أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - حلب تحدد الهوية















المزيد.....

حلب تحدد الهوية


يعقوب بن افرات

الحوار المتمدن-العدد: 5154 - 2016 / 5 / 6 - 13:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


التدمير المنهجي لحلب يشهد على طبيعة النظام السوري وحلفائه ويضع في الوقت نفسه كل إنسان في العالم العربي وخارجه أمام امتحان لضميره، موقفه السياسي وهويته. قصف المستشفيات على أطبائها ومرضاها، البراميل المتفجرة التي تسقط في الأسواق، صور الموتى والمصابين أخرجت الناس عن صمتها ولامبالاتها وأثارت موجة كبيرة من ردود الفعل لكل من يتعاطف مع الضحايا ويدين النظام البربري الذي يحرق البلد في سبيل شخص وعائلة تحكم سوريا منذ 45 سنة. في الجهة الأخرى يقف من يتعاطفون مع الضحايا ولكن يتسترون وراء "تعقيد" المشهد السوري لكي يمتنعو عن اتخاذ موقف تجاه المذبحة الرهيبة بادعاء أنه لا يوجد طرف صالح في سوريا وآخر عاطل وكأنه لا يوجد شعب بين الأسد والبغدادي. حسب هؤلاء ما يحدث في سوريا ليست ثورة بل "مؤامرة" لأن الديمقراطية هي قيمة من قيم الغرب ولا تصلح للمجتمع العربي التقليدي لذا فعليه أن يختار بين الطغيان العلماني القومي أو الطغيان الديني الداعشي. حسب هؤلاء فمن اختار الديمقراطية والعدالة الاجتماعية فهو متواطئ مع السعودية، أمريكا والصهيونية.
هذا التفسير التبسيطي لا يتعامل مع "العقدة" الحقيقية وهي أن الأسد لا يتمتع بدعم من إيران وروسية فحسب بل من قبل أمريكا نفسها التي أعلنت الدعم للمعارضة السورية ولكن في الوقت نفسه اتفقت مع روسيا على إبقاء الأسد في الحكم، وتمنع أي دعم لردع القصف الجوي على المدنيين. في الواقع تنسق داعش مع النظام مثلها مثل الPYD الكردي في الوقت الذي يبقى الدعم التركي والسعودي للمعارضة محدوداً للغاية. مأساة الشعب السوري هي أنه يقف وحيداً ضد هذا التحالف الواسع، الأمر الذي كلّفه مئات الآلاف من الضحايا، مئات آلاف الأسرى وملايين اللاجئين. فإذا كانت الحركة الصهيونية، وأمريكا، وأوروبا تدعم الانتفاضة الشعبية وبحزم مثلما يزعم أنصار النظام فما كان الأسد ليصمد في الحكم إلّا أياماً معدودة ولم يتجرأ حلفاءه من إيران إلى حزب الله وروسيا على أن يتدخلو لقتل الشعب دون أن يتصدى لهم أحد. الحقيقة هي أن أمريكا وصلت إلى صفقة مع النظام بخصوص الأسلحة الكيميائية التي هددت إسرائيل ومن ثم وصلت إلى اتفاق مع إيران حول الأسلحة النووية التي تهدد إسرائيل أيضاً وأباحت الدم السوري الذي يسيل منذ ذلك الحين دون توقف.
إن الثورة السورية ليست "مؤامرة" بل حدث تاريخي يتماشى مع الربيع العربي الذي قلب كل المفاهيم. من يحاول أن يحلل هذه الظاهرة التاريخية بأدوات تقليدية شيوعية كانت أو إخوانية يبقى بعيد عن الواقع وعن الشعب. المعايير لتقييم طبيعة نظام ما ليست في انتمائه لمعسكر "الإمبريالية" أو لمعسكر "الممانعة" بل معاملته للشعب. وقد كشف الربيع العربي بأن القاسم المشترك لكل الأنظمة العربية - سورية كانت أم مصرية هو الاستبداد، الفساد، وسلطة العائلة والنخبة على حساب الشعب. لا بل إن ما كشف عنه الربيع العربي هو أن فلسطين أصبحت غطاءً لمشاريع سياسية بعيدة عن الشعب، فقد استعملت إيران فلسطين لبسط نفوذها في المنطقة، وحزب الله من أجل السيطرة على لبنان في الوقت الذي كانت فيه أيديولوجيا البعث السوري والعراقي غطاء لعبادة شخصية الحاكم وقمع الشعب. وأصبحت "المقاومة" أداة في يد حماس لمحاربة فتح والاستيلاء على غزة.
وقد تشكلت الهوية الفلسطينية على أساس بسيط وهو مقاومة إسرائيل كمصدر لكل شر. وقد تحولت القضية الفلسطينية إلى قضية العرب المحورية واستغلت من قبل الأنظمة لصرف الأنظار عن معاناة الشعوب العربية من الفقر، البطالة، قمع حرية التعبير وأبسط حقوق الإنسان. وكان الاعتقاد السائد بأن القضية الفلسطينية ممكن أن تُحل بمعزل عمّا يحدث في العالم العربي. ففلسطين يمكن أن تتحرر من الإحتلال حتى والشعوب العربية تعيش تحت أنظمة فاسدة استبدادية لأن المشكلة العربية الأساسية هي إسرائيل التي تهدد كيانها وليس النظام السياسي والاجتماعي العربي. التوسع الصهيوني كان يبدو وكأنه على وشك ابتلاع العالم العربي وفلسطين تقف في الخط الأمامي مما يجعلها تستحق الدعم من قبل العالم العربي برمته. لكن في الواقع فإن الركود العربي قد أثر سلباً على القضية الفلسطينية التي عُزلت واستسلمت في النهاية أمام إسرائيل عندما وافقت منظمة لتحرير الفلسطينية على اتفاق أوسلو الذي لم يضمن الإستقلال وإزالة الإستيطان.
وقد وضع الربيع العربي القضية الفلسطينية في سياقها الصحيح فمصير 300 مليون عربي سيحدد مصير 8 مليون فلسطيني وليس العكس فلا يمكن للشعب الفلسطيني أن يواجه الجبروت الإسرائيلي دون الإستناد إلى الظهر العربي ولا يمكن للعرب أن يحرروا فلسطين قبل أن يتحرروا أنفسهم من التخلف، الفقر والاستبداد. وقد كشفت الشعوب العربية الحقيقة المرّة التي عرفتها منذ زمن وهي أن إسرائيل ليس منفردة بوحشيتها فما يقوم به النظام السوري يتفوق بشراسته ووحشيته على ما قامت بها إسرائيل منذ قيامها. إن الحروب الأهلية في كل من اليمن، العراق، مصر، ليبيا وسورية تدل على الصعوبات الجمّة التي تقف أمام الشعوب للتحرر من النظام القديم وبناء نظام ديمقراطي جديد، ولكن هذا هو الطريق الذي مرّت به كل الشعوب التي انتقلت من حقبة تاريخية قديمة إلى عهد جديد.
ومن هنا يمكننا أن نفهم لماذا سيقرر ما يحدث في حلب مصير فلسطين، والتضامن مع الشعب السوري ليس سوى تضامن مع النفس. إن سقوط حلب سيكون كارثة للشعب السوري ولكل الشعوب العربية وعلى رأسها فلسطين. إن ما يهدد إسرائيل ليس السلاح النووي الإيراني أو سلاح حزب الله أو حماس، بل الديمقراطية، التقدم، المجتمع الحديث والاقتصاد العربي المتطور. الفكر العنصري لا يقاوَم بالعنصرية، التطرف الديني لا يقاوم بالتطرف الديني والاحتلال لا يقاوم بالاستبداد.
لا يمكن أن تحارب الاحتلال وفي نفس الوقت تدعم النظام السوري، ولا يمكن أن تشجب جرائم الاحتلال في الضفة الغربية والقدس وتسكت أمام الفظائع التي تحدث يوميا في سورية وتحديداً في حلب. لا يمكن الاحتجاج على حصار غزة والقبول بحصار التجويع في مضايا. إن من يزعم بأنه يقاوم إسرائيل وفي نفس الوقت يدعم بشار الأسد ليس صديقاً للشعب الفلسطيني بل عدوه. ليست هناك قضية أكثر عدالة من قضية الشعب السوري. الشعب السوري يقف اليوم في الخط الأمامي للنضال من أجل مستقبل العالم العربي كله ومصيره سيحدد مصير المنطقة ككل وتحديداً مصير القضية الفلسطينية. اليوم كلنا سوريون، دون تمييز باللون، الدين أو القومية، يكفي أن تكون إنساناً لترى في نفسك سوريا وجزء من الكفاح من أجل القيم الإنسانية التي من أجلها قامت الثورة السورية.






