أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر نواف المسعودي - النهر - قصة قصيرة قصيرة















المزيد.....

النهر - قصة قصيرة قصيرة


حيدر نواف المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 4803 - 2015 / 5 / 11 - 14:51
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
النهر
حيدر نواف المسعودي

اعتادت ام احميد التوجه قبيل غروب كل خميس الى النهر الواقع قرب احدى القرى المجاورة ، مثلها في ذلك مثل العديد من النساء اللواتي كن يحضرن في مثل هذا الوقت من كل خميس ومن عدة اماكن ، حيث كن يجتمعن على ضفتي النهر وتقوم كل واحدة منهن بإيقاد شمعة وعود بخور ووضع بعض من اغصان شجر الاس ( الياس ) على قطعة خشب او مقوى او فلين او شيء اخر وتركها في مجرى النهر ، وعلى كل واحدة من هؤلاء النسوة تكرار هذا الطقس كل خميس ولسبعة اسابيع متتالية ، وفي الخميس الاخير تقوم بنفس الطقوس مع زيادة تتمثل بتوزيع بعض النذور من حلوى وطعام ثم ايقاد الشمعة والأشياء الاخرى وتركها في النهر ، ثم السير على الضفة بالتوازي مع مسار الشمعة ، فان علقت الشمعة بإحدى ضفاف النهر وتوقفت فان على المرأة التوقف حيث توقفت الشمعة والانتظار حتى يتحقق مرادها او طلبها او ظهور دليل او شارة لها ، اما التي تغرق شمعتها في النهر فان ذلك يكون نذير وشارة شؤم ونحس بالنسبة لها ، اما من تستمر شمعتها في السير الى مسافات بعيدة في النهر فعليها التوقف والعودة ، لان ذلك دليل على مشقة وصعوبة وطول طريقها وقد يكون محفوفا بالمخاطر .
انتهت ام حميد من توزيع النذور والطعام على النساء القريبات منها انه الخميس الاخير بالنسبة لها وتأمل ان تجد ضالتها في هذا النهر وتعرف مصير ابنها الغائب منذ سبع سنوات ، فقد خرج في صباح احد الايام قبل سبع سنوات للتوجه الى عمله وكما هو معتاد كان من المفترض ان يعود الى البيت عند المساء بعد انتهاء عمله ، لكنه لم يعد ذلك اليوم ، ولا في اليوم الذي بعده ولا في الايام التالية ، بدا القلق يساور والديه فقد كان ولدهما الوحيد ، وكذلك زوجته التي تزوج بها من بضعة اشهر ، وابنه الان يبلغ السادسة من العمر ، بحثوا عنه في كل الاماكن ، ونشروا صوره في كل الشوارع سالوا عنه في المستشفيات ومراكز الشرطة ، ولكن دون جدوى ، البعض قال انه قد انتحر بسبب الحزن والإحباط واليأس ، والبعض قالوا انه اختطف وقتل والقي به في احد الانهر ، البعض الاخر قال انه هاجر الى بلد اخر بحثا عن حياة افضل ، اخرين قالوا انه اقتيد من قبل مسلحين الى مكان مجهول ، كثرت الاحاديث والإخبار حول اختفائه ، اصاب والده الحزن الشديد وابيضت عيناه ومات كمدا وقهرا عليه ، اما زوجته ، فقد اصابها هي الاخرى الحزن واليأس والذبول ، وكانت قبيل غروب كل يوم تجلس في باب الدار بانتظار عودته ولكن بلا جدوى ، اما ولده فقد بدا يلح في السؤال عن ابيه : امي .. جدتي ، اين ابي ، قلتما انه مسافر وسيعود ، ومنذ فتحت عيناي وأنا لم اره ، متى سيعود ، اين هو ، ألا يريد رؤية ابنه وقد كبر؟
هذا هو ما دفع ام حميد الى البحث عن مختلف الوسائل والطرق لمعرفة سر غياب ولدها ، فطرقت ابواب العرافين والعرافات ، وقصدت ( فتاحي الفال)1 و( الشوافات )2 و(اصحاب المرايا)3 ، ولكن لم تصل الى معرفة سر اختفاء ولدها ، والان هي هنا عند ( نهر الغركان )4 عسى ان تجد جوابا على حيرتها على ابنها الغائب ، هذا النهر الذي تقصده النساء لتحقيق طلب او مراد ، او لمعرفة موعد عودة حبيب او غائب او مفقود ، او طلبا لتحقيق امنية ، اما قصة ( نهر الغركان ) : فيروى انه في عصر يوم صيفي اجتمع اطفال القرية من عمر سبع سنوات فما فوق للسباحة واللعب في هذا النهر ، فدخلوا جميعا النهر وبدؤا السباحة والمرح ، وكان من بين الأطفال طفل يدعى محمد في السابعة من عمره ابتعد عن بقية الاطفال متجها الى وسط النهر الاعمق وجريان النهر اسرع ، تعب محمد جدا وحل عليه التعب والإعياء وبدا يلاقي صعوبة في مواصلة السباحة ، فبدا النهر يجذبه الى الاعماق وهو يحاول المقاومة النهر يجذب وهو يقاوم كان كوحش كاسر يحاول افتراسه او ابتلاعه ، بدا يضرب بيديه وجه الماء وكأنه يحاول ضرب ذلك الوحش الذي يريد قتله ، بدا بالصراخ من شدة الخوف ، انتبه اليه بقية رفاقه ، خرجوا جميعا من النهر وبدؤا بالركض والصراخ على جانبي النهر ، وكان النهر بدا بسحب محمد الى اعماقه وجرفه بعيدا وكل هنيهة يخرج محمد رأسه من تحت الماء حاول بعضهم انقاذه لكنهم فشلوا استمر محمد يقاوم لكن الوحش كان اشد واقسى ، يروي احد رفاقه : انه لما اشتد التعب والإعياء بمحمد جدا ، ولم يعد قادرا على مقاومة النهر اجتذبه الى العمق ، وبعد ثواني قفز محمد قفزة عالية في الهواء ، وكأنه يحاول التحرر والخلاص من فكي هذا الوحش ، سمعه الجميع وهو يصرخ : اماه الحقيني .. اني اغرق .. اني اموت ، ثم التهمه النهر وابتلعه وأخذه بعيدا .
اتجه الأطفال الى القرية وهم يبكون ويصرخون : محمد غرق .. محمد غرق .. محمد غرق ، واتجهوا صوب دار ام محمد الغريق ، وخرج جميع اهل القرية من بيوتهم بعد سماعهم صياح وبكاء الاطفال ، وقف الجميع في باب ام محمد ، التي خرجت مفزوعة مذهولة لا تدري ما تقول او تفعل ، ثم صرخت بأعلى صوتها وهرعت تركض الى النهر وصلت الى ضفة النهر وبدات تنادي : ولدي .. حبيبي . .طفلي. .. محمد ، اين انت ، اين ذهبت ، عد الى امك يا حبيبي ، لماذا تركت امك ، ايها النهر ارجوك اترك ولدي ، اطلقه ، اعد محمد الي ، اعد لي وحيدي ، وحاولت ان تلقي بنفسها في النهر ولكن بعض اهل القرية ممن تجمعوا حولها منعوها من ذلك ، وبدأت تبكي وتصرخ ، اين انت يا ولدي ، يا وحيدي ، فلم يكن لديها سوى هذا الولد فقد كانا يعيشان سوية وحيدين بعد ان فقد زوجها منذ سنوات ولم يعدا يعرفان عنه شيء .
ويروى ان ام محمد اصيبت بحالة من الذهول الشديد نتيجة غرق ولدها ، وكانت تذهب عند غروب كل يوم الى ضفة النهر قرب المكان الذي غرق فيه ولدها وتستمر توقد الشموع طوال الليل وتلقي برغيف خبز الى النهر وتقول : يا نهر خذ هذا الرغيف واترك لي ولدي ، وكان يسمع انينها وبكاؤها وهي تنشد :
دللول يالولد يا ابني دللول
يمة ...عدوك عليل وساكن الجول
يمه ...أنا من أقول يمة
يموت قلبي والله يمه
يمه... يحق لي لاصير دلي
تره...أطلق الدنية وولي
يمة... على ظليمتي من دون حلي
دللول يالولد يا ابني دللول
***
يمة.. هب الهوى واندكت الباب
تره... حسبالي يايمة خشت احباب
يمة... اثاري الهوى والباب كذاب
دللول يا الولد يابني دللول
عدوك عليل وساكن الجول
الليله اموت الليله اخر ليله
الغيم مد ايده على راسي والمطر شد حيله
الليله قطرات العمر ناقوط حب سهران
يمه دخيلك اترجاك ضميني بسواد الشيله
دللول يالولد يابني دللول)5

