أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - هي فوضى ...؟ الابجدية (1/2)















المزيد.....

هي فوضى ...؟ الابجدية (1/2)


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4651 - 2014 / 12 / 3 - 17:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هي فوضى ...؟ الابجدية (1/2)

"العلم هو الترياق المضاد للتسمم بالجهل والخرافات"
آدم سميث، حكم عن العلم

"تقاس عظمة أي فكرة علمية بقدرتها على اثارة العقل وبقدر تمهيدها الطريق لأبحاث جديدة"
بول ديراك


لم يكف الإنسان، منذ أن وعى بوجوده، عن محاولة فهم وتفسير ما يدور حوله من أحداث وما يتبدى من ظواهر في الواقع الذي يعيش فيه سواء كان هذا الواقع واقعا طبيعيا أو واقعا اجتماعيا. وبالطبع يقتضي القيام بهذه المهمة توفر منظومة ذهنية تقدم للإنسان الأدوات التي تعينه على إدراك معطيات هذا الواقع وتنظيمها في بنى متسقة وتتيح له استخلاص ردود مقنعة على أسئلته التي لا تنتهي عن أسرار الوجود، وجوده نفسه ووجود الكون الذي يعيش فيه. وهكذا لم يتوقف الإنسان عبر تاريخه الطويل عن ابتكار وتطوير واستخدام العديد من المنظومات الذهنية بدءا من الأساطير ومرورا بالدين وإنتهاءا بالعلم الحديث بشتى صوره. وقد حظيت آخر هذه المنظومات، "منظومة العلم الحديث" بمكوناتها من معرفة علمية ومناهج وأدوات لإنتاجها، بمكانة لم تحظي بها بقية المنظومات. ولا يعود سر هذه المكانة الى ما أنتجته هذه المنظومة من معرفة، زادت من رفاه الانسان، ولا لكفاءة أدوات انتاج هذه المعرفة، ولكنه يعود الى قدرة هذه المنظومة على "التطور المستدام". وهو التطور الذي تخضع لشروطه كافة مكونات هذه المنظومة. فـ "المعرفة العلمية"، كمنظومة من الفروض المؤقتة عن عالم الواقع، هي منظومة منفتحة تقبل استبعاد أو تعديل ما يثبت خطأه أو ما تتأكد عدم فعاليته من معطيات، وهي في الوقت نفسه تتقبل كل ما ثبتت صحته وتأكدت فعاليته منها. وهذا ما يطلق عليه مبدأ "التفنيد" Falsifiablity الذي يؤدى بالضرورة الى أنه "لا عصمة" Fallibility للمعرفة العلمية فهي دائما خاضعة للمراجعة والتقييم. اما منهج العلم فهو، طبقا لبوبر Popper،:"منهج صياغة الفروض الجريئة والمحاولات البارعة والعنيفة لتفنيدها" (Popper 1968). ولقد شهدت هذه المنظومة التي لم يتجاوز عمرها الخمسة قرون العديد من التحولات الجوهرية كان من أبرزهما وأبعدهما أثرا تحولان هما "التحول المنظومى" وظهور علوم المنظومات، و"التحول اللاخطى" وظهور علوم التعقد وفي القلب منها "نظرية الكيوس" (*) Chaos Theory. لقد أحدث ظهور هذه النظرية تغيرا جذريا فى مهمة العلم. فبدلا من أن تكون مهمته الأساسية مقصورة على البحث عن القوانين العامة التى تتيح له التنبؤ اليقينى بالأحداث وتوفر له وصفا دقيقا للأحوال المستقرة أصبح فى بؤرة إهتمام هذه المهمة دراسة التغيرات والتحولات المحكومة بعنصر الصدفة والتى لايمكن التنبؤ اليقينى بحدوثها. لقد وفرت هذه النظرية منظورا بالغ الجدة لسلوك المنظومات المعقدة. منظور يتآكل فيه التمييز بين "الفوضى" و"الترتيب"، وبين "التغير" و"الإستقرار". فالـ "الفوضى" و"الترتيب" هما وجهين لنفس العملة و"التغير" و"الإستقرار" هما أيضا وجهين مختلفين لذات العملة. إن نظرية الكيوس قى نهاية المطاف هو علم دراسة "العمليات" لا دراسة "الحالات". أى أنه علم همه الأول دراسة "الصيرورة" Becomimg لا دراسة "الكينونة" Being.
كلمتين عن الكيوس ونظريته
في العادة يستخدم العلماء لغة الرياضيات لوصف تصوراتهم وافكارهم عن الموضوع الذي يشغلهم. وبالطبع "نظرية الكيوس" ليست باستثناء. وهكذا يصعب على القارئ غير المتخصص فهم ما جاء في هذه النظرية من مفاهيم وأفكار. لذا لجأنا الى أسلوب "التشبيه" ليساعدنا على فهم ما تخفيه عنا المعادلات فتكون "نظرية الكيوس" هي "المشبه" وتكون "السكك الحديدية" هي "المشبه به". ويمكننا صياغة "المشبه به" على النحو التالي: "محطة سكك حديدية مركزية تخرج منها القطارات الي كافة الاتجاهات لتكون شبكة من الخطوط التي يتحدد كل منها بمحطة القيام ومحطة الوصول. كما يحتوي كل خط على عدة محطات يتوقف فيها القطار. ويلتزم قائدو القطارات بسرعة محددة تتيح لهيئة السكك الحديدية اصدار جدول زمني للرحلات المقررة يتضمن وقت القيام ووقت الوصول واوقات التوقف في المحطات المتضمنة في الخط. ومن الملامح التي تميز هذا المكان هو ان بدايات الخطوط المختلفة توجد في مكان واحد قريبة من بعضها البعض. وقد يسبب هذا القرب بين بدايات الخطوط مشكلة للمسافر غير الحذر. فقد يختار بداية يعتقد انها ستأخذه لمدينته في الشمال ليكتشف ان القطار الذي اخذه يتجه الى الجنوب".

