أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - الجنوح إلى السرد والمسألة الشعرية















المزيد.....



الجنوح إلى السرد والمسألة الشعرية


كريم ناصر
(Karim Nasser)


الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 23:33
المحور: الادب والفن
    


"سالت الموسيقى من جرح الغزالة" لكريم الدريعي


الجنوح إلى السرد والمسألة الشعرية:

ليست المجموعة الشعرية التي بين أيدينا سهلة التداول، وعلى القارئ اللبيب أن يكتشف المغزى بالكاد ليتحقّق الحدّ الأعلى من الفهم، فإذا كان الشعر يتأثر بالاستطيقا، فلأنَّ الانزياحات الجمالية تبرّر وجوده، وكون الاستطيقا تسمح بالانزياحات، هذا وارد، فيرجع ذلك في تقديرنا إلى المعيار الجمالي، صحيح أنّ الاستطيقا الجمالية لا تذهب إلى مذهب التقليل من شأن اللغة، لكنّ انضباط وظيفتها في تقوية البنية تكون مضمرة، فالبناء المعماري للمجموعة لا يعتمد حصرياً على استراتيجية لغوية مسلّم بها، سنثبت أنّها تقوم على جمالية لغوية مستمدّة من سياقات التسلسل السردي (التقني) والسرد المقنّن يلغي في الأغلب الأعم جمالية الصورة، لكنه لا يلغي البتّة جمالية الشكل، سنعتبر هذه الصفة تجسيداً شعرياً في رحاب الشعر، أمّا هذا المستوى الفني المميز فهو نابع أساساً من مرجعياتٍ مختلفة تكوّن مادة المعنى وتقوم على أساسه، ويعدّ هذا الاختلاف بطبيعة الحال خرقاً للمألوف هدفه إشاعة المختلف لإثارة المتلقّي وتقوية أدائه في نفس الحين، مهما كانت الأشكال متشابهة في الصياغة.

شعرية جمالية مقابل غياب بنية اللغة:

إنّ إنبثاق طفل من كلّ قنبلة تعبيرٌ يحيل على مفهوم شامل للسلام، لكنّنا ونحن نعرف جيداً أنَّ الحرب لا ترحم، لأنَّ القنابل تسقط عشوائياً. فتغيّرات المعاني المجازية لا تقبل بثنائية اللغة والثيمة (theme) معاً لأنّ الثيمة ليست مظهراً للغة، هذه النتيجة تبقى رهن الواقع كمعادل موضوعي يستدعي التأويل، لتكون الجملة أكثر شعرية، ففي قصيدة (تفجّرت القنبلة عن أطفال) ص11 نجد هذا التأويل واضحاً.

إنزياحات جمالية لاستعارة الدلالة:

نحن نرى أنّ الإنسان حالةٌ إستثنائية في الكون، فلا توجد قواعد ظاهرة تُحدّد من قوّة تأثيره:
"ظل القلب فقط وقد استحال إلى طير حب"ص12
(شممت رائحة الموسيقى)
ليست الموسيقى المشار إليها إلاّ إنزياحاً، والقيثارة إلاّ فاكهة، والقلب إلاّ طائر حب يجسّد وظيفته البيولوجية، وبهذا نلاحظ أنَّ التراكيب المجازية ما هي إلاّ إنزياحات الشعر، فلن تكون التراكيب شعريةً إلاّ إذا لحقتها الدلالة أو غلّفتها التعابير المرموزة المجازية، ونحن نرى أنّ التعابير تنطق بمجملها عن الأشياء الجمالية، ولا تنطق عن اللغة، فالحلم يتحوّل جدلياً إلى حاسة والروح إلى حاسة والساعة إلى حاسة:
"كانت الساعة حاسة في جسد الانسان تفسّر له أحلام الأرض" ص36
(كانت الساعة حاسة)

السرد النمط الشكلي للمعاني:

قد نستطيع أن نجزم بتجسيد السرد كآلية شعريّة كما يظهر من سياق النصوص المدرجة في الكتاب. إنّ هذا النزوع يمثّل النمط الشكلي لمجمل شعره، لكن مع اعتبار أنّ النمط مرجع معياري يقدّم الانزياح بصفته سمة جمالية له، هذا ما يجعلنا نبني استنتاجنا الكامل من البناء المعماري التسلسلي كما سنرى، يجب أن نعرف أنّ السرد يمثّل جوهر الأسلوب ولا يمكن تخطّيه. سيصبح الشعر أقل بريقاً إذا استعار التكنيك لغاية معينة، لا سيما ونحن نعلم أنّ المعاني الدلالية لا تُستخلص في أغلب الأحيان من الصور الشعرية، بل هي نتيجة محض لاختزال الأفكار في أكثر الأحوال، مع أنّنا لم نجد ظاهرة لغوية، وهذا أسلوب خاص بالشاعر، وليس طريقة تعبير جنس معين: نستطيع أن نستدل بـ (الطير الذي لقحته الأفعى) ص13 كمثال خالص لهذه المقاربة.

هكذا نحصل على المعاني الدلالية من صيرورة البناء أي من (المضمون) في تقديرنا، وليس من بناء الجملة الشعرية المركّبة بفضل بنيتها اللغوية، وفي جميع الأحوال يتحوّل النص لدى الشاعر إلى كينونة خارقة للقوانين، لذلك فلا يمكن أن يخضع النص لرقابة أو لضغط خارجي، مثل هذه الأشعار لا تنتمي إجمالاً إلى البنيوية ولا إلى الكلاسيكية وهي لم تضع ضمن سياقها الأسلوبية كمنظور شعري..

