أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد سعيد الريحاني - قصة قصيرة: كلاب














المزيد.....

قصة قصيرة: كلاب


محمد سعيد الريحاني
أديب وباحث في دراسات الترجمة

(Mohamed Said Raihani)


الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 02:58
المحور: حقوق الانسان
    


" لا تدع النقد يعكر صفو تفكيرك. وتذكر أن المذاق الوحيد للنجاح عند بعض الناس هو طعم تلك العضة التي ينالونها منك."
زيغ زيغلر
Zig Ziglar


ليس لديه ما يسرق: لا أثاث ولا أواني ولا أطفال ولا امرأة... ليس له غير لباسه. ومع ذلك فهو يغدق الخبز على كلاب ضالة لتحرس باب بيته المتداعي في هذا الحي من طوق الفقر الصفيحي حول المدينة. كلاب جوعى مثل هذه لا يمكنها حراسة أحد أو حمايته من المعتدين ولكنها قد تدرك أن عليها رد الجميل لمن يفتت لها الخبز كل صباح بنبحة أو نبحتين ليلا إذا ما حاول متطفل أو معتد الاقتراب من الباب...

الصباح ضبابي وقارس البرودة. يخرج الرجل من بيته يجلس على العتبة. تقترب منه الكلاب في فئات متباينة، اثنان يقتربان منه أكثر يلحسان يديه وحذائه، والخمسة الباقون يقفون بعيدا...

الربد قارس. الرجل والكلبان ينفثان دخانهما على بعضهم البعض، يتبادلون الأنفاس.

انسحب الرجل إلى داخل البيت ثم عاد بحجر قميصه مملوء خبزا يابسة يابسة طغى على أغلبها صوف أخضر نتن. شرع يفتتها للكلبين اللذين يصفقان بذيلهما فرحا ويلهثان من انفتاح الشهية ويلتفتان بين الفينة والأخرى للتأكد من احترام باقي الكلاب الخمسة للمسافة الفاصلة بينهما...
ينتهي الرجل من تفتيت الخبز للكلاب، يمرر يديه على عنقيهما رضا واستحسانا، يغلق باب البيت ثم ينصرف مبتعدا عن طوق الفقر باتجاه مركز المدينة طلبا ل " طرف الخبز".


الكلبان، الآن، يفترسان فتات الخبز على الأرض في شخير مبالغ فيه لتنبيه الكلاب الخمسة في الخلفية القريبة وردعهم عن كل تفكير في الاقتراب والمضايقة.

تفهم الكلاب الرسالة : ترقد على الأرض تتفرج وتنتظر. الكلبان يأكلان الخبز المفتت بشراهة ويشخران بجنون ويلتفتان كل دقيقة صوب الكلاب الخمسة الهزيلة ليجددان التحذير بمنع الاقتراب منهما.

الكلب الذكر يريد الانصراف لكنه يفكر في مصير الخبز. ينظر إلى الكلاب الراقدة قربه وقد اصطنعت لامبالاة زائفة ثم ينظر إلى الخبز المتبقى على الأرض. يتروى قليلا ثم ينحني، يأكل مع الكلبة الأنثى بتأن. يرفع رأسه ليبتلع ما بين فكيه. يبتلع الخبز بصعوبة ظاهرة من خلال عينيه الجاحظتين من فرط التكلف. ينظر إلى الكلاب الخمسة وراءه. يكشر عن أنيابه. يزمجر. الكلاب أوفياء لدور اللامبالي الذي رسموه لأنفسهم: مستلقون على بطونهم، يتنفسون بهدوء وهم يرمشون...

يعود الكلب للأكل. القطعة الأخيرة من الخبز استعصت على الهضم. لكنه واصل المحاولة تلو المحاولة حتى انهار أرضا وبدأ يسعل ويشخر ويركل الأرض حوله في محاولة لدفع قطعة الخبز اليابس الذي تخنقه إلى داخل معدته. يسعل ويشخر ويركل ويدور على الأرض كعقارب ساعة مجنونة. يركل ويدور، يركل ويدور. الأرض تحته صارت أنظف تحت النفخ والسعال والشخير والركل والتمرغ.

