أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي بنساعود - ساحة بوجلود بفاس: فضاء للترفيه و-التداوي- بعبق التاريخ















المزيد.....

ساحة بوجلود بفاس: فضاء للترفيه و-التداوي- بعبق التاريخ


علي بنساعود

الحوار المتمدن-العدد: 1376 - 2005 / 11 / 12 - 11:47
المحور: الادب والفن
    


*سعادة
رغم اشتعال شمس ما بعد زوال هذا اليوم الربيعي، فإن ساحة بوجلود بفاس مكتظة، تؤثثها حلقات يتوزع عليها مئات الرواد...
سعادة لا معادل لها تنتابني كلما ترددت على هذه الفضاءات، حيث نكهة الذكريات ورميم الطفولة...، لذلك فإنني حريص على الحج إليها كلما استطعت إلى ذلك سبيلا...

*في ضيافة "ابا ادريس"
وأنا قادم من جهة جنان السبيل، تستوقفني "حلقة با ادريس"، راو أسمر، ابيضت شعيرات رأسه. من فمه تطل بضعة أسنان مازالت صامدة يمين فكه الأسفل. يرتدي ضراعية مكمشة يبدو، والله أعلم، أنها كانت بيضاء. من أسفلها، يطل سروال بني باهت يجانس حذاء "دان" يعلوه غبار مزمن...
رغم نتانة بول بائت تخيم على المكان، مازال هذا السبعيني قادرا على شد الجمهور بحكايات من ألف ليلة وليلة، متناوبا في ذلك مع زميله "الشريف" الأصغر سنا والذي، مع ذلك، فقد كل أسنانه.
أجده منهمكا في سرد قصة علاء الدين ذي المصباح السحري. وهو في سرده الأحداث، يمزج الكلمات بحركات الجسد وتعابير الوجه... تبلغ الأحداث ذروتها بذهاب والدة علاء لخطبة ابنة الملك لابنها، فيتوقف "ابا ادريس" ليطلب الفتوح، ينسحب بعض المتفرجين، يستحلف الباقين برضى الوالدين، والأرحام التي "تخبطوا" فيها...
يعطيه شاب قطعة نقدية، ويهمس له بشيء في أذنه، يطلب "ابا ادريس" منا رفع أكفنا، ويطلب للشاب الشفاء العاجل، نردد جميعنا: "آمين"، يواصل دعاءه متمنيا من الله عز وجل أن ينقل مرض ذاك الشاب وأمراض جميع المسلمين إلى أجساد اليهود والنصارى!!! أتساءل في سري عما إذا لم تكن مثل هذه الأقوال تعبيرا عن كراهية وتمييز وعنصرية يعاقب عليها القانون؟

*لقمة
على جوانب أبواب الساحة، بمحاذاة حلقة "ابا ادريس" هذه، تصطف عدة عربات تعرض مأكولات "خفيفة" للبيع، من قبيل البطاطس المقلية والبيض المسلوق والعصير وكولكول وكاوكاو والزريعة...، حولها يتحلق شبان وشابات يزدردون بنهم ما بين أيديهم، رغم "شرشور" بول ينساب من صغرى أبواب الساحة... جانبهم، أطفال صغار واقفون متمسكنين يستعطفونهم من أجل لقمة، أحدهم يحمل منديلا داكنا يشمه...

*ضحك
غير بعيد عن هذه الحلقة، تزرع أخرى أكبر وأوسع، يتهيأ لتنشيطها ثلاثة شبان، سأعرف في ما بعد أنها حلقة المسيح وزميليه، وهم ثلاثة ثلاثينيين يعتمدون الإضحاك بفعل لباسهم وبهلوانياتهم القولية والحركية وألعابهم الرياضية...، ويستطيعون استقطاب أكبر عدد من رواد هذه الساحة. أقف بضع لحظات لأتفرج، الناس يضحكون، يقهقهون من أعماقهم، شاحنين بذلك بطارياتهم لمواجهة ما يعترضهم من كمد ومعاناة. بالضحك أيضا يعيش الإنسان!!! ينهر رجل شابا، أفهم أنه تحرش بابنته، ينفي الشاب ذلك، وإن كان واضحا أنها قد فعلها، يشد الأب يد ابنته وينصرفان... بصراحة، لا مكان للمرأة في حلقات ساحة بوجلود، وإن أصرت، فعليها تحمل تحرش الحلايقية والجمهور و"البوانتاج" أيضا...

