أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – أقفاص الرمل (20)















المزيد.....

رواية – أقفاص الرمل (20)


حمودي زيارة

الحوار المتمدن-العدد: 4835 - 2015 / 6 / 12 - 00:13
المحور: الادب والفن
    


الفصل الثامن
اخذت الاوقات تتهادى في قاع الامس, وموعد السفر في تجاذب عنيد مع هاوية الامس ايضا. وعند يوم السفر ابتاع عباس برعم وردة, ثم وضعها في اصيص مفخور بعد ان اترعها بحفنة تراب التي جلبها معه من تراب مدينته, قدمها الى بثينة بشكل دامع وقال:
- هذا البرعم لك يا بثينة, لا تدعيه يذبل فهو عربوني لك حتى ارجع, لم ارغب ان اعطيك شيئا محنطا دون حياة, فلم اجد اجمل من الورد, فهو لنا نحن ندماء الحزن مسحة فرح, ولمسة ساحرة لان حياتنا فارغة دون نبض.
ردت بثينة بحسرة مشفوعة بتنهيدة حادة:
- في يوم ما من شهر تموز بعدما واْدني ابي الجدران, قررنا انا ومنال ان نذهب الى المكتبة لنشتري بعض الكتب. فقد وفرت مبلغ من المال كذلك منال, في ذلك اليوم كنت بشكل صفيق اكرر على مسامع منال ان نسارع الخطى كيما ارجع الى البيت ضمن وقت معقول قبل قدوم ابي, حتى لا اتعرض لبطشه, اما منال فكانت لا تبالي, وتمشي الهوينا, لان عائلتها لها قدر هائل من الهدوء والروية. وبينما كنا نمشي واذا بانظار ابي تلتهم انشراحي القلق, عندها اضطرب جسمي, واخدش بشحوب وجهي, تقدم مني كالثور الهائ , ونشاْ ينكل بي امام الناس, وبعدها انهال بصفعة غاضبة على كتفي. بكيت بمرارة حتى جفت دموعي, وحبست كياني في الغرفة دون ان احفل بدموع امي او وعيد ابي. وقبل ان يحل الغسق, سمعت منال في نفس اليوم مع ابيها تحدث ابي, عن الغرض من ذهابنا الى السوق, وقتها رأيت وردة تحذف داخل الغرفة من اسفل فتحة الباب. استكان اضطرابي عندما شعرت بغبطة تراود قلبي. وقد علمت من منال لاحقا, باْن اسقاط الوردة فكرة ابيها. كان ابي فظ لا يبالي بمشاعري, فكنت بالنسبة له, ضمن مفاهيم اعرافه, معيار كرامته وشرفه, وما عليه فقط سوى الامعان في القساوة علي من اجل ان يضمن شرفه عفيفا, كنت فريسة للوجع دون ان يشعر بماْساتي احد, امي رهينة لغرائزه, والاطفال سلام وعائد ونوال لا يدركون سوى اللهو والعبث. في الحقيقة, عندما قرر ابي عبور الحدود الى السعودية, راقصت فرحي بجنون, وتوعدت حزني بالانتقام, رغم اكراهي السفر معه, وقد قلت في سري بأنه منعطف ثمين ربما يجلب النفع لي, حاولت ان استغل كل شئ حتى اتخلص من قساوة ابي, ولكن الحياة في المخيم بدت اكثر بشاعة من قساوة ابي. في اللحظة التي تجليت فيها من ركام الاجساد التي تتناهب السوق, حيال ناظري ادركت حينها بانك انت وحدك ستحول رحيقي الى عسل في جرار حبك. سوف لن اقبل باي ذريعة ان تاخرت عن مخابرتي, فانا في الحقيقة خائفة وفزعة, ربما سيحدث مكروه.
- لا تقلقي , سابقى في سورية فقط , ولن اذهب الى العراق.
اوصلته بثينة الى المطار, عانقها مودعا, فهمست:
- انا حامل.
دار عباس حول نفسه طربا, وابتسامة غريبة طفحت على وجهه:
- منذ متى.
- عرفت ذلك يوم امس من الطبيبة , ولم يتسن لي ان اخبرك.
