أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – أقفاص الرمل (15)















المزيد.....

رواية – أقفاص الرمل (15)


حمودي زيارة

الحوار المتمدن-العدد: 4820 - 2015 / 5 / 28 - 18:01
المحور: الادب والفن
    


داْب احمد الهندي لزيارة جاسم كل يوم في السجن, احمد كان كثير الحديث عن البلدان التي خدم فيها مع الجيش البريطاني وعن ماذا فعل الانكليز في بعض البلدان من قتل وتشريد؟.
وتحدث ايضا عن صديقه الحميم كريم الهندي, فهو مسلم ايضا, عن تمرده على الانكليز في احدى المعارك في بلد افريقي وكيف انضم كريم الى مجموعة مقاتلة في ادغال جنوب افريقيا للقتال معهم ضد الانكليز, وبقى هناك في الاحراش اللفاء مع الافارقة, يقتات على جذور النبات واحناش الارض, ولا اعلم ماذا حدث له الان, فقد انقطعت اخباره عني عندما اتيت هنا. ولكثرة الاوقات التي قضاها احمد مع جاسم, تمكنت الالفة والاحاديث ولمسات الدماثة التي تدنف كلمات احمد ان تفرد اساريره, فقد بداْ يضحك, ويشارك احمد الكلام. قارب الاسبوع على الانتهاء فما بقى سوى يوم غد لمعرفة الجواب. وفي اليوم المقرر وصل جواب الحاكم العسكري بوجوب نفيه الى جزيرة هنجام. قدم احمد الى جاسم في تعابير وجهه شئ من الشحوب والكدر بادر جاسم:
- ما الخبر ؟ اعتقد ان القرار لا يدعو الى الخير, هذا ما اراه على وجهك.
- جاسم عليك ان تكون مستعدا هذه الليلة. فسوف اهربك من السجن, لان القرار يقضي بنفيك غدا الى جزيرة هنجام.
انتظر جاسم بقلق وخوف, هبوط الليل في الدروب, والحزن يراود قلبه, وتسال مع نفسه مابال القمر الليلة قد توسد كبد السماء, وألقه ساطع اخذ يشتت ظلمة الدروب. وماوشك ان لاح خيال احمد, حتى وثبت احداق جاسم تطارده بانفاس مبهورة.
وصل احمد, فتح الباب قبله وامره ان يهرب, اخذت نظرات احمد ترافقه حتى اصبح خارج المعسكر, واصل جاسم العدو, يوارب مابين اجمات الادغال, واعشاب البرية ناظرا الى كل ناحية, وصل الى اهله قبل بزوغ الفجر فقد وجد امه تخبز... وما ان سقطت نظراتها على جاسم صرخت.
- ابني جاسم.
- لا تصرخي, اخفضي صوتك, لا اريد احد يعلم بالامر, فانني هربت, جهزي بعض الثياب والزاد, فاني سابقى في الهور, بعيدا عن منالهم.
بدت بهية مرتبكة, تغالب الدمع, وهي تحاول ان تعد له اشياءه, وعندما سمعت جسومة, بما تفوه به جاسم قعدت مستوية على فراشها, تنازع نشيج الدمع وقالت.
- والى متى سوف تمكث في الهور؟
- سابقى لفترة, حتى اجد طريقة تجعلني بعيدا عن عيونهم, وسدخان سوف يساعدني, وسيكون وسيطي بينكم.
عانق امه واخته, واذرف الدموع مودعا, بعد ان اوصى امه بجسومة.
بقى جاسم متخفيا في الهور لمدة ثلاثة ايام, ينادم حزنه وهواجسه, حاشرا نفسه بين اعواد البردي الفارعة, وكثافة القصب, وكان سدخان عيونه التي ترنو الى اخصاص القرية.
القلق تمالك جاسم, فسدخان لم يات هذا اليوم, استبد به الخوف, حاول ان ينهزم او يغير مكانه, لاعتقاده بانهم قد قبضوا على سدخان, ولكنه يعرف سدخان تماما, فانه لن يوشي به, على اية حال قرر جاسم ان يبقى الليلة, وسوف يتسلل الى القرية في الليلة القادمة. في بداية ظلمة الليل, سمع جاسم ضربات مكتومة تتقدم نحوه, نظر من خلل البردي, واذا بسدخان وعلى الفور اجاب سدخان وكانه يقرا السؤال في نظرات جاسم.
- لم استطع ان اتي هذا اليوم, لانهم استدعوني لغرض التحقيق معي عن مكان وجودك. وخفت ان اكون مراقب... انتظرت الليل حتى اتي اليك (واضاف) الضابط سيقوم بحملة تفتيشية شاملة, يبحث عنك وقد ذهب الى اهلك.