في الخلفية القريبة، الكلاب الخمسة، دائما راقدون في إقليمهم الآمن غير آبهين بالكلب المحتضر، يتفرجون فقط على الكلبة الأنثى وهي تأكل وتزمجر وتلتفت إليهم بين الفينة والاخرى غير واثقة من لامبالاتهم.

يطالها التعب والتخمة. تستريح أمام الخبز التي يركلها قربها الكلب المحتضر. تشم القطع المتبقية قطعة قطعة. تقف ثم تجمع منها ما استطاعت جمعه بين فكيها. تلتفت إلى الكلاب الخمسة: الكلاب في أماكنها تنظر وترمش في لا اكتراث مقتن. تزمجر زمجرة تحول دون قوتها كثرة الخبز بين فكيها. الذباب يفترسها. تحاول نفض أذنيها فتسقط الخبز من فكيها. تنحني لجمعها كلها في فمها، تجمعها، تبعد متباطئة تحت ثقل الخبز في أمعائها وبين فكيها. تبتعد ملتفتة بين الفينة والأخرى صوب باقي الكلاب وباقي قطع الخبز المفتتة على الأرض. تنعطف ويغيب أثرها لبرهة من الزمن.
تقف الكلاب الخمسة، فجأة. يتتروون في وقوفهم. يتقدمون بحذر بالغ نحو قطع الخبز قرب جثة الكلب الميت. ينظرون وراءهم إلى المنعطف حيث اختفت الكلبة. ينقضون على الفتات. يفترسونه وهم يلتفتون دوريا إلى الوراء درء للمفاجأة والعقاب. يفترسون الفتات بأضراسهم ويروحون عن خوفهم بأذيالهم.

أخيرا، تظهر الكلبة مسرعة. ثدياها تتأٍجحان بين أرجلها وتلامسان نتوءات الأرض. ينتبه الكلاب الخمسة لحضورها. يثبون. يغادرون المكان. يفرون بجنون دون التفاتة إلى الخلف. تقترب الكلبة من مكان الخبز: لا شيء. تنظر إلى الكلاب المغيرة وقد صارت خمسة نقط في البعيد لا زالت تركض وترسم في جريها مستقيمات متوازية ومتقاطعة ومتعامدة ولكنها لا تتوقف عن الجري بعد امتلاء مختلس ونجاة صعبة من أنياب كلاب تؤثر الموت من التخمة على اقتسام الفتات.


أمطراس (شفشاون)، سنة 1995



#محمد_سعيد_الريحاني (هاشتاغ)       Mohamed_Said_Raihani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدينة الحجاج بن يوسف الثقفي
- قصة قصيرة: حفل راقص
- فخامة السيد الرئيس الحبيب الحي ديما
- موسم الهجرة إلى أي مكان
- العولمة عولمتان: عولمة هيمنة وعولمة مساواة- ، أجرت الحوار ال ...
- في حوار شامل ، الكاتب المغربي محمد سعيد الريحاني
- لا ديوان للعرب بدون قاعدة جماهيرية قارئة
- في انتظار الصبـاح - مجموعة قصصية
- هــــــــــــوية - قصة قصيرة
- إصدار جديد في انتظار الصباح
- الشــــــــرخ
- أرض الغيلان
- وطن العصافيرالمحبطة - قصة قصيرة
- بمناسبة إطفاء موقع -الحوار المتمدن- شمعته الثانية: النجاح وم ...
- في انتظار الصباح
- الحياة بملامح مجرم
- دليل الكاتب الناشئ إلى عالم الكتابة والنشر والتوزيع في مجتمع ...
- حوار مع الباحث المغربي محمد سعيد الريحاني حول كتابه -الإسم ا ...
- بمناسبة صدور مجموعته القصصية» في انتظار الصباح « ،الكاتب محم ...
- نحو أغنية عربية تعددية


المزيد.....




- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...
- ممثلية إيران: القمع لن يُسكت المدافعين عن حقوق الإنسان
- الأمم المتحدة: رفع ملايين الأطنان من أنقاض المباني في غزة قد ...
- الأمم المتحدة تغلق ملف الاتهامات الإسرائيلية لأونروا بسبب غي ...
- کنعاني: لا يتمتع المسؤولون الأميركان بكفاءة أخلاقية للتعليق ...
- المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة: روسيا في طليعة الدول الساع ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد سعيد الريحاني - قصة قصيرة: كلاب