أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - اميرة محمود اوقاسي - انا شرطي















المزيد.....

انا شرطي


اميرة محمود اوقاسي

الحوار المتمدن-العدد: 4965 - 2015 / 10 / 24 - 19:39
المحور: حقوق الانسان
    


نظر لنفسه في المرآة راضيا عما يراه، حلاقة ذقنه كانت ممتازة
مسح وجهه بالفوطة ووضع بعض من معطر بعد الحلاقة، لبس بذلته المهنية،و ارتدي ساعته والقي اخر نظرة للمرآة ثم خرج
ركب سيارته وأدار المحرك وشرع في القيادة وسيل من الافكار ترواد ذهنه
"انا شرطي، يالها من مهنة يتمنانا الكثيرون، وقد حققت فيها النجاح الذي لم اتوقعه انا شخصيا، هل يذكر الجميع حاله وهو طفل كان اغلب اصدقائي يودون ان يصبحوا رجال شرطة في المستقبل، كنا نراهم حماة البلاد، الابطال الباسلين، لكن اغلب اصدقائه اتجهوا لمهن اخري، اقرب صديق اليه اصبحا محاميا والأخر طبيبا والبعض مهندسا، كلها اعمال نبيلة لاشك، لكن وظيفتي هي الوحيدة التي تتطلب قلبا فولاذيا كقلبي
انها مهنة شريفة، اقبض علي المجرمين واضعهم بالسجن وأريح المجتمع من خطورتهم
خطورتهم،،،،،، يتذكر كلام امه وهو طفل، كانت علي قدر كبير من الطيبة والاتزان والحكمة، لا يوجد ناس اخيار وناس اشرار، هناك اناس اخيار خُلقوا في الظروف التي هيأتهم ليصبحوا اشرار وفرصة اصلاحهم قائمة دائما
يتذكر هذه الكلمات مع وجه امه الطيب الحنون، ويحاول ان يطبق ذلك علي ما يراه يوميا،
لقد قبض علي كثير من المجرمين، اخد يعاين حالة كل مجرم قبض عليه
"هشام، من اسرة فقيرة وأب عاجز عن العمل بسبب اعاقته الحركية، امه تزاول الخياطة لكي توفر لقمة عيش زهيدة لأطفالها، هشام مارس سرقة السيارات الي ان اصبح محترفا فيها وبعد ذلك قبضت عليه وأودعته زنزانته ذات الاربع جدران"
بعد ذلك تذكر اشخاصا غير هشام، الكثيرين غيره تتشابه ظروفهم، اسرة مفككة، تعاطي للمخدرات بسبب اليأس، قليل منهم اكمل تعليمه، القليل منهم كان من اسرة ميسورة الحال، قليل منهم تربي في مناخ فكري لوالدين مثقفين، وقليل منهم عرف معني الحب وهو طفل
البيئة العنيفة الجافة كانت هي التي ترعي اولئك اللذين قبض عليهم وزج بهم السجن،
اذا كلام امه لحد ما صحيح
لم يرحه الاستنتاج الذي توصل اليه، فتوقف هنا مبررا لنفسه: "لكنهم مسئولون عن انفسهم وكان بمقدورهم ان اختاروا طريقا اخر، اقل خطرا
واصل القيادة وهو ينظر لسيل السيارات التي اوقفها الزحام الصباحي كعادة كل بداية اسبوع، ياله من جنون، الازدحام يفقد الناس صوابها
عاد لأفكاره وكأن ضميره يؤنبه، لا ندري ما قد يشكل صوت الضمير لدي الناس، اذ تختلف مرجعياتهم، بالنسبة للمتدينين سيكون صوت الله، اما بالنسبة لغيرهم فقد يكون صوت معلم او معلمة، زرع فيهم بذرة صالحة ذات يوم، قد يكون حبيبة او حبيب او صديق، وفي حالته كان وجه امه الوديع
الكثير من الامهات يربين رجالا نساءا عظماء وأبطالا يحاول المجتمع جاهدا ان يجعلهم يحيدون عن المسار الذي ارادته لهم امهاتهم العظيمات، احيانا انجحن وأحيانا يرجع الابن او الابنة للشجرة الطيبة التي ينتمي اليها بعد طول تخبط عاد ليحاور نفسه
