أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كامل علي - لعنة الذهب ألأسود-11















المزيد.....

لعنة الذهب ألأسود-11


كامل علي

الحوار المتمدن-العدد: 4959 - 2015 / 10 / 18 - 10:52
المحور: سيرة ذاتية
    


بعد ان علمت بوجود مجال للعودة الى مقاعد الدراسة في كليّتي وذلك بعد قضاء سنة في العمل في احدى المكاتب الهندسية الاستشارية لاكتساب الخبرة الهندسية فيها، قررت الاستفادة من هذه التعليمات الّتي نزلت كالغيث الّذي يحيي الارض البوار، فقدّمت نفسي الى مكتب الاستشاري العراقي الذي كان يُديره المهندس المعماري الاستشاري رفعت الجادرجي وهو احد روّاد الهندسة المعمارية في العراق ومن الرعيل الاوّل الذين ارسوا اسس المهنة في العراق، هذا الرعيل الذي ضمّ نخبة من ابرز المعماريين كان بينهم اوّل رئيس قسم للهندسة المعمارية في كلية الهندسة، الدكتور محمّد مكيّة والمهندس المعماري الاستشاري هشام منير والمهندس المعماري قحطان عبدالله عوني مصمم مجمّع مباني الجامعة المستنصرية والمهندس المعماري قحطان المدفعي.
معظم هؤلاء الفطاحلة كانوا ضمن الفريق التدريسي لقسم الهندسة المعمارية في تلك السنين وكانت لهم مكاتب هندسية استشارية يمارسون فيها الاعمال التصميمية.
جميع هؤلاء الاساتذة كان لهم طرازهم الخاص في التصميم المعماري وكوّنوا بأبداعاتهم التصميمية مدرسة عراقية متميّزة، اسلوب المهندس رفعت جادرجي تميّز باستعمال العناصر التراثية كالاقواس النصف الدائرية الّتي أُسستعملت لاوّل مرة في العمارة السومرية والفناءات الداخلية للابنية والّتي هي متلائمة مع مناخ العراق، فلسفة المهندس رفعت جادرجي في التصميم وكما استوعبته من احدى محاضراته التي القاها على طلّاب القسم المعماري كانت تنحو الى استعمال العناصر التراثية في العمارة الحديثة بعد اذابتها في بوتقة العناصر الاخرى للمبنى، وبعبارة اخرى فانّ اسلوبه لم يكن يعتمد على استنساخ العناصر التراثية وحشرها في التصميم.
تمّ تعييني في مكتب الاستشاري العراقي بعد مقابلة قصيرة مع رئيس قسم التصاميم التنفيذية وبراتب مقداره ثلاثون دينارا وبدوام كامل لمده ثمان ساعات يوميا، وكان موقع المكتب في شارع النضال، امّا بناية المكتب المصمم من قبل المهندس المعماري رفعت الجادرجي فقد كان متكونّا من طابقين، تطلّ غرفه وقاعاته على فناء وسطي وكان هناك جسر خشبي معلّق يربط قسم التصاميم الاوّلية بقسم التصاميم التفصيلية، كانت الشبابيك الّتي تطل على الفناء الوسطي واسعة ومعمولة من الخشب المطلي بعازل شفاف، امّا الفناء الوسطي فكان مزروعا باشجار ونباتات متنوعة مما اضفى على محيط المكتب شعورا دافئا ومريحا.
في القسم الّذي عملت فيه كان يعمل زميلان، فارس وهما من طلّاب القسم المعماري، اضافة الى ذلك عمل معنا في المجموعة ثلاثة من كوادر الرسم المعماري.
العمل الاساسي في القسم كان اعداد التصاميم والمخططات التنفيذية للتصاميم الاولية التي كانت تُعَد في قسم التصاميم الاولية الّذي كان يُشرف عليه الاستاذ رفعت الجادرجي ويعمل فيه خيرة المهندسين المعماريين.
كان المكتب يوميا في حركة دائبة فبالاضافة الى اعداد تصاميم المسابقات المعمارية والمشاريع الحكومية، كنّا نقوم باعداد التصاميم للدول العربية الخليجية كمجمّع الرياضي للنادي العربي في الكويت وابنية مختلفة في الامارات العربية وقطر.
