أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ابراهيم الحيدري - سوسيولوجيا الإرهاب: هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابياً؟!















المزيد.....

سوسيولوجيا الإرهاب: هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابياً؟!


ابراهيم الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 4700 - 2015 / 1 / 25 - 11:50
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


ان إشكالية الارهاب الرئيسية انه أعلى أشكال العنف وأخطرها، لأن اغلب وسائله وادواته هي غير مشروعة ولا اخلاقية وهدفه التخلص من العدو بكل الوسائل والأدوات الفتاكة، كالقتل والابادة الجسدية والاغتصاب والاهانة والتدمير الذاتي وغيرها. كما ان الإرهاب، وهو أعلى اشكال العنف السياسي، لا يمس الفرد فحسب، وانما يمس المجتمع والجماعة التي تعيش فيه.
ويعتبر التحليل الاجتماعي للعنف والإرهاب أكثر قبولا، لأنه يفسرهما بكونهما من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تشمل جميع المجتمعات، انطلاقا من التنافس على المصالح التي تؤدي بدورها الى الصراع والتنازع. وإذا لم يحل الصراع بالطرق السلمية والقانونية، فإنه يسبب فعل عنف مادي أو معنوي، ويظهر في شكل الحروب والاعمال الإرهابية والاجرامية والتسلط الفردي والجمعي والاستبداد والظلم والقمع والاعتداء بجميع اشكاله. وبهذا يشكل العنف والارهاب القطيعة الوحيدة الممكنة في سيرورة التقدم الاجتماعي والحضاري.
وإذا كان هناك خلاف في تحديد مفهوم العنف، فليس هناك اختلاف في مخاطره الجسيمة وآثاره السلبية على الفرد والمجتمع والحضارة، وعلى العالم اجمع دولا وشعوبا وافرادا توجيه الاهتمام المتزايد لمعالجة هذه المشكلة العالمية الكبرى وطرق التعامل معها وتقديم الحلول الموضوعية للقضاء عليها، وما تتطلبه من عمل جدي وحوار عقلاني رشيد وتسامح مستمر مع الآخر المختلف، وكذلك تحديد أسبابه واطرافه ومنابعه ومن يقف وراءه ويحرض عليه.
والعنف عند الانسان ليس مجرد وسيلة وأداة، فهو يتطلب وجود ظروف وشروط مسبقة وكذلك حوافز وأسباب لممارسته. وإذا كانت الثورة الجينية (الهندسة الوراثية) لم توفر لنا حتى الآن أدلة علمية ثابتة على ان العوامل الوراثية تلعب دورا في تحديد اسباب العنف، بالرغم من الاختلافات بين المجتمعات والشعوب ودرجة ممارستها للعنف، فإن العوامل والظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسياسية تلعب دورا ليس قليلا في دفع الافراد الى ممارسة العنف بصورة لا عقلانية. وللعنف اهداف في مقدمتها الثروة والقوة والسلطة وادواتها القمعية وتبريراتها الأيديولوجية. ومعنى ذلك ان الإرهابي يكتسب ثقافة العنف وادواته من المجتمع التي يفرضها عليه. وهنا يتبادر الى الذهن سؤالان هامان هما:
1-هل الإرهابي يولد بالضرورة ارهابياً؟ وإذا كان الجواب بالنفي،
2-فلماذا يفجر الإرهابي نفسه بين الناس وهو منتشي من الفرح؟!
ان التحليل السوسيولوجي للإرهاب يجيبنا على السؤال الأول وهو ان الارهابي لا يولد بالضرورة ارهابيا، وانما يصبح كذلك بفعل عوامل بيئية واجتماعية وسياسية ودينية مختلفة، ولذلك من الضروري دراسة العوامل والاسباب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعقائدية التي تنتج هذه الظاهرة أو تدفع اليها.
ومن الناحية السوسيولوجية فالعنف يمثل عودة الانسان الى حالته البدائية الاولى، اذ ان احدى الخصائص الاساسية التي تميز كل حضارة عن غيرها هي الطريقة التي تستطيع بها تنظيم السلوك العدواني، كطاقة غريزية كامنة وتهذيبه عن طريق توجيهه بصورة عقلانية رشيدة وكذلك تعليم افرادها كيف ومتى يستطيعون كبح جماح عدوانيتهم. ومع ذلك، فالعنف لا يحدث إلا عندما لا تستجيب المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمصالح الانسان، التي يراها حقوقا مشروعة له، وعندما لا يستطيع ان يعبر عن ذاته وآرائه وعقائده بالطريقة التي يراها صحيحة.
