أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - وكنتم خير أمة ... !















المزيد.....

وكنتم خير أمة ... !


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4569 - 2014 / 9 / 9 - 13:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كلمة عن الحضارة
"صراع الحضارات" كان عنوان الورقة العلمية التي نشرتها مجلة "الشئون الخارجية" في عددها الصادر صيف 1993. اما كاتب الورقة فهو صامويل هانتنجتون (1927-2008) أستاذ العلوم السياسية بجامعتي هارفارد وكولومبيا الامريكيتين. ولم تكن هذه الورقة بالورقة العادية فقد اثار ما جاء بها من مقولات جدلا لم يقتصر المشاركون فيه على الأكاديميين بل امتد ليشمل اهل السياسة وصناع القرارات. فقد تنبأ هانتنجتون، انطلاقا من تحليله العميق لمعطيات الواقع بعد انتهاء الحرب الباردة، بأن الصراع القادم لن يقوم على اختلاف الايدولوجيات بل سيقوم على اختلاف الثقافات والأديان. وفي مقابل تيار "صراع الحضارات" الذي يتبنى رأى هانتنجتون ظهر تيار "حوار الحضارات" الذي يدعو الى التقارب ويهون من شأن الاختلافات. وقد غاب عن الفريقين موضوع لا تقل أهميته عن موضوع العلاقة بين الحضارات، صراع او حوار، وهو موضوع "تقييم الحضارات". او بعبارة اخري التعرف على "قدر ما أسهمت به حضارة بعينها في الارتقاء بأحوال الإنسان". فبدون هذا التقييم قد يقع البعض في فخ الاعتقاد بأن حضارته هي خير حضارة أخرجت للناس. وفي العادة يصاب الواقعون في هذا الفخ بمرض "المناعة المفرطة" الذي يحد من قدرة المصاب به على استيعاب متغيرات الواقع وينتقص من استعداده للتكيف معها.

ولعل رؤية هانتنجتون لمفهوم الحضارة هي أحد الإضافات الهامة التي جاءت في هذه الورقة المثيرة للجدل. ونقطة البداية لرؤية هانتنجتون هي مفهوم "تعدد الانتماءات" الذي هو أحد السمات التي تميز الانسان عن بقية الكائنات. فهو في البداية ينتمي لعائلته (او قبيلته)، وهو أيضا ينتمي للمدينة التي يقيم فيها وللوطن الذي يعيش فيه، وهو أخيرا ينتمي لحضارة بعينها. انه اذن الانتماء متعدد المستويات والذي يزداد عدد من يتبنوه كلما انتقلنا من المستوى الأدنى للمستوى الأعلى. فعدد من ينتمي لعائلة اقل من عدد من يستشعرون الانتماء للوطن وهذا الأخير هو اقل من عدد من ينتمون لحضارة بعينها. لذا لم يكن غريبا ان يعرف هانتنجتون الحضارة بوصفها "أعلى تجمع ثقافي من البشر وأعرض مستوى من الهوية الثقافية التي تميزهم عن الآخرين. ويمكن تعريفها بمجموعة من العناصر الموضوعية المشتركة مثل اللغة، التاريخ، الدين، العادات، والمؤسسات، هذا بالإضافة الى العناصر الذاتية المتعلقة بكيف يرى الافراد أنفسهم"(Huntington, 1993) . او بعبارة أخرى ينظر هانتنجتون للحضارة بوصفها كيان ثقافي يعمل على تجميع البشر متجاوزا الحدود السياسية.

