أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد البكوري - -عطيني صاكي- -اعطيني حريتي --الدفاع عن الحريات الاربع المهدورة -















المزيد.....


-عطيني صاكي- -اعطيني حريتي --الدفاع عن الحريات الاربع المهدورة -


محمد البكوري

الحوار المتمدن-العدد: 4709 - 2015 / 2 / 3 - 08:25
المحور: حقوق الانسان
    


ترددت كثيرا قبل الكتابة في موضوع قد يبدو في نظر الكثيرين مجرد الحديث عليه- فبالاحرى تحليله او الغوص في خباياه- نوعا من الابتذال الفكري و النبش المجاني والكلام العقيم و الضحالة العلمية ،لانه موضوع قد يعري عن اعتباطية مجانبة للصواب في فهم البعض او قد يمنح الفرصة للفن الغيرالراقي ان يشق طريقه نحو المجد المصطنع في فهم البعض الاخر. ولكن ،ومن منطلق ايماني العميق بحرية الراي و التعبير ،وكذا اقتناعي التضادي مع فكرة"كم حاجة قضيناها بتركها "،ارتايت الخوض في هذا الموضوع ،من زاوية الحريات و الحقوق ،التي مافتئت تضمن نشاتها و تطورها وتتبعها كل المواثيق الدولية و اغلب التشريعات الوطنية. فالمسالة تتعلق باحدى الابعاد المهمة في الكينونة الانسانية :البعد الهوياتي للحريات وضرورة الدفاع عنها-ظالمة او مظلومة- ،ظالمة في الدود عن حماها او مظلومة في عدم الاصطفاف وراءها. فالحرية مفهوم ،كثيرا مانظر اليه ابيستيمولوجيا ،على انه مفهوم متحرك ،متجدد ومتنور يصطبغ بالحمولة المعيارية ، فهو قد ينطوي على ماهو ايجابي ،كما قد يحمل في طياته ماهو سلبى .في هذا السياق ،يقول مونتسكيو في كتابه الشهير -روح القوانين-:"لا تجد كالحرية قضية دلت على معان مختلفة والهمت النفوس باساليب مختلفة ... فهي قد تنطوي حسب البعض ،على حق انتخاب من يجب عليهم ان يطيعوه ...كما قد تعني عند البعض الاخر، حق التسلح و القدرة على ممارسة العنف.. .بينما راى سواهم ،انها تنطوي على عادة اطلاق اللحي طويلة... " ويضيف مونتسكيو ، ان" من التجارب الازلية -مااثبتت- ان كل انسان له سلطة يميل الى اساءة استعمالها .وهو يسترسل في ذلك حتى يلاقي حدودا .ان الحرية تحتاج الى حدود ،ولابد من ان تقف السلطة عن نظام الامور، لكي لا يساء استعمال السلطان وقد يكون النظام من الحال ما لايكره معه شخص على فعل الامور التي لا يجبرها القانون عليه ،وعلى عدم فعل الامور التي يبيحها القانون له..."فالحرية- بذلك حسب فهم مونتيسيكيو- هي حق فعل كل ما تبيحه القوانين ...فاذا ما استطاع احد الناس ان يصنع ما تحرمه القوانين فقد الحرية وذلك لامكان قيام الاخرين بمثل ما فعل..." -روح القوانين مونتسكيو ترجمة عاد زعيتر القاهرة 1953ص 225-227- .ان الحرية بذلك، هي المبدا الامثل، الذي لايخضع لاي سلطة سوى سلطة العقل المقترن باحترام القانون . على هذا الاساس، تنقشع الحرية كقيمة سامية ،وكما يرى الدكتور عبد الله العروي في كتابه الصادر سنة1981و المعنون ب"مفهوم الحرية "انها جزء من منظومة فكرية ،هي الليبرالية ،التي تعتبر الحرية المبدا و المنتهى ، الباعث و الهدف ،الاصل و النتيجة في حياة الانسان. وهي المنظومة الفكرية الوحيدة ،التي لاتطمع في شيء سوى وصف النشاط البشري الحر، وشرح اوجهه و التعليق عليه..."