أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم الحيدري - علي الوردي.. جمع بين رصانة الفكر وبساطة الأسلوب فأحبه الناس















المزيد.....

علي الوردي.. جمع بين رصانة الفكر وبساطة الأسلوب فأحبه الناس


ابراهيم الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 4268 - 2013 / 11 / 7 - 21:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يعد علي الوردي (1913 - 1995) عالم الاجتماع العراقي المعروف علما بارزا من أعلام الفكر الاجتماعي التنويري الذي خلف وراءه مؤلفات قيمة في علم الاجتماع وعلم النفس وتاريخ العراق الاجتماعي. ولعلنا لا نغالي حين نقول إن الاهتمام بأفكار علي الوردي الاجتماعية وتسابق الناشرين لطباعة كتبه من جديد، في بغداد وبيروت ولندن وغيرها، وإعادة قراءته من جديد وفق ما استجد من أحداث، بمثابة إعادة الوعي بأهمية أفكاره وآرائه الاجتماعية النقدية.
إن الفترة التي درسها الوردي وعايشها وخبر أحداثها وكتب عنها ونقدها منذ الحرب العالمية الأولى، لا سيما عقد الخمسينات، تعتبر من أهم وأخصب الفترات الفكرية والاجتماعية في تاريخ العراق الحديث وأكثرها إنتاجا وازدهارا. وقد عاصر الوردي سنوات ما بعد الحرب العالمية الأولى وما أفرزته من محاولات للاستقلال والتحرر الوطني وتأسيس الدولة العراقية، مثلما عاش سنوات الحرب العالمية الثانية وثورة «14 تموز» وما بعدها وما أفرزته من صراعات اجتماعية وسياسية وثقافية، كما عاش سنوات الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج وما خلفته من محن ومآس وحصار وخراب وردة حضارية ليس من السهولة تجاوزها إلا بعد سنوات طويلة. في ذلك المناخ الفكري المتأرجح بين التراث والمعاصرة وبين اتجاهات فكرية وسياسية متصارعة خاصة القومية والاشتراكية وبين الحركات الإسلامية والليبرالية، ظهر علي الوردي مثقفا اجتماعيا مستقلا، ولكن جريئا ومتمردا، تحدى المنظومات الاجتماعية والثقافية القائمة من خلال توجيهه انتقادات اجتماعية حذرة، مبينا عوامل التخلف والركود، كاشفا عن عجز النظام الاجتماعي - السياسي، الذي قام على أعقاب قرون عديدة من الظلم والاستلاب. واستخدم الوردي أسلوبا تنويريا نقديا يعتمد على السرد المبسط والكلام السهل الممتنع، منقبا في عمق الأشياء الصغيرة والظواهر الاجتماعية المبعثرة في ثنايا المجتمع والتاريخ، التي تجاهلها الكتاب والمفكرون وحتى المتخصصون في علم الاجتماع إما لحساسيتها أو لعدم تقديرهم لأهميتها الاجتماعية والثقافية، لجمعها ودراستها وتحليلها والربط بين أجزائها، ليصل إلى معانيها الاجتماعية والأنثروبولوجية ويكشف عن دوافعها وأهدافها القريبة والبعيدة.
ومن الممكن إيجاز فرضياته الاجتماعية الثلاث في ما يلي:
أولا: شخصية الفرد العراقي - وهي محاولة أولية لتفسير طبيعة المجتمع العراقي في ضوء ظاهرة «ازدواج الشخصية». وهي ظاهرة اجتماعية وليست نفسية، نتاج وقوع المجتمع العراقي تحت تأثير نسقين مختلفين ومتناقضين من القيم الاجتماعية، قيم البداوة وقيم الحضارة. وهي مصدر الصراع والتناقض في شخصية الفرد العراقي.
وتظهر الازدواجية في الميل إلى الجدل وفي ممارسة الحرية والديمقراطية وفي الوساطة والرشوة والشطارة وفي خدمة العلم وكره الحكومة وكذلك في الأغاني الحزينة وغيرها.