***
لوح عباس بيده الى بثينة, فانحدرت دمعة من عينيه, لم يمسحها, وبقى مسدد ناظريه الى بثينة وكاْنه يحاول ان يقول لها تشبثي بالجنين, فانني لن اعود وفور دخوله الطائرة ساْلته المضيفة عن رقم مقعده في البداية ثم رافقته الى المقعد الذي كان بجانب النافذة من اليمين. استرخى في مقعده برصانة, تصفح الوجوه, فبدت حافلة بالفرح والرخاء, كان جوف الطائرة يعبق برائحة فاتنة. الركاب يتصرفون برتابة متناهية وكاْن كل واحد منهم ينتظر دوره, وتشعر بانك في مجتمع افلاطوني, وفي اثناء شروده في الوجوه, وخزت سريرته لواعج وجوه العراقيين التي تحتضن ملامح الشفقة والحزن, الرائحة, الزعيق, عندما ركلت الطائرة رمال الحجاز, واعتلت لدانة الغيوم, رقرقت الدموع في عينيه واسر لنفسه:
- لماذا نعبر بنزيف جراحنا الطرق البعيدة, ونعرض بؤس وجوهنا لسخرية انظار الاخرين؟
حملت الطائرة عباس فوق ركام الغيوم, لفترة طويلة تجوس البحار والمحيطات الى ان وصلت هولندا, عندها ابدلت الطائرة, وكانت الى جانبه في الرحلة امراْة تبدو هولندية. القت على عباس التحية, عندها حدقت فيه, وكاْنها تريد ان تستدل عن شئ في قسماته:
- العفو انت ذاهب الى سوريا.
- نعم.
- من اجل السياحة, ام انت من سوريا.
- في الحقيقة انا من العراق.
جحظت عينيها وضحكت:
- ياللصدفة الرائعة.
- ماذا, اثمة امر يثير العجب؟
- لا ابدا, ولكن فقدت الاتصال بزوجي منذ شهر تقريبا, دونما خبر, بالمناسبة زوجي عراقي ايضا, قال لي بانه يريد ان يرى اهله في سوريا, ولكن انا اعتقد بانه دخل الى العراق وامسك به.
- الدخول الى العراق , صعب وخطير بوجود سلطة الدم.
- ولكني اتساْل ما الذي حل به؟
- هل لديه عنوان في سوريا؟
- الشئ الوحيد الذي اعرفه بانه يسكن بالقرب من السيدة زينب.
- انا متاْكد سوف تجديه, احسبه قد اخذته اغماءة هانئة باجواء سوريا ليس الا.
- ولكن المدهش في الامر, بانه لم يتصل بي اطلاقا, وقد اتصلت كثيرا بالرقم الذي اعطاني اياه.
اسر عباس في خلده, باْن زوجها قد تزوج فلهذا لم يحاول ان يتصل بها. وفي اللحظة التي هبطت بها الطائرة في مطار دمشق الدولي, اخذت نظرات عباس تشراْب من النافذة, حاول ان يستند على يده ليرفع رأسه قليلا من اجل رؤية واضحة, لم يكترث عباس بالمراْة الهولندية لانه لم يستطع ان يهادن مشاعره وهي تحاول ان تستدل على هواجسه في مناخ سوريا, جذبت المراْة انتباه عندما ساْلته عن رقم هاتفه:
- ليس لدي هاتف في الوقت الحاضر.
- حسنا , ساْعطيك هاتف السفارة الهولندية, وبهذا سنتبادل الارقام. انا اسمي الن.
- عباس.
***
من رتابة الاجراءات المقرفة, وبساطة نظم التدقيق, فقد امتقعت قسمات عباس, عندما شعر بانه تاخر عن مطاردة الاقدار في غبارات سوريا, وملاحقة اريج الحنين الذي ينتمي اليه, تاْفف عندما شعر بالاكتئاب من سذاجة الاجراءات التي تبقيه رهن الواقع المقيت الذي خلعه في شوارع نيويورك. وما ان حان دوره, ابصر عباس موظف الجوازات وقد ظلل شاربه الكث شفته العليا. دفع عباس بجوازه اليه, تفحص الموظف الجواز لبرهة, نظر الى عباس مرتين, عينيه تحفل بالكثير, عندها رفع الختم الدائري, وانزله على الجواز, ابتسم عباس لما راح شارب الموظف يهتز جراء ضربة الختم. رد الموظف بنبرة بغيضة:
- اهلا بك في سوريا.
التقط عباس حقائبه, حث خطاه مسرعا, يروم الخروج من دهاليز المطار الخانقة, لانه شعر بان انفاسه بذات تنفذ. وفي اللحظة التي وجد فيها نفسه بين الناس والشوارع والجلبة, احس بان غبطة خارقة تمكنت من قلبه, فبدت تتسلق صفحات وجهه تدريجيا افترار ابتسامة على شفتيه فلما عهدها من قبل. استاجر سيارة, ساْل عباس السائق ان يتجه به الى احياء السيدة زينب, انزله السائق بعد مرور فترة لم يشعر بها عباس, امام حي متداعي, اخذ يساْل المارة عن مكان يسكن فيه, لم يمض من النهار الا نصفه حتى وجد غرفة في الطابق الثاني في بيت واسع وكبير, القى عباس نظرة متوفزة على الغرفة, وترك حقائبه, هرب الى الشوارع, تهادى بغنج وكاْنه طفل رافق امه, اوعدت اياه بشراء حلوى. حاول عباس ان يرج قوامه راقصا, وخزه الخجل والاحراج, فاكتفى برسم ابتسامة سادرة على وجهه. وفي اثناء تجواله, ورمي خطواته في تعرجات الطرق. طالعه مطعم تفوح منه رائحة شواء الكباب, توقفت خطواته, وانصرف يغازل الرائحة بنشوة جذلى, وبدون شعور دلف المطعم وكاْن شئ ما جر خطاه, استوى في مقعده, بعد ان طلب نفر كباب, ولبن, وبراد شاي. وبحبور مفعم, راح عباس ينثر نظراته الى المكان والجدران والوجوه, عندها شعر بان نفحة يانعة جست شغاف قلبه, واريج فاغم ملئ انفاسه وحالما جلب له الطعام, انكب يمضغ الطعام بشراهة, في نفس الوقت شعر بان اسقامه قد شفيت, وروحه المعذبة, نشاْت تتماثل الى الشفاء. وبينما راح عباس يمسح اللعاب الذي فاض من فمه, لاحت منه نظرة خاطفة, فاْلف صاحب المطعم يحدق فيه, رسم عباس ابتسامة كيما يبادله الالفة, وعدم الامتعاض وما ان هم عباس بالخروج, بادره صاحب المطعم:
- تعرف, فقد توقعت بانك قادم من بلد اجنبي, من طريقة تلذذك.
- نعم فقد وصلت اليوم من نيويورك, وسابقى فترة هنا.
تراكض عباس في الطرقات والمعابر مطاردا رائحة الحنين, وشبق اللهفة... وفي سكون اخاذ, تسمر ناظرا الى جهة الشرق حيث يستلقي العراق على متن شاطئيه, وهتف وكاْن فيه مس من الجنون.
- ساعود اليك متابطا ذكرياتي, وبعض من الام البعد وانجيل من العتاب, وساصرخ متمرغا بغبار اعتابك بكل تجاعيد الحزن, وبلادة ايامي, انت من ضيعت فهروبي منك مطاردة وهم.



#حمودي_زيارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية – أقفاص الرمل (19)
- رواية – أقفاص الرمل (18)
- رواية - اقفاص الرمل (17)
- رواية - اقفاص الرمل (16)
- رواية – أقفاص الرمل (15)
- رواية – أقفاص الرمل (14)
- رواية - اقفاص الرمل (13)
- رواية – أقفاص الرمل (12)
- رواية – أقفاص الرمل (11)
- رواية – اقفاص الرمل (10)
- رواية – أقفاص الرمل (9)
- رواية- اقفاص الرمل (8)
- رواية- اقفاص الرمل (7)
- رواية- اقفاص الرمل (6)
- رواية - اقفاص الرمل (5)
- رواية – أقفاص الرمل (4)
- رواية – أقفاص الرمل (3)
- رواية – اقفاص الرمل (2)
- رواية - اقفاص الرمل (1)


المزيد.....




- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – أقفاص الرمل (20)