وفي الصباح يجدها بعض اهل القرية مغميا عليها فيقومون بإعادتها الى بيتها واستمرت على هذا الحال اياما طويلة ، وفي فجر احد الايام وجد احد اهل القرية عباءة ام محمد ملقاة على ضفة النهر وشمعة متقدة ، في حين انها كانت قد اختفت ومنذ ذلك اليوم لم يرى احد ام محمد ولم يعرفوا عنها شيئا .
بعد ان انتهت ام حميد من توزيع النذر من حلوى وطعام على النساء الاخريات ، قامت بإيقاد الشمعة ووضعها في مجرى النهر ، وبدأت بالسير على الضفة بالتوازي مع مسير الشمعة ، وكانت تخشى ان تغرق الشمعة فيكون ذلك نذير شؤم لها ، او ان تستمر في السير الى مسافات بعيدة ، فيكون املها بعيدا في معرفة سر اختفاء ولدها .
علقت الشمعة بجذر احدى الاشجار على ضفة النهر ، فرحت ام حميد لذلك ، وجلست على الضفة قرب مكان توقف الشمعة بانتظار تحقق مرادها او ظهور دليل او شارة تنبؤها بسر اختفاء ولدها ، اسندت ظهرها على الشجرة خلفها ، والتفت بعباءتها ، شعرت بنعاس خفيف ، التفتت حولها فلم تر احدا قريبا منها ، غطت وجهه بالعباءة وغفت ، فرات شخصا يقف امامها ، كان ثمة ضباب يحجب وضوح ملامحه ، دنا منها اكثر بدأت ملامحه تتضح اكثر مد يداه نحوها ، تفحصت وجهه جيدا ، فإذا به وجه ولدها ، نهضت واقفة واتجهت نحوه ، مدت يداها اليه تريد معانقته ، سألته : اين انت ياولدي ، لماذا الغياب كل هذه السنين ، ماذا بك يا ولدي ، مالذي حصل لك ، عد الينا ياولدي ، كلنا بانتظارك ، ولدك كبر و بدا يسال عنك ، كادت يداها تلامس يداه ، سمعته يقول بصوت منخفض : انا يا امي .......................... ، استفاقت ، احست بريح شديدة ، كشفت وجهها رأت الشمعة التي كانت تحاول التمسك بقوة بطرف الجذر الدقيق وكأنها كانت خائفة من ان تأخذها الريح بعيدا او تغرقها في النهر ، اخذت الريح الشمعة بعيدا ، نهضت ام حميد واقفة ، تلفتت حولها لم ترى ابنها ، عادت تنظر الى وجه النهر لم تر شيئا ولا حتى الشمعة التي اختفت تماما عن ناظريها او لعلها غرقت .