وسنستخدم هذا المثال للتعرف على بعضا من ابجدية (مفاهيم) نظرية الكيوس وهي: "الحتمية" Determinism، "التنبؤية" Predictability، "اللاخطية" Nonlinearity و"التوقف الحساس على الشروط الابتدائية" Sensitive Dependence on Initial Conditions.

وأول هذه المفاهيم هو مفهوم "الحتمية" الذي مؤداه ان أي تغير يحدث في أحوال كيان ما لا بد ان يكون وراءه أسباب، وانه يمكن صياغة قانون يربط بين الأسباب والنتائج. وهكذا يمكنا من "التنبؤ" اليقيني بأحواله المستقبلية انطلاقا من معرفتنا بأحواله الراهنة (أو ما يعرف بالـ "الشروط الابتدائية" Initial Conditions). فمعرفتنا بمحطة قيام القطار ("الشروط الابتدائية") ومعرفتنا بسرعته يمكنانا من التنبؤ بمحطات الوصول التالية (حالات الكيان) وميعاد الوصول لكل منها. وتعبر الجملة السابقة عن "التنبؤية" أو قدرتنا على معرفة المستقبل انطلاقا من معرفة الحاضر. وعكس التنبؤية هو "اللاتنبؤية" وهي العجز عن تحديد أحوال الكيان اللاحقة انطلاقا من معرفتنا بأحواله الحالية.
وثالث هذه المفاهيم هو مفهوم "اللاخطية" وهو غيبة التناسب بين الأسباب والنتائج فتغير طفيف في قدر سبب ما قد تنشأ عنه نتائج غير مأخوذة في الحسبان. والواقع الذي نعيشه هو واقع ملئ بالعلاقات اللاخطية التي من أبرزها العلاقة بين المرتبات وأسعار السلع "إن الزيادة في المرتبات لا تتناسب مع الزيادة في الأسعار".
والآن وبعد ان تعرفنا على بعض من حروف ابجدية نظرية الكيوس حان وقت التعرف على بعض مما جاءت به. وفي البداية، وقبل المضي قدما، تنظر نظرية الكيوس الى "الكيوس" بوصفه "خاصية الكيانات في لحظات التحول والانتقال من حال لحال ومن وضع "قديم" لوضع "جديد". وهي اللحظات التي تمتزج فيها "الصدفة" بـ "القانون" و"الفوضى" بـ "النظام". وبهذا تكون نظرية الكيوس ردت الاعتبار ل "الفوضى" التي كانت عانت من نظرة العلماء لها كشيء غير مرحب به وينبغي تجنبه. وطبقا لها يتطلب وجود أي منظومة مزيجا متوازنا من "النظام" و"الفوضى". ف "النظام"، بما ينطوي عليه من قواعد وقوانين واجبة الاتباع، أمرا ضرورة لوجود أي منظومة ولضمان استمرارها. أما وجود "الفوضى" فهو أمر ضروري لكلا من عمليتي "التكيف" و "التطور" اللازمتان للحفاظ على وجود الكيان. ومن الجدير ذكره ان كلمة الفوضى هنا تحمل معاني متعددة فهي قد تكون خروج عن المألوف وقد تكون تحدي لما هو مستقر من عادات وتقاليد او تجاوز للقواعد المتعارف عليها. أي ان الفوضى هنا يمكن النظر اليها بوصفها القوة المحركة لإنتاج الجديد.