*عزيزة
أغادر حلقة المسيح، فيستوقفني وجه كأنه لم يغب عني إلا منذ لحظات، الوجه كان لعزيزة بنت عزيزي فرجي، أحد جيراننا القدامى الذين لم أر أغلبهم منذ مطلع السبعينات، بعد رحيلنا من فاس الجديد، كانت تشد يد طفلة أتوفق في التخمين أنها ابنتها، نفس الملامح، نفس لون البشرة، واضح من ملابسها أنها تكافح من أجل العيش... أسألها عن الأهل والأحباب، تطمئنني عليهم وتزودني ببعض أخبارهم، قبل أن تعطيني رقم نقالها للاتصال بها حينما أقرر زيارتهم...

*قرد وعجوز
في أقصى الساحة، عجوز يلاعب قردا حراميا، يحدثه تارة، ويرํقصه أخرى، أما قمة الإضحاك، فيبلغها الجمهور حينما يطلب منه مروضه أن يختار واحدة يتزوجها من بين جمهور الحلقة. والمثير، هو أنه يختار دائما واحدة من ذوات البوط العاري!!! وإن لم يجد، يقنع بواحدة من الكاسيات العاريات المتجملات...!!!
يطلب العجوز سيجارة من نوع ماركيز، لأن القرد، حسبه، لا يدخن سواها. يقدمها له أحد المتفرجين. يشعلها العجوز، ويقدمها للقرد. يجدب هذا الأخير نفسا بنهم، كما لو كان واحدا من قدماء المحاربين. يصوب أحد السياح الشباب آلته لتصويره، يلمحه العجوز فيهرع إليه طالبا المقابل. يمنحه السائح قطعة نقود معدنية، يرفضها العجوز ويطلب قطعة ورقية، يرفض السائح ويغادر دون التقاط الصورة...، يناديه العجوز لكن عبثا...

*أبو السوالف
على يسار مروض القرد هذا، يقيم "اولاد بويا رحال" حلقتهم، وهم يعتمدون في استقطاب الجمهور على ثلاث آلات موسيقية هي االطبل والغيطة والبندير، ترافقها رقصات/ جذبة شاب "رحالي" سمين تتدلى سوالفه مسبسبة على ظهره إلى حزامه!!! يصل الذروة... يتناول غلاي ماء حارق... ويشرب منه… يتناول سكينين يغرزهما في جفنيه... يراقص الثعابين...، يلهث...، يصرخ: آبركة بويا رحال... يتوقف برهة ليلتقط أنفاسه، يقوم زميل له، ترتسم على عنقه وخديه "سيكاتريسات" قديمة وعميقة، يفرغ على الأرض كيسا من قطع زجاج حاد لقنينات مكسورة، يسويها قبل أن ينطلق في الرقص فوقها حافي القدمين، وبين مشهد وآخر، يتكفل الرحالي أبو السوالف بجمع الفتوح مكيلا الدعوات للكرماء والمحسنين، طالبا أن يخرجهم الله من دار العيب بلا عيب، داعيا إلى البر بالوالدين لأن كل شي منهم: الربح منهم، والخسارة منهم...، وسعداتك أمرضي الوالدين...

*مثانة
الحرارة السابقة لأوانها التي صاحبت هذا اليوم جعلتني أشرب ما يكاد يفجر مثانتي الآن، أتلفت ذات اليمين وذات الشمال، فلا يبدو لي مرحاض، أسأل أحد الشباب فيخبرني أن ليس بالساحة مرحاض، ويشير علي بالتوجه إلى خلف السور أو إلى المقاهي قرب باب بوجلود التاريخية... أفهم سر ذلك الشرشور الذي رأيته قرب الباب، والذي تعاون على إحداثه أكثر واحد، وفي نفس الوقت، أستغرب كيف فات من أرادوا بعث هذه الساحة وإحياء نشاطها توفير هذا المطلب الحيوي لتجنب بعض المظاهر المشينة، سيما أن بين الرواد أطفال وشيوخ ومرضى ونساء وسياح !!!
بخطوات مسرعة أقطع بضع مئات الأمتار، ألج أول مقهى على يميني، أقصد مرحاضها، أجده مقفلا وقد كتب على بابه: "خاص بالزبناء" أقصد الكونتوار وأطلب كأس شاي بالنعناع، والمفتاح...
بعد إفراغ مثانتي، أتناول كأس الشاي واقفا وأعود إلى الساحة...