سرّبت هذه الكوّة الّتي انفتحت امامي شعاعا من الضوء الى اعماقي المظلمة فأنغمست في العمل بجد ووجدتُ فيه كياني الضائع وبدأتُ أُحبُّ مهنتي وأكتشف خفاياها واسرارها وازدادت خبرتي من خلال ممارسة العمل الهندسي المعماري والاطلّاع على التصاميم الّتي كنت اشارك في اعداد مخططاتها التفصيلية.
لأوّل مرّة في هذا المكتب اطّلعت على اسلوب عالمي جديد في اعداد التصاميم التفصيلية المسمى (نظام- S.F.B ). المخططات الّتي كنّا نقوم باعدادها كنّا نرسمها بأقلام حبر خاصّة على ورق شفاف خاص ( TRACING PAPER )، ففي السبعينات لم تكن الحاسبة الالكترونية الشخصية قد دخلت العراق، واول حاسبة شاهدتها كانت في كلية الهندسة وكان ذو حجم كبير داخل غرفة مكيّفة ولم يكن بامكاننا استعمال هذه الحاسبة البدائية لاغراض الرسم الهندسي والمعماري.
كان الراتب الّذي اتقاضاه رغم تواضعه يكفي لدفع ايجار الشقّة الّتي استأجرتها في الصالحية بمشاركة صديق كان يعمل مذيعا في القسم التركماني من اذاعة بغداد، امّا المتبقي من الراتب فكنت اخصصه للمصاريف الاخرى كالطعام والشراب الّذي اصبح عادة يوميّة وعلاجا شافيا لما تبقّى في نفسي من ألم وقلق، كما بدأت امارس هوايتي القديمة في العزف على العود وهكذا انغمست في العمل والشراب والموسيقى، هذا الثلاثي الذي اعانني على استرجاع عافيتي والاقبال على الحياة مرّة اخرى بقلب يملأه الامل والتفاؤل من المستقبل.
في التاسع من آذار من عام 1973 ومع اطلالة الربيع اشتركت في سفرة مع الطلّاب التركمان الدارسين في جامعة بغداد الى سدّة الهندية، وبينما كنت اداعب اوتار آلة العود في الحافلة الّتي كانت تُقلّنا سمعت صوتا ناعما يناديني من المقعد الخلفي وفوجئت بوجودها فلم تكن غير أسماء، رفيقة صباي واحسست في تلك اللحظة بأنّ قلبي يرتجف في مكمنه محاولا شق شرنقته لينطلق فراشة الحب من جديد نحو النور والحب والحياة.
بعد وصولنا الى موقع السفرة اغتنمتُ اوّل فرصة سانحة لأنفرد بأسماء وبدأ حديث العتاب والمكاشفة وانتهى بارتباط قلبين تعاهدا على الحب والوفاء مدى الحياة.
كانت اسماء قد اكملت دراستها الاعدادية وقدّمت وثائقها الى معهد اعداد المعلمين والمعلمات في اربيل، وكانت تقضي معظم ايّامها في مدينة الذهب الاسود بانتظار نتائج القبول في المعهد.
بدأتُ أُكثِر من زياراتي الى كركوك للقائها وكانت هذه اللقاءات من احلى لحظات العمر، وازداد ارتباطنا بمرور الايام وبدأ حبنا ينمو ويترعرع وكنت اشتاق اليها عقب فراقنا.
اصبح الشعر سلواي في ايام البعاد فافرغت فيه مشاعري وصارت القصائد تعكس الواقع الجديد فأنغمست في خضم الحياة بفؤاد يملؤه التفاؤل والامل والحب.
في ألخريف ألّذي تلا ذلك ألربيع ألخالد رجعت إلى مقاعد ألدراسة في ألجامعة بنفسية جديدة فألحب كما يُقال يصنع ألمعجزات، وبدأت دراستي بهمّة ومثابرة وعزيمة يفل ألحديد وأندفاع المقاتل ألموعود بإحدى ألحسنيين إمّا ألشهادة (ليس ألمقصود شهادة ألبكلوريوس طبعا) أو ألجنّة، فبدأت أحضر ألدروس بإنتظام وأعدّ تصاميم ألمشاريع برغبة لم أعهدهها في نفسي في ألسنوات ألأخيرة.... سنوات ألمحنة.
تكللت جهودي بألنجاح وبدأتُ أقطف ثمار ألنبتة ألّتي زرعها ألحب في عقلي وصارت علاماتي في جميع ألدروس ممتازة وأصبحتُ في طليعة ألمتفوقين.
في مساء إحدى ألأيام كنت أتجاذب ألحديث في إحدى بارات أبي نؤاس في بغداد مع صديقي بهجت ألّذي كان في تلك ألسنة طالبا في قسم ألمسرح في أكاديمية ألفنون ألجميلة، وبعد أنْ أسكرتنا ألخمور ألّتي تفتح عقال ألألسنة تشاركنا في أحاديثنا ذكرياتنا وتجاربنا في ألحب، سرد بهجت قصّة حبّه ألأول مع بنت ألجيران في مدينة كركوك عندما كان في سن ألمراهقة، وعرفت منه انه لَمْ يلتقِ بحبيبته تلك منذ عشر سنوات وذلك بعد أنْ أنتقلت مع عائلتها إلى مدينة أربيل ولكنّها كانت لاتزال تحتل موقعها في إحدى أركان قلبه وفهمت من حديثه بأنّه يحسُّ بحنين جارف لرؤيتها حتّى تلك أللحظة.