-"مفهوم الحرية" المركز الثقافي العربي، بيروت ص36 -. ،كما ان اعلان 1789حول حقوق الانسان، يلح اشد الالحاح، على" ان الحرية تعتبر الحق الاول للانسان ،و هو الحق السابق على غيره من الحقوق... " وفي نفس الاتجاه ،يؤكد الاعلان العالمي لحقوق الانسان ل 1948 في مادته الثالثة على مايلي :" يعتبر الحق في الحرية من بين الحقوق الضرورية ،لكي يتمتع الفرد بجميع الحقوق الاخرى ... " هذا دون اغفال البعد الاسلامي لمعنى الحرية في المرجعيات التي يستند عليها ديننا الحنيف ... الم يصرخ عمر الفاروق باعلى صوته: "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتهم احرارا ؟" ...دون نسيان الوجه الحضاري للدين الاسلامي ،في دحره لحالات العبودية و الرق كابشع مظاهر تقييد الحرية الانسانية .ان مناسبة الحديث عن كل ماسبق ،هو ما لوحظ مؤخرا من نقاش مستفيض حول احدى الانتاجات الفنية الغنائية الاخيرة ،التي ظهرت في الساحة الابداعية المغربية ،للفنانة الشعبية هند الحنوني و المعروفة بزينة الداودية ،و الامر يتعلق باغنية "عطيني صاكي " ،التي خلقت الحدث ،من حيث تعدد وجهات النظر الدائرة حولها : افتراضية احيانا- النقاش الحامي الوطيس في مواقع التواصل الاجتماعي- وواقعية احيانا اخرى- دخول هيئات المجتمع المدني على خط هذا النقاش ،بل و رفع دعوى قضائية في الموضوع- هكذا تعددت النقاشات الافتراضية و الواقعية حول الاغنية، لتحمل في ثناياها العديد من الاتهامات، التي تم كيلها لها ولخطابها الفني ، من حيث عملهما على نشر التفسخ الاجتماعي و الانحلال الاخلاقي و غرس بذور الرذيلة و الفساد و التعهر في احشاء المجتمع والدعوة الصريحة و المبطنة لتبريرسلوكات مشينة من قبيل، التحرش و التبرج و الاسفاف... وبعيدا عن هذه النقاشات ذات السمة الاخلاقية ،هناك من يرى ان مجرد الحديث عن الاغنية ،هو في حد ذاتة قمة الابتذال والعبث وتضييع الوقت و هدر الجهد في امور لا طائل من وراءها، خاصة على مستوى الخطاب الفني المضمن في كلماتها ...بينما يرى اخرون ان المسالة يجب ان ينظر اليها من زاوية حرية الابداع وعدم وضع قيود طابوهاتية امام الفن وجعل الفكر الفني يحلق طليقا في السماء ... ان مثل هذه النقاشات ،و المحتدمة في غالب الاحيان ، الاخلاقية منها ،لم تكن اطلاقا وليدة الزمن الابداعي الفني المغربي الحالي او مع بروز هذه الاغنية بالذات، كما انها لم تقتصر على مجال ابداعي ثقافي او فني دون اخر... فكثيرا ماتباينت وجهات النظر حول الانتاجات الابداعية الجديدة بين الانتقاد اللاذع و التاييد الواسع و السخط العارم و القبول المشروط ،بل و التهديد و التعنيف ... ففي الغناء: اغاني "الراب للبيغ" واغاني "الراي لميمون الوجدي "،في المسرح: مسرحية "كفرناعم "للطيفة احرار و مسرحية "ديالي" لمخرجتها نعيمة زيطان و تشخيص فرقة اكواريوم ،وفي السينما :" لحظة ظلام" لنبيل عيوش و "زيرو" لنورالدين الخماري ومؤخرا فلم "ابن الرب " ومشاركة كل من سعيد باي و رفيق بوبكر، في الرقص : "الراقصة نور"و "الشيخة تسونامي" ، في الفكاهة: "سكتش