*أيام زمان
ساحة بوجلود هذه واحدة من المعالم الثقافية لمدينة فاس، وهي بأسوارها وخطاطيفها وعبق فرجتها تعيدني إلى بعض أيامي الخوالي، حين كنت أفر من حصص اللغة الفرنسية، من مدرسة "باب ريافة"، حيث كنت أدرس، لأتردد على حلقات "حربا وعيشة بيطيط والقرع والسمايرية وسويرتي مولانا تربح م?انة ولا تمشي بسوتك عريانة..."

*سكسولوجيا الجنوب
الأكثر إثارة في هذه الساحة اليوم هو خمس "حلقات"، مؤطروها مغاربة سود بزي صحراوي ولكنة جنوبية، جلهم شباب يحرص الواحد منهم على تضييق قطر حلقته وطرد الأطفال منها، وهم متخصصون في بيع مواد يتهافت عليها الناس، شيبا وشبابا، بعضها خاص بعلاج روماتيزم الظهر والمفاصل، وبعضها خاص بالنبولة والكلاوي، بينما يتعلق أهمها ب: تقويم الذكر إن كان معوجا وتطويله إن كان قصيرا وتغليضه إن كان رقيقا وتصليبه إن كان مرخيا!!!
وهذه المواد ذات المفعول السحري، حسب عارضيها، تخرج مستعملها من دار الذل إلى دار العز، إذ تجعل العضو بحجم "قبضتين وثلاثة أصابع زائد القنوفة!!!"
وعلاوة على ذلك، فهذه المواد تعيد التوازن إلى الخصيتين إن كانتا مختلتين، وتعالج سرعة القذف والعقم..!!! وتعيد السعادة الجنسية للإنسان، إننا، باختصار أمام صيدلية "سكسولوجيا" بامتياز...
والهدف من كل هذا، طبعا، هو إشباع رغبة الزوجة لأن خمسة، حسب صحراوة هؤلاء، لا يشبعون: الأرض من المطر، والأذن من الخبر، والعين من النظر، ...، والفرج من الذكر..!!! ويضيف أن المرء إن لم يفلح في سد منافذ زوجته فسح المجال لخروجها إلى الشارع، والبحث عن البديل، فيصبح أضحوكة أمام أسياده!!!
أصحابنا هؤلاء يقدمون أيضا دروسا في الممارسة الجنسية، وأحدهم لا يكتفي بالقول بل يتجاوزه إلى التشخيص، محذرا في الوقت نفسه من مغبة تقليد الممارسة الجنسية للنصارى واليهود!!! التي تعرضها بعض القنوات الفضائية.
وأنا أتأمل هذا الصحراوي الشبق، تعود بي الذاكرة إلى سنوات الصبا، حين كنا نتحلق، بباب الماكينة، حول صحراوي آخر كان يختزل مفعول مواده بالقول إنك إن استعملتها يصبح قضيبك: "ضربو فلحيط ما يعواج" ولسذاجتي، كنت أتحسس شيئي الهزيل وأتحسر، في صمت، على سوء حاله!!!
ورغم أن المواد التي يعرضها هؤلاء متشابهة، فإن البعض يزعم أنه يجلبها من الهند عبر السعودية!!! بينما يدعي بعض ثان بأنه يجلبها من نيجيريا، في حين يكتفى ثالث بالقول إنها من صنع محلي ورث بركتها عن آبائه وأجداده...
وإذا كان هؤلاء جميعا يوزعون بطائق زيارتهم، فإن أحدهم، وهو أكبرهم سنا، يوزع بطائق مطبوعة، كتلك التي تباع مع الأدوية المبيعة بالصيدليات، تصف الدواء ودواعيه والمقادير وطريقة الاستعمال!!!

