أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم الوراق - لقاء على شاطئ سيدي بوزيد















المزيد.....


لقاء على شاطئ سيدي بوزيد


ابراهيم الوراق

الحوار المتمدن-العدد: 1408 - 2005 / 12 / 23 - 11:22
المحور: الادب والفن
    


على حين غرة إلتقى بها في هذا الشاطئ المتخم بطموحات كثيرة ، والمترع بآمال جميلة ، يالها من فرصة جميلة لم يتهيأ لها !! ، ولم يخطر بباله أن يستعد لها ، ولو خطرت له خاطرة من هذا ، لكان له ألف حساب معها ، ولربما قد يبعده ذلك عن الإستمتاع بها ، لكنه ومنذ زمان ، قرر أن لا ينتظر الغد بآمال يتمنى تحققها في حياته التي لا يؤمن بها إلا قمة شماء من الحزن الذي أكد جنابه ، وأهاض جناحه ، وهو لا يرجوا من الشروق إلا يوما بئيسا يختم صفحات تعلقه بهذه اللعبة التي لم يستأنس بالمكت فيها إلا كرها وقهرا ، فماذا عساه أن يفعل في زمن كريه تنتحر فيه الإرادات تحت سياط الأمواج العاصفة على كل أمل وديع ؟؟
على هذا الشاطئ ، فكر بتلقائية في أن يهب لها نفسه ، ويقدم لها روحه ، فهو لا يريدها إلا يدا حانية تزيح عن نفسه كابوس العناء والضجر ، وتدفع عنه الحنق الذي يشعر به منذ أن فارق طموحه وأحلامه ، ولا يفكر فيها إلا لطفا إلهيا يدخل النور على قلبه المكدود ، ويؤسس لموجات من الأمل المنشود .
إنه يشعر برغبة فيها ، ويحس بطمع زائد في يدها ، فلا يدري كيف يفسر هذه الرغبة ؟؟؟ ولا كيف يحكي عن إحساسه بها ؟؟؟
إحساس غريب ، وشعور فياض ، وهو لا يحكم على شعوره بأنه المناسب معها ، ولا المتمكن من تطويعها ، ولا المعين على استسلامها ، فهل صار يعطف على شكاتها ؟؟ أم يأمل في أن تجوس خلال روحه ؟؟ أم يحتاج إلى من يحيي صوت قلبه ، ويعرفه بعمق نفسه ، ويوقنه بنجح خطه ، وسمو قصده ، ويرده إلى هداه بعد أن ضلت به السبل ، وتوعرت في طريقه المشاعب ، فهل ستقدر على استفتاح أقفال شخصيته ؟؟ وهل ستنجح في إيصال لغة قلبها ، إلى روح لم تعشق منذ زمان عينا وعقلا وتفكيرا ؟؟؟ إنه يعرفه السارد منذ أن صاحبه مشاكسا ، متمردا ، صخوبا ، لا يستقر على حال ، ولا يلوي على أمر ذي شأن ، هكذا عرفه قبل أن تفرق بينهما الحدود ، وتضاريس المكان ، وهكذا كتب عنه يوم أن هاتفه من عاصمة النوارس ، وهكذا صوره حين طالبني بتوثيق مشاعره .