الشلح "لايكو و"سلسلة الكوبل" لحسن الفذ ، في الادب :"الخبز الحافي" لمحمد شكري و "احلام نساء الحريم" لفاطمة المرنيسي "... هذه الابداعات وغيرها ،والتي تباينت فيها المواقف وردود الفعل و التصورات و زوايا النظر ، من الطبيعي جدا ان يحتدم النقاش الاخلاقي حولها ،بالنظر الى التحولات التي اضحى يعيش في كنفها مغرب الحريات و على وقعها المغرب المعاصر، خاصة على مستوى ابعاده القيمية و الاخلاقية و الدينية : عبدة الشيطان ،حركة مالي ، التضامن مع اصحاب قضية" قبلة الناظور" ،الدعوة الى عدم تجريم العلاقات خارج الزواج... وغيرها من الظواهر الجديدة و المستجدة على منظومتنا القيمية المغربية والتي اخذت تفرض طرح المزيد من الاجوبة الجوهرية على الاشكاليات العميقة المرتبطة بهذه الظواهر، ومنها محاولة القيام بمواءمات مستمرة ، بعيدا عن الخطاب الاخلاقي ذي البعد الواحد ،الذي مافتئ يصبغ على مفهوم الحرية طابع الاباحية .في هذا الصدد يرى الباحث المغربي عبد السلام الطويل في تقرير التنمية الانسانية العربية لعام 2004 وفي معرض رده على نقد يوسف القرضاوي" للمفهوم الليبرالي للحرية، بدعوى استبطانه لعناصر دخيلة من قبيل ، "العلمانية و النزعة الوطنية و الاقتصاد الراسمالي. و الحرية الشخصية بالمفهوم الغربي :حرية المراة في التبرج و الاختلاط و انفاذ القوانين الاجنبية الوضعية... "ان هذا التصور-يوضح دائما عبد السلام الطويل- الذي يربط الحرية بالاباحية يتعارض بشكل شبه كلي مع حقيقة ان الثورة العقلية التي عرفتها المجتمعات الغربية في مجالات الاخلاق و ما ترتب عليها من فلسفة اخلاقية حديثة ،جعلت من العقل السند الاساسي لها ،بما هو ملكة مشتركة للحكم عند جميع الناس وخلف حدود الاديان و الاجناس لن تكن تعني الغاء الاخلاق بقدر ما سعت الى الفصل بينها و بين الدين او بالاحرى تاسيسها على مصادر جديدة وجعلها اخلاقا مدنية ،ولذلك فان الاخلاق العقلية التي تاسست على فكرة الواجب ،كما عبر عنها الفيلسوف الالماني كانط ،لم تلغ المبادئ القديمة التي تحرم القتل و الرقة و الكذب و الاباحية ولكنها ابرزت ان الحفاظ على هذه القيم و المبادئ لم يعد ممكنا الا اذا استند على قناعة عقلية على خلفية الازمة التي شهدتها المسيحية في المجتمعات الغربية" ص-36وبالتالي ضرورة تحويل النقاش حول الفن كابرز القنوات او الصيغ التي تتدفق عبرها معاني الحرية ،من شان اخلاقي صرف الى شان ابداعي خالص . فالفن ،هو عبارة عن مراة للمجتمع و القيم و الممارسات و الانماط السائدة فيه ،اي انه تصوير استردادي لمجمل التقاطبات و مختلف تواجدات المجتمعات :اخلاقية او غير اخلاقية ،ماهو كائن، لا ماينبغي ان يكون ، في اطار الواقعية و ليس الطاوباوية.... وهو النقاش ،الذي يتعمق في ظل انبثاق دستور جديد ببلادنا ، يؤكد في ديباجته ،على ان من المرجعيات الكبرى ، التي يجب على المغرب ،ان يتبناها لبناء الدولة الديمقراطية ،نجد" ارساء دعائم مجتمع متضامن ،يتمتع فيه الجميع بالامن و الحرية و الكرامة و المساواة" ...