ثانيا: الصراع بين قيم البداوة وقيم الحضارة: تأثر فيها بمقولة ابن خلدون «الإنسان ابن عوائده». فقد لاحظ الوردي وقوع العراق على حافة الصحراء، التي تمده بموجات بدوية مستمرة تؤثر على سلوكه وقيمه الحضرية، وهو ما سبب صراعا مستمرا بين «بدوي غالب وحضري مغلوب» من نتائجه: التغالب والعصبية القبلية والقتال بين القبائل والمدن والمحلات وامتهان الحرف وغيرها.
ثالثا: التغير والتناشز الاجتماعي، فقد أنتج الاتصال الحضاري مع الغرب ودخول المخترعات الحديثة المتقدمة علميا وتقنيا إلى العراق، تناشزا اجتماعيا وثقافيا انهارت على أثره جميع الحواجز بين المعقول وغير المعقول، وأصبح الطريق مفتوحا لتقبل كل شيء جديد وممكن. غير أن هذا التغير فجر صراعا بين «المجددين»، مؤيدي الحضارة الغربية وبين «المحافظين» الذين وقفوا ضدها وحاربوها، وقد اعتبر البعض المجددين كفارا، في حين اعتبر المجددون المحافظون رجعيين. وهو ما أحدث صراعا اجتماعيا بين الجيل الجديد والجيل القديم.
وعلي الوردي من مواليد الكاظمية – بغداد، ومن أسرة فقيرة محافظة، لكنها مرموقة في مجال العلم والأدب والشعر والتجارة. ولقب بالوردي نسبة إلى حرفة جده الأكبر الذي كان يعمل في تقطير ماء الورد. وقد نشأ في محيط الكاظمية المحافظ وترعرع في أزقتها وشوارعها وأسواقها ومحلاتها وكتاتيبها ومنتدياتها العلمية والأدبية التي أمدته بخبر وتجارب اجتماعية مهمة. وقد اضطر إلى ترك المدرسة وهو في الصف الخامس الابتدائي للعمل في دكان والده. ويتذكر الوردي جيدا ما قاله له والده يوما «يا ابني المدرسة لا تطعمنا خبزا»!.. وهو ما دفعه للعمل صانعا عند عطار المحلة لمدة سنتين، لكنه طرد من عمله لأنه كان يهتم بقراءة الكتب والمجلات مهملا الزبائن.
عاد الوردي إلى المدرسة وأكمل دراسته المتوسطة وأصبح معلما في إحدى مدارس الكاظمية. وفي عام 1932 حدثت للوردي نقلة اجتماعية في حياته حيث غير ملابسه التقليدية بملابس عصرية وأصبح «أفنديا» واعتبره البعض «خارجا عن دينه وملته».في عام 1936 أكمل دراسته الثانوية وحصل على شهادة البكالوريوس وكان الأول على العراق. وقد أرسلته الحكومة العراقية عام 1943 للدراسة في الجامعة الأميركية ببيروت، وحصل منها على شهادة الماجستير. وفي عام 1948 أرسلته الحكومة العراقية لإكمال دراسته العالية في جامعة تكساس الأميركية وحصل عام 1950 على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع. وكانت أطروحته للدكتوراه حول مقدمة ابن خلدون. وعند عودته إلى العراق عام 1952 عين في قسم الاجتماع بكلية الآداب - جامعة بغداد. وفي عام 1972 أحال نفسه إلى التقاعد ومنحته جامعة بغداد لقب أستاذ متمرس.
كتب الوردي ثمانية عشر كتابا ومئات البحوث والمقالات. خمس كتب منها صدرت قبل ثورة «14 تموز» 1958، وكانت ذات أسلوب أدبي - نقدي ومضامين تنويرية جديدة وساخرة لم يألفها القارئ العراقي، ولذلك واجهت أفكاره وآراءه الاجتماعية الجريئة انتقادات لاذعة وبخاصة كتابه «وعاظ السلاطين»، الذين يعتمدون على منطق الوعظ والإرشاد الأفلاطوني منطلقا من أن الطبيعة البشرية لا يمكن إصلاحها بالوعظ وحده، وأن الوعاظ أنفسهم لا يتبعون النصائح التي ينادون بها وهم يعيشون على موائد المترفين، كما أكد أنه ينتقد وعاظ الدين وليس الدين نفسه.
