أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - موت بحكم الحياة















المزيد.....

موت بحكم الحياة


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 5062 - 2016 / 2 / 1 - 17:18
المحور: الادب والفن
    


موت بحكم الحياة

صغيرة يحكمها الحمق ، والخافق بين جنباتها يرقص طرباً ، لمحت طيفه وكأن عصا سحرية لمستني فحوّلتني من مراهقة إلى عاشقة،
-" يا إلهي كم يشبهه! هل يُعقل أن يكون هو؟"
هذا ال (هو) نجمي المفضّل" ، تراه بقلب مراهقة ،" كلّ يوم كنت أراه بنفس المكان وبنفس التوقيت ، أنا.... فتاة ريفية تتمتع بجمال غريب غير معهود في قريتها الصغيرة ، مدلّلة والديها ، الوالد كان حريصاً جداً على أن تتم تعليمها الجامعي لتحمل بالنهاية شهادة ذكائها المتوقّد، وتخرّجت من كلية الآداب بتقدير ممتاز ، أهّلتها للعمل بمؤسسة حكومية بمركز جيد ،
تلتقيه في طريقه لعمله في مؤسسة تابعة لمديرية السياحة ، مليح الوجه مرّ الحسن على قسماته فوسمه، بعد تبادل النظرات ثم الابتسامات ، فالتحيات ، كان الحسم بلقاء انتهى بأخذ موعد لزيارة أهله لطلب يدها ..... ....
حضر مع أمه وأبيه ، أوجست خيفة من أمه التي كان من الواضح أنها تتحكَّم وتمسك بكلّ زمام حياته ، لكنّها وطّنت نفسها واثقة بقدرتها على احتوائه والاستقلال به دون أن تبخس أمّه حقّها به، فترة خطوبة شفافة ثم عرس في ربيع مزهر ..كان عرساً صعيديّ الطراز، انتهى بانتقالها إلى عِش الزوجية في قريته في الطابق الذي يعلو دار أهله، حوالي منتصف الليل ، ترامى إلى مسمعها صوت غريب ، يفيض حناناً وألماً
لم تستطع أن تحدد هل هو شخص يغني ؟ أم ينادي ؟
إحساس غريب تلبّسها أنّ الصوت يناديها !
أيقظت عريسها، تسأله عن الصوت ، أجابها وهو نصف نائم :" هو عفريت نامي الآن ".
لم تستطع النوم ، ارتدت رداءً خارجياً وتسللت ، نزلت إلى فناء المنزل تتتبّع الصوت، وصلت إلى باب الحوش، أو ما يسمى بالزريبة حيث توجد بعض الحيوانات ، استجمعت قوتها ودفعت الباب، وتسمرت .....! ...."لكني أنا ، ويا ويلي من أنا وفضولي...."
هو مخلوق غريب.....! تماسكت ، اقتربت ، أحاول الحفاظ على رباطة جأشي ، قرّبت المصباح من وجه المخلوق وهالني منظره.... !
عجوز بعيون بيضاء، وكأن القزحية عندها قد تحلّلت وذابت فاحتلّها البياض، مرّ الزمن على وجهها ويديها مخلِّفاً أخاديد شديدة الغور، واختفى لون الحياة فارّاً من جنباتها ، مخلِّفاً شحوباً بانت منه العروق خرائطَ محبّرة ، نما شعرها عقدة صوف بيضاء شعثة، أسمالها تستر القليل من جسدها النحيل الذي فقد كلّ شيء إلا من هيكل عظمي يبرز مفاصله بعنوة من وراء جلد متغضّن، استطالت أظافر اليدين حتى شاركت أهل الكهف السبعين ، لم ترتكس لتسليط الضوء على وجهها، فهي عمياء، أحسّت بأنفاسها المتلاحقة ، توقفت عن الغناء الشجي سألتني باستغراب ووجل:
- " من أنت؟." أجبت بتلعثم :
- "أنا عروس أحمد يا خالة".
- "عروس أحمد ؟ لا يجب أن تبقي هنا يا ابنتي ، عليك مغادرة هذا البيت فوراً، سيفعلون بك ما فعلوه بي ".
رفعت وجهي إلى السقف فالتقت عيناي عيون القمر الوقحة ، وهو يرسل ضوءه من السقف متسللاً ليكشف كل الأسرار.....نعم هي عادة سيئة لديه عرف بها خصوصا بين العشاق، لم يمنع تجسسه السقف فهو سعف جريد، وسيقان ذرة .....!.