وانطلاقا من هذا التعريف ميز هانتنجتون بين ثمانية حضارات معاصرة هي الحضارات الغربية، الصينية، الإسلامية، الهندية، الأرثوذكسية، الامريكية اللاتينية، الافريقية والبوذية. والبعض من هذه الحضارات له جذور تاريخية والبعض الآخر حديث النشأة او قيد التكوين. فالحضارة الصينية، على سبيل المثال، يعود تاريخها إلى 1500 سنة قبل الميلاد على الأقل، وهي تتعدى حدود الصين ككيان سياسي، لتشمل الكوريتين وتايوان وفيتنام. وتشبه الحضارة الهندية الحضارة الصينية في قدمها اذ يعود تاريخ نشأتها في شبه القارة الهندية الى 1500 سنة قبل الميلاد وتشمل بالإضافة الى الهند نيبال. اما الحضارة الإسلامية فقد كانت بدايتها في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي وامتدت لتشمل الشرق الأوسط الكبير وكذا وسط آسيا وشبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا. ويشكل التراث الفلسفي الاغريقي والروماني واحدا من اهم الروافد التي أسهمت في تشكيل الحضارة الغربية. وبالمثل تعتبر الرؤية الأرثودوكسية للمسيحية أحد أهم مكونات الحضارة الأرثودوكسية. وإذا كانت الحضارات السابقة تتميز بعمقها التاريخي فإن الحضارات الامريكية اللاتينية والإفريقية تعتبر من الحضارات الحديثة التي مازالت في مرحلة التبلور.

عطاء الحضارات
والآن، وبعض ان عرضنا لمفهوم الحضارة وللحضارات الرئيسية المعاصرة، يحين وقت محاولة الإجابة على السؤال الرئيسي وهو "ما هو قدر ما أسهمت به حضارة بعينها في الارتقاء بأحوال الإنسان" وهو سؤال ليس من السهل الإجابة عليه لتعدد الاسهامات وتنوع اشكالها. إلا أن الدور غير المسبوق الذي تلعبه المعرفة العلمية في كافة المجالات، والذي أدى لانتقال المجتمعات المتقدمة من مرحلة مجتمع الصناعة الى مرحلة مجتمعات المعرفة، يجعلنا نعيد صياغة السؤال السابق ليكون "ما هو قدر المعرفة الذي انتجته الدول المنتمية لحضارة ما، وما هو قدر تأثير هذه المعرفة على أحوال باقي الأمم؟" وعلى سبيل تبسيط الأمور يمكن اعتبار عدد الاوراق العلمية المنشورة في المجلات العلمية المحكمة كمؤشر للإنتاج المعرفي للدول المنتمية للحضارة. وبهذا تكون تمت الإجابة على الجزء الأول من السؤال. اما إجابة شقه الثاني المتعلق بقياس تأثير المعرفة فسنجده في ادبيات كيفية كتابة ورقة بحثية. وتخبرنا هذه الادبيات انه من الضروري ذكر مصدر المعلومات التي نستخدمها ونستشهد بها وهو ما يعرف ب "الإستشهادات المرجعية" Citations. ويعتبر عدد الإستشهادات المرجعية مؤشرا لمدى تأثير المعرفة الموثقة في الأوراق العلمية على الآخرين. وبهذا يصبح لدينا أداة موضوعية، حتى وان كانت تقريبية، لقياس عطاء الحضارات.