إنه يعيش في قاربه مجاورا للبحر ، متحدثا مع الحيثان ، ملاطفا للأمواج ، منتشيا بهديرها في غور الليل ،مستغنيا بها عن غيرها في عمق الظلام ، وحين يصعد إلى هذه الشرفة المطلة على االشاطئ ، أويلقي بطرفه على هذه السحب الكثيفة التي تلف فضاءه ، وتطرز سماءه ، أويتأمل الأمواج الصاخبة بطلقاتها التي ترسلها على هذه الصخور المتهارية على أعقاب هذا الشاطئ المحتضن لهمومه وأحزانه ، يرى الكون ممتنا عليه بشاعرية لا ترمقها عين هذا البدوي الذي لا يعي من قاموسه إلا ألفاظا مرة مكززة تذكره بدرس الأستاذ في اللغة العربية ، وهو يتحدث عن شجر الصاب والعلقم ، والعرفط والشيح والقيصوم ، ويرى هذا الشاطئ الممتد إلى أعماق روحه ، وهذه الأمواج الصاخبة تستدر صداقته الممنوعة من كل إنسان ، هذا الشاطئ المشمر بالأحاسيس الجامحة ، هو الذي يجود عليه في ليله بتوارد الخواطر والأفكار ، وفي النهاريتمتعه بوجوه تتغني لها الحياة ، وتبتسم لها الآفاق ، وتشرق عليها الشمس بالتحية والإكرام ، وجوه جميلة لطيفة ، تدخل إلى هذا المربع بأحلام كبيرة ، وترتاد هذا الفضاء بآمال وديعة ، آمال تنتشي مع صنارتهم التي يقذفونها في مطرح الأحلام ، وتنتظر تحققها في معترك الحياة بشوق وتحنان ، وترتقب ساعة ينطلق فيها الغيم إلى برج اللاعودة والنسيان ، وهذه الأمواج المرتبكة هي التي يجلس شاعرنا من أجلها على التراب المبلل بمدها ، فيتأمل صفاءها وكدورتها ، ويتذكر صراعها مع البر، وفرارها من مستودع الشرور والآثام ، ويستحضر بين عينيه صديقته التي سمته أخا لها ، وهي تحادثه بعيشها في بحر لجي لا يرحم عجزه عن العوم والسبح فيه ، ولا جهله بالصيد والإقتناص منه ، ويستغرب مصاحبته للبحر الذي لم يمنحه ثقة بنفسه في خوض عبابه ، وشق خضمه ، فيخاطب نفسه بالأسى والإمتعاض الذي لايجده إلا فاقد الصديق الذي يرى آية للإهتداء في ظلام اليل البهيم ، ورشدا لطيفا في دياجير الحياة ، فهل سأتعلم السباحة والصيد ، حتى أكون بطلا أولمبيا فيها ؟؟ أم أكون مستهلكا لأدوات قنصي في ردهة الظلام المذكرة لي بأفكاري التي تتواثب على ورقاتي ، وتتراقص بين أناملي ؟؟ شاعرنا ، وكاتبنا ، إختار أن يعيش لهذا القنص الذي لا يغنيه عن وحي البحر ، والشاطئ ، والصخور شيئا ، فآه آه !!!له من قرار !!!
أما صديقته فلا يدري كيف تفكر ؟؟ إنه يعلم من مصدر آخر أنها تحمل بين طوايا قلبها ، وحنايا سريرتها مشروعا كبيرا ، وطموحا عالية ، وآمال عراضا ، قد لا تلتقي في يوم تحققها مع آمال شاعرنا المفدى ، وطموح كاتبنا المنكور .
في سياحة حلزونية ، وهما يجوبان الطريق العمومي رقم 154 على ساحل البحر ، يخطر بذهن كل واحد منهما خاطر لاأكاد أفسره تفسيرا وافيا ، ولا أستطيع وأنا طبيب أجري عليهما فحصا طبيا أن أحدده ، ولاأن أعرف سببه ومنتهاه ، فلم لا يتذكر ، وهو على سرير الطبيب شيئا يعين على تبين مزاج كل منهما ، لا يتذكر من أحاديثها ، إلا أنها ألحت عليه بكلام لا يعيره إعتبارا عنده ، ولا يرغب في حكايته ، وحين يزداد إلحاحها بأسئلة تريد أن تعرف له فيها رأيا ، وتتبين منهج تفكيره ، يوجه كلامها إلى منحى آخر ، ويصرفه في مصب ثان ، وهو يرغب في أن تعتبر نفسها بين يدي إنسان يحتاج إلى روحها التي تفهم لغة روحه ، ولما اشتدت العلة ، وأزداد الضر ، عرض نفسه على الطبيب النفسي ، وحين ايستفزه بأسئلته المحرجة عن طفولته ومراهقته ، لم يتذكر إلا تلك الملامح الوضيئة التي جعلته مخبولا في دنيا لاتعرف قوانيها إلا الحذق والشطارة ، ولم ترتسم في ذهنه إلا تلك اللحظات التي أوقفت الزمان لينكمش بين يديها ، واستدرجت المكان ليصغر بين عينيها ، وأظهرت في تركيبنا اختلاط الطين بالماء الذي يدر عليه حياة وأملا .