#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نداء استغاثة أخير
- لو لم تكن داعش موجودة لاخترعوها
- رثاء لحل الدولتين
- ربيع المعلمين الفلسطينيين
- المسافة بين أوسلو وجنيف
- نتنياهو قلق من انهيار السلطة الفلسطينية
- إسرائيل: الحملة ضد -المندسين- في الداخل
- العنصرية في العفولة والعادات والتقاليد
- الإرهاب يرهبنا
- هبّة الأقصى تعمّق الفراغ السياسي
- الأقصى في خطر شعار وبرنامج
- الكارثة السورية سياسية بامتياز
- الحزن يغمر الرياض وتل ابيب
- غزة تودع الضفة الغربية
- فلسطين عالقة بتغيير جذري على الساحة العربية
- اليمن تتمزق بين السعودية وإيران
- نتنياهو يعرّي ابو مازن
- الحرب على الإخوان
- قطر تنضم الى محاصري غزة
- وحدة عربية يهودية لهزيمة العنصرية والتطرف


المزيد.....




- وزير خارجية إسرائيل: مصر هي من عليها إعادة فتح معبر رفح
- إحباط هجوم أوكراني جديد على بيلغورود
- ترامب ينتقد الرسوم الجمركية على واردات صينية ويصفها -بغير ال ...
- السعودية.. كمين أمني للقبض على مقيمين مصريين والكشف عن السبب ...
- فتاة أوبر: واقعة اعتداء جديدة في مصر ومطالبات لشركة أوبر بضم ...
- الجزائر: غرق 5 أطفال في متنزه الصابلات أثناء رحلة مدرسية وال ...
- تشات جي بي تي- 4 أو: برنامج الدردشة الآلي الجديد -ثرثار- ويح ...
- جدل حول أسباب وفاة -جوجو- العابرة جنسيا في سجن للرجال في الع ...
- قناة مغربية تدعي استخدام التلفزيون الجزائري الذكاء الاصطناعي ...
- الفاشر تحت الحصار -يمكنك أن تأكل الليلة، ولكن ليس غداً-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - حلب تحدد الهوية