نحن نلاحظ أنَّ السرد يكوّنُ المظهر الخارجي للنص وتصبح التعابير الشعرية أجزاء منه، هذه الجدليّة يمكن أن تنمو تسلسلياً لتكوّن في النهاية الموضوع الرئيس. وقصيدتا (تهشمت المرآة عن أنثى من نوعه) ص 14، ورحم الإلهة ص73 مثالان صريحان على قولنا.

والحقيقة أنَّ التراكيب الشعرية لا ترتبط بجوهر اللغة وبنيتها، بل إنّها ترتبط بجوهر السرد نفسه، والذي يقنعنا باختيار هذه الطريقة هو اختلافه بالقياس إلى الشعراء. هذا الإنزياح يقودنا إلى المعاني الدلالية في نهاية المطاف، وكأنّما تمثّل أشعاره شذرات من قصص محبوكة، وقد تؤكّد هذه الجملة صحة كلامنا:
"ثم جاءت غزالة أكلت الجبل الذي أجلس في لبه" ص17:
(خرجتُ من ثقبها الأسود)

وفي البحث عن الذات والعثور عليها نستدلّ بالجملة الآتية:
"عند نهاية موسم السبات وجدت تمثال الإله
قد استحال إلى مرآة رأيت ذاتي فيها" ص18/19
(كيف أتحد بإله)

ولذلك فإنَّ سرد الشعر يكاد يكون المقياس لرسم أيّة صيغة شعرية. ثمّة نزعة ذاتية لتصوير التجارب مقابل غياب الصورة الشعرية، وفي قصيدتي "تماهيت في ثمرة التفاح" ص20، ولبّ الأرض" ص72 تصبح الذات دليلاً لا يمكن الاستغناء عنه.
يصف الشاعر (الشعر لغة في الجوهر) وليست اللغة مرجعاً معيارياً حتمياً، ولتمييز أسلوبه يدرج السرد كآلية تغدو وظيفتها في نهاية المطاف درامية، وقد تحيل أحياناُ على صيغة جمالية يكون مدلولها إيجابياً:
مثل: (تباطأ السهم وقع على الأرض وقد صار غصناً تنبثق منه وردة) ص31
(صار السهم غصناً ذا وردة حمراء)

كلّ شعر هو رجوع إلى الفن بإهماله للمقوّمات اللغوية وإحياء للفن باعتماده اللغة إطاراً. والحق أنّ قراءة تامّة للكتاب ستحيلنا على استطيقا من طبيعة خاصة مآلها إشاعة عناصر الجمال وتحوليها جدلياً إلى عناصر أساسية تبدو وكأنها مدروسة، ولكن هل لنا تجريدها من صفة الشعر حتى لو افترضنا جدلاً أنّ الفكر اللغوي اللساني مفقود منها أو كتبرير لفقدانه الآلي؟ والنص (ثدي مليء بالموسيقى) ص75 مثال صارخ لإشاعة جماليات غير محسومة، لتغدو محسومة يلزمها الفكر.

ليس السرد الشعري إلاّ عائقاً ما دام ينهك العبارة الشعرية والشعر معاً، ولا يقدّم لهما صياغة شاملة، ولكي تصبح اللغة سمة للفن الشعري يجب ضبط طبيعتها لاختيار أسلوب ما ذات هيبة يستقي من خاصيات السرد صفته. إنّ كلّ اختبار عياني ـ لأنماط الجُمل ـ تتمخّض عنه ابستملوجيا يصعب علينا فهمها بسبب فوضوية التراكيب الشعرية (1) ومهما يكن التأويل موجباً أو سالباً يتحوّل المتن الشعري في كلّ الأحوال إلى مزية جمالية هدفها خرق السائد في إطار سردي، ولكنه مترابط تركيبياً في مستواه المتحقّق في نهاية النص: (2)
"فيما كنا في الفضاء ابتسم البالغ
فرأيت أن أسناناً لبنية قد نبتت له" ص63
(حشرات لها أشكال البنادق)
يقودنا الشعر دائماً إلى سلسلة طويلة من الاكتشافات كتحصيل حاصل، ولا شك في أنَّ البحث عن السعادة (إمتحان عسير) في عالم يقوم على مبدأ التناقضات والصور التركيبية المختلفة، والشعر هنا يندّ عن الجمال ويوازيه دلالياً ولا يتردّد قطعاً، الحقيقة إذا اقتنعنا بصياغة جمالية وهذا ما يحصل، فإننا لا نقتنع بالصياغة اللغوية، كونها مضمرة بسبب السير بالسرد إلى أقصى حدوده كما لاحظناه في القصيدة الموسومة (الطفل الذي لم يبلغ) ص128
فالسرد موضوع الشعر، والواقع أنه لا يرتبط بطول القصيدة أو قصرها، أنظر إلى "بحيرة لها شكل الغزالة" ص24
لكن اكتشاف صورة دلالية من لدن السرد وهذا نادر جداً يمكن أن يُقرّب الشعر من النمط الدلالي (3)
وفي المثال الشعري الآتي نجد ضالتنا
"دخلت الفراشة في حلم الطبيعة الدائم" ص23
( فكرة ومضت في رحم الأم)

السرد بالتحديد لا يقوّض التراكيب البنائية، ولا يناقض النظم وجوهره الدلالي، وهذا النزوع نفسه ما يجعل الشعر مترابطاً تركيبياً بفضل تجانس معانيه، وليس بفضل انسيابيته الطبيعية.