وتتابع نظرية الكيوس حكايتها فتذكر لنا ان الكيان الموجود في منطقة الكيوس يتمتع بحساسية فائقة للشروط الابتدائية ("التوقف الحساس على الشروط الابتدائية"Sensitive Dependence on Initial Conditions). فأي تغير بالغ الصغر في قيمة هذه الشروط لابد وأن يؤدى إلى تغير هائل في سلوكها المستقبلي. وهو الأمر الذي يحد من قدرة الإنسان على التنبؤ اليقيني بسلوكها (تذكر ما جاء في مثال السكك الحديدية عن تقارب بدايات الخطوط المختلفة وعن تباعد محطات الوصول).

الخلاصة
تم استخدام نظرية الكيوس، منذ ولادتها على ايدي عالم الأرصاد الجوية إدوارد لورنز Edward Lorenz، في أوائل ستينات القرن العشرين، في العديد من المجالات. ففي مجال التكنولوجيا تم استخدامها في معالجة الصورImage Processing وفي تأمين شبكات الاتصالات وفي تنظيم المرور علي سبيل المثال. كما وجدت هذه النظرية نفسها في تطوير الاستراتيجيات وفي تحليل أسواق المال.

إلا انها، بالإضافة الى ذلك، قدمت نظرة جديدة للواقع المعاش يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
-;- ان كافة المنظومات (المادية، الحية والاجتماعية) معرضة لدخول منطقة الكيوس بما في ذلك المنظومات الحتمية التي يحكم سلوكها قانون.
-;- وجود قدر من الفوضى في أي منظومة امر مرغوب ومطلوب لـ "إنتاج" الجديد ولـ "تعزيز" قدرة المنظومة على "التكيف".
-;- اغلب العلاقات ببن مكونات المنظومات هي علاقات لا خطية. لذا لا ينبغي الاستهانة بـ "التأثير" الذي يحدثه أي نشاط مهما صغر حجمه ... فـ "معظم النار من مستصغر الشرر". هكذا علمتنا "اللاخطية".
-;- "تشابه البدايات لا يعنى بالضرورة تطابق النهايات" او بعبارة اخري "التوقف الحساس على الشروط الابتدائية".
-;- يصعب التنبؤ بسلوك المنظومة وهي في منطقة الكيوس، او على حافته. لذا يتعين على واضعو الاستراتيجيات تبنى أساليب جديد تقوم على كتابة عدة سيناريوهات مختلفة لما يرغبون في تحقيقه من اهداف.
-;- على الرغم من العشوائية واللاترتيب اللذان قد يبدوان على السلوك الظاهرى للمنظومة وهي في حالة ، إلا أنهما ينطويان على نظام، أو أنساق مرتبة، يمكن إكتشافها ووصفها بدقة.

كانت هذه المقالة مجرد مقدمة لنظرية الكيوس ويبقى سؤال عما يحدث بداخل المنظومة وهي في حالة الكيوس؟ وهو السؤال الذي سنحاول الرد عليه في الجزء الثاني من هذه المقال.


(*) فضلت تعريب كلمة Chaos لتكون في اللغة العربية "الكيوس" وذلك لأنها كلمة محايدة لا تحمل للقارئ ما قد تثيره ترجماتها العربية الاخرى (الشواش، الفوضى، العشوائية، ... ) من مشاعر غير محببة لدى السامعين.
المراجع
Popper, K. (1968). The Logic of Scientific Discovery. London, Harper & Row Publishers.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاتا تاتا خطي العتبة
- ويسألونك ... ؟ (2/2)
- ويسألونك عن ...؟ (1/2)
- البكسل التائه والصورة الغائبة: خارطة طريق (2/2)
- البكسل الحائر والصورة الغائبة: الرؤية (1/2)
- وكنتم خير أمة ... !
- في البدء كانت الكلمة !
- حكاية البيضة والفرخة
- المستقبل مضارعا
- الديموقراطية وقيمها الغائبة
- فنجرة البق وملاعيب الكلام
- سلالالالام سلاح
- لا يا شيخ ... ! (أو نقد المرجعيات)
- عقلك في راسك اعرف خلاصك
- كشف الغمة عن عقل الأمة
- الأمة المصرية ...امة كانت وتكون وستكون
- الاساطير الثقافية: (5) أسطورة -زي السمن على العسل-
- الاساطير الثقافية: (3) اسطورة الزمن الجميل
- العصا والجزرة ورفيقتهما الناعمة: من القوة المحتملة الى القوة ...
- العصا والجزرة ورفيقتهما الناعمة (1-2)


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - هي فوضى ...؟ الابجدية (1/2)