هذا ما تذكره ، وهو يهذي بكلام قديصوره ثقافة عالية ، يظهر فيه تفوقه المعروف بين زملائه ، وهم لا يشهدون له إلا بالتضلع والتمكن في الأدب العربي الذي لا تعجبه منه إلا تلك القصائد العاطفية التي تتشرب منها نياط قلبه رشفات الحياة ، إنه مثقف ولافخر ،!!! هكذا بطلي في روايتي ، فهل تعاندني ؟؟؟
لكنك حين تسأله في لحظات هذيانه يقول : لقد ضاعت الثقافة حين صارت الكلمة تجارة ، والمواقف أرجوحة ،
لقد تطاير من هذا المسمى ، في يومه الأخير ، فلا يراه إلا شؤما يحل بقلبه ، وحرجا يقض مضجعه في حياته ، فثقافته اليوم صارت بكاء ونحيبا على طموحه التي تهاوى ، وأمله الذي تبدد .
ففي يوم من الأيام ، وهو يعد أنفاسه ، وينتحب من تذكرها ، يحكي عن علاقته الأولى بها ، فيوقفنا على الرؤية التي شطرت همه إلى فلقتين متشظيتين في رحبائه ، وكأنهما تنافرتا فأبتا اجتماعا وتلاقيا ، عينان زرقاوين يدعان الحائر في زنزانة الهوى ، ومخدع العشاق ، وملامح تغذي الواله بطعم الشوق والهيام ، ومسحة جمال تمتسح بها خصلاتها ونحرها ، قبس من فيض نور سماوي ، ومسكة من ملاك تخذت الأرض مستقرا ومتاعا إلى حين ، لن أصفها بفويق من ماهي عليه من حسن وجمال ، ولن أترك الخيال يسرح في تصويرها خارجة عن عالم مجاملاتنا ، ولا نابعة من طبيعة أخرى غير طبيعتنا .
إنها هي ، في كلامها ، ومشيتها ، وحركاتها ، وخفتها ، لا يعادلها إلا شبحها المظلل لشخصها ، ولا يقف ندا لها إلا عينها وحقيقتها ، ولا تستوفي كلماتها إلا كلامها ، لقد تذكر حين ردت عليه بكلام يشعره بأنه إنسان بلاغريزة ، ويرفعه من بشريته إلى أسطورة قديمة ، ويضعه في مكان لا تمسه فيه الأيدي والظنون ، ولاتصله فيه الأقلام والمداد ، وقبل أن تحادثه تواتر عندها في عقلها أنها سترى جمادا لاحراك له إلا بإرادة مريدة ، ولكن حين انتهى مقامهما رأت فيها إنسانا يركب سفين بشريته ، ويعيش في نطاق حدوده .
سيدتي : دعي عنك تصوراتك القبلية ، فأنت بين يدي أمل يدب بداخلي ، ورجاء يدأب البحث عن سبيل للولادة من جديد .
أنا هنا في حضرتك طائريشدو فوق الأغصان ، أو فراشة تتنعم بالأقحوان ، أو سمكة في وعاء من زجاج ، أنا هنا لأهرب من كمي وكيفي لأملأ هذا الجو بعبيري ، بحقيقتي ، بكياني ، بهمومي التي لم أزح الستار عنها لأحد سواك ، أشياء كثيرة تغلي مع دمي ، وتدور من خلف ستار آدميتي ، لاتفصح عنها كلماتي ، ولاتقاسيم وجهي ، تنتظر منك إشارة للبداءة بها في ساعة حواري .
أنا هنا في هذا الشاطئ لأكفكف دمعي ، وأنثر كلماتي ، وأغني ليومي ، وأكتب سطرا في جداولي ، وأخط قدما بين ألواحي ، فلا أريد منك تفضلا أن تحاكميني على خطفاتي ، ولا أن تحاسبيني على لحظاتي .
