أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - حكاية -ماضي كان- واخوه -بكره حيكون-: النبوءة (3/3)















المزيد.....

حكاية -ماضي كان- واخوه -بكره حيكون-: النبوءة (3/3)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4849 - 2015 / 6 / 26 - 00:36
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(من حكايات ما بعد الالف ليلة وليلة)

لما كانت الليلة الخامسة بعد الالف بادر شهريار شهرزاد قائلا: "قبل الحديث عن صراع الاخوان "ماضي كان" و"بكره حيكون"، حدثيني قليلا عن تلك العزبة (الضيعة) التي يتقاتلان من أجل السيطرة عليها؟

فردت شهرزاد قائلة:"لم تكن "تا ميرى" عزبة ككل العزب فهي قديمة لا يعرف تاريخ او ظروف نشأتها على وجه اليقين وان كانت هناك بعض الاساطير".

وهنا امرها شهريار بالتوقف ليسألها: "ايه حكاية "تا ميرى" هوا انتي مش قولتيلي في الليلة الماضية ان اسمها "مصرنا"؟

فردت شهرزاد قائلة: "عندك حق يا مولاي في التساؤل فـ "مصرنا" هو أحد اسماءها الكثيرة. هذه العزبة الصغيرة التي عشقها أهلها القدماء فأطلقوا عليها العديد من الأسماء فكانت هي "كمت" (الأرض السوداء) و"تا آخت" (أرض الفيضان والتربة الخصبة) و"مشر" (المحروسة او المحمية) و "تا ميرى" الذي تعنى ترجمته الحرفية "أرضى المحبوبة"".

وهنا تساءل شهريار "بغض النظر عن تعدد اسمائها ما الذي جعلها بهذه الأهمية؟"

فجاءه رد شهرزاد السريع: "مكانها موقعا وموضعا. اما موقعها فهو موقع فريد بإطلالته على البحرين: بحر الروم (الأبيض) وبحر القلزم (الأحمر). وهو موقع يتيح لمن يحكمه التواصل مع اهل الشمال من الفرنجة واهل الجنوب من الأفارقة واهل الشرق من البربر واهل الغرب من الروس الصقالبة والترك والهنود والصينيين.

وموضعها هو الآخر موضع عجيب اذ تروي ارضها، بالغة الخصوبة، مياه نهر النيل "فبينما هي مدرة سوداء إذا هي لجة بيضاء، ثم غوطة خضراء ثم ديباجة رقشاء، ثم فضه بيضاء" على حد قول واحد ممن تولوا امرها (*). وهكذا جعلها موقعها وموضعها مطمعا للآخرين وأصبح تاريخها حكاية لو كُتبت بالإبر على آفاق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر.

فتساءل شهريار متعجبا: "كيف تتحول نعمتي الموقع والموضع الى نقمة؟

فردت شهرزاد: "حكم اهل تا ميري أنفسهم لفترة طويلة وبعدها تعاقب على حكمها الاغيار الذين كان كل همهم هو انه "بعد مص الغصن الاخضر ينحتوا عضم العيدان" (#). وفي النهاية سيؤول امرها لـ "بنو الأصفر" واحفادهم، وهم اعراب الصحراء الرحل الذين لا يعرفون معني التوطن ولا يدركون ما تعنيه كلمة "وطن". انهم قوم يجهلون مغزى كلمة حدود، فالحدود من منظورهم هي المكان الذي تصل اليه سنابك جيادهم. والأخطر من ذلك كله هو اعتبارهم ان الهجوم على الاخرين واحتلال بلادهم والاستيلاء على ممتلكاتهم وسبي نساءهم واطفالهم وقتل رجالهم هو عمل مقدس ومن فروض الايمان.

وهنا سألها شهريار: "مش بنوا الاصفر دول هما الناس اللي "ماضي كان" عاش عندهم فترة لما خطفته الجنية "تميمة"؟"

فردت شهرزاد: "بالضبط يا مولاي هم "بنوا الأصفر" الذين لم يكتفوا بنهب ثروات اهل العزبة المادية بل عملوا على نهب ارواحهم فقاموا في البداية بتدمير ذاكرتهم وتشويه تاريخهم، افرادا ومنجزات. فكل ما انجزه اهل "تا ميرى" في ماضيهم هو، في عرفهم، من اعمال الشيطان التي تستوجب الحرق. والتدمير. اما ابطالهم فهم تحسيد لأسوء ما في الانسان. وبمجرد إتمام عملية محو الذاكرة يبدؤون في حشوها بأفكارهم. وتكتمل حلقات النهب الممنهج بتحريم استخدام العقل وتجريم التفكير. وهكذا جدبت عقول اهل "تا ميرى" وتصحرت أفكارهم فعجزوا عن الابداع ووقعوا في فخ الاتباع.