جال المصباح في أرجاء الزريبة ، بقرة هنا ، وحمار في الزاوية ، عنزة هناك ، وعشة فراخ ، رائحة روث الحيوانات خانقة ، سألتها بشفقة غيض:
- "من أنت يا خالة ؟"
- " عمّة أحمد، أظن أنّ عمري قد تجاوز السبعين، أقيم هنا منذ أكثر من ثلاثين عاماً، كنت قبلها أعيش مع أختي وأولادها، توفيت وضاق أولادها ذرعاً بي ، لم أتزوج ، قدمت إلى أخي والد أحمد ، أعطيته قطعة الأرض خاصتي وما كنت أدّخره من نقود، مقابل أن أقيم عنده ويكون لي ستراً ، لكن زوجته لم يرق لها ذلك، أجبرته على إلقائي هنا، وأشاعت بين الناس أنني توفّيت بعد أن توفّيت أختي، لم يعلم أحد بوجودي هنا ، أذاقتني كل ألوان المهانة والحرمان، بكيت حتى ابيضّت عيناي، لم أغادر مكاني هذا منذ ثلاثين سنة ، تتعاقب علي الفصول ، فأغرق شتاءً بالمطر المتسلل من هذا السقف المتهالك ، وأكتوي صيفاً بلهيب الشمس الحارقة ".
أصوات بالخارج ، وقع أقدام تقترب ، ويفتح الباب كاشفاً وراءه أخت أحمد وأمه ، و النار والشر والشرر تتطاير عيونهم حتى لامس أواره أثوابي فتراجعت خائفة ،لكنني سرعان ما استعدت رباطة جأشي، تحفّزت لمواجهتهم حين أطلقت أم أحمد سؤالها كزئير الوحش :
- " ماذا تفعلين هنا ؟ المفروض أنك عروس، موقعك إلى جانب عريسك ".
حاولت بكل جهدي أن يكون صوتي قوياً وقلت :
-" سمعت أنيناً غريباً منعني من النوم ، فنزلت استكشف مصدره ، ووجدت العمّة هنا، لماذا هي هنا ؟ماذا فعلت حتى استحقت هذا الحكم بالسجن المؤبد ؟".
اتسعت عينا أم أحمد حتى كادتا أن تفرّان من محجريهما ، و أخت أحمد تشيرلي من خلفهما أن اسكت ولم التفت اليه ، وصبّبت كل تركيزي على أم أحمد لامنعها من الانقضاض علي، لن تنال مني، حتى اطلقت استهلال غضبها بأول رصاصة نحوي:
- " من أنت أيتها الحمقاء حتى توجهي لي هذه الأسئلة الملفّحة بالاتهامات ؟ ليس هذا من شأنك ، كما أنه لا دخل لك بالعمّة لا من قريب ولا من بعيد، انسَي تماماً أنك رأيتها، وإلّا لن ترَي خيراً أبداً، تحركي إلى الأعلى واقبعي إلى جوار عريسك ، هذا الغبي كعادته ، نام نومه العميق ، ولم يشعر بك تتسلّلين ، تحرّكي "
نظرت إليها بازدراء مفتعل ، مررّت من أمامها وهي ترمقني بكل كبرياء وكأنها ترسل لي رسالة .. أن احذر غضبها ...نظرت إلى العمّة ، اقتربت منها وهمست في أذنها :"
" ألقاك غداً ..!"
- تمتمت العمة بخوف وهمست :
-"لا تفعلي ...ارجوك.... لا تفعلي"
في الصباح ، كان الحديث أبعد ما يكون عن حديث بين زوجين توّجا حبهما بالزواج ..وانبته بعنف بأسئلتي المحرجة :
- " كيف تقدمون على وأد بنت دمكم هكذا ؟ - أي قلوب تحملون بين جنباتكم ؟"
أشاح بوجهه عني وأشار بيده بملل أن أفي الموضوع وقال بلهجة محذرة :
- " إياك أن تتدخلي بهذا الأمر ، وإلا ستفتحين عليك جبهة أمي التي لن ترحمك".
غضبت حتى صعد الدم إلى رأسي و قلت:
-:" يبدو أن الرحمة غادرت قلوبكم جميعاً، كيف تسكتون على هذه الجريمة ؟ماذا فعلت المسكينة حتى تسجن وتُدفن هكذا ؟ ألستم بشر ، الا تخافوا الله ...؟". صرخ بغضب شديد :
" - أمي من فعلت هذا ".
أجبته بصرخة اعلى من صرخته :
-" ومن أمك حتى تفعل هذا ؟ من سيّدها على عمتك ؟ كيف سكتم عنها ؟ لماذا سايرتموها ؟ "