وليرسخ الباب الثاني من هذا الدستور، الركائز القوية لمنظومة متوازنة و مضبوطة من الحريات و الحقوق الاساسية ،وعلى راسها ماجاء في الفصل25 :"حرية الفكر و الراي و التعبير مكفولة بكل اشكالها .حرية الابداع و النشر و العرض في مجالات الادب و الفن و البحث العلمي و التقني مضمونة."انطلاقا مما سبق ، يمكن ان نستشف ان من شان الحملة التي تم شنها على المغنية الداودية ، ان تهدد منظومة الحريات الاربع التالية: التعبير، الفكر، الراي، الابداع ، كماهي مكفولة و مضمونة بالدستور المغربي الحالي ،وان تهدر الفرص و المكتسبات ،التي يمكن ان تجعل من المغرب" جنة الحريات في العالم العربي والاسلامي".هذا ،دون ان يعني ذلك ، اطلاق المجال امام فعل ما لايبيحه القانون ، كما راينا سابقا مع مونتيسيكيو او ترك الحرية بلا حدود، تتماهى مع "الفوضى اللاخلاقة". المطلوب اذن ايجاد الصيغ المناسبة للمواءمات الممكنة . اولا :حرية التعبير: و التي يكفلها الفصل25 من الدستورالسالف الذكر. كما ان الفصل28-من نفس الوثيقة التي تعتبر الاسمى في الهرم القانوني المغربي - في احدى فقراته ينص و باصرارعلى انه" للجميع الحق في التعبير...بكل حرية ومن غير قيد ،عدا ما ينص عليه القانون صراحة". مما يؤكد ان المشرع الدستوري ببلادنا، قد امتح متن وكنه هذا الفصل من فلسفة مونتيسكيو ،خاصة المتعلقة منها بمفهوم الحرية ،و المعبر عنها في تحفته "روح القوانين" .ويعتبر حق التعبير ،من ابرز الحقوق السياسية الموطدة لدعائم الدولة الديمقراطية ،والمرتكز -كما يرى الدليل المرجعي في مجال حقوق الانسان بالمغرب- "على تمكين المواطنين من التعبير عن ارائهم بشتى الوسائل الاعلامية و التعبيرية: المكتوبة و المسموعة و المنظورة ،كالكتب و المجلات و الصحف و الاذاعة و التلفزة ومختلف اشكال الابداع كالرسم و القصة و الشعر و المسرح و الغناء ...انها حرية استعمال كل الوسائل التي تمكن المواطن من ايصال رايه في مختلف القضايا الى الراي العام ،في المجتمع، وحتى الراي العام الخارجي ."علما ان المشرع رسم حدودا لحرية التعبير و المتمثلة في الانزلاقات التي قد تنجم عن ممارستها وتجعل من هذا النمط من الحرية-وفق تصور المشرع اساسا - منبوذا من طرف الدولة او المجتمع. ثانيا : حرية الراي: يشير الفيلسوف الهولندي سبينوزا في كتابه القيم" رسالة في اللاهوت و السياسة"-ترجمة حسن حنفي القاهرة1971 - الى ان:"مثيروا الشغب الحقيقيون ،هم الذين يريدون في دولة حرة ،القضاء على حرية الراي، التي لايمكن قمعها...ان تمتع كل فرد بحريته - في الراي اساسا-لايهدد سلامة الدولة او التقوى او حق السلطة العليا، بل هو بالاضافة الى ذلك ضروري للمحافظة على ذلك كله..." ويضيف سبينوزا في ملاحظة تبدو جد صائبة في كون ،ان المحاولة الساعية الى سلب الافراد هذه الحرية، قد ينجم عنها نقيض قصدها ، عبر تحويل هؤلاء الافراد الى ابطال حقيقيين ،وليحظون عبر ذلك بكل اشكال التعاطف و المؤازارة والدعم، وهو ما لوحظ على مستوى تعامل الجميع مع اغنية "عطيني صاكي"موضوع الجدل ، اذ حققت ومنذ الوهلة الاولى اعلى نسبة من الاستماع في اليوتوب .