أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نور الدين بدران - بين دهشة الغربة ومألوف الوطن 3














المزيد.....

بين دهشة الغربة ومألوف الوطن 3


نور الدين بدران

الحوار المتمدن-العدد: 1345 - 2005 / 10 / 12 - 10:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بين دهشة الغربة ومألوف الوطن(3)
كان علي تجديد أوراق بقاء السيارة ضمن الأراضي السورية،كل أسبوعين مرة، والعملية ليست معقدة كثيراً، هناك عملية واحدة فقط، في البنك لتحويل العملة الصعبة، ولكن ليس بسعر الصرف الحقيقي، وإنما بسعر تفرضه الدولة،(وهذا ما جرى على الحدود أيضاً) ولم يكن الفرق ضئيلاً، وبالطبع تكررت العملية في كل تجديد، مع ضريبة (بالدولار أو ما يعادله)رسم طرقات.هذه الضريبة كنت دفعتها سلفاً، منذ الأسبوعين الأولين، حين أدخلت السيارة إلى العناية المشددة بسبب الجدري الذي نهش وجوه طرقاتنا، والثآليل والدمامل التي علت تلك الطرقات البائسة.
عدا عن متاعب التجديد كل أسبوعين، كانت الكلفة المادية مضاعفة،مقارنة مع التكاليف التي كنت سأدفعها فيما لو اهتديت إلى مركز الحدود الآخر الذي يمنح الدفتر،ناهيك أنه لأربعة أشهر وليس لشهر ونصف، لكن أبو البيجاما ذاك ، والذي تبين أنه عثر على غر مثلي وأخذ منه مع زملائه ما أخذ في ليلة ليس فيها ضوء قمر، كان محظوظاً بقدر ما كنت منهكاً ومغفلاً، والقانون لا يحمي المنهكين ولا المغفلين، لاسيما القانون الذي يعرّفه قريبي الساحر بأنه المال وحده ولا سواه.
كان هناك أكثر من معاملة أخرى يجب إنجازها: شهادة قيادة سيارة لزوجتي ، تجديد إجازتها بلا راتب (الاستيداع) وما يترتب عليها مع نقابة الأطباء، وكلها لها حكايات تتعلق بالثوابت العظيمة للفساد : الدفع عيناً والأفضل نقداً، والخيارات السورية متعددة ومروحتها واسعة: يا أخي لا تدفع مصاري، جب له شيئاً يباع فوراً كقطعة ذهب مثلاً أو موبايل أو ما شابه.
كان قريبي الساحر يؤكد لي أن لا شيء يمشي بلا دفع ، وقد حطمت نظريته وأخبرته عن أكثر من قضية تمت بلا دفع، ومنها مثلاً تجديد الاستيداع،لكنه أفحمني: كم كلفتك مشاوير وسيارات وتعب وعرق؟ كل هذا لا تحسبه ؟؟ أنا أحل مثل هذه الأمور على الهاتف وبكلفة أقل ، وظل يردد جملته: ما في أحلى من دفع المصاري، هذا ما تسميه أنت الفساد هو أقصر الطرق إلى الهدف، وهو عبارة عن طريقة خاصة في توزيع الدخل الظالم والمهزلة.
الحقيقة أننا كنا فاسدين بالقدر الذي لم يكن منه بدّ، لقد دفعنا في الربع ساعة الأخيرة، ورغم أنوفنا وإرادتنا، في بعض الأمور حيث ظهر الفساد كقانون اقتصادي موضوعي،أو من تلك القوانين التي كان يدعوها الاقتصادي الألماني لاسال بالقوانين الحديدية.
كان الجميع يستغرب استغرابي، كأني مغترب عن وطني وكان ذلك حقيقياً.
لدفع فاتورة الهاتف أو قسط البنك أو غيرهما، أمضي نصف النهار، وحين أقول لهم أن السعودية وهي أقل بلدان الخليج تطوراً تجاوزت هذه الأمور منذ زمن بعيد، وكل شيء فيها يتم إنجازه عن طريق الصراف الآلي، بكبسة زر،وأن الإصلاحات فيها حقيقية وعلى الأرض بينما هنا مجرد شعارات فارغة وعلى الورق،نعم كل القطط أفضل من حمّور.
في طريق العودة وعلى مركز الحدود السورية، أخذ الموظف جوازَيْ سفرنا(أنا وزوجتي) وهمس في أذني سأمشيك فوراً أستاذ إذا كرمتنا، وأشار بيده إلى عمود من أجوزة السفر أنظر كل هؤلاء قبلك، وأشار بيده الأخرى إلى باص طويل متوقف في الخارج، هذه أجوزة ركابه، شو رأيك؟ ناولته 100ل.س وبلمح البرق أخذ الجوازين وبعد دقيقتين عاد بهما : أهلاً وسهلاً أستاذ توصل بالسلامة.
حين اجتزت الأردن ووصلت الحدود السعودية، تخيلت نفسي أني ما زلت منقوعاً في مركز الحدود السورية لولا تلك ال100ل.س.
بعد هذه الرحلة سأغلق فمي ولن أتحدث عن مكافحة الفساد في وطني الحبيب، لأني بحاجة إليه ما دمت أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ورائحة بلادي، وهذه هي مغامرتي العاطفية بل الجسدية الفعلية الأولى في ممارسة....الفساد.

نور الدين بدران.



#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- .بين دهشة الغربة ومألوف الوطن 4
- وردة القلب
- بين دهشة الغربة ومألوف الوطن 2
- بين دهشة الغربة ومألوف الوطن(1)
- أيها الطائر...
- الظل والمسرح
- أيتها الغابة
- الفاسقة
- الرسالة
- الأقوى من الحبّ
- وجدتها....وجدتها.
- غبار نجمي
- يا لها
- أغمض عينيك ..قل لا واتبعني.
- حين انتظرتكِ
- أعاصير صامتة
- أجمل باقة من لبنان
- حول مقالة متى يكون الغرب آمناً؟
- كل الفصول خضراء
- بالرئيس الإيراني الجديد يكمل النقل بالزعرور


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نور الدين بدران - بين دهشة الغربة ومألوف الوطن 3