، سألته بشغب.

..فعلاً أشعر برغبة جامحة لنفث الدخان بكل ما أمتلك من ضجر اللحظة وغثائها. ولكن هل الوقت مناسب لصناعة قوارب ورقية، ياله من لهو طفولي.. أردف بابتسامة خجولة.

..مناسب قطعاً، صنعنا الكثير من القوارب الورقية عندما كنا صغارا حتى احترفنا، تركناها تطفو في الجداول والترع وتمخر بحرية، أو في الطشوت داخل بيوتات السعف والطين، وابتهجنا بها أيما ابتهاج. أظن القارب سيعينك اليوم على التدخين، أقصد في مركبة مثل هذه؛ تخلو من منفضة سجائر.

انشرحت أساريره وراح يبحث عن علبة السجائر في معطفه فوراً؛ وكأنه غريق يبحث عن طوق نجاة.
..كم أفتقد هذا المرح الطفولي الذي فقدته مع بلوغي سن الرشد، قال بعد أن أيقن الغاية من صناعة قارب.
أحسد من لم يفقده، بل وأغار منه.. أردف ضاحكاً.

..سيد مروان؛ ليس من الرشد أن يفقد المرء مرحه الطفولي عند بلوغ سن الرشد. إذا فقده يعني أنه لم يبلغ الرشد بعد.

..أكاد أتفق مع هذا الرأي أو الفلسفة، قالها بروح رياضية استقوت بالضوء الأخضر لحرق سيجارة. البلوغ لا يحتسب بما قرضه المرء من سنين، كل شيء حولنا يقرض سنينه أو تقرضه السنون؛ حتى رمال الشواطئ والصحارى، حتى فزاعات الحقول. ربما أنا فعلاً لم أبلغ سن الرشد بعد لأحتفظ بالطفل داخلي، وأجنبه زكامات الهرم والشيخوخة.. أردف بصوت جاد ولغة جسدية واثقة؛ وكأنه يستكشف نفسه أو يغوص في أناته لأول مرة.
أوقد سيجارة مارلبورو بتلذذ ورمقني بنظرة حميمية وقال؛ إذن لنكمل في لب الموضوع، إذا كان سيفضي إلى شيء مفيد غير القشور. ويقودنا إلى علة الاستياء من محاضرة غاية في الأهمية.

..حسناَ.. أحاول أن أسلك الطريق المختصرة سيد مروان، ولا أنسى أبداً اصطحاب الطفل داخلي، الذي قد يُطيل الطريق بمشاغباته، لكنه يمنح الجدل حلاوته المُسكِّرة ويكسبه مصداقية، أو رغبة صادقة للخروج بقيمة تتجاوز ثنوية النصر والهزيمة.

نعم سيد مروان كنت معها؛ هي الأخرى كانت تريد توضيحاً، عن أحد الاصطلاحات أو التعابير الظريفة، تلك التي أخترع كلما أشتد بؤس الواقع وبؤس مثقفيه. كانت قد سألتني عن العقل التنويري_الأصولي سيد مروان، رمقته بنظرة خاطفة من خلف المقود وأضفت، أحسبها كانت تسأل عنك أو عنها هي دون دراية. أردفت مع ابتسامة مماحكة. أما عن الجمهور سيد مروان فهو محترم، لكنه الجمهور الخطأ في المكان الخطأ. لا يبدو أنك تفهمني، قلت له وقد انتبهت إلى انشغاله بشعرة نافرة من شاربه.
سأوضح لك، بعد أن تنجح في نتفها وتستريح. أظنك ستركز معي بشكل أفضل.


فاتن نور
Nov, 2016



#فاتن_نور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جيسيكا..2
- جيسيكا
- العلمانية ضد محاربة الأديان..
- حوار عن العقل النقلي
- وزارة التعليم العالي وتحديات الكعب والتنورة
- تحريض..
- وجه الحقيقة والحقن بالبوتكس
- الوجه الآخر للإرهاب
- الفاتيكان معقل الراسخين في الاستثمار
- كوكتيل أسئلة دينية..4
- كوكتيل أسئلة دينية..3
- الكرة الخفية والإله الخفي
- كوكتيل أسئلة دينية..2
- ورقة التوت يا وطن الضجر
- كوكتيل أسئلة دينية
- اغتراب الطلع
- العقل ليس قرباناً لأصنام الدين
- ازدراء الأديان في ميزان المسؤولية
- بين العقل العلمي والعقل الديني
- شعارات تعبّر عن جزع السنين


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاتن نور - جيسيكا..3