وكان انتقاد المضمون الاخلاقي لهذا العمل الفني ، كان بمثابة دعاية و اشهار بالمجان له ،اذ جعل منه عملا، ذائع الصيت في المشرق كما في المغرب . ثالثا:حرية الفكر: يرى علال الفاسي في تحفته النقد الذاتي -انه" اذا كنا نريد ان نعمم عادة التفكير بين سائر افراد الشعب ، فيجب قبل كل شيء ،ان نعود انفسنا على قبول مبدا حرية التفكير .ان الفكرحر،لايستطيع احد ان يقيده ،ولم يجعل الله لاحد سلطانا على حركة الانسان الداخلية .هكذا تعود الناس ان يقولوا، ولكن هذه الحرية التي يحمدون الله عليها ، لا قيمة لها اذا لم يكن لها الحق، في ان تظهر للناس، اي في ان نعطي لصاحبها حق التظاهر بما يعن له من فكر،والاعراب عما يخطر بباله من راي. ان عدم الاعراب عن افكارنا من اهم اسباب خنق هذه الافكار،واذن فهو من اعظم وسائل الغضب لحرية التفكير،وان الخاصة من ذوي الفكر انفسهم لايجدون متعة بافكارهم اذا لم يسمح لهم بالاعراب عنها ،بل قصارى حالهم ان يتعودوا الكبت الذي يفقدهم تدريجيا عادة النظر بما يستصحبها من الام و اكدار". ان مسالة الفكر بذلك، هي تعبير عن اخراج مايختلج صدورنا ،من انماط ابداعية ،ونقلها من القوة الى الفعل. ويضيف علال الفاسي في اطار تقديمه لاقتراحات نيرة وو جيهة لتجاوز النظرة السابقة قائلا: "ولكن تبديل الحال يتوقف على تنوير الراي العام بالنظريات الجديدة .وهذا ،بالطبع يستدعي وجود اشخاص يتقدمون للنقد الصريح و الحديث الواضح، عن كل مسائلنا الداخلية ،فيضعون على محك البحث و النقد ،كل ما لدينا من نظام في الماكل و المشرب و الملبس ،وما عندنا من نظريات في الحياة و تقاليدها و شعبها ،و ما نريد ان ننتحله من غيرنا من افكار اومن مبادئ .ان هذا العرض الصريح ،يفسح المجال للبحث و المناقشة و الجدل من طرف كل المغاربة ،وهذا ما يستدعي منا قبل كل شيء ان نستعد لتوسيع افقنا وجعل صدرنا منشرحا لقبول كل نقد يوجه الينا و مناقشته للاساليب المنطقية النزيهة و تحررنا من الطبيعة التي اورثتنا اياها اجيال الكبت و الاضطهاد للافكار... ان الاجيال المظلمة التي مرت علينا ، نزعت منا كل الحقوق التي خولنا الله اياها ،و حرمتنا من نعمة الفكر التي هي اساس الحياة السعيدة ،وهكذا فقدنا حاسة النقد و الافكار و اصبحنا نستصعب وجودها عند البعض منا، ان التقزز الذي نحس به عندما يوجه الينا احد نقدا ما ،او الامتعاض الذي نشعر به عندما نقرا افكارا مباينة لافكارنا، ان ذلك كله دليل على الاضطهاد العظيم الذي وجدته الحرية في بلادنا سواء من ذوي الامر المكرسين للدين او من ذوي الثروة و الجاه...فيجب ان نتحرر من اثار الاضطهاد السابق قي نفوسنا ومن اثار النفاق التي تسيطر علينا ، ونسمح لغيرنا بابداء ارائهم حرة طليقة و لو كانت ضدنا. انه لاضررفي ان يصرح الكل بما يعتقد، ان العصمة لاتتاتى لغير الانبياء ،و لذلك فالافكار التي نعرضها يمكن ان تكون مجالا للنظر من الجميع ، وقد يعطون من ارائهم ما يصحح اغلاطنا ،و انه مهما كانت للافكار التي ادافع عنها من قيمة ،فان مبدا الحرية يجب ان يعلو عليها ..يجب ان نشجع الكتاب و المفكرين في بلادنا اكثر مما ننتقدهم، انهم بمثابة الاطفال الذين يستفيدون من التنويه ،بينما يكون في نفوسهم الانكار الشديد عقد نقص صعبة العلاج .