الا انه سيأتي يوم ينجح فيه أحد القادة العسكريين، يرجح ان يكون من الالبان، من تولي شؤون إدارة اهل "تا ميرى". وتدفعه اطماعه الى الاستعانة بالخبراء من الفرنجة، خاصة أولئك القادمين من بلاد الغال، لتكوين جيش يمكنه من بسط نفوذه في منطقة الجوار. وهي البلاد التي قضي فيها "بكره حيكون" بعض الوقت وتأثر بأفكار أهلها. ويحدث انشاء هذا الجيش شرخ عميق في مجتمع "تا ميرى" فينقسم الى فئتين. الفئة الأولى، فئة "المحافظين"، تري ان ما استحدثه ولى الامر الجديد من المنكرات التي ينبغي تجنبها. اما الفئة الثانية، "فئة المجددين"، فكانت مرحبة بقدوم كل جديد. ومن غرائب الأمور ان يتواكب موت من لقب بـ "عزيز مصر" مع وفاة ام الاخوان "ماضي كان" و"بكره حيكون" ليبدأ الصراع بينهما على من يتولى حكم العزبة.

وقد تكاتفت عدة عوامل في نجاح "ماضي كان" في استقطاب الكثرة من اهل العزبة. ومن اهم هذه العوامل انتشار الفكر الخرافي بينهم ومهارات "ماضي كان" اللغوية. هذا بالإضافة الى وعوده لمن يتبعه بحياة رغدة في الحياة الآخرة. وكان كل من اتبعوه اما منتمون لجماعة "بنو البنا" او لجماعة "بنو سلافة". الا ان "بكره حيكون" تمكن هو أيضا اجتذاب بعض من اهل تا ميري الذين تبنوا أفكاره (السيد, 2015). وعلى الرغم من قلة عددهم، بالنسبة لمن تبع "ماضي كان"، الا انهم تفرقوا بين جماعات مختلفة مثل "الشماليون"، "الجنوبيون"، "الشرقيون"، "الغربيون"، "الشمال شرقيون"، "الجنوب غربيون"، ..."

وهنا أشار لها شهرزاد بالتوقف ليسألها: "ان تعدد الجهات التي ينتمي اليها الداعمون لـ "بكره حيكون" هو امر مفهوم، الا ان انقسام داعمو "ماضي كان" الى فريقين
هو امر غير مفهوم خاصة وان كليهما يحتكمان لنفس الكتب المقدسة؟"

فردت شهرزاد: "الحق معك يا مولاي فهما في الحقيقة متماثلان باستثناء بعض الاختلافات الطفيفة في تفسيراتهم لما ورد في كتبهم المقدسة. الا ان الاختلاف الجوهري بينهم هو في طبيعة المنتمين لكل جماعة. فأغلب المنتمين الى جماعة لجماعة "بنو البنا" هم من مساتير الناس (الطبقة المتوسطة). اما اغلب المنتمين لجماعة "بنو سلافة" فهم من
“زعر الحارات البرانية” (سكان المناطق العشوائية) و"حرافيش الحارات الجوانية" (سكان المناطق الشعبية) و"بدو الثغور المحمية" (سكان المناطق الحدودية). وسيلعب بني سلافة هؤلاء دورا هاما في تحديد مسار ومصير "تا ميرى"".

شهريار: "والله هذا امر عجيب شوية زعر وحرافيش وبدو يحددوا مصير عزبة عريقة؟"

