أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - التجاني بولعوالي - (2) من السماء إلى الأرض














المزيد.....

(2) من السماء إلى الأرض


التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)


الحوار المتمدن-العدد: 1319 - 2005 / 9 / 16 - 11:29
المحور: الادب والفن
    


- 3-
بالدموع الخفية ودعتك يا وطني، وحتى الهموم جمعتها في حقيبتي، وشطبت اسمي من كل الجدران، إني فضلت أن أنوء، ألا أرى من حياني، وألا يعلم أحد أني اخترت الجفاء عنوانا، وأن قاتلتي أنثى من صنف بشر.

ما فتئت أنخرط في فضاء الحافلة، أمل هذا الليل الذي كلما آنت لحظة الرواح، في انجذاباته أضيع، وبين سطوره يغني شرودي، فأغيب عن جثماني، وأتيه في خواء الخواء، ألمح "لونجا" من جديد، وهي ترفل في مرقص الكلمات، تعكسها المرايا حرفا عذريا، تهتز أشياؤها في خشوع، فتتدلى من شرفاتي أعلاق الرغبة، تتمايل في غنج حلو، ترشف ولا تثمل، أفارق دمي، أنسلخ، و... ما يزال هدير الحافلة يتسلق أنحائي، تعاتب بمقلتيها الثملتين شخصي، الذي ينزاح عنها، تغتالني لأفيق من سهوي المزمن، أفتح ذاتي المذبلة، أرمقها أمامي، خلفي.. تتفاقم في خيالي الهواجس والاستفهامات، ها.. ها الآن ينطبق عليك فكا الشراك، لتغدو سجين رؤاها، وتختم أجواءك بالشمع الأحمر، لتحاصر أديرتك غربان الشؤم، ولا خلاص مما أنت فيه، فالكون ينهار إذا ما أماطت الأنثى عن عريها أو سرها، والكل يخلد الليالي الحمراء، وحتى الخطيب في عهدنا تناسى الحقيقة!
- عاهتي أنني لا أرفل.
- وأنا عاهتي أنني أرفل، وبهذا الفعل أحقق قسما من وجودي.
- عذرا، فالأذواق تختلف..
- لكن، الحقيقة لا تختلف، حتى أن الإنسان في حقيقته واحد.
- غير أنه في تصوره متعدد.
- وإن تعدد التصور، توحد في ماهيته.
- ....................................

يا نوارس الصمت التي ترين على كبدي المعنى، خففي الوطء، وبددي لحنك الحزين، فنار الشجن تلتهم كهوف ذاتي، وعرافة القرية ذات الخصلات المطلية بالحناء، تجلدني كل ليلة بأمحوضة لا تنسى، وما يعرفه الصحاب عني، ليس ما تمليه مشعوذتي من دروس عشقية، أو ما يساورني وأنا ثملان، يا نوارس الصمت، لا تخطي في محضر الغيب سيرتي المشؤومة، وتقولي لشيخ الحومة، أني المعتوه الذي فتن نساء القبيلة، أني المخاتل الذي اختطف بنت السلطان من مزبلة القصر!
- دعيني أمضي لحالي..
- وماهية حالك يا صغيري؟
- أمي تدعو كل فجر، ليبارك الله في فلذة كبدها، ويحفظه من ويلاتك!
- ماذا..؟

أجل، يا عبرتي الخجلة من التدلي، يا مهجتي التي يقتصها لحن الهزار من جذور الجذور، صرت صغيرا في زعمها، تصارحه بخدعة من نار، وتقول أنها فاكهة من أشجانه، ولا تدري أنها محرمة، وأن قافلة الدهر استقتها إلى رحابه، فشيدت خيمتها بجواره معتقدة أنه الجدير بها.
- إني ما اعتقدتك هكذا، تطلبين الطموح طلابا.
- إني اكتمل ذوباني فيك.
- والطامة الكبرى أني لم أحس بعد!
- أنت في كآبتك يسقط الملايين، أنت شيطان إنسي!
- إنسي شيطاني!
- إن الصروح التي أسرفت في بنائها قسطا من عمري، تتهاوى الآن.
- ولا أراها.
- إني أراها وحدي.
- وأين هي؟
- إنها في ذاتي.
- نرجسية أنت، تلفظين كلاما فلسفيا، وفي الحين لست فيلسوفة!
- بل فيلسوفة نفسي!


- 4 -
تهاتفني من خلف القناع ولا أراها، تتجول رفقة الدجى، تسامر جنوني حين أتطرف، وأتقلد خطى أفلاطون في سموه، وتقول، فيحسبها الجالس جنبي موجا ليليا.. بين تضاريس الوجود أدرك هويتها، وفي تجاويف السماء ألمح قدها الفاتن، فتسحرني، وتخلبني نكهته فأترنح، وأذوب على زجاج النافذة، الذي هو متكأ رأسي منذ حين، لأراها تتراقص في بؤبؤي عيني، وفوق أنوار "تفرسيت" المتموجة..
- فيم تتأمل؟
- في ذاتي في هذا الخلق المنظوم.