صيغ تركيبية تعارص بديهيات السرد:

تعدّ قصائد (مرآة ترى الروح) ص34 و (رحمتي غلبت غضبي) ص172 و (في البيضة) ص102 نماذج مختلفة لصيَغ تركيبية تعارض صيرورة السرد بالمقارنة مع البديهيات السرديّة، هذه النقلة بالذات يمكن أن تعوّض عن نقص اللغة المترتّب بفعل الترهّل أو الحشو أو التكرار (4) كلّ ذات هي روح ترى المرآة صورتها:
"هذا الخيميائي الذي دورقه رحمه، قطر روحه إلى عين جنين فرآى ذاته" ص34/35
(مرآة ترى الروح)

وتحتلُّ القصائد القصار جانباً كبيراً من التراكيب الشعرية، فما ندعوه الحشو لا تظهر ملامحه في الصورة، وقد يرجع ذلك إلى اختيار الأسلوب، والملاحظ أنّنا نحصل في النص (صلاة الحمار) مثلاً على جملة مكثفة تعبيرياً ومختزلة إلى حدّ معين "كان الناعور يدور كدوران الأرض حول نفسها
فينسكب الماء كالسماء
يسقي البذور فتورق نجوماً" ص174
(صلاة الحمار)

الواقع أنّ خاصيّة السرد تختفي كما يظهر لنا، ويرجع ذلك إلى أسلوب التكنيك ضمن محاولة لتقنين الجملة أو تقنين السرد.
"رأى الجنين أن ذلك الكون اللامتناهي محاط بقفص، قفص صغير بحجم السجن" ص81
(الجنين ذلك الإله)
وقد تنطبق كذلك نفس الملاحظات السابقة على قصيدة "في لحظات الفجر الصافية" ص80

فالنقلة الايجابية تُحدّد نهاية النص وتسمح بالتعبير عن الدلالة، لتلغي ظلماً ما أو ترفع حيفاً بمعنى من المعاني، فكيفما تكن العواقب تظلّ الحيوانات مفرغة من الحبّ والكره على حدّ سواء، لكنها تتكلّم بلغة البشر وتعلّم الأطفال:
لنلاحظ مثلاً الجملتين الآتيتين:
"حيوانات صغيرة دون رأس وأطراف،
مفرغة من الحبّ والكره تتكلّم لغة البشر تعلم الاطفال" ص48
(حيوانات صغيرة)
"فيما كان الأسد يفترس الغزالة
ومن فوقه حيث الغصن تفتحت الوردة" ص64
(إفتراس وردة)

التكرار إمتداد جذري للمدلولات:

الملاحظ أنَّ الصور الشعرية قد تفقد دلالتها بصفة كاملة، إذا ما تغلّب التكرار على بنائيتها المعمارية، فلم يعد ممكناً الحديث عن الشعر في إطار هذه المعضلة. إنَّ الشعر لا يلتبس إلاّ بالسرد ولا يتلاشى التأثير الشعري إلاّ بالخطاب الفج، ولا يفقد سماته الإبداعية إلاّ بفعل ذاتيته السائدة، فالنص "عين الأرض ذات المقلة الخضراء" ص27 تجسيد لما قلناه. فـالخطاب الشعري الحقيقي لا يجترّ نفس الكلمات ولا يخضع أصلاً لمفهموم النظم. فمن جهة يسقط الشاعر في هوّة التكرار إلى حدّ الرتابة، ومن جهة نجد نزعة الذات أو الأنا (Ego) تمثُل صيغة معيارية شائعة تمسّ ظواهر خاصة بالشاعر نفسه، وقد تبدو متمرّدة لا تخضع لأيّة قيود، فضلاً عن ظواهر دلالية لا تني تفرض بنياتها العميقة. وقد تكاد تكون مفردة الموسيقى نغماً يرتبط بالوجع وإيقاع الحياة كظاهرة لإشاعته في تقوية المعنى، وأمّا مفردة القيثارة كأخواتها من الكلمات المكرّرة، فقد تكرّست بافراط، لأنّها جزءٌ من طبيعة النغم..

لا تكون الجملة شعرية إلاّ إذا قامت على ضبط إيقاعها العام، فالموسيقى السائلة تغدو الكلمة الحاضرة دوماً في القصائد:
"تتغذى البذرة على جثث العقارب
جثث الشياطين
تتغذى على القنبلة النووية
الماء، الطين
وتضيف إلى ذلك إكسير جمال من لبّها
فيصبح موسيقى سائلة تشكل منها وردتها" ص99
(إكسير الجمال)

لا مأخذ على التكرار إذا أُخذَ بطريقة عفوية، والتكرار بطبيعة الحال ليس الحشو كما سنرى، لكن يمكن أن نعزو الفرق إلى الحشو في حالات خاصة، فكلّ كلمة مماثلة قد تعدو إمتداداً جذرياً للمدلولات. وما يسمّى الحشو يدفع بالشعر إلى القصّ، وأيّة صياغة يقينية لا تختزل العبارات الدلالية يمكن أن تجعل من الشعر نمطاً يندرج في خط النظم أو البديهة، وما يشفع للدريعي خاصة اختلافه، ومن المفارقات أن نراه يلاسن الحيوانات ويخاطبها بوصفها جزءاً من المخلوقات الأساسية على الأرض..

ومهما يكن فلا تخضع الجُمل المكرّرة الكثيرة لضغوط رقابية، لأنّها تعدّ من وجهة نظر الشاعر طبيعية سواء أكانت هدفاً لتوليد الدلالة أو نمطاً مرهوناً بالشكل، والحالة هذه يبقى التكرار في العمق ظاهرياً وبنائياً رهيناً بصيغته المحايدة، ولا يمسّ المعاني أو علاقته بها، ولا يجعل تغليبها على الشكل مستحيلاً، غير أنَّ تكرار الجملة في مكانين متباينين أو تكرار الكلمة في فقرة، فإنما يأتي حصراً من (إعادة إيراد اللفظ) لننظر كم تكرّرت مفردة اللبوة في قصيدة قصيرة جداً:
"بعد إن افترست اللبوة جميع الغزلان
صانعة منها أشبالها
إصطادت اللبوة آخر غزالة في تلك الجزيرة،
افترستها
ولكن بعد بضعة أشهر
ولدت اللبوة غزالة" ص 70
(مناعة الغزلان)

ليست مفارقة لو اكتشفنا في المستويات البنائية صوراً متشابهة في تركيباتها، إذ يوجد هناك هوسٌ شكلي لم يُتخلّص منه، يبدو وكأنه تقليد لا يتردّد أن يظلّ الشاعر أسيراً له.