- وهل فعل شئ.
- لا, فقد اراد ان يتاْكد من وجودك, ظنا منه بانك تختفي في حفرة داخل البيت... (وبنبرة خفيضة واصل) قد سمعت ايضا بانهم سوف يرسلون احمد الى بغداد من اجل ابعاده بتهمة مساعدتك في الهروب, وسيكون وقت ارساله غدا.
تناول جاسم شماغه, والقاه على التراب, وربت على الارض برجليه, وكانه ثور هائج, قبض بيده على البندقية, وقفز الى القارب, اوقفه سدخان وقال:
- عليك ان تهادن جاْشك, وفكر في الامر.
- ما الحل اذن؟ تريدهم ان ياخذوا احمد دون ان نمد له يد العون, وانت تعرف, بانه ساعدني على الهروب وسيحاكم بسببي.
- لابد من حل, دعنا نفكر بطريقة, ننقذ بها احمد.
***
رجع سدخان في نفس الليلة, رغم اخطار الليل حتى لا يشك به احد, وبقى جاسم ينتظر, وقد عافت عينيه النعاس. وعند هبوط الليل في اليوم التالي, تهادى بقاربه بين اجمات الاعشاب, الى حافات الهور, لان سدخان سيكون بانتظاره هناك حسب الاتفاق. وعند حافة الهور التي تحاذي القرية, وجده جاسم يختباْ خلف عريشة قصب. لف الليل رائحة العرق ودفء الانفاس وتكفل ان يدسها في حلكته, وكتم صرير الخطوات, وكاْن بساط الريح سخر في نقلهما الى الحامية, تسللا الى الحامية, فسدخان يعرف المكان جيدا, وقتما لمح خيال يخطو خارج السجن اشار على جاسم ان يبقى في مكانه, فعليه ان يقترب بعض الشئ لمعرفة الامر. وعندما اصبح على مقربة من الخيال طالعه احمد يقوده جندي فارع الطول, والخطى كانت تتجه نحو سيارة جاثمة في اطراف المعسكر الغربية . دفع الجندي احمد بقوة داخل جوف السيارة, وثب الجندي بدوره جالسا خلف المقود, وما ان صرخ المحرك حتى زفر شهقة دخان بقيت تعوم في المكان, قبل ان تتلاشى السيارة... عقد جاسم خطواته غبرة الدروب, يركض مقتفيا اثر السيارة, بعدما التحق بسدخان, سلكا طريقا مختصرا من اجل يدركا السيارة.. الطرق كانت وعرة, والسيارة تخطو بحركات متكاسلة وبطيئة. وبعد مرور دقائق وصلا الى المكان المناسب الذي يقدرا فيه ان يداهما السيارة.. لاحت السيارة تدنو كخطوات عجوز مسن, تنثر الدخان وتتعكز على حجارة الطريق.. وما ان اقتربت السيارة واصبحت على بعد امتار.. باغت جاسم السائق, واشار عليه بالنزول بعد ان كمن سدخان يحتضن البندقية متاخرا بخطوات عن جاسم من اجل ان يحميه. انقض جاسم على السائق, واخذ سلاحه, وشده الى المقود... وبعدها توجه الى احمد, حل وثاقه, عانقه جاسم بانتشاء وفرح عارم وقال:
- اعذرني فقد تاْخرت.
ضحك احمد بشدة وراح يراقص نشوة فرحه. صاح سدخان:
- علينا ان نعود الى الهور قبل قدوم الفجر.
مضت فترة طويلة على بقائهم في الهور, وقد تعرضوا الى قصف من قبل الجيش لمرات عديدة. الجوع, الخوف, وعدم النوم, المتاعب الوحيدة التي كانت توهن عريكتهم, وتاْخر الرصاص في بنادقهم, ولكن احيانا تشبث جاسم بالقيم والاعراف, تتجلى كاْمثولة في وسطهم تبدد الخوف, وتشد من ازرهم.. ورغم قساوة القصف, لم يستطع قائد الحامية ان يصل اليهم. في احدى المرات ذهب الضابط الى الشيخ وجلس في مضيفه, وبعد كلمات قليلة متبادلة شد قائد الحامية انتباه الشيخ عندما قال:
- ان لم تجد طريقة لتسليم العصاة , سوف اخذ جسومة رهينة.
نهض الشيخ بحدة وقد برزت اوداجه.
- هيهات ان نفرط في نساءنا, اذن اخترت الحرب, لان اقوالك تشوبها رائحة العفن.
خرج قائد الحامية بسرعة, تعلو وجهه امارات الخيبة والاحراج. وبعد مرور عدة ايام, قرر الشيخ ان يذهب الى جاسم هناك في عمق الهور, الهور تغير كثيرا بعد قصف الانكليز له, لم يستطع الشيخ الوصول لهم, ولكن في عناء بحثه, بصره جاسم, جلس الشيخ معهم, وفي اثناء الحديث طلب ان يحفز ويثير الرجال لمقاتلة الانكليز حيث قال:
- الحرب كرامتنا, والا سوف يشاركوننا بيوتنا.
عندئذ رجع الشيخ في حلكة الليل الى القرية, التف حوله اهل القرية, يتسالون عن الاخبار, اجاب الشيخ بعد ان قام بتحريضهم على منازلة الانكليز ومقاطعتهم وعدم التعامل معهم.
- ستكون الامور غاية في الصعوبة, لان قائد الحامية رجل قذر ووضيع, وان تتطلب الامر الالتحاق بجاسم في الهور, فلا تتاخروا عن ذلك. وقد طلبت من احمد ان يرسل رسالة الى الحاكم العسكري في بغداد, يشكيه صفاقة قائد الحامية.
***
احمد كذلك بدوره استمر يكتب الرسائل الى اصدقائه الهنود الذين مابرحوا في الحامية, يحدثهم عن الايثار الذي يتميز به الناس في القرية, يحاول ان يألبهم ضد قائد الحامية, وفي بعض الاحيان يحرضهم, بالتسلل ليلا الى الحامية, واطلاق النار عليهم... وكانت المناوشات تستمر لساعات, ولكن هذا الاسلوب لم يخفف من غلواء احمد, وبعد احاديث عديدة, استطاع احمد ان يفرض خياره لمقاتلة الانكليز ولكن بشرط ان تتوفر مئة قطعة سلاح. وبعد ان تهياْ كل شئ . وفي ليلة داكنة السواد اتفقوا على مهاجمة الحامية, اشار احمد ان ينتشروا حول حافات الحامية
اخذ الرجال اماكنهم وكمنوا بهدوء... وبعد مرور دقائق... سمعوا اصوات ببدء الهجوم, استمر الهجوم حتى جلوة الفجر.. كانت نسبة القتلى في الجانب الانكليزي اكثر منها في اهالي القرية وعلى خيوط الشمس الناعمة, بعث القائد بمترجمه يطلب الهدنة لمدة يومين, فقط لتغير المكان والذهاب بعيدا الى موقع اخر. بانت علامات الاستغراب على وجه احمد, لذا بادر المترجم بالسؤال.
- ماهذا التغير المفاجئ في سلوك القائد.
رد المترجم بسخرية:
- قد خاف من رسالة التهديد التي بعثتها الى الحاكم العسكري في بغداد.. لذا جاء الامر بتغير المكان والابتعاد عن القرية والاعفاء عنك.
- سابقى هنا, ولا ارغب بالرجوع الى الحامية من جديد.
وبعد انتهاء الهدنة, ورحيل الحامية, عندئذ رجع جاسم مع احمد الى البيت, بعد ان استرد ارضه, سكن احمد مع جاسم لفترة حتى بنى له اهل القرية بيتا... تعلم احمد معظم الاشياء... فكان يشارك جاسم الحرث والحصاد والسقي... تألف احمد مع تفاصيل القرية دون الاحساس بالغربة. وفي احدى المرات ذهب جاسم الى الشيخ في مضيفه, بعد ان خطر في باله تزويج اخته جسومة لاحمد الهندي, وما ان تحدث جاسم الى الشيخ تهللت اساريره بالموافقة عندها رجع جاسم الى البيت, جلس مع امه, فاتحها بما يدور في باله لم تمانع امه... نادى جاسم على جسومة وقد كانت تعد العجين.. اخبرها بنيته لاذت باعطاف امها, وابتسامة خجلى تطفلت على شدقيها. وفي يوم صائف, تراكضت الاشياء في دروب القرية تزف جسومة, والقرية عامت في ضوء القمر, وسنابل الحقول تجاذب نفسها امام دفقات النسائم, بعد ان زايل مراْى الحامية خطوط الافق.



#حمودي_زيارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية – أقفاص الرمل (14)
- رواية - اقفاص الرمل (13)
- رواية – أقفاص الرمل (12)
- رواية – أقفاص الرمل (11)
- رواية – اقفاص الرمل (10)
- رواية – أقفاص الرمل (9)
- رواية- اقفاص الرمل (8)
- رواية- اقفاص الرمل (7)
- رواية- اقفاص الرمل (6)
- رواية - اقفاص الرمل (5)
- رواية – أقفاص الرمل (4)
- رواية – أقفاص الرمل (3)
- رواية – اقفاص الرمل (2)
- رواية - اقفاص الرمل (1)


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمودي زيارة - رواية – أقفاص الرمل (15)