أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - موسم استحقاقات العدالة.. ماذا بعد محاكمة حبري؟















المزيد.....

موسم استحقاقات العدالة.. ماذا بعد محاكمة حبري؟


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4882 - 2015 / 7 / 30 - 18:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تعتبر محكمة يوغسلافيا العام 1993 ورواندا العام 1994 أولى المحاكم التي اختصّت بالنظر في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، التي ارتكبت في نزاع مسلح غير دولي، فحتى ذلك التاريخ كانت المحاكم الدولية التي تأسست منذ العام 1919 وبشكل خاص بعد الحرب العالمية الثانية، مخصّصة لمحاكمة متهمين بارتكاب جرائم دولية، لاسيّما محكمة نورمبرغ ومحكمة طوكيو (العسكريتين).
حينما أبرم نظام روما وتأسست المحكمة الجنائية الدولية في العام 1998 ودخلت حيّز التنفيذ في العام 2002، كانت أول هيئة قضائية دولية تحظى بولاية عالمية وبزمن غير محدد، في حين أن المحاكم التي أنشئت قبلها كانت محاكم خاصة ومؤقتة. وعلى الرغم من قيام نظام دولي للعدالة، فإن المعايير المزدوجة والنهج الانتقائي لم يكن بعيداً عن القضاء الدولي، وإلاّ كيف يمكن أن تفلت «إسرائيل» وكبار قادتها الذين شنّوا الحروب وقاموا بالعدوان ومارسوا سياسة الإجلاء بحق السكان الأصليين واستمروا في نهج الاستيطان منذ قيامها في العام 1948 وحتى الآن من شراك المحاكمة الدولية؟ أطنان من الوثائق والأدلة والشهود والقرائن التي تدين «إسرائيل» ومن رسم خطط الغزو والعدوان ومارس انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان وقوانين الحرب وارتكب المجازر ومارس التعذيب، وهو ما ذهب إليه وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، عشية تقديم شكوى ضد «إسرائيل» إلى المحكمة الجنائية الدولية في 25-6-2015.
ولا نريد الذهاب بعيداً فحربها ضد لبنان العام 2006 وحروبها ضد غزّة الأولى في العام 2008-2009 المعروفة بعملية «الرصاص المصبوب» وحربها الثانية في العام 2012 والمعروفة بعملية «عمود السحاب» وحربها الثالثة في العام 2014 والمعروفة ب «الجرف الصامد»، خير شاهد وألف دليل على ارتكاباتها باعتراف دولي، وهو ما دعا السلطة الفلسطينية للإمساك بهذا الملف الدبلوماسي والحقوقي الدولي، كجزء من معركتها المتعدّدة الجوانب ضد «إسرائيل»، خصوصاً بعد انضمامها إلى نظام روما.
وإذا كان مثل هذا الموقف اللامسؤول بحق الضحايا في فلسطين، فإن المحكمة ذاتها أصدرت مذكرتين دوليتين بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير على التوالي لتوقيفه، ووجهت إليه اتهامات بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بخمس جنايات تتعلق بجرائم ضد الإنسانية، بما فيها القتل والتعذيب والإبادة الجماعية، أهمها تورطه في النزاع المسلح في إقليم دارفور منذ العام 2003.
ولا نريد هنا مناقشة هذا الموضوع بالتأييد أو التنديد، لكنه كيف يمكن «إعفاء» «إسرائيل» وقادتها من المساءلة، ومعها عشرات من الحكام الدكتاتوريين والمستبدين الذين يتم غضّ الطرف عنهم لاعتبارات لا علاقة لها بالعدالة الدولية، بل بالمصالح الأنانية الضيقة، الأمر الذي دعا بعض الزعماء الأفارقة وفي ظل ارتفاع دعوات من جهات حقوقية لمحاكمة الرئيس التشادي السابق حسين حبري على جرائم كان قد اتهم بارتكابها خلال وجوده في السلطة 1982-1990، إلى اعتماد صيغة إفريقية كمحكمة خاصة لمحاكمته، والاستعاضة عن نظام محكمة روما، نظراً للتوظيف السياسي له من جانب القوى المتنفّذة، حتى وإن كانت من خارجه، مثلما هي الولايات المتحدة الأمريكية التي انضمت إلى نظام روما في الدقائق الأخيرة، ثم قامت بالانسحاب منه بعد أن دخل حيّز التنفيذ في العام 2002.