الكينونة في تقلب زئبقي، توفق في صورتها بين ألوان قوس قزح، فيظهر على ثراها من هو راض، ومن هو مثلي يسند قلبه بعد تمرد وإجهاد، إلى جدار الصمت، ليردف الكائنات أعلى.. أسفل.. أ..

تنتصب "لونجا"، يذكرني قوامها الممشوق بصيف الشاطئ، تتسلل نحو أحشائي لتحل في، أنحتها تمثالا، وأرجو لمس راحتها البضة في الخفاء، حتى لا تراني أو أراها! إن لفحة من لفحات الخريف تفيض على مبسمها الفواح، فأحدج فيها وجهي العبوس، وهو يبسم، وطموحي المشروخ، وهو يتألق، ثم تختفي وراء أسوار المبنى، فينهار طموحي، وألتقطه بسرعة، فأكتشف أني الهائم من دون دليل.. فأزجر شخصي المذهول وأبكته.

يلتفت من إغفاءته المعهودة، أتطلع نحو الفوق، رؤوس تمتد، عيون تسترق النظرات في نهم، يحضرني "الحجاج"، وهو يستل من الغمد منجلا فضيا، ويشرع في .. أتطلع ثانية.. أنجذب لوجه أنثوي يحدجني، ينخرني شيء ما من الداخل، فتذوي أعشاب الرغبة في عمقي، ويفتر شغفي شيئا فشيئا، أتقوقع حول سري، وأهيم في فلاة الكتمان، مثل صوفي يطلق لذاذات النفس اللوامة، ليتخذ الخربة النائية صومعة له، أو مثل عاجز لا يطيق على اقتطاف فاكهة العشق، من كرمة تظلل سائر القلوب، ويردد ما قاله الذئب العجوز؛ أن نكهتها مرة!


- 5 -
ما انفك الليل يضاجع أشيائي المقرورة، ويشحن سكونه البارد في دمائي، تأتي "لونجا" من غير أن أدري، تشدو في متاهتي الموشومة باليتم أهزوجتها السارية، تعزف على حفيف الأوراق، أضع نبضات قلبي على لحنها الشجي، وأفيض نشاطا، ويكون صحو، ويكون تماس، ويكون حلول.

إنك تمشقين في كل لحظة نفسي، أجنح إليك، ألاحق في مجازفة سحرك الوهاج، وأرسم قدك المتراقص وفق إيقاع ذاتي، فوق زجاج الحافلة، وفي عيني.

من شمالك، يأتيني هزال هذا الشوق، فيفقدني حتى ما ورثته من وعي، أحرق الخريطة، وما عليها من مدن، بجمرة كالتي في أعماقي، وأرشف قهوتي من قدح فارغ، ويثملني لونك القزحي، وفاكهة فيك تتجسد..

أنت، حين يتلاشى وجودك في الخفاء، أكسر قيثارتي التي بها أنحتك لحنا خالدا، وأمزق فواصل السمفونية، فألقي بذاتي في عين الصمت، لأعلن عزلتي أو أهجرك.

ترصدني عيون الليل في تحير، ينهار فراغي، ويغيض الأسى، فأخجل من نفسي، فيتمرآى وجهي على الزجاج، ثم ابتسم.. لما أدرك أن الرحلة قد انتهت، وأننا على مشارف الوصول إلى بيوتنا الدافئة، أنتصب، فأحذو حذو النازلين من الحافلة، نازلا من السماء إلى الأرض!


(*) استمرت هذه الرحلة الواقعية والنفسية سبع سنوات كاملة!



#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)       Tijani_Boulaouali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (1) من السماء إلى الأرض
- مدينة الفراغ
- الحماية الذاتية خير علاج للتهديدات الموجهة إلى المثقفين
- المسلمون بالغرب في مواجهة العداء السياسي والإعلامي
- معركة الحجاب أو حصان طروادة الأخير
- ! وطني الذي زارني في المنفى
- اندماج المسلمين في الغرب بين الإمكان واللا إمكان
- إنه الشعب الأهوازي المغوار
- عن رسالة الشعر في زمن الماركوتينغ
- تنمية الأمازيغية تبدأ من تنمية الإنسان الأمازيغي
- المعهد الملكي للأمازيغية في مفترق الطرق
- أمــــــــــــــــــــــــــاه
- (*)البربر/الأمازيغ؛ ازدواجية التسمية ووحدة الأصل
- أضغاث الوطن
- هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر ...
- هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر ...
- هل المهاجرون المغاربة بإسبانيا ضحية الشراكة أم التبعية المغر ...
- !وطني.. أهجرك اللحظة
- أغنيات التمـــــــــــــرد - شعر
- حين صرخت.. كان اغتصابي


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - التجاني بولعوالي - (2) من السماء إلى الأرض