رد بحزم وبصوت تملأه الشفقة والرفض لفعل امه اللانساني :
-" أمي سيّدة هذا البيت والكل يأتمر بأمرها، وعليك أنت أيضاً أن تنفذي كل ما تقوله ، وإلّا ستنغّص عليك عيشتك، لقد عزلت أبي عنها منذ حوالي 20 سنة و هو لا حول له ولا قوة ، وأختي أمينة كما ترين جاهلة أمية ، تمشي وراء أمي كظلّها ، لا أظنها ستتزوّج يوماً ، ستبقى خادمة عند أمي ".
- قاطعته بانبرة استهزاء :
-" وأنت ؟"
رد بتسائل وكانه احس بنبرة استهزائي :
- " ماذا تقصدين ؟ اسمعي لن أفقد صفاء حياتي بسببك ، إن غضبت أمي عليّ أحالت حياتي جحيماً ، فحذاري ."
ابته بجفاء :
- " لكنك مشارك في جريمة ، كيف لي أن آمن على حياتي معك وقلبك راضٍ وصامت عن جريمة ارتكبت في حق رحمك ؟ سأحضر عمتك إلى هنا وأجهّز لها غرفة لائقة ، تقيم بيننا "
صاح بوجهي كالملسوع :
-" احذري حتى التفكير في ذلك، أبعدي الخاطر عن مخك الصغير وتعالي إلي مدلّلتي ".
- "مدللتك ؟ لا أظنك تدللني أبداً ! من سكنت القسوة قلبه لا يتقن التدليل ." رد علي بزعل :
- " فإذن ستبقين سجينة هذا البيت ، لن تغادريه أبداً"
في نهار اليوم التالي ، بعد أن أتمّمت إعداد الغداء، نزلت إلى الحوش قاصدة العمة بطبق طعام ، ولكن سرعان ما فاجأتني الحماة، وأخذت من يدي الطعام ، أتت عليه خلال دقائق، وا نا ارمقها باحتقار وازدراء و غادرت راكضة إلى الطابق العلوي لأشتكي لعريسي ما كان من أمر أمّه المتسلطة ، فما كان منه مباغتتي بالضرب الشديد حتى ظهرت آثاره فيما بعد كدمات تماهت ألوانها بين البنفسجي والأصفر ، وقفل الباب خلفه و غادر وأنا حبيسة الى الآن ...!
فأعلنت إضراباً عن الطعام ليكتمل معنى السجن والسجان والسجين ......
استمرت العمة السجينة كل يوم ترسل صوتها بعبارة :
- " اهربي ، وإلا ستكونين الضحية التالية ، اهربي ".
ومضى على إضرابي عن الطعام وسجني حوالي عشرة أيام ، وكان قراري الهروب ....
من نافذة صغيرة لكي أبدأ مشوار حريتي ... ألقيت بجسدي الناحل على كرسي أسقطته عمداً على سقف مجاور، ولكني أخطأت التقدير فكان السقوط عنيفاً ، أخذني نحو دهليز مظلم يقود الى مكان غريب كالقاعة إلى قاعه و يد حانية تمسح رأسي وتتبتّل إلى الله بدعوات بالشفاء العاجل ، أظن أني شمّمت رائحة الجنّة...لم أدرك كم بقيت فيه، أفقت مرة أخرى لأجد وجهاً محببّاً يناديني
-:" أيتها الشقية ، هيا استفيقي كفاك نوماً لقد نمت كأهل الكهف ".
وجه أخي المتوهّج كالبدر في الظلام ، رأيت فيه خلاصاً من ظلمة أحاطت بي طويلاً ...
وهي جلسة أخيرة مع غلطة عمري يفاوضني على الطلاق مقابل مصوغاتي الذهبية.... !
غادرت ، و نظري يتفحص قمامة بشرية وقدماي تنقلني دون أن أحس نحوها ، وسمعتها تقول :
-" اذهبي يا ابنتي، حياتك غالية ، واتركيني انتظرهم في قبري فحسابهم عسير ".



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أربع قصص قصيرة حداً( أجنَّة )
- تجوال
- 4 قصص قصيرة جداً
- لو كان بيدي
- غرائب
- غواية
- ساقي ورودي
- العريس
- انصهار
- رصاصة
- أنا وأنت
- العيش في قبر


المزيد.....




- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...
- -طقوس شيطانية وسحر وتعري- في مسابقة -يوروفيجن- تثير غضب المت ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - موت بحكم الحياة