اليوم وبعد ربع قرن على الإطاحة بحكم الرئيس التشادي حسين حبري يمثل أمام محكمة في دكار (السنغال) لمحاكمته أمام قضاة أفارقة، علماً بأنه اتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية وجرائم حرب، راح ضحيتها نحو 40 ألف مواطن، وقد رفض المثول أمام المحكمة إلاّ أنه أُحضر بالقوة.
ومن المفارقة أن يقدّم حسين حبري إلى القضاء، في حين صوّرته واشنطن في عهد الرئيس رونالد ريغان وباريس في عهد الرئيس فرانسوا ميتران باعتباره «بطل التحرير»، خصوصاً حين استطاع إخراج القوات الليبية من تشاد والوقوف ضد نظام الرئيس الليبي معمر القذافي، في وقت كانت العاصمتان تعرفان حق المعرفة انتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان.
سنوات الجحيم
جدير بالذكر أنه أطلق على سنوات حكم حسين حبري «سنوات الجحيم» حيث شهدت «جرائم الاغتيال والاختفاء القسري والتعذيب»، ولكن قبضته بدأت بالارتخاء، حيث قاد الرئيس الحالي إدريس ديبي ايتينو تمرداً ضده بدعم من الحكومة السودانية ونظام البشير في سنته الأولى، واضطرّ حبري إلى الهرب إلى الكاميرون ومنها إلى السنغال، وحاول الابتعاد عن الأضواء طوال ربع القرن الماضي، لكن يد العدالة كما يقال كانت له بالمرصاد، حيث بدأت بعض المنظمات الحقوقية التشادية، إضافة إلى منظمة هيومن رايتس ووتش (مرصد حقوق الإنسان) في تحريك ملف المطالبة بتقديمه إلى القضاء، حيث تم توثيق 12.321 ضحية من ضمنها 1208 جرائم وفاة تحت التعذيب، كما عانى التعذيب نحو 200 ألف إنسان بأيدي الشرطة السرّية أو ما يسمى «إدارة التوثيق والأمن».
المعركة القضائية انتقلت من تشاد إلى السنغال حيث تم الاستماع لجلسات مغلقة إلى بعض الضحايا، وصدر حكم بالإقامة الجبرية بحق حسين حبري، وحصلت بعض الضغوط والملابسات لمغادرته السنغال، إلاّ أن مذكرة توقيف دولية صدرت من القاضي البلجيكي بحقه اعتماداً على وجود ثلاثة مواطنين بلجيكيين بين الضحايا.
الاتحاد الإفريقي دعا إلى محاكمة ب «اسم إفريقيا» في المحاكم السنغالية، وذلك تحت ضغوط كثيرة ووعود لجهات حقوقية بينها الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان FIDH، التي مقرّها باريس، وقد تم اتخاذ بعض الإجراءات في فبراير (شباط) 2013. لم يرغب الأفارقة في تقديم رئيس إفريقي إلى المحكمة الجنائية الدولية وقرّروا محاكمة حسين حبري أمام محكمة إفريقية وعلى أراضٍ إفريقية (دكار- السنغال)، فقد بقي بعض الزعماء الأفارقة يترّدد من قبول فكرة المحاكمة الدولية نظراً للهواجس التي رافقها وللسياسة الانتقائية التي اتبعتها، فضلاً عن مطالبتها بمحاكمة رئيس دولة إفريقية وهو لا يزال في الحكم (السودان)، واعتبر هؤلاء محاكمة حبري في السنغال انتصاراً لفكرة العدالة الإفريقية، وهي أول مرّة يتم فيها ذلك وفي إفريقيا ومن خلال الاتحاد الإفريقي الذي تأسس العام 1963.
لقد كان تقديم حبري إلى المحاكمة أقرب إلى ماراثون قضائي، فقد تقدّم سليمان غوينغوينغ من بعض المنظمات الحقوقية وأبلغها بأنه دفن في حديقة منزله مئات الملفات التي تسرد تفاصيل معاناة الضحايا من الرجال والنساء، وكانت هذه الملفّات بمثابة المفتاح لمتابعة جرائم حسين حبري. ووقفت ثلاث جهات وراء التماس العدالة، وكانت هذه الجهات تشاد وبلجيكا والسنغال، حيث علّق الضحايا آمالهم على الدولة التي يقيم فيها.
بالطبع لا تنبع أهمية المحاكمة من السعي لتقديم حبري إلى القضاء، لكن أهميتها الرمزية كانت كبيرة، حيث تزداد الرغبة لتحقيق العدالة في القارة السوداء، وهناك بعض الحكومات قد تكون مشمولة بالأمر مثل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وزيمبابوي وغينيا الاستوائية وإرتيريا، إضافة إلى وجود منظمة بوكوحرام الإرهابية في نيجيريا.