*صحة "بيد الله"
إضافة إلى بائعي الفرجة هؤلاء، تحتضن الساحة هذا المساء ثلاث عربات: واحدة وقف خلفها رجلان مجلببان ملتحيان، أحدهما تتدلى لحيته إلى ما تحت صدره، وهما لا يقيمان حلقة بل يستقبلان فقط من يقصدهما، مكتفيان باستثمار اسم عشاب شهير بفاس "ابن شقرون" كتباه على عربتهما ودونا تحته رقم هاتف نقال... أما أصحاب العربتين الأخريين، فأقاموا حلقتين يستعرضون فيهما مزايا ما لديهم من عشوب وكيفية استعمالها، وأمامهم، عرضوا، كل على حدة، جلود ثعابين وبيض نعام وقنينات من الحبة السوداء وعشوبا أخرى... تلقى إقبالا غير معقول، أستغرب لهذا الإقبال على مواد غير مضمونة ولا مراقبة، وأخمن أن سببه الجهل والفقر وكون صحة المغاربة "بيد الله"؟

*رهان ورهان
ألعاب الحظ والرهان تحتل لنفسها حيزا هاما بهذه الساحة، وأولى حلقاتها عبارة عن طاولة أثبتت عليها عجلة يتناوب على إدارتها رجلان، وبدورانها يدور سهمها حول أرقام، قبل أن يستقر فوق أحدها، والمحظوظ يفوز بعشرة دراهم مقابل درهم واحد يكون قد راهن به، والضعف بالضعف.
أما الحلقة الثانية، فالتف جمهورها حول فأر رومي مفزوع يتم تدويخه داخل دلو قبل أو يرفع عنه، فيلجأ المسكين إلى الاحتماء بأحد الغيران المرقمة بعدما يكون قد راهن عليها الجمهور والمحظوظ هو من يدخل الفأر غارا يحمل نفس رقم بطاقته.
حلقة الحظ الثالثة لا يكف صاحبها عن ترديد: "هذي لعبة ورياضة، لعبة ساهلة ماهلة، خدم عقلك، برد دمك، هدن أعصابك ميزي درهم تربح ربع دراهم..."
وحلقة صاحبنا هذا عبارة عن مجموعة قنان من المشروبات الغازية رصت على شكل دائري، وهو يمنح لمن يريد أن يراهن مقابل درهم، قصبة مطلية بالأحمر في رأسها خيط شفاف (سبيب) في طرفه دائرة بلاستيك، والفوز بأربعة دراهم يفرض النجاح في إدخال الدائرة في عنق الزجاجة في حوالي دقيقة!!! ورغم أن هذه اللعبة ساهلة ماهلة نظريا، ورغم أن صاحبها ينجح فيها بسرعة فائقة، فإنه نادرا ما ينجح أحد المراهنين في الفوز بها!!!
جوار هذه الحلقة مباشرة، جلست امرأة ألقمت ابنها ثديا أعجف، جانبها، مجموعة طوارات يقتعدها شيب وشباب واضح أنهم أحسوا بالتعب، سيما والساحة لا تتوفر على كراسي للجلوس!!!

*سطافيط احترازي
بصراحة، منذ أن وصلت إلى هذه الساحة، وأنا، كلما احتك بي شخص، أتحسس جيوبي خوفا على محتوياتها من أصابع كثيرين ألفوا التسوق من جيوب الآخرين... أطمئن بعض الشيء وأنا أرى مجموعة من "الكرواتيين" (عناصر الفرقة الحضرية للأمن)، يطوفون حول الحلقة تلو الأخرى، يصلون حلقة المسيح، ينتقون عنصرا ثم ثانيا، يطلبون من كل واحد منهما أوراق هويته، يفتش أحدهم جيوبهما، وكيسا بلاستيكيا أسود يحمله أحدهما، وبعد حوار قصير معهما، يضع أحدهم لهما القيد ويقتادهما نحو "سطافيط" تقف عند مدخل الساحة...، أثمن هذا الإجراء، وإن كنت أدرك أن هذا الاحتراز الأمني من إجراءات ما بعد المسيرة التي قام بها تجار المدينة القديمة مؤخرا، احتجاجا على انعدام الأمن، الذي جعلهم مهددين في أموالهم وأرواحهم، ولعل انعدام هذا الأمن هو ما دفع ثمنه أحد السياح الفرنسيين ووالدته منذ أيام غير بعيدة...