شهرزاد: "يكمن السر يا مولاي في الأسلوب الذي يتبعونه في إدارة امورهم. فبداية هم يتجنبون أي صدام مع ولي الأمر (الحاكم)، وذلك عكس ما يفعله "بنو البنا". وهم بذلك يكسبون وقتا يشيعون فبه أفكارهم بين البسطاء من سكان الحارات الجوانية والبرانية الثغور المحمية، متجنبين أماكن التواجد الكثيف لعلية القوم. وهي الأماكن التي تدار منها شئون العزبة، ويسكن فيها كبار الموظفين. وتعرف هذه الاماكن بالـ "الحكم خانات (جمع حكم خانة)". وبمضي الوقت تتأكد يبطء سيطرتهم على كافة مناطق تجمع البسطاء والفقراء. وبهذا تصبح كافة "الحكم خانات" مطوقة بمناطق يسيطر عليها بني سلافة ويصبح سقوطها في أيديهم امرا يسير عندما تحين الساعة ويُسمع صوت النفير. انها استراتيجية "تطويق المدن من الريف" التي سيبتدعها زعيم صيني اسمه ماو وسيستخدمها في حربه الثورية التي ستوصله لتولى مقاليد الأمور".

شهريار: "ان معني ما تقولين انه لا مستقبل ل "بكرة حيكون" ومن والاه!"
شهرزاد: "الناس يا مولاي هم صناع واقعهم ان "وعوا" و"سعوا". ان وعوا ان التناقض الرئيسي الذي عليهم التوحد لمواجهته هو خطر "بني سلافة"، وان يسعوا وراء تحقيق ذلك بالتعلم من أساليب الخصوم".

وهنا جاء صياح الديك معلنا لشهرزاد قدوم الصباح فسكتت عن الكلام المباح.

(*) من رسالة عمرو بن العاص الى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب يصف له فيها ارض مصر. وترجمتها هي: في البداية تبدو الارض كطينة سوداء (مدرة سوداء)، ثم يرويها وتغطيها مياه النهر التي ينعكس عليها ضوء الشمس فتتلألأ (لجة بيضاء)، ثم يبدأ الزرع في النمو فيغطيها اللون الأخضر (غوطة خضراء)، ثم تثمر بثمارها متعددة الألوان (ديباجة رقشاء)، ثم تغمرها المياه مرة اخري (فضة بيضاء) لتبدأ دورة الزراعة مرة أخرى.

(#) من قصيدة "كلمتين لمصر" للشاعر المصري احمد فؤاد نجم.

المراجع
السيد, ا. ن. ا. 2015. حكاية (ماضي كان) واخوه (بكره حيكون): بطاقة تعارف (3/1). الحوار المتمدن, 4808(16 مايو): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=468171.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فساد الافكار
- حكاية (ماضي كان) واخوه (بكره حيكون): أصل الصراع (2/3)
- حكاية (ماضي كان) واخوه (بكره حيكون): بطاقة تعارف (1/3)
- انطباعات ما بعد الحوار
- السيد نصر الدين السيد - أكاديمي مصري مهتم بالشأن العام- حوار ...
- اهدموا أهراماتكم
- الشيطان يعظ
- هوجة الانتخابات
- فيها حاجة مش ولابد !
- على هامش حوارات المجموعة 42: الديموقراطية
- الديموقراطية من تحت لفوق
- هي فوضى ...؟ تبدل الأحوال (2/2)
- هي فوضى ...؟ الابجدية (1/2)
- تاتا تاتا خطي العتبة
- ويسألونك ... ؟ (2/2)
- ويسألونك عن ...؟ (1/2)
- البكسل التائه والصورة الغائبة: خارطة طريق (2/2)
- البكسل الحائر والصورة الغائبة: الرؤية (1/2)
- وكنتم خير أمة ... !
- في البدء كانت الكلمة !


المزيد.....




- المرصد الفرنسي للهجرة: الجزائريون أكثر المهاجرين تمسكا بالهو ...
- فرحة العيال رجعت.. تردد قناة طيور الجنة toyour eljanah 2024 ...
- المقاومة الإسلامية للعراق تستهدف ميناء حيفا بأراضي فلسطين ال ...
- بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية المسيح المخلص بموسكو ...
- قمة إسلامية في غامبيا وقرار منتظر بشأن غزة
- بالفيديو.. الرئيس بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية الم ...
- استعلم الآن … رابط نتيجة مسابقة شيخ الأزهر 2024 بالرقم القوم ...
- شاهد.. الغزيون يُحَيُّون مقاومة لبنان الإسلامية والسيد نصرال ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف بيّاض بليدا والراهب والرا ...
- الاحتلال يقيد وصول المسيحيين لكنيسة القيامة بالقدس في -سبت ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - السيد نصر الدين السيد - حكاية -ماضي كان- واخوه -بكره حيكون-: النبوءة (3/3)