8/ نيسان/2012

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. فتاح الفال : رجل كان يتجول في ازقة بغداد ودرابينها كالتسول الانيق ومعه دفتره ودواته ونقيع الزعفران وهو يصيح مترنما (فتاح فال ..عداد نجم ..فوا....ل ) ثم ينادي ( فوال ...فتاح فال ...عداد نجم ...فوا.....ل )
2. الشوافات :وهن اللواتي يدعين قراءة الغيب وكشف الاسرار والمستور وينتشرن وبنفس الاسم كثيرا في بلاد الجزائر والمغرب ، وكان يعرف في بغداد مايسمى ( طشت الغجرية ) : وهن النساء الغجريات اللواتي يمتهن قراءة الغيب (بالطشت ) للكشف عن المستقبل وهن اعتدن الجلوس على قوارع الطرق وقد وضعن امامهن مجموعة من المحار والحصى والخرز وكحوف من الخزف الملون والودع وغير ذلك ...وتقصد المرأة البغدادية قارئة الطشت للتطلع الى مستقبلها كمعرفة هل ستحمل ؟ او هل سيعود اليها زوجها الزعلان ؟ او متى تتزوج أ بنتها وقد شارفت على سن الثلاثين ؟
3. اصحاب المرايا:وهم من يدعون معرفة الغائب وكشف الاسرار والحوادث والمستقبل عن طريق المراة .
4. الغركان : باللهجة العراقية ( الغرقان ) أي الغريق .
5. الدللول : اغنية من الفولكلور العراقي وتؤديها الامهات بصوت هادئ مصحوب بالحنان والحزن لتنويم الطفل .



#حيدر_نواف_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزيز نيسين - السخرية حد المرارة والوجع
- هل تضحي ايران بالمالكي حفاظا على بقاء الحكم الشيعي الموالي و ...
- غابريل غارسيا ماركيز - موت حالم
- المعقول واللامعقول في قرار مقتدى حل التيار الصدري
- صباحكم تظاهرات وديمقراطية
- دلالات الرموز الطائفية في اعلان المعركة المقدسة لبطل التحرير ...
- معركة الرمادي .. معركة سياسية ام عسكرية ام ورقة المالكي الاخ ...
- فيروز وقصيدة حب ضاعت في صباح من دخان
- هل ثمة ثقافة ... في عاصمة الثقافة ؟؟؟
- امطار .. فيضانات .. انتخابات .. حكومات
- احمد القبانجي امام محاكم التفتيش
- هل سينجح المالكي فيما فشل فيه الامريكان ؟
- فنتازيا المدينة الكونية البدء من خارج الأرض وبلا ذاكرة أو م ...
- سقط الاخوان في في السياسة و الحكم و -الميدان- *
- الربيع العراقي ... خارطة طريق
- ايران اثارة الفوضى وحلم الدولة الكبرى
- قناة الشرقية اعلام هادف وادوار متنوعة وعطاء انساني
- استنساخ المالكي والتجربة !!!
- الديكتاتورية تتعرى بلا حياء في العراق
- دراسة - من الاستبداد الديكتاتوري الى الاستبداد الديمقراطي


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر نواف المسعودي - النهر - قصة قصيرة قصيرة