ان الحرية كسائر الاشياء الجميلة محاطة بكثير من المكاره ،وهي اما ان تكون كذلك او لن تكون. يجب ان نخلق الجو الذي يسمح للكل بابداء رايه ،وان نضع اصبع الامة على مواطن ضعفها لتلاحظ ما ينقصها، ثم يجب ان نشجعها بعد ذلك على التصريح بما تفكره به ،ونعمل على ان نعطيها الوسائل التي تساعدها على التفكير و الصدع به ،ان خجل الكثيرين يحول بينهم وبين ابداء ارائهم، فيجب ان نساعدهم على التحرر من قيودهم ويجب الا نشترط كثيرا من البلاغة ولا من البيان ،لان مهمتنا قبل كل شيء ان نكون الفكر الذي يمكن ان يقول ،ومتى تكون فانه سيعبر عن نفسه باي لسان " . ومن ثم يبرز ان علال الفاسي قد اعلا من حرية الفكر، باعتبارها من الحريات الفضلى، التي على الجميع الانخراط ، وبوعي ، في مجابهة كل من يسعى لتكبيلها بالقيود ، من منظور ان الحرية تتبلور- كما يرى الاستاذ الفلسطيني سري نسيبة -" كانعدام للقيود او رفع القيود او هي التحرر من القيود .كما تعني القدرة على النمو و التطور نحو الافضل و سلخ القيود المانعة من هذا النمو و التطور".وفي نفس التصور يؤكد الاقتصادي الهندي" امارثيا صن " ان "قوام التنمية يتمثل في ازالة مختلف انماط افتقاد الحريات التي تحد من خيارات الناس و تقلص فرص ممارسة فعاليتهم". صفوة القول ،وكما يرى ذلك الباحث علي قاسمي في تقرير التنمية الانسانية العربيةللعام2004 ان: "ازمة الحرية في البلاد العربية ، هي ازمة ثقافة لا ازمة سياسة او قانون. و لابد من ايجاد ثقافة الحرية في المجتمع العربي و تنميتها ، بحيث يصبح احترام حقوق الانسان جزء من ثقافة المجتمع و اعرافه وعاداته و ممارسته لا بنص القانون فقط ، و انما كذلك بحكم القيم السائدة التي يقدسها المجتمع و يتمسك بها "ص67 . رابعا: حرية الابداع : وهي المكفولة بمتن و روح الدستور ، وتشمل كل اوجه الادب: شعر، قصة ،رواية ... وكل انماط الفن :رسم ،مسرح ،سينما ، غناء ... وسائر مناحي البحث العلمي:دراسات ،بحوث، مؤلفات ،تجاريب... وشتى اصناف الابداع التقني:ابتكارات، اختراعات ،اكتشافات ،تجديدات ...ان كل هذه الاشكال الابداعية ،لا تظل في امس الحاجة فقط لاعتراف الدولة بالحرية على مستواها ،عبر دسترتها و تشريعها ،و انما هي ايضا تصبح في مسيس الحاجة لتقبلها من نبض المجتمع ، باعتبار شرائح هذا الاخير، هي الفئات المستهدفة من الحقول الابداعية المختلفة ،ومن ثم الحرص على عدم وضع القيود و الحواجز و العقبات امام هذه الحقول، لان ذلك يوادها من الاساس. وهذا لايعني اطلاقا ، تركها على عواهنها وعدم التعرض البناء على مضامينها و تيماتها ، وانما من الضروري ان يتم هذا التعرض ،في اطار المفاهيم المؤطرة للابداع كابداع : فحص النقد الادبي ، مناقشة الذوق الفني وتلمس البعد الجمالي مثلا ... مع تركه في مناى عن الصراعات و الاختلافات و التباينات في وجهات النظر. فاستمرارية الحياة ، هي رهينة بالابداع و التجديد والخلق و الابتكار...