في الاطار الانساني:

الشعر هنا حسب جان كوهن (أثر جمالي) وعندما ترقى التراكيب البنائية إلى مستوى الشعرية، تكون الدلالة حينئذ مظهراً لتحقيقها، وهذا ما يجعل إمكانية التغيير تندرج في إطار الحريات الانسانية، يمكن أن نلاحظ ذلك في قصيدة (حبة الرمانة قلب بلبل) ص32 وغيرها من صنف ما سبق:
"أرحل إلى الكائنات المفترسة
أفرغ غددها من السم وأملأها بالحليب
أخلع أنيابها وأمنحها أسناني اللبنية لتضحك مع بعضها" ص112
(أرحل إلى الكائنات)
"شعرت الغزالة أنها حبلى
عندئذ أدرك الأسد ذلك
فتوقف عن مطاردتها" ص67
(غزالة عقيم تبحث عن ملاذ)

وإليكم المثال عن الرجوع الدائم إلى طقس الطفولة وتأثيره البالغ:
"أتمرّن لاستعادة المذاق للساني
ولذّة البكاء لعيني
أتمرّن أتمرّن
لعليّ أستعيد طفولتي" ص111
(أتمرّن أتمرّن)

أمّا النص الموسوم (مخ الدبابة) ص33 فما هو إلاّ جزءٌ من معادلة حسابية تعاكس النسق، وتفكّك بناءه المعماري لإعادة صياغته بطريقة سيميائية. إنّ هذا التناقض يعدُّ في حقيقته خرقاً لبديهيات أساسية، يمكن أن نعدّه أيضاً إنزياحاً بنائياً ضرورياً، واللغة تجسّد تحوله وتشدّد على استبدال المواقع لتستعير دلالاتها من معانيها الطريفة:
"جلس الانسان في جمجمة الدبابة كمخ لها
وذات يوم وهو يقود آلته في الغابة وجد تمساحاً
فوضع مخ التمساح في جمجمة الدبابة وجلس هو في جمجمة التمساح" ص33
(مخ الدبابة)

شعرية الدهشة سمة تتوّج النهايات:

ترجع شعرية الدهشة إلى الغرابة في التصوير.. إنَّ الدلالة تفيض بالشعرية، وبهذا المعنى فالاغتراف من أعماق الانسانية توفّره جدارة الشعر، هذه الظاهرة يمكن أن تستثير فينا العواطف نحو كائن صغير كالصوص، والحق أنَّ التركيب انزياح لغاية جمالية لا تعدو أن تكون تعبيراً قوياً في فن الإدهاش وتأويل الصورة.
"فيما كان الصوص الجائع ينتظر أمه
إشرأب رأس الأفعى على العش
فرفع الصوص رأسه فرحاً
ظانّاً أنّها أمّه وقد أتته بالغذاء
إبتلعته الأفعى
مات الصوص فرحاً" ص87
(الأفعى والصوص)

فالصيَغُ الشعرية تحتفظ بمعناها الدلالي، والتسلسل المعماري من شأنه أن يزوّد النص بجمالية الأشياء، ومن ضمنها جمالية الدهشة كاستنتاج شعري يساعد في إشاعة المختلف، وهذه خاصيّة جوهرية لا تخضع لمعيار محدّد، لأنًّ مبدأها الأساس الانزياح عن اللغة الشائعة أو عن اللغة في أغلب الأحوال:
"تحت شجرة الرمان كانت الحبارة نائمة في مختبر الطبيعة
تقطر خيمياء بيضتها" ص44
وإليكم الأمثلة عن فن الادهاش (5):
"انفجرت رمانات الشجرة
تناثر ورد أحمر سائل
غطّى حقل القطن" ص44
(تحت شجرة الرمان)

"بلغ الأطفال وتركوا القزم طفلاً
فصاحب أطفالاً جدداً
لكنهم أيضاً أصيبوا بداء البلوغ" ص 108
(طفل يبحث عن أصدقاء دائميين)
"عثرت صدفة على أغاني أمي" ص109
(أرق) ص109

نلاحظ أنّ الغاية التي يسعى إليها الشاعر لا تبتعد في نظرنا عن المقوّمات الجمالية، ونظراً لكون السرد سمة ظاهرة، لذلك من الصعب الجزم على (استحالة صوغ) الشعر أو إثبات وجوده، فكلّ بنية جمالية تكون رهن عوامل متفاوتة، لكن تبقى قوّة الدلالة تجسيداً أصيلاً لغرابة التعبير (6) وإنسانية الفكرة، ولو لم تمثّل الدرجة القصوى للإنزياح الشعري:

"حضنت الفتاة البيض بين ثدييها مغطية إيّاه بشعرها الطويل
وأخذت تدفئه بأنفاسها الحارة" ص153
(الطفل الذي عاد إلى رحم أمّه)

جمالية سريالية جمالية فوق واقعية:

ليست الاستطيقا إلاّ إشارة لخرق اللغة، وعليه فلا تُحدّد اللغة ضمن الأسلوب، ولا تمثّل جزءاً من منظومتها، وبهذه الصفة يلجأ الشاعر إلى استحضار الصورة المثالية بوصفها الآلية لبناء المعنى، ويلحقها بدلالة أو مفارقة مكوّناً جمالية سريالية (فوق واقعية) تشير إلى النغمة الانسانية وعمق وظيفتها، لنتأمّل هذا البيت:
"فيبدو حقل الثلج ثدياً جريحاً" ص65
(دماء الغزالة أسماك مصطادة)