نعم كان يمكن ان يختاروا طريقا اخر، هل انا اعني كلامي ام اقوله لمجرد ازاحة عبء المسؤولية عن كاهلي، ماذا كنت لأفعل لو كنت مكانهم؟
لا يمكنني ان اعرف لاني بكل بساطة لن اعرف ماذا يعني ان اكون منهم، لان ذلك احساس، لو رأيت امامي رجلا تعرض لحريق سأتعاطف معه حتما لكن سأكون كاذبا لو قلت اني اعرف ما يشعر به لو لم يسبق لي التعرض لحريق من قبل
ثم هناك نقطة اخري، الكثير من الدراسات التي تنشر هنا وهناك تفيد بان السجن لا يؤدب السجناء قط، بل هم يدخلونه هواة ويخرجون منه محترفين في مجالهم بعد ان عاشروا كبار المهنة ووفرت لهم كل الظروف التي تجعلهم مصرين اكثر علي موقفهم
طبعا هو اكثر شخص مخول ليعرف ذلك، ألا يعرف طبيعة السجون؟
انها اربع جدران عفنة، لا يليق بمقام الانسان ايا كان ان يعيش بها، لكن للبعض ذلك لن يشكل فرقا فربما بيوتهم اقل جمالا من تلك الزنزانات، وربما لا يملك بيتا، لا يملك شيئا ليخسره، سيكون السجن بمثابة فندق خمس نجوم يتمني الاحتماء به
لقد قابل العديد ممن يمثل لهم السجن منتجع راحة ولقد افجعه ذلك
وهناك من لا يمثل السجن بالنسبة له مكان للراحة لكنه حتما مكان يشعر فيه الانسان بالإهانة لأقصي الدرجات، فيتولد لديه حقد دفين وإصرار اكثر علي مواصلة الجريمة
كلنا نعلم بان تسخين الفلفل الحار وكي لسان الاطفال به كي يتوقفوا عن الكذب لم يوقفهم عن الكذب يوما، انها طريقة متوحشة عقيمة
كذلك السجن، من ابشع الاماكن، لا يخفي علي احد ان كل شيء داخله يباع وبثمن خرافي، الماء، الخبز النظيف، السجائر التي من المفروض انها ممنوعة وأحيانا المخدرات من طرف عمال السجن، وفي بعض السجون الغربية يمكنك استئجار فتاة هوي لتقضي معاك بعض الوقت !!
يكفي فقط ان تدفع
خارج السجن مثل داخله، الفرق فقط لمن يملك المال، وهو الذي تميل كفة ميزان العدل لصالحه دوما
اي فرق سيشكل له السجن، خارجه يعيش كذلك وداخله يتابع وتيرة حياته، هي مجرد فترة يقضيها ثم يخرج ويعود لنشاطه بشهية اكبر، بالنسبة للمافيا والعصابات السجن سيزيد من شهرته وضيع صيته وسيخدمه كثيرا
اما بالنسبة للضعيف الذي لا يملك مالا ليشتري اكلا نظيفا وماءا غير ملوث، فانه سيعاني الامرين، وخاصة اذا كان ضعيف الشخصية فسيكون بمثابة وعاء لجوع الرجال الجنسي وسيفرغون فيه كل طاقاتهم
الاغلبية مننا تعلم هذا وانأ اعلمه بحكم عملي، لكننا لا نزال نعتقد بكل رومانسية بان السجن مكان للإصلاح، هل الفكرة الاولي لها من البريق بحيث تخفي علي كل الحقائق التي سوف تليها؟
ما الذي سيصلح فيه السجن، سيخرج من السجن وهو معتقد بان كسب المال القذر افضل بأقذر الوسائل، سيستمر معدل الجرائم في ارتفاع ولن يخفض مطلقا وهذا امر اعرفه تمام المعرفة، كما سينتشر اكثر في الاحياء الفقير والمهمشة، ليس الفقراء وحدهم من يذهبون للسجون، الاغنياء كذلك احيانا، لكنهم يُعاملون معاملة الاباطرة داخل السجن وغالبا ما يطلق سراحهم بدفع الكفالة التي لا تمثل شيئا لكبر حجم ثرواتهم