وتعتبر محاكمة حبري رسالة إلى جميع هذه الأطراف بأنه لا أحد فوق العدالة والقانون.
الحقوقيون معنيون مثلما هم الضحايا بالدرجة الأولى بالسؤال التالي: هل بالإمكان الإفلات من العقاب؟ وهل يستطيع المرتكبون مهما طال الزمن التملّص من جرائمهم أم أن يد العدالة ستطالهم حتى وإن كانوا في القبور؟ وتلك الحكمة التاريخية التي يمكن استقاؤها من التطور الحقوقي والقانوني الدولي وقانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، سواء اتفاقيات جنيف لعام 1949 أو ملحقيها لعام 1977.
رسالة حقوق الإنسان
الانتقاد المشروع الذي وجّه إلى المحاكمات السابقة في أوروبا لم يعد هذه المرّة قائماً، فالمرتكبون يحاكمون على أرض إفريقية، وتلك أهم رسالة لتأكيد احترام حقوق الإنسان وعدم إفلات المرتكبين من قبضة العدالة، إن عاجلاً أم آجلاً.
والسنغال التي بدت متردّدة في البداية لمحاكمة حبري، برّرت ذلك لاحقاً بالتزاماتها الدولية، خصوصاً اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب لعام 1984، والتي تحتوي على فقرة مهمة تلزم الدول الموقعة بمحاكمة مرتكبي جرائم التعذيب الموجودين على أراضيها، حتى وإن كان الشخص المعني أو ضحاياه من مواطني الدولة، وإن الجرائم ارتكبت في الخارج، وهذا الأمر هو المقصود «بعالمية الاختصاص» أو «الولاية الدولية» أي امتداد الاختصاص إلى خارج حدود الدولة.
وحظيت اتفاقية مناهضة التعذيب بموافقة 42 دولة من مجموع 45 والسنغال أول دولة تضعها موضع التطبيق. وإذا كانت السنغال أول من سار على هذا الطريق، فإن جمهورية إفريقيا الوسطى، دعت إلى إنشاء محكمة جنائية متخصصة على غرار الغرف الإفريقية غير العادية التي شكلتها السنغال، والهدف من ذلك محاكمة أمراء الحرب، وإذا نجحت محاكمة حسين حبري، فقد يكون ذلك مقدمة أو بروفة لمحاكمة رئيسين سابقين الأول أيا سانوغو في مالي والثاني وذاديس كامارا في غينيا، وكذلك بعض المسؤولين في ساحل العاج، ولذلك فإن العام 2015 سيبقى علامة مميزة للعدالة الإفريقية.
وقد وصف المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين محاكمة حبري، بأنها خطوة في طريق تحقيق العدالة والمساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ولم يعد بإمكان أحد التهرّب من استحقاقات العدالة.
وتهتم الدوائر الحقوقية في إفريقيا والعالم أجمع بمحاكمة حبري التي تأجلت من 20 يوليو (تموز) 2015 إلى 7 سبتمبر (أيلول) وأعطي مهلة 45 يوماً لتقديم دفاعه والتفاهم مع محاميه، ولكن المسألة الأهم عدم تمكين المرتكبين من الإفلات من العقاب، فمثل تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم، سواءً في المحاكم الإقليمية أو الدولية، الخاصة أو الدائمة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قانون التمييز والكراهية.. رسائل إلى العالم
- قتل المسلمين.. مسألة فيها نظر
- ماذا بعد ال«لا» اليونانية؟
- «النووي الإيراني».. هزيمة أم انتصار؟
- الثقافة واليسار والتبديد
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 16
- السياسة .. الوجه الآخر للحرب
- داعش وخطر تفكيك العراق
- سوراقيا مشروع خلاص مشرقي – فكر
- داعش وواشنطن وليل الرمادي الطويل !!
- متى يُهزم داعش وكيف؟
- قالوا.. نظام إقليمي عربي
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى-ح 15
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى-ح 14
- هلوسات ما بعد الموت الأول
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى -ح 13
- متلازمة الدّين والإنسان
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 12
- تحدّيات التنوير منظوراً إليها أكاديمياً!
- المثقف وفقه الأزمة – ما بعد الشيوعية الأولى /ح 11


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - موسم استحقاقات العدالة.. ماذا بعد محاكمة حبري؟