في تلك ألجلسة ألشاعرية على ضفاف نهر دجلة قررنا ألبحث عن ألحبيبة ألمفقودة. كانت سلوى معلمّة في مدينة أربيل ولكنّ صديقي بهجت لَمْ يكن يعرف عنوان سكنها أو محل عملها ولكنّه قال بان أحد أصدقائه في أربيل قد يستطيع مساعدتنا في ألعثور على ألحبيبة ألمفقودة.
في ألصباح الباكر سافرنا إلى أربيل وكنت من ناحيتي آملُ رؤية حبيبتي هنالك لأنّها كانت قد قُبِلَت في معهد إعداد ألمعلمات في أربيل بالاضافة إلى رغبتي في مساعدة صديقي بهجت للعثور على حبّه ألضائع.
بعد وصولنا إلى أربيل وألّذي يبعد بحوالي 350 كيلومترا عن بغداد توصّلنا إلى معرفة عنوان مسكن سلوى بواسطة صديق بهجت ألذي رافقنا في زيارتنا إلى مسكن ألحبيبة، ولكننا لَمْ نجدها في ألدار وأخبرتنا والدتها بعد ألترحاب وكرم ألضيافة ألّذي هي مِنْ شيم أهل ألعراق بأنَّ سلوى معلِّمة في إحدى مدارس قضاء مخمور.
علمت أيضا من صديق بهجت بأنَّ الدوام في معهد ألمعلمات لَمْ يبدأ بَعدُ لذلك لَمْ أتمكّن مِنْ لقاء حبيبتي اسماء فقفلنا مع بهجت راجعين إلى بغداد بخفي حنين.
تمخضت عن هذه المغامرة ألمفاجئة تطوّرات مذهلة في ألأيام التالية، فبدأت ألجسور تمتد بي بهجت وحبيبته وأنتهت بالنهاية ألسعيدة كما يحدث في ألأفلام ألمصرية فتزوّج ألعاشقان بعد تخرّج بهجت من اكاديمية الفنون الجميلة- قسم المسرح.
بعد إيابنا إلى بغداد علمتُ بأنَّ أبن خالي جهاد قد حضر من كركوك وأخبرني صاحب ألفندق الّذي كان يسكن فيه بهجت بأنَّ أهلي أرسلوه لكي يخبرني بضرورة سفري إلى كركوك لأمر هام.
بدأت ألأفكار وألهواجس تراودني وأحسست بأنَّ مصيبة قد حلّت وندمتُ لأنني لَمْ أعرج على أهلى خلال مروري من كركوك في طريقنا إلى اربيل أو عودتنا منه. كانت ظنوني في محلّها فبعد أنْ دخلت زقاقنا في كركوك بعد سفرة كئيبة لاحظت تجمهر النّاس امام دارنا وحركة ألنساء ألمتشحات بالسواد فايقنت بأنَّ أحد أفراد عائلتي قد فارق الحياة ولَمْ يكن غير والدي ألّذي مات على أثر نوبة قلبية مفاجئة وتمَّ دفنه بجانب قبر والدتي في مقبرة ألقورية.
كان وقع النبأ عليَّ أليما ولفّني ألحزن لفراق هذا ألأب ألحنون ألمضحّي وألذّي ترك برحيله جرحا ثالثا غائرا في أعماقي.
بعد أنتهاء فترة ألحداد أبتُ إلى بغداد مهموما لأكمّل دراستي ألجامعية.

.....يتبع
من مسوّدة كتاب (لعنة ألذهب ألأسود) للكاتب



#كامل_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعنة الذهب ألأسود-10
- لعنة الذهب ألأسود-9
- ألنبوة وألولاية
- شطحات صوفية
- ألماسونية -3 - بين ألمحافظة والتجديد
- ألماسونية -2- ألماسونية وألدين
- ألماسونية -1- كيف بدأت الماسونية
- ألأسينيون في قمران
- يهودي غامض- يسوع ألناصري- ألخاتمة
- يهودي غامض- يسوع ألناصري- 3
- يهودي غامض- يسوع ألناصري- 2
- يهودي غامض- يسوع ألناصري
- نهاية ألعالم في ألرؤى أليهودية
- ألأرض ألأم
- تجليات كونية... شمس، قمر وأحجار
- ألتجربة ألدينية للحياة
- ألإله ألبعيد
- تانجري (ألإله - ألسماء)
- جلاألدين ألرومي-موسيقى-شعر ورقصات
- ألغطس في ألمياه في أساطير ألتكوين


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - كامل علي - لعنة الذهب ألأسود-11