أو هذه الأبيات:
"بيضة الطير غيمة
جفّت الغيمة
فطارت السمكة" ص79

لنتأمل هذه القطعة الشعرية:
"نحن الطيور نحلق في الفضاء
ونلقي بيوضنا على قنابل الانسان النووية فتخمد" ص78
(بيضة الطير فقست عن موسيقى)

الشعر يسمعهُ الماء والشيطان والملاك وتسمعه العاقر والعذراء والأسماك والأفعى والبذور، وبمجرّد ما يسمعه الماء فيستحيل خمراً تسكر الإله، وحين تسمعه الكائنات الأرضيّة يتحوّل إلى سوناتة أو قيثارة..

عندما تكون النتيجة فوق واقعية:
"فالبذرة المزروعة بالجثّة نسجت الجثّة إلى وردة" ص176
"لو كان للأفعى ضرع لما كانت لها غدّة سميّة" ص176
(الشعر إكسير)
عندما تخضع الجملة لاختبار سريالي
"ثم جاءت غزالة أكلت الجبل الذي أجلس في لبّه
وشربت خمره، إبتلعني فمها وخرجت جنيناً من ثقبها الأسود" ص17
(خرجتُ من ثقبها الأسود)
"كان عش العصفور فضاء واسعاً
غير أنه خال من أيّ كوكب" ص104
(عشّ العصفور العقيم)

عندما تدخل الثيمة في نطاق الفن الجمالي الانساني:
"معجزة الشعر تحيل التنّين إلى فراشة والقنبلة النووية إلى قيثارة
وغدّة الأفعى إلى ضرع" ص176/177

عندما تغدو الموسيقى منطقاً جمالياً للذات:
"فصرت موسيقى لا يراني ولا يسمعني أحد سواي" ص177
(الشعر إكسير)


سلسلة من الصراعات تغلبُ على التراكيب اللغوية، وهذا ما يحصل فعلاً، وكأنّما تغدو الصراعات الجارية الأفقَ البنائي الذي يقوم عليه السرد الشعري، ولا يفاجئنا الشاعر بشيء دلالي، إلاّ في النهاية لجعل اللغة غاية لصيرورة الشعر وانزياحاته العميقة، انطلاقاً من صراع الكينونات بأسلوب فوق واقعي:

نقرأ في سرد الشعر:
"هضمتني فحولتي إلى ريش جميل وألحان" ص25
(عين غزالة باتساع السماء)

سنلاحظ إنسيابية دلالية في النهاية :
"كما هبط ضرع كالكوكب وهب حليبه غذاء لكائنات الأرض" ص26
(عين غزالة باتساع السماء)

صيغة التمزّقات وحتمية الصراع:

تكوّن التعابيرُ المتسلسلة كما نعرف مادة المعنى، لكنَّ المأساة تتفاقم لتصنع الدراما الانسانية، وهكذا عندما تفقد الآلة الصناعية وظيفتها الدلالية، تتحوّل تدريجاً إلى صيرورة غير معبّرة لا يوافق عليها المنطق، ولكي يتحقّق الشعر يسعى الشاعر إلى خلق صيغ تركيبة متساوقة، تصبح حينئذ موضوعاً لمحاولة الخروج عن الجوّ الملتهب، بُغية الولوج إلى جزئيات الأشياء بوصفها حلاً، وبهذا يعيد صفة الرجوع إلى الأصل والعودة إلى النقاء الأول كاستنتاج نهائي:
"أيّها الانسان عندما تموت تعود جنيناً
ينحتون لك رحماً في لبّ الأرض تنام فيه" ص58
"عندما لدغت آلتك الوردة سالت الموسيقى من ساقها" ص51
"الموسيقى تجري في ساق الوردة
وعندما تقطع الوردة تسيل الموسيقى من جرحها
يسيل الدواء" ص55
(سالت الموسيقى من جرح الغزالة)

وقد يحدث أن تسمح بعض القصائد باستئناف صيغة التمزّقات، ويمكن أن تخبرنا بحتمية الصراع لتصبح جدلية مقبولة في نهاية المطاف، إنّ هذا المبدأ نفسه لم يسلّم به عندما تتراجع المعطيات الانسانية :
"لكن بعد مضي الصباح كرؤية السمكة المصطادة للنهار
ترى الكائنات منسرها أو نابها
أو خنجرها" ص80
(في لحظات الفجر الصافية)

"مسوخ عملاقة أرعبتها آلات الانسان الحديث
فاستحالت إلى فايروسات لا ترى
استوطنت أحشاء الانسان" ص95

(مناعة آلات)

"في موسم هجرة الطيور
رأيت قفصاً طائراً في الفضاء
وكان ثمة عصفور مسجون فيه" ص103
(هجرة)

فإنّ السعيَ لتأمين الذات يكمن مرّة في الرحم، ومرّة في القبر، ومرّة أخرى تصبح الذات البشرية إنساناً على الأرض يستحيل عليه تحقيق ما يُريد:
"حلمت أنني إله في السماء
فيما بقيت ذاتي البشرية إنساناً على الأرض
فكان يدعوني أن أحقّق له كل ما يحبه
فكنت أحقّق له كل ما يكرهه" ص105/106
(حلمت أنني ميت)