سيدتي : لست نزقا ، ولا صفيقا ، ولكني أتعثر في ذيلي ، وأسحب من ورائي قيدي ، فأنا محتاج منك إلى ضبط عنواني ، ومعرفة بطاقة معلوماتي ، فأنقذيني من غواصاتي ، وأزيحي عني اصطراخ تأملاتي ، فهل ستمنحينني عودة إلى داخلي ، إلى كياني ؟؟؟ وهل سترشدينني إلى مهيع لاحب لتحقيق طموح دالت أيامه مع هوج برج الحمل المتماثل بين يدي ليلة ولادتي ؟؟؟
أنها حبيبة ، كما طرزتها يد في سويداء قلبي ، ودبجتها يراعة في صحيفة قلبي ، فهلا سكتت عن لومك لي يا لائمي ، وهلا عشت لحظات حرى كما عشتها يوم هيامي ، وهلا سلمت لي ماأعانيه في حالي وغيبتي .
ليتك ، كنت هنا حين تناديني ، ومازالت و بكلام يعقل بعقاله عقلي ، فتجترأ بكلامها المتكسر على فري أوداج قلبي ، وكأنها تمد يدها الحنونة الى رجائي وأملي ، أوكأنها تصفح عني بنظرة تعيدني إلى وجودي ، لكنني سأتناساها في ظمإِ الحياة ، وحر الظهيرة ، وأنا أهفو إلى تلك الحياض لأشرب منها رقة وشذى ، قبيل أن تفسدها أنامل الشر والفساد ، وتعكر صفوها عزائم الإثم والغواية ، فأدرأها عن نفسي بتجاهلها في يومي ، وأدفع عني أحلامها في ليلي
فهل هي حقيقة ؟؟ أم وهم يستبد بحياتي ؟؟؟
إنها أفكار تثور مع دمي ، وخلايا تسرع في تفسير آلاف من الشعور والأحاسيس التي تنتابني تجاه هذا الوافد الجديد علي من عالم السماء !!
حين كلمها ، كما حكى لصديقه المفضل ، بلحاظه ، باستعطافاته ، وجدها إنسانة عاطفية ترتكس عواطفها بين ركام العادات ، وتلتف أحاسيسها بغلالة من التصنع المكتوم الذي يبعد عنا فهم أرقام حياتها ، فهل نحن حين نتقابل في نادي الكتاب على شاطئ سيدي بوزيد ، نمثل حقيقة على مسرح ألفاظنا ، أدوار كلماتنا الباطنية ، بأحاسيسها وشعورها ؟؟؟ أم حين نأخذ هذا القلم يقف النسق حاجزا بيننا وبين سرد قصة حياتنا كما تشكلت على هذه الخضراء ، فلا نكتفي بتحوير الحقيقة ، وإنما نتعامل مع الواقع الذي نرسمه بأحكام تجعله كالمسلمات التي لا تقبل الردة والمؤاخذة ؟؟؟
فلنغتل أقلامنا ، ولنكتب بأرجلنا ، ولنقل بصوت واحد : نحن لا حقيقة لنا !!!
سيدتي : أرجوك أن لا تحكمي على حياتك بالفناء !!
كيف ذلك ؟؟؟
سيدتي : إنك حين تودعين البسمة ، والكلمة الراقصة ، ستفقدين حياتك !!! فهل تقبلين أن أعلمك الموسيقى ، حتى لا تكون العبارات صوت نشاز في النوتة التي ستعزفينها ؟؟؟
تأبت علي ذلك، وقالت : آه ، أنا أستمسك بمبادئي ، وأصر على تتبع طريقتي ، وأثق من سمو قصدي ، إذ ذاك علمت أن لامجال للرقص على حبل الأنوثة ، فمبادؤها لا تسامق إلا مبادئي ، وأفكارها لا تسامت إلا أفكاري ، وأنا لا يلبسني إلا جبتها ، فهل من عيب إذا علمت أنها خلقت لي منذ الأزل ، وأنني لن أسمح لها بتجاوز حدها في حقي ، وهل من عتاب علي وأنا أتتبع خطواتها من اللوح المحفوظ إلى عالم الأرض ، أخطو خطاها حذو القدة بالقدة .
