أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سوف يكبرون ويحبّون العالم














المزيد.....

سوف يكبرون ويحبّون العالم


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5329 - 2016 / 10 / 31 - 13:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ابتكر الإنسانُ الأعيادَ من أجل خلق حال من الفرح والتآخي بين الناس الذين تأخذهم دوامات الحياة فينسون حتمية المحبة والتزاور والتضامّ لمواجهة صعاب الحياة. في الأعياد نكسر روتين الحياة اليومية المشحون بالتعب. نحاول أن نعلّم أطفالنا أن "الآخر" ليس عدوًّا، بل هو صديقٌ وآخ ومعين معه تسهُل الصعابُ وبه تُحلُّ المشاكل. إن نجحنا في هذا، فنحن آباءٌ وأمهاتٌ ممتازون، نمنح الحياةَ براعم جديدة تُزهر وتُشرق في ظلمات الكون، وإن أخفقنا فإننا نزيدُ الكونَ إرهاقًا وعُسرًا بمنحه أجيالا تتناحر وتتقاتل وتزيد العالم شقاء ودماء.
إن نجحنا في تعليم أطفالنا أن "الآخر" صديقٌ وليس مصدر خطر وتهديد، سوف يكبر أطفالُنا ويصبحون رجالا ونساءً قادرين على النهوض بمجتمعاتهم أكثر. بوسعهم قيادة العالم علميًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا. أولئك الأطفال الذين تعلّموا في أولى سنوات أعمارهم أن الاثنين أقوى من الواحد، وأن نجاح الإنسان لا يكون إلا بنجاح رفاقه، وليس برسوبهم. أطفالٌ أصحّاء، لم يخبئوا الكتب فوق أرجلهم أثناء أداء الامتحان لينقلوا منه الإجابات"خلسةً"، ولا وضع التلميذ الحقيبة فوق البِنش بينه وبين زميله الجالس جواره حتى لا ينقل هذا الزميل معلومات من ورقة إجابته. أولا لأنه يعرف أن زميله غير غشاش ولا لصّ، وثانيا لأن إجابات أسئلة الامتحان ليست في الكتاب المدرسي بل في عقول الطلاب.
في طفولتنا في شهر رمضان الكريم، كنّا نحمل فوانيسنا مضاءة شموعها، وندور نُحيّي سكّان عمارتنا، وكان أصدقاؤنا وجيراننا المسيحيون يحملون معنا الفوانيس ويغنّنون مثلنا "وحوي يا وحوي"، مثلما نشاركهم فرحة عيد الميلاد بالملابس الجديدة ودهشة استقبال العام الجديد.
غدًا 31 أكتوبر، عيد الهالوين الغربي. أتذكر ليلة ذلك العيد وكنت بإحدى ولايات أمريكا منذ عدة أعوام. كان القلق يفترسنا أنا وصديقتي المصرية الأمريكية، لأننا نعلم أن أطفال الحي سوف يطرقون الباب بعد برهة، ولم نستعدّ لهم بقطع الحلوى والشيكولاتة! تهاتف صديقتي زوجَها وتستحثّه على الإسراع بالحلوى وإلا نفّذ الأطفالُ "وعيدَهم" الطفولي بعمل الخدع والشقاوات اللطيفة أمام باب البيت. في ذلك العيد، يتنكّر الأطفالُ في ملابس غريبة تتدرّج من أجنحة الفراشات الشفيفة، وحتى أسمال السَّحرة الأشرار، ويضعون الأقنعة التي تتدرّج من الملائكة حتى الشياطين، يتنقّلون من بيت إلى بيت من بيوت الحي، يطرقون الأبواب قائلين: Trick´-or-Treat، أي: "هل ستعطوننا بعض الحلوى، أم نطلق عليكم ألاعيبنا وحِيلنا الماكرة؟" حاملين أكياسًا فارغة من القماش وأوعية على شكل ثمرة "القرع" وهو رمز هذا العيد، لكي يجمعوا فيها غنائمهم الحُلوة.
أصل العيد هو تزامن نهاية نوفمبر مع موعد الحصاد الأخير، وبداية فصل الشتاء الذي تكثر فيه المجاعات في الأزمنة القديمة، وبالتالي يزيد عدد الموتى جوعًا. واعتقد الآيرلنديون القدامى أنه في يوم 31 اكتوبر، يشفُّ الحاجزُ الفاصل بين عالم الأحياء وعالم الموتى، فتخرج الأرواحُ المتوفاة من القبور وتتجول في أمكنة معيشتها الأولى. لهذا يضع الأطفالُ أقنعة تعبر عن تلك الأرواح طارقين الأبواب طالبين الحلوى، من أجل تكريم أولئك الذين قضوا نحبهم جوعًا.
