غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4833 - 2015 / 6 / 10 - 18:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تــحــيــة إلى ســــابــيــن
سابين Sabine فتاة لبنانية تعرفت عليها لدى بعض الأصدقاء, جاءت إلى فرنسا من عدة سنوات على نفقتها لتكملة دراسة جامعية وتقنية, وهي تعمل في مدينة ليون بشركة طبية تهتم بكل ما له علاقة بالأدوات الخاصة التي تؤمن للمرضى المصابين بضيق واضطراب التنفس. ومن أيام حدثتي عن لقاءاتها مع مرضى من اللاجئين السوريين الذين وصلوا مؤخرا إلى هذه المدينة, بعد أن باعوا كل ما يملكون.. نعم كل ما يملكون.. حتى يصلوا إلى أي شاطئ أوروبي, هربا من مختلف أشكال الضيق والموت في بلدهم سوريا.. وكادوا يموتون عشرات المرات في البحر, حتى بصقتهم على شاطئ إيطالي هذه العصابات المحلية هناك التي تتاجر بيأس وخوف البشر, والتي تترك لها السلطات هناك كل المجالات لانتفاخ تجارتها... ولا بد أن بين تماسيحها العدة هناك وهنا.. شــركـاء يملكون حمايات واسعة...
لنعود إلى سابين التي نشرت على صفحتها الفيسبوكية, وبلغة فرنسية صحيحة رائعة صرخة تدعو بها إلى مساعدة هؤلاء اللاجئين السوريين.. كل حسب إمكانياته ومشاعره وإنسانيته... وكنت قد أنذرتها وخاصة بخبرتي وما رأيت وتحققت من الاحتيالات العديدة, والتي مارسها بعض المحترفين السوريين الذين تاجروا بعواطف ومشاعر بعض الأطراف.. فجمعوا الأموال وطبلوا وزمروا, ولم يساعدوا أحدا على الإطلاق.. بعد أن دامت عملياتهم الاحتيالية أكثر من سنتين.. حتى تدخلت السلطات المحلية لفضحها.. ولتسمية القطة قطة.. كان رئيس هذه الشبكة تاجر سوري يشغل طلابا ومحتاجين ولاجئين سوريين بلا رخصة عمل, بثلاثة أو حتى أربعة مرات أقل من الحد الأدنى للأجور.. وأحيانا يشغلهم أكثر من 12 إلى 14 ساعة في اليوم.. دون أية إضافة.. وأخرى لا يدفع لهم على الإطلاق... مدعيا أنه يساعد اللاجئين السوريين في تركيا.. وأنه من أنصار المعارضة الاستنبولية.. ومن هذه المساطر الخنفشيارية كثيرون.. مع مزيد الحزن والأسى والأسف...
لهذا السبب حذرت صديقتي الطيبة سابين, من تردد البعض من الإجابة على صرختها الإنسانية الصادقة.. وأن كل هذا بحاجة إلى تفرغ ووقت ووعي.. وأجابتني أنها على الأقل بحكم عملها بالقرب من مرضى متعبين, من أوساط مختلفة.. يمكنها إضافة ساعات وساعات يوميا (مجانا) للاهتمام على الأقل بمعنويات وحاجات عائلات اللاجئين المرضى السوريين, والذين أسكنتهم السلطات المحلية, بأحياء يرفضها غالب الناس العاديين, نظرا لوجود مشاكل اجتماعية وإثنية وعاداتية, بهذه الأحياء...ورغم وجود مئات العائلات.. ما تزال بكاملها بلا مأوى... نظرا لتكاثر المعوزين والمحتاجين, سنة عن سنة.. وخاصة بهذه السنة الأخيرة.. حيث البطالة وأعداد البشر الذين يعيشون تحت خط الفقر.. قد تجاوز من سنوات كل الخطوط الحمر.. دون أية بادرة أمل بتراجعها.. وعدد اللاجئين السوريين يتزايد يوما عن يوم... والسفارة الفرنسية في بيروت لا تمنح هذه الفيزا السحرية المأمولة سوى بالقطارة... رغم المئات الذين يموتون ــ غرقا ــ بلا فيزا بالبحار الهائجة على قوارب أو بواخر مهترئة قبل اقترابها من صخور الشواطئ الإيطالية...
وســـابــيــن اللبنانية, تريد لوحدها إنقاذ هؤلاء السوريين.. بالرغم من أنه ليس لها ولم يكن لها أي ارتباط سياسي ولا تعاطف مع أية منظمة سياسية من أي طرف كان..ولا أية جمعية خيرية أو إنسانية.. لا هــنــا ولا هــنــاك. ولكن بحكم عملها واحتكاكها ببعض من هؤلاء اللاجئين المرضى.. وطبيعتها الإنسانية الحقيقية, تريد أن تفعل شيئا من أجلهم.. حتى أنها قالت لي إني أعيش برغد دون أي احتياج لكائن من كان وتوفر لي عمل وحياة تناسبني.. والسوريون جيراننا, أيام طفولتي وشبابي, وعندما أواجه مآسيهم وتمزق حياتهم بهذا البلد.. أتعجب من صمت جاليتكم التي يعيش فيها الآلاف من سنين بعيدة.. ولا توجد رابطة اجتماعية أو إنسانية, رغم أن الحرب تدوم في بلد مولدكم منذ أكثر من أربعة سنوات, وقد تمتد لبلد مولدي لبنان.. وهل يمكن, ورغم رخاء معظمكم واستقراركم هنا, لا توجد لديكم رابطة متينة إنسانية أو ثقافية أو بأي شكل من الأشكال القانونية.. تهتم بأبناء جلدتكم التي تمزقها عواصف السياسة والحروب الإثنية الغاشمة...