ومن ابرز سمات السلوك الابداعي، البحث عن الجديد و عدم الارتهان الى التقليد و المحاكاة، مع الحرص على التعبير - وبحرية وطلاقة -عن ما يختلج الصدر والدفع بالشحنات الجوانية الى التمظهر الفعال و عدم التقوقع الانطوائي او الانزواء على الذات ... ان كل ذلك يشكل المنطلقات المرجعية لانبثاق حرية الابداع في المواثيق الدولية و القوانين الوطنية . هكذا ،تتبلور معالم منظومة موسعة من الحقوق والحريات ،على الجميع الايمان ، بكونها منظومة ناشئة من الانسان و لاجل الانسان ، وانها متطورة بالانسان . هذا الاخير، و بالقدر الذي قد يساهم به في تطورها ، قد يكون كذلك سببا في انتكاساتها المستمرة وويلاتها المتواصلة .فليست الدولة دائما ،هي مبعث هضم الحقوق او منشا فتك الحريات او مصدر خرقها ،اذ اننا كثيرا ،مانكون نحن السبب في تدمير هاته المنظومة الانسانية ،بسبب مطالبنا الجامحة و المبالغ في سقف المناداة بها ،و احيانا بعدم ايماننا العميق بثقافة الحق و الواجب، و احيانا اخرى بسوء استخداماتنا للحريات المخولة لنا، بالنظر الى المرجعيات المتحكمة فينا و المؤسسة لتصوراتنا و احكامنا . وعموما ،و ان كانت اغنية "عطيني صاكي" ، من وجهة نظر البعض لا تستحق الدفاع عنها من زاوية مضمونها الاخلاقي ، فانها من وجهة نظرنا تستحق الدفاع المستميت عنها من زاوية الحريات، خاصة حريات :الراي و التعبير و الفكر و الابداع ،التي حرص الدستور المغربي الحالي على دسترتها، ايمانا منه ،بان ذلك يعتبر جوهر الدولة الديمقراطية الحديثة ،التي ترى في الحرية الانسانية ،الامل المنشود للتاريخ برمته .الم يقل هيجل، يوما بان :" التاريخ صيرورة معقولة متحركة من اجل غاية و احدة و محددة هي الحرية الانسانية" ؟.اما انا ، فساقول في الختام :لتعلمي ايتها الفنانة المجددة للحرية في اوسع معانيها ،اني لم ادافع في مقالي هذا عن اغنيتك " عطيني صاكي" وانما دافعت وسادافع عن حقك في حريتك، مرددا -وان في سياق مختلف تماما - مقطعا ابداعيا متميزا من قصيدة الاطلال -للشاعر الرائد ابراهيم الناجي ،والتي اتحفتنا بغناءها كوكب الشرق-"اعطني حريتي اطلق يديا"! والى ابداع اخر مؤمن بحرية الابداع وبكل الحريات و الحقوق المجسدة للقيم الانسانية الرفيعة، دمت مبدعة حرة ودام الابداع الحر في وطن الحرية و الابداع .



#محمد_البكوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيون مقعرة
- التنمية المتفائمة بالمغرب
- فتاة -سيدي الحاضي- و الفيلسوف- الغير الراضي-
- الفهم الفيبري للاسلام -4الاسلام و العلمانية -
- الو...83مكالمة للحاسة السادسة
- باب الوراء
- رجال تحت البحر
- جسد.. سابع
- الاسم بين الماكرو استيطيقي و الميكرو استيطيقي
- سيدي الذئب
- جمعيات القروض الصغرى بالمغرب - او ازمة -ابناك الفقراء- -
- -عين الله - !
- الحكامة -الانتقالية -بالمغرب
- الفهم الفيبري للاسلام -3القديس و الشيخ-
- قميص الملثمين او شغب المسافة
- دروب
- مغرب الحكامة -الانتقالية -والسلطة الخامسة -الصاعدة-
- باريس قلبي
- الفهم الفيبري للاسلام 2- الاسلام و القانون-
- ملحمة الصمت


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد البكوري - -عطيني صاكي- -اعطيني حريتي --الدفاع عن الحريات الاربع المهدورة -