وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4827 - 2015 / 6 / 4 - 17:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يكتب الدكتور القس فهيم عزيز في كتابه (الفكر اللاهوتي في رسائل الرسول بولس )- صادر عن دار الثقافة – القاهرة :
( كان الرسول بولس مادة للدراسة المستفيضة في كل تاريخ المسيحية , بل كان الشخص الذي يظهر تاثيره في كل حركة او نهضة جديدة , فما من حركة الا ونسبت وجودها الى اكتشافها الجديد للرسول ).
المدارس المختلفة في تفسير فكر الرسول بولس
مدرسة توبنجن :
مؤسس هذه المدرسة هو فريدريك باور الذي امضى اكثر من ثلاثين عاما استاذا بهذه المدرسة . وكانت دراسته تنصب على تفسير تاريخ الكنيسة الاولى . وكان شعاره ان التاريخ بدون الفلسفة هو اخرس , بل ميت .وقام بتطبيق فلسفة هيجل على تاريخ الكنيسة
وكان مفتاحه في ذلك ماورد في رسالة القديس بولس الاولى الى كنيسة كورنثوس ( 1 :12) وهو الصراع الذي الذي دار بين بولس والذي يسمى برسول الامم او اليونانيين وبين الرسولين يعقوب وبطرس واتباعهما وهما من اعمدة كنيسة الختان المسيحية – اليهودية .
لقد بدات الكنيسة تجتمع معا في وحدة فكرية واحدة تحت ضغط الفكر الغنوصي بمدارسها المختلفة , وخصوصا الغنوصية المسيحية في اواخر القرن الثاني .
ولهذا السبب فكل سفر في العهد الجديد يظهر فيه التوفيق بين هذين النقيضين , بولس ويعقوب ,هو سفر متاخر من نتاج القرن الثاني الميلادي . وعلى هذا الاساس لم ينسب باور الى الرسول بولس سوى اربع رسائل , وهي رومية (روما ) , ورسالتي كورنثوس 1 و 2 والرسالة الى غلاطية .
تعرضت هذه المدرسة للنقد الشديد من قبل العلماء المحافظين , امثال ( فون هوفمان )ومن غيره وكانت اعتراضاتهم كثيرة :
1 – هنالك اقتباسات من رسائل بولس في رسالة اكليمنس سنة 95 م , واغناطيوس 110 م . مما يدل انها كانت معروفة جيدا في ذلك الوقت المبكر جدا , الذي لاتعترف به مدرسة توبنجن .
2- لايعرف احد من الدارسين اية رسالة او كتاب كتب بعد العصر الرسولي يعكس اية اشارة او تلميح الى هذا الصراع الذي تصوره باور .
3 – الاتفاق على وحدة الكرازة وعناصرها في كل كتابات العهد الجديد , تدل على ان المباديء الاساسية للانجيل واحدة .
المدرسة العصرية
حاولت هذه المدرسة تفسير فكر بولس في اطار التفكير اليوناني . ومضمونه التناقض بين الجسد والروح في الانسان نفسه . حيث الروح هو المبدا الاخلاقي العقلي , اما الجسد فهو المبدا الحسي . ولا بد ان تنتصر الروح على الجسد . وهو فكر قائم على فكرة الثنائيات المتعارضة .
تقول هذه المدرسة ان بولس اخذ هذه الفكرة وادخلها في المسيحية , وبنى عليها فكره الاخلاقي والصوفي العرفاني , والذي نلمسه في عبارات مثل ( في المسيح ) و (مع المسيح ) . ولكن عجزت هذه المدرسة عن تفسير ( التبرير بالايمان ) في فكر الرسول بولس اللاهوتي .
وقد لجات الى الصور العلمية وقالت ان هنالك عنصرين متناقضين في فكر الرسول بولس , فكان ينتقل من فكر الى نقيضه دون ان يشعر بذلك .
ان المدرسة العصرية لم تستطع اعطاء التفسيرات المقبولة عن الفداء والتقديس والاسخا تولوجي في فكر الرسول بولس , لقد بدات تضمحل وتفقد تاثيرها .
مدرسة تاريخ الاديان
تعتبر هذه المدرسة ان الديانة هي ظاهرة اجتماعية , حيث تطورت عندما اختلطت الشعوب فيما بينها .فسرت هذه المدرسة فكر الرسول بولس على انه تطور لديانات الاسرار. وهي الديانات القادمة من الشرق الى الغرب . والسمة الاساسية لها تدور حول بطل او منقذ او اله ,اما ان يموت او يقوم من الموت مثل اوزوريس المصري .او ينتصر على الشر مثل مثيرا الفارسي .
وكان اتباع هذه الديانات يطلبون الخلاص بالاتحاد مع هذا الاله في موته وحياته , بواسطة طقوس خاصة واكلات خاصة مثل طقس العشاء السري . ونظرا للتشابه بينها وبين المسيحية فقد ظنوا ان المسيحية خرجت من هذه الديانات . وان بولس تاثر بها كثيرا . ولكن هذه المدرسة فشلت في التفريق بين تاريخية المسيحية والمسيح , وبين اسطورية ديانات الاسرار التي لاتبنى على اي اساس تاريخي كالمسيحية .