تحاكيا معا ، وإن كانت الذكورة سباقة إلى البوح بالتصريح بلواعجها ، متقدمة بالتلويح بآمالها ، منتظرة من هذه النعامة التي تدس رأسها في وطيء السرية والتكتم ، أن تخبرها نفسها الأمارة بالحديث فتتحدث عنها بمستفيض من الأخبار ، وكم إنتظرها ، والسكوت يلف ساحتها لتتحدث ، لكنها وإن كانت ملامحها البارزة تظهرها ذابلة للضنى الذي ألم بها ، لم تتكلم بكلام يصوب نظرته إليها ، حكى لها عن الماضي الغابرالذي لا تفيده تكرار ذكرياته بنتيجة في يومه المليء بهم إعادة صياغة إعتباره لمشروع الحياة ، حكى عن الأمل التي تبدى فيلا ، ثم انتفش ، فصار قطا هاربا من باب السوق إلى مجزرة باب الوداع ، حكي لها عن حياته بفصها ونصها ، وكأنها بصمتها تستزيده من الكلام الذي أعجبها منه نغمته التي أضافتها إليه بحة أصيب بها ، وحين تلتقي الأحداق ، تلاطفه ببسمة تتكرر بتكرر النظرات ، وحين يرى عارضها ، تسري في نفسه قشعريرة الكاتب الفقير الذي لا يملك إلا كلمته رأس مال خالص له في زمن الخواء والعراء ، فتشتاق أريحيته للحديث عن حياته ، بأنغامها الحزينة والفرحة ، وتغيب به مداعبته لأوتار قلبه عن وجوده الذي يراه مربادا مظلما ، لا يعرف فيه ألا أصابعه ، ولسانه ، التي يناجيها بنشيج وأسف ، ويبكي عليها لعلها تخرج من قاع بؤسها نغمة تتآلف مع ما يهفو إليه قلبه من طموح وآمال ،لقد رأته هكذا مندفنا في شجرة ذاته الفرعاء ، مندقا كالوتد في صخور أنانيته المفرطة ، وهو لا يحكي إلا عن نفسه المفتونة بتعداد فضائلها ومحاسنها
لكنه يستدرك على ذلك بأنة حزينة ، تلقي خطامها المبتور على كاهل الزمن الذي رماه عن وتر معقوفة فأصاب منه المحز والمقتل ، ترحل في تلافيف ذكرياته الحزينة ، وهولا يحكي إلا ما علق بذهنه منها ، وما أكثرها من حروف سطرت بذاكرته ، ورتبت بين غمرات أنفعاله ، لم تجد عنده مناسبة للبوح بها ، ولا روحا تتحالق معها في عليائها ، وحين انظهرت له هذه الفرصة ، أرسلها صاعقة من الكلام المتململ بين أدراج البؤس والأحزان ، ونار من الأسى على الماضي الحسير ، ويصاب كاتبنا بحمى الحكي والسرد المسبل على السويعة الممنوحة ستار ذات تعاني من أفكار ثخينة تحتاج في حل شفيراتها ورموزها إلى لمسة غيبية من يد تستبطن الشفاء الأزلي ، وتختزن طاقة نورانية تشع بها مسام الوجه الجاثم بين تباريج الجسد والروح ، إنه قلب نابض من ذات متوهجة ، تعتصر الزمن في حكايات مخملية ، تكتسح ذاكرة الآخر ، وتخترق بكلماتها الملتاعة عقل البريء ، وتطأ الأرض المقدسة من طور سيناء بأنوارها الكابية بين أسرار وجودها ، إنها روح تتعارك مع خلايا الدم ، في كون أثيري ، تصتهر في فرنه مواد شفيفة تلتهب بالأعاصير المزلزلة لكيان الطبيعة التي تجود على كاتبنا بمناظر آسرة ، يخالها في لحظات شقائه صحراء قاحلة لا يهزمها إلا صوت الحزن والشجن ، يتساءل مع نفسه ، وعقله مستباح لجيوش كاسرة من الأفكار ، لاترى وفادتها على مخموم القلب إلا تجديدا لرابطة العهد القديم الذي تواتقث به العقول مع قوانين الطبيعة منذ زمن آدم ، وإلى زمن متقدم في التاريخ البشري ، فهل تحس به كما أحس بها ؟؟ أم ستصاب بذهول في داخلها ؟؟ أم ستعيش معه بحافظتها ، تسجل عليه سقطاته وهناته معها ؟؟