الجميع مجرم بصفة او بآخري"
هذا ما وصل اليه بعد تحليله الطويل، من يدفع للجريمة، من لا يطبق العدالة بين الناس
"ما الفرق بين رجال المافيا والمخابرات الامريكية التي تغتال زعماء سياسيين لعدم رضاهم عن رغبة اولئك الزعماء في تنمية بلدانهم
رغم انني شرطي ومجال عملي اصغر من المخابرات لكنني اعرف بأنها شبكة من الايدي الملطخة بالدم، انا ناضج كفاية لأعرف ذلك، وما خفي اعظم
"نحن نقتل الناس التي تقتل، لان القتل خطأ"
لكن اين يكمن الحل، اذا لم توجد شرطة، هل ستعم الفوضى والانفلات
هل يوجد فوضي اكبر من الفوضي التي نحن نعيشها، ام الاغلبية لا تحس بها لمجرد انها مقننة ولديها دساتير تشرعها ومعظمها مخفي عن اعين الاغلبية المغيبة الغير واعية
ان اغلب الناس لم يرتكبوا السرقة او القتل بعد لسببين: سواء انهم لم يوضعوا بظروف تؤهلهم لذلك ام لأنهم خائفون جدا من العواقب التي ستطال الضعفاء منهم
لكن ليس لأنهم مقتنعين بان السرقة والقتل والجريمة خطأ، الخوف هو ذريعتهم
يريد الجميع امتلاك المال الذي يتيح لهم العيش بترف، وهذا حقهم الطبيعي
ماذا لو الغينا الدافع، الذي هو المال والتوسع والنفوذ
ماذا لو كان باستطاعة الجميع ان يعيشوا في مستوي معيشي لائق بكرامة الانسان، ماذا لو كان متاحا للجميع غذاء نظيفا، ماءا نقيا، تعليما جيدا، رعاية صحية مجانية ممتازة، هل سيرغبون في السرقة والإجرام ،،،،،،،
لا اظن ذلك فالدافع قد اختفي
اذا بطل كل تلك الحروب عبر السنين ووجود المعتقلات وأساليب التعذيب البشعة كان المال، المال الذي وُجد في فترة الندرة، الندرة التي تخيف البشر وتدفعهم لقتل بعضهم البعض لكي يوفروا لأنفسهم الامن
الندرة التي لم يعد لها وجود بعد الان، فنحن نعيش في وسط متقدم تكنولوجيا بحيث يقدر علي اطعام كل سكانا الارض 12 الف مرة احسن مما هو حاليا وهذه تقارير علمية
في حين لا نزال نباهي بسجوننا ومدرعاتنا الحربية ومدي سيادتنا علي شعب من الشعوب التي ندعوها متخلفة
انا شرطي، انا جزء فعال جدا في هذه المنظومة البائسة واساهم مساهمة فعالا في المحافظة علي اسسها
لست وحدي المسؤول، الجميع مسؤول بدرجات متفاوتة
انا شرطي، لست فخورا بذلك



#اميرة_محمود_اوقاسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم يستطع امتلاكها
- قص الاجنحة
- انتكاسة وردة !
- الرجل الشرقي .. شرقي للنخاع
- ثقافة القطيع
- الخطيئة الأولي
- المجتمع الشرقي وثقافة الحب


المزيد.....




- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...
- الكويت ترحب بنتائج تقرير أداء الأونروا في دعم جهود الإغاثة ل ...
- كيان الاحتلال يستعد لسيناريو صدور مذكرات اعتقال بحق قادته
- سويسرا تؤجّل اتّخاذ قرار حول تمويل الأونروا


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - اميرة محمود اوقاسي - انا شرطي