وكثيراً ما يُهيمن السرد على الشعر ولا ينفصل عن سياقه بسهولة، هذا الاختيار هو (المعيار الموضوعي) الذي يسير عليه الشعر ويرتبط بجوهره، وبهذا يجعل الشاعر من قضايا الدراما الانسانية على وجه التحديد ثيمة لتشخيص ما يسمّى إنحرافاً أو تمزّقات تراجيدية:
"سوف تشحن جميع هذه الجمال إلى ساحة الحرب لتفجّر الألغام،
رأيت صورة الجمل المعلق في عين الحمار، رأيت دماً يقطر في عيني الحمار إثر مشهد ذلك الجمل المعلّق تذكرت العصفور الذي أخذت بيوضه من عشّه.. كان عشاً صغيراً محبوكاً بعناية من الأعشاب الجافة، وكانت فيه أربع بيوض التقطتها من العش وكسرتها أمام عيني العصفور فيما كان يحوم حولي بسرعة فائقة محاولاً بث الخوف فيَّ لينقذ بيوضه، لكنه لم يفلح في ذلك فأخذ يصدر ألحاناً حزينة..
كمنت عند النهر فجاءت غزالة حبلى فاطلقت عليها النار قبل أن تشرب الماء وعندما ذبحتها ثم قطعت أحشاءها وجدت جنيناً في رحمها كان تام النمو، ولو أنني أمهلتها ساعة لولدته بسلام" ص135/136/137
(رجل الصحراء)

نقرأ هذه الجملة في إشارة سيميائية إلى الآلة:
"وعندما سأل أخاه أين أعضاؤك
أشار قابيل إلى أصناف من الآلات كانت تصخب حوله" ص96
(عودة هابيل)

الأفكار والمعاني:

وعليه لا يكتفي الشاعر بملمح شكلي معين، ولا يبقى الموضوع مرتبطاً بلعبة شعرية مُعبّرة، بل إنّه يرقى بالشكل التعبيري إلى درجاته العليا، لتجسيد الفكر للوصول إلى إكتشاف دلالي:

"إستيقظت الطيور فلم تجد الانسان ولا حضارته
قال طير لشجرة
فكر الانسان مسخ الانسان إلى فكر" ص46
(فكر الانسان مسخ الانسان إلى فكر)

وقد تتسامى لغة الطبيعة لتصبح صيَغَ أفكار، فالشعر عنده خطاب جوهري لا يناقض مضمونه الفكري، لأنّه يحمل في جوهره معانيه الكاملة، والمفارقة تسجّل في نهاية النص، حيث يبادر الشاعر بها لتغدو النتيجة ايجابية، وذلك في صيغة شعرية لا تستغني عن علاقتها بالمعنى:
"أدرك الجميع سن اليأس،
لكنهم فوجئوا أن التماثيل تلد أطفالاً بشرية" ص47
(في انتظار المعجزة)

وسنرى أنَّ التحليل سينال النص لانطباقه الكامل على مستويات شبيهة.
نقرأ في تقريعه للسياسي والجنرال:
"أيها الجنرال
ثمة غدّة نهمة خلف عينيك
فعندما تفرح أو تحزن
يسيل الحسد من عينيك" ص229
(السرداب)
ونقرأ في الاطار الفكري:
"لو ذرفت الأفعى دمعة واحدة
دمعة واحدة فقط
لما كانت لها غدّة سمّية لها أنياب" ص91
(دموع)


القصيدة الدلالية وسياقها الجمالي:

تتحقّق الوظيفة دائماً بفضل الامساك بالدلالة، وما تصوير الآلات على هذا المبدأ إلاّ صيرورة تخبرنا أنَّ ما لدى التراب من الأمومة يكفي لإذابة الحديد الصلب وصهره ليغدو شجراً مثمراً:
"لدى التراب من الأمومة
ما يكفي لأن يذيب كلّ الآلات
وينسجها أشجاراً" ص92
(أمومة)

وربما لا تنتهي الجُمل المصوغة إلى مدلول واحد، بل تجعل من مادتها سمة منفتحة على مدلولات يمكن استنباطها بعد قراءة متأنية، وما المطر إلاّ صفة للطهر غايته مجازيّة، وما يغلبُ على الصحراء من مزايا تصبح خلاصة غايتها القصوى مجازيّة لا تخاو من التحدّي:
"صحراء حلمت بكل الكائنات
غير أنها لم تحلم بالآلة
هبط المطر على الأسلاك الشائكة" ص93
(صحراء)

نستخلص من عبارة الصحراء في قصيدتي (ظلّا طفلين إلى الأبد) ص42 و (في الصحراء) ص43 أنَّ أصلها إستعارة رمزية، وهي لا تتميّز بكونها تمثّل الفضاء الخالي، بل إنَّ الامر يتعدّى هذا المفهوم، فالصحراء تمثّل في الأغلب الأعمّ الحاضنة الجوهرية التي تتمخّض عنها الصورة المبتكرة للبعث الشعري. وهكذا منح الشاعر صفةً التوليد للصحراء لتكون لها دلالة، في حين لم يتعرّض للدراما الانسانية النمطيّة، وذلك ليجعل المضمون معياراً لمادة الشعر.
كلّ النتائج تأتي جاهزة في النهاية، وقد يدرجها الشاعر لغاية مبرّرة، وهذا يفسّر أنَّ المعاني تكمن في تراكيبها التي تظهر أمامنا بالتدرّج وتتجسّد قيمتها من دلالاتها التعبيرية:
"لدغت الأفعى السمكة فماتت الأفعى" ص41
(موسيقى حمراء)

ويمكن أن تنمو المعاني في جوّ الحرية، والثيمة الرمزية ليست عائقاً بتاتاً، لكنَّ التأويل الصحيح يُرجع الشعر إلى سياقه الجمالي لتصبح الدلالة سمة ضرورية..
"وتنتمي إلى هذا الصنف أعمال ذات اعتبار جمالي مثل أغاني ما لدورور أو فصل في الجحيم، وذلك يدلّ على أنّ العناصر الدلالية تكفي وحدها لخلق الجمال المطلوب" (7)
لنقرأ معاً:
"إنفجر بركان في موقف الآلات
وعندما اقتربنا منه
إتّضح أنه بركان من الورود" ص98
(بركان)