إنه لا يرسمها في عقله إلا فتاة تجود بها واحات الشعر على كاتب أعيت مذاهبه ، وأغلقت أبوابه ، !!!فهل تطيق أن تقبل منه طلبة دسها في بحره الذي تراه بين عينها كفاحا ؟؟ أم ستتمنع عليه بدهاء الأنوثة التي ترى تعذيب المحبين قربانا وصدقة لغرورها ؟؟
فلو درت كيف تألم لسكوتها ، وكيف استمرأ كلامها الموغل في التعمية ، لرأت قلبا يتحمل فوق طاقته من الجهد والعناء الذي تكد له هذه السفن الراسية على مرسى الشاطئ المتاخم لمثلث أحلامنا !!، ولو علمت أنه ماوجد هنا وحيدا ، إلا لإبعاد الذوات الجامدة المنحوتة من تراب الجص ، ودفع الأحزان التي سببها له وجوده بين الزعانف المتكسرة في مستنقعات الكره والحقد ، لو درت ذلك ، لحاولت أن تدفع الثمن غاليا في إسعاده ، فكيف أستطيع مخاطبتك ياسيدتي ؟؟
إنني أريد منك أن تشاكلي البحر في عطائه ، فهو هنا دائما ، يمنحني ساعة أنسى فيها همي وحزني ، ويرسل إلى عالمي أمواجا تغسلني من غبار النسيان ، وتلفني و الأرض بشريط من النور المهيب ، وتسبل على الكون غطاءا من البهاء ، فقصارى جهدي هنا ، أن أحكي لك ما سمعت من باطني من شعور ، فهل شعوري خادع ؟؟ وهل عاطفتي كاذبة ؟؟
لا أظن نفسي هكذا ، !! إنه يستشعر حين يرمق الوجود مسجى في ثوب الكتمان ، والوجوه تبتسم خداعا ونفاقا ، أن الحقائق التي ندركها بين جوانحنا ، ونخفيها بين ضلوعنا ، رغبة منا ، أو قسرا علينا ، حتى لانرى لقى في مرمى النوى ، تتقاذقنا الأرجل ، وتدوسها الأقدام ، هي الحقيقة المطلقة التي لا تمنحها الذوات إلا بضنة وبخل ، فيالها من عواطف تعترم بداخل كل منا ، !! ويالها من لغات تتعدد تراكيبها بين جوانحنا ، فأين المعبر لإستخراجها من بين الصخور التي تصطرخ عليها الأمواج يوما بعد يوم ؟؟
يستحضر ساردنا ، وهو جالس على طاولة صغيرة ، تواجهه فيها فتاته التي لم يفصح لها عن حبه ، أن لقاءه الأول بها ، كان عزاء لقلبه ، ورضخا لشاعريته ، لم تتكلم بكلام كثير حتى يستمع إلى نغمات صوتها ، ولم تبين له عن تفكيرها حتى يتعرف على وسائلها في تقرير قرارها ، ولم تفصح عن سريرتها حتى يعلم من هو بالنسبة لها ، فهل ستعيش معي لحظاتي في فضاء صوفي ، لا تغلي فيها الأرواح إلا في عالمها الأفقي ؟؟؟ أم ستعيش في قفص الأشباح التي تعطلت أدوارها في عراك الحياة ، !!! أم تمانع عن هذا ، إشعارا لي بقيمة مبدئها في الحياة ؟؟ أم ترسل إلي رسالة المرأة ، وهي تتباهى بقلبها الذي لا تمنحه بسرعة منها ؟؟ أم اكتفت بالموزون من الكلام حتى تقنع نفسها بأنها سطت على عقلها ، ووضعت يدها على أحاسيسها ؟؟ إحتمالات كثيرة ، وكاتبنا وساردنا لا يعيان من واقع النساء شيئا ، فلربما قد يظن أحدهما أنها تحتقرهما في قلبها ، وتستوحشهما في عقلها ، فتقول لكل واحد منهما على انفراد
حقير ، حقير ، حقير.