مقالتنا ( جذور تحريم لحم الخنزير لدى العبرانيين وشعوب الشرق القديم )وعلى الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=258097
مصادر فكر الرسول بولس
اولا: الهلينية
اعتقد الكثيرون ان الرسول بولس اخذ تفكيره من الهلينية الوثنية او الهلينية المسيحية . فقد فسر باور موقف بولس على انه بطل الامم وضد اليهودية – المسيحية . وان المصدر الاساس لتفكيره يكمن في اطار ديانات الاسرار التي انتشرت نتيجة لتلاقي الفكر اليوناني والديانات الشرقية .
ويظهر ذلك في المتوازيات بين عناصر لاهوته وعقائد هذه الديانات مثل : الاله الذي يموت ويقوم , ولقب ( الرب ) , والخلاص المتصل بالفرائض, والاسرار ,والمعرفة والروح .ولقد وقع بولس تحت تاثير هذه الديانات في طرسوس منذ ان كان طفلا ثم في رحلاته التبشيرية بعدان صار مسيحيا .
يقول الدكتور القس فهيم عزيز ان الرسول بولس الذي تربى في حضن اليهودية لايمكن ان يستعير فكره من ديانات الاسرار ( الوثنية)بحسب تعبيره . كما ان تفسير هذه المتوازيات لاياتي من ديانات الاسرار , بل من اليهودية نفسها .
لكن فريقا اخر من العلماء يعتقد ان الرسول بولس تاثر كثيرا بالغنوصية .وهي حركة فلسفية تستند الى الافلاطونية الحديثة وكانت تشدد على الامور التالية:
1- ثنائية المادة والروح .
2- الخلاص من المادة بواسطة عطية الهية هي المعرفة ( الغنوص )او (العرفان ) بحسب الفلسفة العربية الاسلامية .وهي معرفة خاصة من الله .
3- قيام الملائكة بدور وسيط في عمل الخلاص .
ويعتبر (بولتمان )من اكثر العلماء الذين يتبنون هذه النظرية . ويعتقدون ان الرسول بولس اخذ ذلك عن طريق اليهودية اليونانية والمسيحية اليونانيةالتي انتشرت قبل كتابة رسائله, وتاثر بها خاصة في عقيدة الفداء بواسطة الفرائض والطقوس ثم الثنائية الاخلاقية في الجسد والروح .
ومع ان بولس حارب الغنوصية في رسالته الىكولوسي , الا انه عدل من تعبيراته ومفهومه , وحوله الى ذلك الاتجاه عينه و وخاصة عندما حول المسيح يسوع الى ( الرب من السماء ). وقال ان العالم الخاضع لقوات الشر , يفدى بواسطة الانسان السماوي .
ولكن هذه النظرية صدمت باكتشاف مخطوطات البحر الميت , التي اظهرت تفكيرا لاهوتيا يشابه تفكير الرسول بولس في الثنائية الاخلاقية والتنويه بالمعرفة . ولا يستطيع اي عالم ان يعلن ان هذه الكتابات المبكرة قد اقتبست ايضا من الغنوصية . بل ان هذا الاكتشاف يحتم علينا القول ,والكلام للدكتور القس فهيم عزيز ,ان الرسول بولس ,مثله في ذلك مثل جماعة قمران من الاسينيين و كان ياخذ من مصدر واحد ( مع اعتراض كاتب المقال ), ليس هو اليونانية و بل اليهودية .
ان العلماء يخطئون عندما يقارنون لاهوت بولس بفكر آخر ظهر متاخرا عنه .ثم ينسبون اليه اقتباس لاهوته من الفكر المتاخر .ان الرسول بولس اخذ فكره من المسيحية الاصيلة والتي تسلمها من الكنيسة الاولى والتي نمت وترعرعت في احضان اليهودية .
ان مركز تفكيره هو المسيح يسوع . ومع ذلك لايمكننا الانكار انه استعار من الهلينية بعض الافكار والمصطلحات .
مسك الختام:
يعتقد كاتب المقال ( وليد يوسف عطو ) ان الرسول بولس تاثر بكل هذه التيارات الفلسفية وديانات الاسرار, وبالفلسفة الرواقية, وانه دمجها بدون قصد منه في فكره اللاهوتي العميق . ولا يمكن لانسان مثل بولس الذي عاش في وسط المدن الكبرى ان لايتاثر بالحركات الفلسفية والدينية السائدة في عصره .بالاضافة الى تاثر الاسفار اليونانية من التوراة – الاسفار القانونية الثانية والتي كان بولس يطالعها جيدا في ترجمتها اليونانية مثل سفر الحكمة بالزرادشتية حيث الثنائيات المتعارضة وظهور مفهوم قيامة الاموات وبتاثيرات فلسفية خارج اطار اليهودية.
ان الدكتور القس فهيم عزيز حاله كحال اغلب رجالات الكنائس المسيحية والانجيلية يحاول حصر تاثير فكر بولس باليهودية فقط , والهدف واضح وهو محاولة تهويد المسيحية , وهذا يتنافى مع ابسط شروط البحث العلمي والمنهج النقدي .
مقالات ذات صلة
مقالتنا ( القديس بولس المسيح رسول المسيح ) والمنشور على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=469988
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