العنف هو بالدرجة الأولى صنيعة من صنائع المجتمع. فالأسرة التي تنشأ أولادها تنشئة اجتماعية قائمة على العدوانية والتسلط والقمع، وخاصة تسلط النظام الأبوي البطريركي-الذكوري الذي يخلق أشخاصاً يميلون الى التسلط والقمع والتغلب، أو أشخاصا يميلون الى الخضوع والعجز والاتكال على الآخرين. والمدرسة التي لا تربي التلاميذ وتعلمهم الحرية والاستقلالية والمعارف العلمية والتقنية العملية ولا تزرع فيهم روح النقد والتفاهم والحوار والتسامح والابداع، تربي اشخاصاً ضعيفي الشخصية وغير متحررين ومستقلين استقلالاً ذاتياً. كما ان الجامع والمعبد والمؤسسات الدينية والثقافية الأخرى التي تحظ على العنف وتحرض على العدوان وكراهية الآخر المختلف اجتماعيا او اثنيا أو دينيا، وكذلك السلطة التي لا تحترم المواطنة ولا تقوم بتوزيع الحقوق والواجبات بين المواطنين بصورة عادلة ومتساوية. كل هذه العوامل مجتمعة تلعب دوراَ في خلق شخصية غير مستقلة استقلالاً ذاتيا ومقموعة وغير متسامحة ولها ميل الى العدوانية الذي تضغط على الفرد وتعمل على توجيه سلوكه بصورة انفعالية تجعله عاجزا عن الانصياع الى القيم والمعايير والضوابط والاحكام الاجتماعية والخلقية والخضوع لها، خصوصا عندما يكون الفرد غير قادر على ضبط ذاته، أو عندما تفشل المؤسسات الاجتماعية في ارضاء حاجاته وإشباعها بشكل صحيح. كما ان تراكم الضغوطات الاجتماعية على الفرد قد تؤدي في كثير من الأحيان الى انحراف الفعل الاجتماعي عن المنظومات القيمية والمعيارية التي تتحكم في مسيرة المجتمع وتسبب بالتالي ارتفاع معدلات العنف أو ظهور أنماط جديدة من العنف للتفريج عن التوترات الاجتماعية والنفسية.
ويؤكد علماء النفس الاجتماعي بان العنف والارهاب انما يمثلان الناتج التلقائي للشعور بالإحباط، الذي ينشأ عن الصدمة الناتجة عن عدم تحقيق الاماني والطموحات لسبب أو آخر. فالعنف هو عمل استثنائي حولته الظروف الاجتماعية غير الطبيعية الى قناة للتعبير الحاد والاشباع التلقائي للشعور الغاضب المنفعل الذي لا يتقيد بقواعد وقيم ومعايير اخلاقية.
ومن المفارقة ان نجد ان معظم الإرهابيين هم من الطبقة الوسطى حيث خلصت دراسة أمريكية الى ان غالبية الإرهابيين ينتمون الى الطبقة الوسطى وانهم تلقوا تعليما حديثا ولم يتعرضوا لغسل دماغ. ووجدت الدراسة الميدانية التي شملت 150 مشبوها بالإرهاب، ان دوافع الإرهاب معقدة وان نظريات علم النفس الغربية عاجزة عن تفسير بعض دوافع الإرهابيين. ففي كتاب "فهم شبكة الإرهاب" لمارك سيغمان، عالم نفس سياسي امريكي، عمل في سفارات أمريكية في الخارج وقام بعقد حلقات بحث مع المجاهدين الافغان لمعرفة انتماءاتهم الطبقية وجد ان نصف هؤلاء ينتمون الى منطقة الشرق الأوسط وبعضهم من شمال افريقيا، الى جانب غربيون اعتنقوا الإسلام. وقد تبين له ان أكثر من نصف هؤلاء من الطبقة المتوسطة وثلثهم من الطبقة الفقيرة، خصوصا من شمال افريقيا، وأكثر من ربعهم من الطبقة الغنية، وخاصة من دول الخليج. ومعظم الغربيون الذين اعتنقوا الإسلام هم من الطبقة الفقيرة أيضا.
تقول الدكتورة مهى يحيى الباحثة في معهد كارنيجي: من المفروض كما يعتقد كثيرون، أن الدين أو وسائل الاتصال الاجتماعي هما الدافع الأساسي للعدد المتزايد ممن ينظمون إلى المجاهدين في العراق وسورية. والحقيقة هناك أسباب متعددة ولكن يمكننا التركيز على خمسة أسباب بارزة توضح سر انجذاب الشباب الى الجهاد وهي: -