وقد استخدم دافيد كنج، عالم الكيمياء وكبير مستشاري الحكومة البريطانية للشئون العلمية، هذان المؤشران لدراسة الإنتاج المعرفي للدول وللتعرف على تأثير هذه المعرفة على الدول الأخرى (King, 2004). وقد اسفرت هذه الدراسة، التي نشرت في واحدة من اهم الدوريات العلمية، عن مجموعة من النتائج الهامة. وأول هذه النتائج هي ان 98 % من الأوراق العلمية التي تم الاستشهاد بها في الفترة من 1978 الى 2001 كانت من انتاج 31 دولة بينما لم تتعدي نسبة اسهام بقية الدول (162) ال 2%. وتنتمي 21 دولة من هذه الدول ل "الحضارة الغربية" (استراليا، النمسا، بلجيكا، كندا، الدانمارك، فنلندا، المانيا، فرنسا، اليونان، إيرلاندا، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا، بولندا، البرتغال، اسبانيا، السويد، المملكة المتحدة، سويسرا، الولايات المتحدة، إسرائيل). وتضم مجموعة "الحضارة الصينية" ثلاث دول هي كوريا الجنوبية، تايوان، الصين. وتتوزع بقية الدول على الحضارات الست الباقية فتشمل "الحضارة الأرثودوكسية" روسيا، و"الحضارة الهندية" الهند، و"الحضارة البوذية" سنغافورة، و"حضارة أمريكا اللاتينية" البرازيل، و"الحضارة الإسلامية" إيران، و"الحضارة الأفريقية" جنوب افريقيا. وأخيرا تأتي اليابان كدولة متفردة يصعب الحاقها بأي مجموعة حضارية. اما ثاني هذه النتائج فهو نسبة اسهام الدول المنتمية للحضارة الغربية في انتاج المعرفة والتي بلغت حوالي 87% من اجمالي المعرفة المنتجة في نفس الفترة. كما تبين نسبة الاستشهادات المرتفعة، التي تبلغ حوالي91 %، التأثير القوي لهذه الحضارة.

وفي الختام نأمل ان تؤدي معرفة قدر اسهام كل حضارة معاصرة في تقدم ورفاه الانسان في تخفيف حدة مرض "المناعة المفرطة". وهو المرض الذي من أبرز اعراضه الانطواء على الذات (الحضارية) واعتبارها المصدر الأوحد والوحيد لكل ما هو صحيح ليخلق بذلك موقف معادي لبقية الحضارات وكراهية تتحول الى عنف وإرهاب.

المراجع
Huntington, S. P. 1993. The Clash of Civilizations? Foreign Affairs, 72(3): 22-49.
King, D. A. 2004. The Scientific Impact of Nations. Nature, 430(July): 311-316.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البدء كانت الكلمة !
- حكاية البيضة والفرخة
- المستقبل مضارعا
- الديموقراطية وقيمها الغائبة
- فنجرة البق وملاعيب الكلام
- سلالالالام سلاح
- لا يا شيخ ... ! (أو نقد المرجعيات)
- عقلك في راسك اعرف خلاصك
- كشف الغمة عن عقل الأمة
- الأمة المصرية ...امة كانت وتكون وستكون
- الاساطير الثقافية: (5) أسطورة -زي السمن على العسل-
- الاساطير الثقافية: (3) اسطورة الزمن الجميل
- العصا والجزرة ورفيقتهما الناعمة: من القوة المحتملة الى القوة ...
- العصا والجزرة ورفيقتهما الناعمة (1-2)
- الاساطير الثقافية: (2) الغزو الثقافي (او حكاية -الناس اللي ف ...
- الثروة الخفية
- من يخاف من العولمة؟
- علمنة المجتمع وشكة الدبوس
- العلم من بارادايم البساطة الى بارادايم التعقد
- الاساطير الثقافية: (1) اسطورة العروبة


المزيد.....




- سترة منفوخة في اليابان ستجعلك تنام بأي مكان
- أجمل إطلالة حمّام في العالم؟ هذا ما ينتظرك داخل فندق معلّق ع ...
- على الخريطة.. المواقع المستهدفة في إيران وإسرائيل
- صراع إيران وإسرائيل.. نائب الرئيس الأمريكي يوضح ما يدور بذهن ...
- معضلة إسرائيل في فوردو.. ماذا يعيقها في هجوم برنامج إيران ال ...
- الأولى موجودة والثانية بطريقها للشرق الأوسط.. ماذا نعلم عن ا ...
- الإمارات.. توجيه من محمد بن زايد للتعامل مع الإيرانيين ممن ت ...
- لماذا فشلت القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ الإيرانية؟
- نشأة الكون – دراسة جديدة تُشكك في نظرية الانفجار العظيم
- تصعيد بين إسرائيل وإيران وسط دعوة أمريكية لطهران بالاستسلام ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - السيد نصر الدين السيد - وكنتم خير أمة ... !