هذه ربما ، لغتها في باطنها ، وهي تنظر من وراء الباب إلى فضيحتهما المستعبدة ، ويتجرأ ساردنا وهو يقرأ ما كتبه كاتبنا ويقول : سيدتي
لا أستعذب لحظة من لحظاتي كهذه اللحظة التي منحتني إياها ، صدفة اللقاء بك ، فأشكرك على وقتك الذي تضيعنه مع كاتب ينتحر في فقاعات فراغه ، وينتحب في وهجات حزنه ، لكنني ، وإن عن لي ، أن لاتريني بهذا المنظار ، فأنا ، جمرة متقدة من الآمال ، لغز في بحبوحة الحياة ينتظر من يفكه ، لغة تحتاج إلى من يقرؤها ، شاعر يأمل من يفتق موهبته ، بركان يترجى من يهدأ روعته ، وحين أتم قراءته ، شردت منه نظرة إلى قرص الشمس ، وهو يلعنه على سرعة المغيب ، ويدخل كاتبنا في الشفق ، وهو لا يرجو من الليل رجاءا إلا نسيان يومه الذي أهانه في غروره وكبرياءه ، وحين وضع جسمه الهامد فوق أريكته ، ينتظر النوم ، ولو بكوابيسه المزعجة ، أخذ يراعته بين أنامله ، ليشرحها عبارات على صفحات ورقه ، فتراءت له في أول لقاء ، بصورتها ، ورشاقتها ، وصوتها ، ونظراتها ، وقوامها ،فلم يستطع أن يكتب عنها شيئا ، لقد ذهل لما أرى , وكأنها جرم ملاك ألتقته السماء طعما سائغا في حياته ، فلم يرحمه سرحانه وتولهه ، أن يقول : أنا أستعذب كل عذاب في حقها ، فأنا إذا أحبها .....!!!
أفكار كثيرة ، تهجم عليه في أرقه ، وهو لا يجيد ترتيبها ، فكيف السبيل إلى إيصالها الى باحة شعورها؟؟
وهل شعورها بي ، سينفعها في صيف أحلامها ؟؟ ؟ ثم يستعيد الشريط مرة أخرى ، يستعيد كل ابتسامة ، كل كلمة ، كل نظرة ، وفي كل مرة يستعيده يتراءى له ببعد آخر ، وهو لا يريد من هذا العناء إلا أن يركب في نفسه شعور الظفر بها ، وحين يتأمل قلة كلامها ، وحديثها المقتضب عن مشروع حياتها ، يخلص إلى استبعاد ذلك ، وكأنه نوع من المحال الذي لن يبلغ إليه ، وحين ترتسم بين عينيه بسمتها الأخيرة ، وكلماتها المودعة له بالشكر ، يظنها قد ألتقت العصا بين يديه ، وكأنها تستحثه في الوصال ، فيكرر هذا السؤال ، وهو يطالبني بالجواب ، هل من أمل ؟؟
إن الأمل يخفف العناء ، ويطرد اليأس ، ويوقد جمر الغضب ، فهل سينتظر صعود النجم بعدما افترقا ؟؟ أم سينتظر طهورقرص الشمس مرة أخرى ، وهو يعاني من ضجره حين يراه تبتلعه هذه الأمواج الزاحفة إلى شموعه التي أوقدها في عرسه ؟؟
وحين قابلها في المرة الثانية ، أدرك الهوة سحيقة فيما بينهما ، خنادق من الخجل تحول بيننا ، وصناديق من الآمال المقفلة تنغلق عليها قلوبنا ، ومصابيح من الرغبة تزحف منحرفة عن عينينا ، فهل سينمو هذا الضوء ويكبر؟؟ أم ستتحول جداولنا إلى مترعات بالإنسياب ؟؟ وهل سيتكلم هذا الإحساس الصامت ، والأعجاب المخنوق ؟؟ وهل ستحس الفراشة بأنها داعبت بملمسها شغاف قلبي ؟؟ وهل ستحنو على قلب وروح أسرجت مشعل الحياة فيهما؟؟
هذا التفكير ياأيها القاضي ، غايته أنه صخرة صلداء من التلهف ، تجثم على قلبي ، وأنا أتخيلها ، ووردة حمراء تتحسس عيني ، وزهرة تبسمت ملامحها لخيالي ، وأنا لا أ قدر سيدي على صنع القرار ، بل هي من أغرتني بما طرحت لي في طريقي ، أم أنا من أغريتها بما تقدمت به إليها ؟؟ فهل أحاكمها بما أشغلت من خلايا عقلي ؟؟ أم تحاكمني بهمي فيها؟؟ فمهلا فديت سيدي القاضي ، فأنا لن أتنكر لحبي لها ، ولن أهرب من ميدانها إلى عمق النسيان ، فاحسبني ، صريع لهفتها ، قتيل رغبتها !!!