أولا: ان الدولة في الحكومات العربية المختلفة كانت قد فاقمت الخلل الأساسي في التعاقد الاجتماعي القائم على مقايضة حقوق المواطنين السياسية والمدنية برفاههم الاجتماعي. فمنذ الثمانينات، قامت الحكومات العربية بسلسلة من السياسات الاجتماعية القصيرة النظر استهدفت الأنظمة التعليمية والتربوية والهوية والمواطنة والرعاية الاجتماعية التي عزّزت بشكل عام سياسة التحول التدريجي نحو الخطاب الإسلامي المحافظ والعابر للحدود.
ثانيا: لقد قوضت برامج التحرر الاقتصادي في الربع الأخير من القرن المنصرم أنظمة الرعاية الاجتماعية القائمة والغيت ضمانات التوظيف في القطاع العام من دون تقديم بدائل. كما ان انعدام الفرص الاقتصادية وضعف نظام الرعاية الاجتماعية أدى الى اللجوء إلى أطراف أخرى بديلة عن الدولة والقطاعات الاقتصادية القانونية. ونتيجةً لذلك تضاعف نمو اقتصاديات الظل الموازية. وتتفاقم مشكلة البطالة بين الشباب حيث تصل نسبة الشباب العرب العاطلين عن العمل إلى 29%، كثيرون منهم حائزون على شهادات جامعية.
ثالثا: لم يرافق التحرر الاقتصادي تحرر في الحقوق السياسية، وانما نتج عنه سوء الحكم والفساد وانعدام المساواة وتولّد شعور راسخ بالظلم زاده القمع والعنف الذي تعرّض له المواطنون على أيدي حكوماتهم باعتبارهم خطراً على الأمن الوطني. وتشير الاحصائيات الى ان حوالي 55% من المواطنين لا يثقون بحكوماتهم الوطنية أو بنخبهم السياسية.
رابعا: ومع ربيع لم يتسن له أن يزدهر، زادت مواجهة الانتفاضات الأمور سوءاً. فالقمع القاسي للحراك الشعبي في بعض الدول، والذي اصطبغ أحياناً بصبغة أيديولوجية أو طائفية فاقم الصراع المجتمعي وأجّج الاستقطاب الاجتماعي والتوترات الطائفية وأحدث تصدعات في المجتمعات العربية، ولدت شعورا عميقا بالتهميش لدى الشباب. إضافة إلى ذلك، يتلاعب تنظيم "داعش" بحذاقة بالمشاعر الطائفية، ويستغل شعور الضحية المتنامي لدى هؤلاء الشباب. وقد استخدمت حكومات عربية كثيرة الطائفية أداة لتوطيد نفوذها السياسي، عبر إقصاء المجموعات الإثنية والدينية عن العمليات السياسية. كما تستغل اليوم بعض الدول الفزاعة المذهبية في التنافس السياسي الإقليمي.
خامسا: وأخيرا، لا توجد ثقة في الغرب، فالدولة تسلط الضوء في سردياتها لإقناع العرب على تبني الغرب معايير مزدوجة في كل ما يتعلّق بالشؤون العربية. فالاحتلال المتواصل للأراضي الفلسطينية، والحصانة الواضحة التي تتمتع بها إسرائيل على رغم اعتداءاتها المتكررة، هما جرح لا يمكن ان ينساه العرب والمسلمون. وهنا تبدو "الخلافة الإسلامية" وطموح بناء دولة جديدة، لشباب كثيرين بديلاً منطقياً عن فشل العرب والمسلمين في تحصيل حقوقهم.
وتخلص الباحثة في مقالها الى ان تحقيق النصر على الحركات الجهادية التكفيرية يكمن في ميادين قتالٍ عدة، الأولوية فيها لتغيير طريقة فهم الشباب للعالم وتقديم بدائل حقيقية للتغيير والتقدّم الاجتماعي.



#ابراهيم_الحيدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تراجيديا كربلاء-سوسيولوجيا الخطاب الشيعي
- عصر التنوير والحداثة
- الفساد آفة تنخر جسد الدولة والمجتمع
- التسامح فضيلة أخلاقية يجب رعايتها
- النظام الأبوي الذكوري وهيمنته على المجتمع والسلطة
- علينا ان نتعلم من سنغافورة!
- النقد الحواري وما بعد الحداثة
- علماء الاجتماع العرب يحتفلون بمئوية على الوردي
- فصل الدين عن الدولة
- أدورنو وتصنيع الثقافة
- الحداثة والاعتراف بالحرية
- النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت
- علي الوردي.. جمع بين رصانة الفكر وبساطة الأسلوب فأحبه الناس
- أدب ما بعد الحداثة
- على الوردي والتغير الاجتماعي في العراق
- تحديات العولمة وخيار الحداثة
- سؤال النهضة والحداثة 2-2
- الشخصية العراقية
- سؤال النهضة والحداثة (1/2)
- النظرية الجمالية عند تيودور أدورنو


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - ابراهيم الحيدري - سوسيولوجيا الإرهاب: هل يولد الإرهابي بالضرورة إرهابياً؟!