أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - الرّاحل الذي نَفَدَ بِجِلْدِه!














المزيد.....

الرّاحل الذي نَفَدَ بِجِلْدِه!


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 5102 - 2016 / 3 / 13 - 20:40
المحور: كتابات ساخرة
    


كان الليل يرخي سدوله عندما سمعتُ قرعاً خفيفاً على الباب. حملتُ بيدي الشمعة المضاءة بسبب انقطاع الكهرباء واتجهتُ إليه. عندما عالجتُ مسكة الباب تناهى إلى سمعي نشيجٌ حزين. ولدى انفراج الباب أضاءت الشمعة وجه جاري (أبو وليد) الذي نادراً ما يزورني.
دلف متثاقل الخطى دون أن يلقي تحية المساء. كان يرتدي بيجاما رياضية وفوقها سترة عسكرية مموّهة وبيده علبة سجائره. جلس متهالكاً ووضع أصابعه على جبينه. رحّبتُ به بفتور وأنا أتخبّط بمشاعر متناقضة متسائلاً عن سرّ زيارته؛ فهو من جهة شخصٌ منبوذ، كريه، يتّصف بالنذالة وقلّة الشرف، بالإضافة إلى أنه (مسطّر تقارير أمنيّة) كما يعرفه كل سكان البناية. وفي ذات الوقت ينبغي أن أقف إلى جانبه، فالجار للجار، فكيف إذا كانت شقته مجاورة تماماً لشقتي! لا سيما وأنه يبدو في هولٍ مأساويٍّ عظيم.
- «أهلاً أبو وليد! ما بك؟ خبّرني؟ أقلقتني!» بادرته مستوضحاً ما إذا بإمكاني إسداء خدمة ما.
صمت برهة قبل أن يجيب، وخرجت من بين شفتيه كلمات متقطّعة مفادها أن صديقه الحميم قد رحل إلى الأبد. وأنه اختارني من بين كل الجيران ليفرّج عن نفسه عسى أخفّف عنه من مصيبته الكبيرة.
وبعد عبارات التعزية التقليدية المعتادة في مناسباتٍ كهذه، كرّت سبّحة هذا الجار بذكرِ مناقب الراحل بتدفّقٍ وكأنه في حفل تأبين:
- «إنها لخسارة فظيعة، رحل وهو في عزّ شبابه، واحسرتاه! مع من سأشرب قهوة في الكازينو كل مساء؟ مع من سأتغدّى كل يوم جمعة في أهم المطاعم؟ الله يرحمه، ولك اشتهيت مرة يقلع عيني ويتركني أدفع عنه مرة واحدة!».
سَرَتْ حرارة لاسعة في أذنيّ من استهلاله بهذا الخطاب! ووسط دهشتي تابع يحاصرني بثرثرته المنفّرة:
- «تصوّرْ، مرة لمّحتُ له أنني في ضائقة مالية فما كان منه إلا وسحب جزدانه المكتظّ بالأوراق المالية من مختلف العملات الصعبة وخاصةً منها الدولار واليورو وقال لي: بأمانة ألله قل ما تريد ولا تدفع لي إلا إذا ربحتَ يوماً ما باليانصيب. وهو يعرفني بأنني لا أسحب يانصيب إطلاقاً.. لأنه كله ضحك على اللحى.»
ثم هأْهَأَ باكياً بتكلّفٍ مقزّز. فسارعت إلى إعطائه محرمة. مسح عينيه ومخط عدة مرات.. وسحب سيجارة وأشعلها ونفخ باتجاه سماء الغرفة واستطرد بصوتٍ ذليل قذفني إلى لجّة المكابدة:
- «هنيئاً له، فقد رحل إثر نوبة قلبية. لم يتعذّب، فوراً انسحب من هذه الدنيا وحلّق نحو الباري عزّ وجلّ. الله يجعل مثواه الجنة يا ربّ! لنعد إلى موضوعنا، يا سيدي، منذ أسبوع اتصل بي وقال: ((لا أستطيع أن أشرب وحدي، تعال بسرعة)). قلت له: هل أُحضر معي مازا وخلافه؟ أجابني: ((ومتى خلت من عندي المازا؟)) للأمانة، بالفعل هو لم يسبق أن خلا برّاده من أطيب المازوات وأشهاها في العالم. لولاه لما تعرّفت لا على الكافيار ولا على القريدس ولا على الكاليماري.. ولك شو بدّي عدّد لأعدّد؟ آخ على هذه الخسارة أخ! تخيّلْ منذ مدة قلت له: ابني مطلوب عالعسكرية، وفي هذه الظروف محتار ماذا أتصرّف؟ فوراً أجابني: ((انسَ الموضوع، سأتحدّث مع أحد أصدقائي فيخدم العسكرية ويتقاضى رواتبه وهو قاعد في البيت)). وفعلاً هذا ما حصل! يا أخي أفضاله علينا لا تُعَدّ ولا تحصى.. ولك حتى المناقصات التي ترسو عليّ ومن مختلف إدارات الدولة.. الله وكيلك لولاه لمظ-;-Cسالتفت إليّ أحد، ولما حصلت على عقد مناقصة بحياتي. أيه يا زمن! يأخذ القدر الأوادم ويترك أولاد الحرام».
ساد صمت قصير فيه من الضيق والمقت ما لا يحتمل. قلت له وقد استبدّ بي غضبٌ كظيم:
- «لا تكفر يا أبو وليد! الموت سيطال الجميع سواء أكان طيباً أم شرّيراً. المهم، لم تقل لي من هو هذا الراحل الكبير؟ وما هو السرّ في أنه يحبك كل هذا الحب ويغدق عليك بعطاياه؟ ثم أنت، بماذا تقابل كرمه؟ هل تكتفي بتقديم الشكر والطاعة له أم..؟»
أجابني على الفور بعبارات، بل بجمرات كاوية:
- «إنه الساعد الأيمن لأكبر تاجر في البلاد؛ ومن خلاله انفتحت أبواب الرزق أمامه والكريم قال له خذ؛ فهو يملك شركة صرافة ونادياً ليليّاً ويشرف على.. إنه مسبّع الكارات يا رجل! ثم يا أخي سبحان الله، كما يقولون المحبة من عند الله.. نحن أصدقاء من أيام الدراسة. وصديقي المرحوم لا ينسى الخبز والملح أبداً». قلت له متعمّداً إهانته بعد أن تملّكني غيظٌ سيجعلني أنفجر ما لم أسارع إلى إخراجه من أعماقي:
- «بلا مؤاخذة يا جاري هذه علاقة غير متكافئة. كيف تقبل على نفسك أن تكون نديماً وتابعاً بل لأقل عبداً له؟ هل يعقل أنك لا تقدّم له شيئاً!؟ ألا تعتقد بأن ذلك عارٌ عليك؟»
أجاب محاولاً غسل قبحه:
- «بالتأكيد لا أرضى.. فأنا لديّ كرامة وعزة نفس، ولا أسمح لأحد بالتطاول عليهما. أصلاً لولاي لما كان بإمكانه معاشرة ما يرغب من نساء.. وفهمك كافي يا جار!».
وهنا أحسست أنه بات بإمكاني إنهاء الزيارة بعد أن دلق ما بجوفه من قذارات. وإمعاناً في تحقيره اخترعتُ سبباً يرتقي إلى الأمنيات. وقفت قائلاً باشمئزاز:
- «كان بودّي أن نسهر سويةً، لكن للأسف لديّ اجتماع حزبي مع الرفاق بعد قليل، وسوف يكون على رأس جدول أعمالنا إحصاء أسماء الفاسدين الكبار تمهيداً لاعتقالهم وتقديمهم إلى القضاء. ويبدو أن فقيدك الغالي قد نفد بجلده. وهززت ساعده مستأنفاً: أكرّر عزائي لك، وتفضّل من غير مطرود.»



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سْتوووبْ.. أوقِفوا التصوير!
- الشَّبح
- كيف نقضي على الإرهاب؟
- المِظَلّة
- طلب استقالة
- هل يمكن القضاء على الإرهاب بمعزل عن الحلّ السياسي؟
- حوارات نقابية
- -داعش- والحب
- ماذا حصدنا من الفيتو المزدوج؟
- الصحافة السورية وملفات الفساد
- هل العلمانية دواء للصراع الطائفي؟
- يحدثُ في سورية
- في الباص
- عذراً.. لن أترشّح!
- فوق الموتة.. عصّة قبر!
- وصيّة
- الصورة
- المرآة
- السردين
- العاشق


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - الرّاحل الذي نَفَدَ بِجِلْدِه!