*التسليم!!!
كنت أعتقد أنني تفرجت على كل الحلقات قبل أن أنتبه إلى أن واحدة نبتت في غفلة عني، في زاوية معزولة قرب عربة "صيدلية بن شقرون" أسير نحوها والشمس تحتضر خلف الأسوار والخطاطيف تملأ الفضاء، لعلها أيضا عادت تتفقد مراتع صباها، فوجدت أن الترميم الذي عرفته الساحة، بعد طول إهمال، سد أغلب الثقوب حيث كانت تقيم أعشاشها!!!
وسط الحلقة، شاب عشريني، لا يحمل "بادجا" مثل باقي الحلايقية. عيناه مخطوفتان، أجده يقدم نفسه مصرحا أنه ابن فاس، ولا يشتغل خارجها. من حي يوطويل بباب السمارين، وأن الله من عليه بنعمة بها يضمن رزقه، حيث يستطيع أكل قطع الزجاج كما يأكل البشكيطو.
وسط الحلقة، على الأرض المبلطة حديثا، منديل أبيض مطروز، عليه كوب شاي فارغ، جانبه حجرة تيمم وقنينة ماء بلاستيكية، وهي ما يشكل عدة عمله...
بعدما يتأكد أنه يشد انتباه جمهوره، يطلب إمعان النظر في ما سيقوم به، واللي ما عندو عين يدير عشرة.
بيد مرتعشة يأخذ الكأس، يسير به نحو شيخ ثم شاب فسيدة، يطلب منهم أن يلمسوه ليتأكدوا مما هو مصنوع، يؤكدون ثلاثتهم أنه كوب من زجاج...
ينزع جاكيطته السوداء، يطرحها أرضا... يضع الكأس على المنديل الأبيض المطروز، يهوي عليه بحجرة التيمم، يتحول الكأس إلى شظايا... يتناول حفنة منها، ينتقي مجموعة قطع يطوف بها على الجمهور، لما يصل إلي، يطلب مني أن أتفحص ما بيده، آخذ قطعة، أنظر إليها ثم أعيدها، يسألني قائلا: ياك هاذو طراف ديال قاع الكاس؟ أحرك رأسي موافقا... يسير نحو وسط الحلقة، يضع حفنة الزجاج في فمه، يغززها بأضراسه ثم يبتلعها بجرعة ماء...، أنصرف طالبا "التسليم"

*انقضاض
غير بعيد عن هذه الحلقة، وبالضبط بباب ثانوية مولاي ادريس، المؤسسة حيث اجتزت امتحانات الشهادة الابتدائية، مجموعة أطفال يتقاذفون كرة، ينقض عليهم شاب بقميص أزرق، ينزع لهم الكرة، يمزقها شطرين بسكين أخرجه من جيبه، يرميهما في وجوههم، على صدر هذا الشاب "بادج" يقول إن صاحبنا "حارس أمن"... يبتعد الأطفال قاذفينه بصواريخ السب واللعن قبل أن يختفوا خلف الأبواب...

*أبراج السعد
أغادر الساحة، الظلام يكاد يخيم عليها رغم مصابيح باهتة مثبتة هنا وهناك غير كافية لإضاءة الساحة بشكل يسمح للحلايقية بمواصلة عملهم... أكتشف أن حلقة "ابا ادريس" اختفت وحلت محلها حلقة أكبر حجما، هذه الحلقة ينشطها شابان يتحدثان فصحى مدرجة، يقرآن الأبراج بالمقابل. زبناؤهما من الجنسين ومن مختلف الأعمار... من تسابق الجمهور على معرفة ما تخبئه لهم "الأبراج"، أحدس أن لديهم خوفا عارما من الآتي، أغلب ما يزعمه المنشطان يتمحور حول الحب والزواج والحري? والسعد والثقاف والمختفين الذين غالبا ما سوف لن يعودوا، يتدخل شاب داعيا إياهما إلى الكف عن الكذب على الناس، ينفعل أحد المنشطين ويكاد يشتبك معه لولا أن شبابا آخرين يحولون دون ذلك... يذهب لاستدعاء حراس أمن الساحة، ولما يعود وإياهم، يجد غريمه قد اختفى...