"وفي آخر ليلة من موسم وضع البيض
قبيل الفجر
وضع الوقواق بيضة في عش العصفور العقيم" ص104
(عش العصفور)
"لبّ الأرض قلب ينبض
بيوض عصافير
محارات،
بيوض أفاع" ص209
(لبّ الارض)

"كانت الثمرة فرحة في فم الغزالة
كثدي في فم رضيع" ص180
"فيما كانت اللبوة الجائعة تطارد الغزالة
وجدت جنيناً يتيماً
توقفت اللبوة تتأمله
فابتسم لها الجنين ظاناً أنها أُمّه
أرضعته اللبوة ضرعها فارتوت" ص179
"إنها لحظات يمارس الكون استمناءه في ديمومته" ص179
"بعد أن قتل الصيّاد الغزالة
ظلّت صغارها تبكي موسيقى
فانفجر ينبوع حليب من الأرض" ص180
(الغزالة والأسد)


التشبيهات وجدل الشعر:

والحق أنَّ الصورة الشعرية قد تترك أثراً جمالياً على درجة عالية من الدقّة، إلاّ أنه وفضلاً عن ذلك كلّه لا تجعلنا التشبيهات الصورية نحسن عمق دلالتها لاستخلاص الأشياء المعبّرة، هذا الشيء يمكن أن نلمسه لو دقّقنا في السبب..
ففي قصيدة (صحراء) ص113 ومثيلاتها من القصائد الكثيرة المنتشرة في الديوان في ص118 وص181 و182 وص188 وص200 وص 210 وفي ص218، من السهل أن نكتشف كاف التشبيه الواردة في وحدات كثيرة، وذلك ما يضع الشعر في موضع جدل:
لتنأمّل هذه الأبيات كما هي مكتوبة:
"صحراء كبذرة نبات بحجم الكوكب
في لبّها معرض لرسوم الأطفال
صحراء سطحها كقشرة البيضة" ص113

ونقرأ هذا الوصف الجمالي ضمن نفس المحاولة:
"ثمرة مليئة بدموع لذيذة كدموع الأطفال" ص114

"تحت الكثبان الرملية الشبيهة بأرداف النساء
كانت البذور نائمة تحلم) ص115/116
(الأرض مرتوية كوجه طفل" ص116

ما يجعل السرد الشعري متلائماً مع التتشبيه:
"كائنات الصحراء لا تشيخ
كالحب في قلب المرأة
بشتى مراحل عمرها" ص116
(صحراء)


إستئناف النسل كتحصيل حاصل:

والحال أنًّ التقمّصات بالتحديد تعدّ واحدةٌ من الاستعمالات الباهرة في الكتابة، ويزيد الأمر مفارقة أنَّ الأرواح تحلّ في الأجساد، وقد تتحوّل الظواهر الجامدة التي لا ترمز إلى شيء دلالي إلى عناصر جوهرية حيّة مرموزة تستأنف فعالياتها من جوهر الفن الشعري مثل:
"طارت روحي بجسد هدهد
فيما ظلّ جسدي على الأرض وقد اتخذ شكل نسر
لكنه نسر دون أجنحة" ص22
"هذه الكمثرى التي أكلها كل يوم
وأحلم
أن روحها تتماهى مع روحي
متخذة شكل طير" ص21
(إستحلت إلى هدهد)

لاستئناف النسل كتحصيل حاصل:
"وماهي إلاّ بضعة شهور حتى صارت البذرة امرأة" ص82
(في السجن)

أمّا الولادة فتعني بالتحديد استمرار الكينونة:
"وجدوه جافّاً على زوجته
فيما كانت هي حبلى به" ص83
(لاذ برحم زوجته)

هكذا يكشف الصراع الفكري عن رؤية ينتفي بفضلها الخطر المحدق بالكائنات عن طريق التجلّي من أجل استئناف النسل للبشر المذهلين بيولوجياً، وتقوم هذه الجدلية على بديهية سرديّة مجرّدة من التقنين اللغوي، أقل ما ما يقال عنها إنّها تمثّل خرقاً في مجال الصياغة.

ولكي يبقى النسل نموذجاً:
"مثلما تنفجر البيضة عندمات تفقس
إنتفض من التراب الذي يخفي الفخ طير من فصيلته" ص30
(مارس الطير الحبّ في الفخ)




هوامش:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فالقاعدة يجب أن تبقى الكلمات موازية لمعانيها، وليست بالشكل الذي تبدو فيها مفارقة للغة.

(2) الأمثلة من صنف ما سبق:
"ماتت الأرض ماتت السماء، ماتت السمكة، كان الأطفال شهوداً على ذلك" ص89 (شاهد)
"عندما أفرجت المرأة ساقيها، فلجأت السمكة إلى الرحم" ص90 (الملاذ الوحيد)
"إرتميت في النار، إستمنيت مع النار مستحيلاً إلى موسيقى" ص77 (مارست الحبّ مع النار)

(3) ومن الأمثلة النادرة أيضاً:
"باغتني من بين الورود أسد غاضب" ص85 (الحقيقة)
"فجأة قدمت فراشة ترسم في الفضاء عيون أطفال، فاستيقظ البلبل من تأمله، رأيت قطرات مني تسيل من منقاره" ص86 (فراشة مُفترسة)
"إنطلقت رصاصة من عينه، فكانت شظايا الوردة كدماء طير جريح" ص88 (دماء الوردة)