أما الكتب التي صدرت بعد ثورة «14 تموز» فقد اتسمت بطابع علمي، ومثلت مشروع الوردي لوضع نظرية اجتماعية حول طبيعة المجتمع العراقي وفي مقدمتها «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي» و«منطق ابن خلدون» و«لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» في ثمانية أجزاء.
كتب الوردي عن حياة الناس الاجتماعية وعن قيمهم وعاداتهم وعصبياتهم وسلوكهم في الحياة اليومية، وعن مرجعية هذا السلوك وأصوله الاجتماعية والنفسية والمصلحية، من دون تحيز وانفعال وتعصب، كعالم اجتماعي يكتب من دون مواربة أو مبالغة وافتعال عن طبيعة المجتمع البشري وعن شخصية الفرد العراقي، كما طرح ما كتبه للفحص والنقد والمساءلة منتقدا الظواهر الاجتماعية السيئة والأحداث السلبية والمفاهيم القديمة البالية، ولم يلن أو يعجز وهو ينتقد ويعري ويسخر من الأشياء، إلا بعد أن هدته الشيخوخة وأتعبه المرض ومسه هاجس الخوف من النظام الاستبدادي الشمولي المخلوع.
وأثارت أفكار الوردي النقدية وأطروحاته الاجتماعية حول طبيعة المجتمع وشخصية الفرد العراقي تساؤلات عديدة وبصورة خاصة بعد الغزو والاحتلال وتهاوي النظام السابق وتركه مجتمعا مفككا وشعبا ممزقا ومنقسما على ذاته، وهو ما سبب فراغا أمنيا وإداريا وسياسيا دفع إلى تفجير المكبوتات التي تراكمت عبر أكثر من ثلاثة عقود وتأجيج شحنات الحقد والغضب المشروع وغير المشروع وتفريغها بأشكال مختلفة من العنف والإرهاب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هل قدم الوردي أجوبة شافية لتشخيص عوامل الخلل الذي أصاب المجتمع والثقافة وشخصية الفرد العراقي وتمزق هويته وانكسار ذاته وعجزه عن استعادة وعيه والوقوف على رجليه واستعادة حريته؟
لعل العودة إلى الوردي وقراءته من جديد تقدم لنا مؤشرات على مصداقية أفكاره وآرائه الاجتماعية، إذ نبهنا بنظرته النقدية الثاقبة إلى كثير من أمراضنا الاجتماعية، وكان شاهدا أمينا على أحداث قرن بكامله تقريبا.



#ابراهيم_الحيدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدب ما بعد الحداثة
- على الوردي والتغير الاجتماعي في العراق
- تحديات العولمة وخيار الحداثة
- سؤال النهضة والحداثة 2-2
- الشخصية العراقية
- سؤال النهضة والحداثة (1/2)
- النظرية الجمالية عند تيودور أدورنو
- العنف ضد المرأة
- يجب ان لا يكون التسامح واجبا ؟
- هاينريش هاينه روح الشعر الألماني
- هل اصبح العرف العشائري بديلا للقانون؟
- النزعة التنويرية في فكر المعتزلة
- عمانوئيل كانت : مبدأ التنوير ، - كن شجاعا واستخدم عقلك بنفسك ...
- النظام الأبوي/البطريركي وتشكيل الشخصية العربية
- خطر تنامي القبيلة والطائفة في العراق
- البداوة المقنعة
- الاختلافات والفروق البايولوجية والاجتماعية بين الرجل والمرأة
- الامزونيات الليبيات، اقاموا أول حكومة للنساء في العالم
- استلاب الانوثة
- هل الأنثى هي الاصل ؟


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ابراهيم الحيدري - علي الوردي.. جمع بين رصانة الفكر وبساطة الأسلوب فأحبه الناس