فهذا قلبها ، وذا قلبي ، فلتدع قلبينا ليتجاوبا ، أو ليفترقا ، أو لتحكم إن أردت علينا بالجور والحيف ، فحيهلا !!فقد سئمت انتظار القرار، هذه مقولته بين يدي قاضي الجنايات ، وتحكم المحكمة أخيرا بإدانة مشاعره الصادقة .
وحين تتغامض عينا كاتبنا ، وهما تأبيان اجتماعا ، يجد حقيقته ، مادة كريهة في هذا العالم ، كالنار العنيدة ، تحرق الأشجار بشواظها ، وتدهس الورود بفحيحها ، وتترك الجدب والقحط من ورائها.
مادة زئبقية لا درك لها ، وحياة تتعجرف بعناء ، ووجود تندس فيه قيم اليأس الحارق للآمال ، وأحلام تعيش بين دفتي زمان موشوم بميسم الظلام ، فأنا إذا ياكاتبنا ، يقول السارد ، هم ، وخيال ، وسراب !!
صورة متدسمة متسخة تحكي عن الإنسان البيولوجي الذي منع من نزواته ورغباته ، ويسترسل كاتبنا معقبا على إعتراضات ساردنا ، فلا يجد أملا في شرح آرائه وأفكاره ، وهو يدمدم بكلام يشعرنا بكرهه لكل كلام يذكره بأيامه ولياليه ، ويختم حديثه أمام الطبيب ، والقاضي ، والسارد ، ومجموعة الأنا ، بترنيمة ، تذكرنا بأيام المستعمر ، وترن أصوات النواقيس من بين تلك الأقواس ، وهو لا يتمالك بكاءه فيقول في توديعه : لا أستطيع تفسير باطن هذه المرأة ، ولا شعورها ، ولا ملامحها ، ولا نظراتها ، ولا أقدر على تقريب صورتها إلى ذهني ، إنها مثل النساء ، تتمنع حين تشعر بأنك تقترب منها ، وتختبئ من وراء تماسكها ، فما أقدرها على ترويض شعورها ، وما أقواها على تملك باطنها ، فرغباتها تمتصها بخجلها ، وخلجات قلبها تمسحها من بين عينها بنكرانها ، وحين أريد أن أعطيكم صورة حية عنها ، لتكون زادكم للإدانة والتهويل ، فلا بد من أن تمنحوني عشرات اللقاءات معها على هذا الشاطئ الحزين ، حتى أتمكن من إسماعها صوت قلبي ، ورنين روحي ، فأستمتع بها في يوم عيدي ، وأحكي لها سرا يزكي قوة إيماني ، ويرفع عندها من مستوى يقيني ، ويشهد لي على أنني محتاج إليها ، فأتمنى أن تضاء هذه الدروب ، وتتوهج هذه المنارات ، ونستمع إلى أصوات العيدان وهي تعزف ترانيمها في كنيستي ، وتدق أجراسها في فضائي ، فصورتها صليب بين عيني ، وكلامها وحي سماوي في قلبي .
فهل تريدني أن أبادر؟؟ فقد بادرت في شرح شعوري !!! ،وهل تريدني أن لا أسمعها هذا الصوت البحوح ؟؟ فقد أسمعتها على كره منها ،!!! أم فيم تفكر هذه المرأة في انحناءاتها ، ورقصاتها ؟؟ أم لا تريد أن تمنح صفاءها بدون أن ندفع لها مهر عذابنا ؟؟
وحين استدبرنا ، قال : أنا محتاج إليها ، فهل هي محتاجة إلي ؟؟



#ابراهيم_الوراق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسار عمرو خالد ، وخالد الجندي ، في الميزان
- صراع الوهم ، أم صراع الإرادات
- عمرو خالد بين الأسطورة والحقيقة
- شظايا في افق الكلمات
- اعباء الروح 1
- حوار بين العقل والعاطفة رقم 6
- 1-2-3-4-5-مرابع البؤس -الانسان ، الزمان ، المكان- رقم
- حوار بين العقل والعاطفة رقم 45
- حوار بين العقل والعاطفة -رقم 1-2-3-
- ثورة من أجل الحقوق أم على الظلم...؟
- مجالس سامرة ..محاورة بين التلميذ وشيخه


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم الوراق - لقاء على شاطئ سيدي بوزيد