ما يعنيني هنا هو الحرص على كتابة "الكود الإنساني" لدى الأطفال في الغرب. ينشأ الطفلُ وقد تعلّم أن أولئك الناس خلف الأبواب، رغم أنه لا يعرفهم، إلا أنهم آله وأهله وأقرباؤه في الإنسانية. يفتحون له الباب، يبتسمون في وجهه، يمنحونه الحلوى، ويتمنون له عامًا طيبًا. فيكبر الطفلُ وقد اكتسب مناعةً طبيعية ضد أمراض تصيب بعض المجتمعات الرجعية مثل البغضاء والخوف من "الآخر".
بتاريخ 10 فبراير 2009، كتبتُ بجريدة "اليوم السابع" مقالا عنوانه "رُدّ لي ابتسامتي"، تساءلتُ فيه عن سرّ توجّسنا من "الآخر". في الغرب، مستحيلٌ أن تلتقي عيناك بعيني شخص آخر في الشارع دون أن يبتسم لك، ويومئ لك برأسه كتحية. شخصان غريبان لا يعرفُ أحدُهما الآخر، يسيران فوق كوكب الأرض، تصادَفَ أن التقت عيونهم للمرة الأولى، وربما الأخيرة، في لحظة زمنية بعينها؛ فلمَ لا يبتسمان لبعضهما البعض؟! أحبُّ هذه اللفتة الإنسانية وحاولت تطبيقها في بلادي. لكن الناس لا ترد الابتسامة! بل ينظرون لك بتوجّس وقلق! ابتسمُ لرجلٍ، فيُسيء فهمي! أبتسمُ لامرأةٍ فترتابُ في نواياي. قلتُ لنفسي دعنا من الرجال والنساء؛ ولأمنح ابتساماتي فقط للأطفال. فالأطفال، ملائكةِ الله على الأرض. فهالني أيضًا أن الأطفال لا يردّون ابتسامتي! ربما لأن أهلهم علّموهم أن البشرَ ذئابٌ تخطفُ الصغار. أمرٌ محزن أننا لم نكتب "كود" أطفالنا" على النحو الطيب الصحيّ. كان الأطفال قديمًا يدورون في شهر رمضان على البيوت قائلين "أعطونا العادة"، التي هي "العيدية". اختفى هذا الطقس الطيب، لتحلّ محله معانى تضرب الإنسانية في مقتل. متى نُعيد كتابة كود أطفالنا على النحو الإنساني السليم؟! متى نُنشئهم على المحبة غير المشروطة، دون الخوف من إيذاء الآخر؟ علّهم يكبرون ويحبوّن العالم.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان من فاطمة ناعوت بخصوص مؤتمر واشنطن | لماذا يهاجمني بعض أ ...
- الحرفُ يقتل!
- المعادلة المستحيلة ... لا تطفئوا مِشعلها!
- كيف تصير مشهورًا دون تعب؟
- حُرّاس لغتنا الجميلة، وقاتِلوها
- يا ماعت: اخلعي حذاءك في المطار
- صاحبة السعادة تهدينا مذاقاتِ طفولتنا
- سبعُ قبّعات فوق رأسك
- مشروع قومي: ضدّ الطائفية
- حرية التعبير يا حمادااااا
- اخرج م الطابور يا خروف!
- يا ريتها كانت بركت وفطّست العجينة
- ولاد الناس …. وولاد اللامؤاخده
- حموكشة الربعاوي
- على مقام الهُزام
- من ثنيّات الوداع
- الجمال المستحيل
- العلاقمة... قرية مصرية جميلة
- القديسةٌ أم الأمُّ؟
- رسائل محمد بك وفاطمة هانم


المزيد.....




- -المسلمون في أمريكا-.. كيف تتحدى هذه الصور المفاهيم الخاطئة ...
- سوناك يدعو إلى حماية الطلاب اليهود ويتهم -شرذمة- في الجامعات ...
- بسبب وصف المحرقة بـ-الأسطورة-.. احتجاج يهودي في هنغاريا
- شاهد.. رئيس وزراء العراق يستقبل وفد المجمع العالمي للتقريب ب ...
- عمليات المقاومة الاسلامية ضد مواقع وانتشار جيش الاحتلال
- إضرام النيران في مقام النبي يوشع تمهيدا لاقتحامه في سلفيت
- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...
- إيهود أولمرت: عملية رفح لن تخدم هدف استعادة الأسرى وستؤدي لن ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة 2024 بأعلى ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل المنتخب الوطني لكرة قدم الصالات ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - سوف يكبرون ويحبّون العالم