(4) "إتخذ الماء شكل الانسان فسقى الغزلان، إتخذ الانسان شكل الماء فافترس الأسماك" ص171 (الماء)
"عندما أذهب إلى المرحاض فانني أتغوط ما ورثته من الآخرين" ص173 (أمارس الحب مع الغذاء)
"بشّروا الكائنات الأليفة من حولكم بقوّة الشعر، ستستحيل القنابل النووية إلى قيثارات
تمطر موسيقى على المدن" ص170 (بشرى)
"ثمّة ضرع يجعل اللبوة الغاضبة أماً" ص68 (ضمير اللبوة)
"الرحم الملاذ الوحيد الخالي من العقاب" ص110 (الرحم ص)
"كما تقطف الزنبقة من غصنها، قطع سر المولود، فانفصل الجنين عن أمّه كرأس طير فصل عن جثته" ص107 (أول جرح)
"هكذا ترمى لن سنارات غير مرئية قادمة من مكان مجهول
تصطادنا في تلك اللحظة نرى الصيّاد الأكبرالصيّاد الأكبر ذاته الذي تراه السمكة عندما تصطاد" ص84 (الصيّاد الأكبر)
"لذا انفجرت البذرة عن صبية راقصة كشجرة مزهرة
أزهارها الشمس وثماهرها الأرض" ص97 (في البذرة)
"عند الربيع كطفل يخبرنا أحلامه تطير البذور بأجنحة خضراء وتحط على أغصان الشجرة" ص101 (هجرة البذور)
"أصغت البذرة لآلام نمو الأرض لوصايا كائنات منقرضة، لأماني ميت غير متحققة ومنحت وردة" ص100 (وردة)
"عندما أدركت مآلي آثرت أن أنعتق من الحياة، أنام نومة البيضة العذراء مستحيلاً إلى موسيقى تملأ الكون موسيقى لا يسمعها إلاّ من آل مآلي" ص76 (عندما أدرك الكائن المنقرض مآله)
"الشمس برتقالة مليئة بموسيقى تسيل كأوتار القيثارة تربط السماء بالأرض تعزف طيوراً أشجاراً غزلاناً" ص71 (الشمس برتقالة)

(5) أمثلة تتضمن فن الادهاش
"صوّب بندقيته نحو الوردة
إبتسمت له الوردة" ص88 (دماء الوردة)

(6) أمثلة على غرابة التعبير
* "عند وقت النوم يظنّ الحليب أنّ المولود نائم في الرحم فيسرع إلى هناك وينام فيحلم بالمولود" ص151
* "أمسكت الأم سمكة كانت تلهو قريباً وأطعمتها حليبها فامتصت السمكة الحليب المتدفق بفرح وعندئذ هدأ صدر الأم وشعر بالنعاس" ص151
* "هبطت دقائق الليل فانطفأ الأفق فيما كانت الأم تدفع جذع الشجرة الطافي على الماء الأليف" ص151
* "جاءت موجة والتهمت الجدع فيها طفت الأم على الماء تركلها الأمواج الهائجة وكادت أن تغرق لولا أن طيراً إلتقطها من الماء، هكذا بدا لها عندما لمسته في الظلام فظنته شجرة طائرة" ص152

إنسانية التحوّل عند الأسد:
* "حتى أنه همّ بافتراس المعزى والجنين لولا أن تنبعث رائحة الشعير المتخمّر في جوفه
فكانت رائحة طيبة أزالت رائحة اللحم من ذاكرته" ص149
* "شعر الأسد بالريبة من منقار الصقر الجاف والخالي من أيّة ابتسامة وظنّ أنّ الصقر ينوي فقس عينيه بينما هو نائم فهم بالتخلص منه لكنّ شعوراً في داخله منعه من تنفيذ ذلك وشعر أنّ الصقر كائن مسالم ثم نظر إلى المعزى فرآها هادئة كالشجرة" ص149
* "أدار الصقر بصره عن الأسد فرأى أنثى البلبل حينها شعر برغبة في التهامها وحدّق فيها بعينين شرهتين إلاّ أنها لم تخف بل قابلت عيني الصقر بلحن جميل مطمئن مما جعل الصقر يشعر بالحب تجاه أنثى البلبل وبالاطمئنان من الأسد أيضاً" ص150
(الطفل الذي عاد إلى رحم أمه)

(7) بنية اللغة الشعرية.. جان كوهن ص11 و12















#كريم_ناصر (هاشتاغ)       Karim_Nasser#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التمثال الفاضل
- شعرية تحظى فيها اللغة بمرتبة هامة
- إختزال الفكرة على حساب البلاغة الصورية
- الصورة المبتكرة استعادة لولادة المعاني
- جمالية الصورة الشعرية في سياق النص
- الضلع: رواية التأويل وأصل المتغيّرات والمتضادّات
- -الضلع- رواية التأويل وأصل المتغيّرات والمتضادّات
- شعرية المعنى شعرية الصورة: ولد كالقهوة لخضر حسن خلف
- الجواهري شاعر عبقري
- اِيتراوالي ضوه اعيونك اهلالين
- العراق هنا: مرآة للفن والمعرفة
- الأغنية العراقية: نجاحها وإخفاقاتها
- كتاب الشمس
- إغتراب الكاتب لا اغتراب النص
- قصائد لا تعارض صيرورة الشعر ولا تقف خارج سياقاته: -الفادن غن ...
- قمر الفرسان
- رحيل جماعي إلى كمال سبتي
- إشكالية النص الشعري الدلالية: عندما تُلغى الشعرية من الخطاب ...
- المخرج العراقي هه فال أمين: البلاغة الصورية هي سرّ الفن السي ...
- إستنطاق الموجودات بلغة فوق واقعية: الأسد خلق الغزالة خلقها ل ...


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم ناصر - الجنوح إلى السرد والمسألة الشعرية