ورغم فروق العمر بيننا.. شعرت أنني صغير بكل شيء أمام هذه الشابة الرائعة... وعندما أنظر لجاليتنا, وخطابات شخصياتها.. وكل اجتماعاتها.. حول الطبخ والنفخ والزعامات والشعر والمنفخات والاستشهاد بعنتريات الماضي.. والابتعاد عن كل جديات ومآسي واقعنا المهترئ الحزين.. أريد أن أبقى لوحدي منخذلا باكيا حزينا.. على كل ما فعلناه ولم نفعله.. لأنحني أمام بــراءة ســـابــيــن وقوة كلماتها.. وصدق براءتها, وبراءة صدقها.. آملا أن تؤدي صرختها الفيسبوكية إلى انتفاضة يقظة, بهذه الفترة التي لا تفكر فيها جاليتنا السورية " المحترمة " سوى ببرامج رحلاتها وأمكنة عطلتها الصيفية الطويلة.. وأن تهزهم قبل العطلة.. وأثناء العطلة.. وبعد العطلة.. وبكل أوقات "فراغهم" الذي لا ينتهي... علهم يستمعون إلى فكرة ســابـيـن.. وألا يتركوها تضيع هباء.. كما ضيعوا أنصاف أعمارهم بفراغ اجتماعي وفكري.. ملأوه غالبا بخلافات على زعامات طبولية أو إثنية مذهبية...
لا يمكن أن اختم هذه الصفحة من " بق بحصتي اليومية " دون أن أنسى نشاط كل من أصدقائي كاترين وعبدالله بمدينة Clermont Ferrand اللذين يعطيان كل وقتهما وجهودهما وقلبيهما من أجل مساعدة اللاجئين السوريين بهذه المدينة, يوميا وبكل ساعة.. من بداية هذه السنة دون توقف... آمـل أن يتخذ بعض من لديهم بعض وقت من جاليتنا العتيقة بمدينة ليون وضواحيها الواسعة.. قدوة من هذين الزوجين الرائعين.. وبكل فــرنــســا, لمساعدة اللاجئين السوريين المنتشرين فيها.. والذين وافاهم الحظ بالوصول إليها.. رغم انتقادي للسلطات الفرنسية الحالية والتي سبقتها, والتي أختلفت معها جذريا وسياسيا, سواء بموفقها تجاه الأزمة السورية, وتأيداتها التي تبعت دوما الخط الأمريكي ـ السعودي ـ القطري, للمعارضات الهيتروكليتية السورية المختلفة.. كما تابعت تضييق منح التأشيرات للهاربين من الحرب والموت هناك... بما دفع كل هذه الآلاف من الهاربين بين أيادي المافيات السورية ــ اللبنانية ــ التركية والليبية... التي تدفعها بين أنياب الموت وهي الهاربة من الموت والرعب وفظائع داعــش.. ورغم تطبيل هذه السلطات وتزميرها حاليا بالمحافل الدولية.. أنها مندمجة بصفوف محاربة الإرهاب... ولكن اتجاه البوصلة الحقيقي لم يتغير على الأرض هناك... وكل ما تبقى كـــلام.. وكــلام.. وكلام!!!...........................
***********
على الــهــامــش :
ــ من أحداث المدينة
هتف لي أحد الأصدقاء من أئمة "جمع الشمل " أو كما تصحح لي الصديقة الغالية لــيــنــا " لـــم الـــشـــمـــل " بأن شخصيات هذا المشروع سوف يجتمعون كعادتهم.. عفوا خلافا لعادتهم هذه المرة.. نساء ورجالا.. بنفس المطعم الصيني المعتاد.. لا بأس.. لا بأس.. تطور رائع جدا... يعني أنهم ابتعدوا عن الاجتماعات ذات التقاليد الرجعية المعتادة..النساء على حدة والرجال على حدة.. وحول صحن تبولة وصحن حمص... إني أصفق.. إني أصفق لهذا التطور!!!... آملا بالمرات القادمة تشجيعهم للمطاعم الليونية المشهورة عالميا بمطبخها... أو بلا حفلات مطاعم على الإطلاق ملتزمات وملتزمين كليا بمشاكل مجتمعنا وأزماتنا الاجتماعية والإنسانية وقوافل اللاجئين السوريين الذين لا يهتم بهم أحد على الإطلاق, بهذه المدينة الفرنسية, والتي لم يعد يسمع لنا فيها أي صوت.. سوى أصوات الطناجر... رغم أننا (كنا) من أغنى الجاليات ثراء وعلما وثقافة وتطورا وحضارة... ولكن لم يعد لنا أي صــوت... حتى جــاءت صديقتي الشابة الرائعة ســابيـن, على صفحتها الفيسبوكية تهز ضمائرنا النائمة تحت عنوان :
Les réfugiés à Lyon اللاجئون في لــيــون.......
وكالعادة أرجو ألا تضايق صراحة كلماتي... إلا من تعريه وتضايقه الحقيقة الحقيقية... والتي لن أغيرها اليوم.. أكثر من أي يوم آخــر...
بــــالانــــتــــظــــار....
للقارئات والقراء الأحبة.. هــنــاك و هــنــا.. وبكل مكان في العالم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق وأطيب تحية مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