*ديدان
جوار بائع نقانق، تعلو رأسه غيمة دخان الشي، حلقة ل"معالج" أسنان... هو لا ينزعها، ولا يصنع أطقما بديلة، بل يزعم أنه يفعل ما هو أعجب من ذلك!!! إذ يبيع أكياسا بلاستيكية تحتوي بضعة غرامات من غبار مادة فستقية، خاصيتها، حسب صاحبها ذي الأسنان النخرة، أنها تعالج التسوس وتضع له حدا. ثمن الكيس درهمان، ولا غلا على مسكين، ومادته كافية لثلاث جرعات بعد مزجها بماء دافئ. ولأن من رأى ليس كمن سمع، فهو يحرص على إجراء التجارب الميدانية، بحيث يقدم المادة الممزوجة في كؤوس إلى زبائنه المفترضين، ويطلب من الواحد منهم أن يتمضمض بضع ثوان ويبصق، ثم يطلب منه فتح فمه ليدخل فيه قطعة قطن أبيض يشد بها الضرس المسوس، قبل أن يخرجها وقد علق بها شيء يسميه دودة، وله فعلا شكلها، ويعتبره المسؤول عن نخر الأسنان!!!

*انتشاء ومطالب
منتشيا، أغادر الساحة، موليا وجهي شطر الموقف حيث تركت سيارتي، غابطا ساكنة فاس التي استعادت ساحتها، بعد طول إهمال ولامبالاة ...
في الطريق، أصادف "ابا ادريس" يجر خطواته المتثاقلة. أسلم عليه، فيرد التحية بأحسن منها، أسأله عن الأحوال، عن الساحة، وعن...، وكما لو كان ينتظر السؤال، أجاب بمرارة: "الساحة مشات مع ماليها، احنا دابا غير تنلقطو ليام وصافي..." أستفسره: كيف ذلك؟
فيرد بأن مسؤولي هذه المدينة قرروا بعث هذه الساحة من رمادها وجعلها معلمة ثقافية وسياحية يتهافت عليها السياح كما يتهافتون على ساحة جامع الفنا بمراكش، وأنهم طلبوا من الحلايقية التعاون من أجل بلوغ هذه الغاية، ويضيف أنهم كانوا قد خصصوا لهم مساعدة يحصلون عليها مطلع كل شهر، لكنهم توقفوا عن دفعها منذ بضعة شهور، وهو ما جعل، حسبه، العديد من الحلايقية يرحلون أو يفكرون في الرحيل...
وعليه، فإن "ابا ادريس" يرى أنه، وقبل التفكير في إحداث باقي المشاريع المبرمجة بهذه الساحة (مطاعم وبازارات...) يجب العودة إلى دفع المساعدة الموقوفة لأنها ضمان الاستمرار



#علي_بنساعود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقابات التعليمية بالرشيدية تنشر غسيلها
- الرشيدية: دخول مدرسي على صفيح الاحتجاج
- ثلاثة آبار وخزان ماء لتنمية تافيلالت ؟؟؟
- عدي ليهي رئيس جمعية -أفريكا-: هدفنا رفع -الحكرة- عن المغاربة ...
- صبايـا ما بعـد منتصـف الليـل
- قطاع الصحة بالرشيدية: خصاص في البنية التحتية والتجهيزات والم ...
- السجن المدني بالرشيدية: اكتظاظ وتجويع ووضعية صحية متردية
- المجلس الإقليمي للرشيدية يؤبد التملص من أداء الديون العمومية
- المجتمع المدني يتدارس -الخطة الوطنية للطفل بالمغرب-
- مؤتمر -الجامعة- يوصي بإعادة بناء الوحدة النقابية وتجاوز واقع ...
- جمعيات تطلق برنامجا للإدماج الاقتصادي
- النساء وجودة التعليم
- نساء تافيلالت تخضن غمار تجربة العرض
- التربية غير النظامية بالرشيدية:المعيقات وسبل التجاوز
- التربية، والحماية من سوء المعاملة، والحق في الرأي والتعبير/أ ...
- ّالساسيّ في تجمع جماهيري بالرشيدية: الوضع السياسي شاذ، واليس ...
- الوضعية البيئية بإقليم الرشيدية/تدهور حد الخطورة ومبادرات عل ...
- ابتدائية الرشيدية تحكم بسجن مراسل صحفي
- فراعنة ورزازات
- ورزازات مسيرة رغم العسكرة والمنع


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي بنساعود - ساحة بوجلود بفاس: فضاء للترفيه و-التداوي- بعبق التاريخ