أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - كلكامش نبيل - شارلي إيبدو – ضريبة الحريّة الباهظة














المزيد.....

شارلي إيبدو – ضريبة الحريّة الباهظة


كلكامش نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 4685 - 2015 / 1 / 8 - 21:53
المحور: الصحافة والاعلام
    


من المؤسف أن يبدأ عام 2015 بجريمة بشعة ضدّ حريّة التعبير، جريمة وسط العاصمة الفرنسيّة باريس، العاصمة التي منحت العالم مفاهيم الحريّة والإخاء الإنساني والمساواة، ليقتل 12 صحفيّا بدون أي ذنب، سوى أنّهم عبّروا عن رأيهم بالرسوم الكاريكاتوريّة التي تستهدف إيصال فكرة معيّنة للجماهير بطريقة ساخرة لمعرفتهم بأنّ السخرية هي السلاح الأنجع والوسيلة الأفضل لترسيخ الفكرة في أذهان الناس.

يبدو أنّ الصحفيّين ههنا أيضا إتّبعوا نصيحة الكاتب المسرحي الإيرلندي الشهير أوسكار وايلد، عندما قال بأنّ الحقيقة تكون أخفّ وطأة إذا ما قدّمت بشكل ساخر أو ممازح. لكنّ هذه المقولة لم تثبت صحّتها هذه المرّة عندما أثبت المهاجمون بأنّهم اضعف من أن يتحمّلوا رسما ساخرا – كانوا هم بوحشيّتهم السبب في تولّد فكرته أصلا – وبأنّ فكرهم في غاية الهشاشة لدرجة أنّ رسما أو تعليقا ساخرا يعتبر إساءة بالغة يردّون عليها بإراقة الدماء. الأفكار تردّ بالأفكار، وإذا كان المفهوم مغلوطا فيتوجّب عليهم أن يغيّروه من خلال ممارسات تثبت خطأ من إنتقد تلك الفكرة، إلاّ أنّ الرد المتوحّش لم يثبت ههنا إلاّ صواب من إنتقد، فكان موت هؤلاء الصحفيّين نصرا أبديّا لهم ولحريّة الكلمة.

لا تنتهج الصحيفة خطّا أحاديّا في معاداة فكر معيّن، بل إنّها تهاجم كلّ عمل يمكن إنتقاده وكل قرار أو فكرة دينيّة كانت أم سياسيّة، وهي تدخل في نطاق حريّة التعبير، إذ إنّها لا تجبر أحدا على قراءتها، ولا تدعو للقتل أو الكراهيّة. وقد شملت أغلفة المجلّة صورا كاريكاتوريّة لشخصيّات دينيّة مسيحيّة ويهوديّة وإسلاميّة وبوذيّة وهندوسيّة، وشملت رجال دين من مختلف الطوائف والأديان، بالإضافة إلى رجالات السياسة والملوك والرؤساء والمشاهير. فلماذا يكون الردّ المتوحّش دائما من طرف واحد؟ هنا يكمن السؤال، لكأنّ هذا الطرف يريد تكميم الآخرين، يريد أن يقتل ويمارس ما يشاء من دون حتّى أن يشار لجريمته بالبنان، ولكأنّه طوطم أو تابو لا يمكن المساس به.

في بلدان العالم الحر لا توجد خطوط حمراء ولا مقدّس فوق النقد، في هذه البلدان ذاتها التي وفّرت لأعتى المتطرّفين ملاذا آمنا، وربّما هذا هو خطأهم الأكبر، في هذه البلدان التي يسمح لهم بممارسة حريّاتهم الدينيّة، بل ونشر أفكارهم، في الوقت الذي يحاربون فيه الاقليّات الدينيّة والعرقيّة الأصليّة في بلدان الشرق الأوسط وبالتأكيد يمنع نشر أي فكر آخر ويتعرّض من يقوم بذلك للإعتقال وربّما الإعدام. هذه الجرائم ليست فرديّة فقد تعرّضت ذات الصحيفة لهجوم إرهابي عام 2011، وقتل السفير الأميركي في بنغازي على خلفيّة الفلم الذي صوّره مواطن من أصل مصري في أميركا، بالإضافة إلى العديد من الهجمات كرد على ما أعتبر إساءة متعمّدة للرموز الإسلاميّة، ليس آخرها محاكمة كاتب موريتاني والحكم عليه بالإعدام على خلفيّة مقال ضد العبوديّة. كل هذه الأحداث تثير التساؤلات حول معنى حريّة التعبير لدى الشعوب الإسلاميّة، وكيف يمكن للعالم أن يتعامل مع مفهومهم هذا، بالإضافة إلى التحدّي الأكبر المتمثّل في محاولتهم فرض رؤيتهم "للقداسة" على الآخرين، وإلاّ سيتم الرد بعنف لا يثبتون من خلاله إلاّ صدق الفكرة المأخوذة عنهم في أنّهم لا يقبلون النقاش ولا النقد وغير قادرين على مكاشفة أنفسهم ومصارحتهم لذاتهم والبدء بتغيّير هذه المفاهيم التي لا تحترم التعايش مع الآخر ولا تتقبّل حتّى النقد المبني على أسس علميّة وأكاديميّة، فكيف بتقبّل فكرة ساخرة؟

لقد لعب العالم لعبة خطيرة عندما دعم مثل هذه الجماعات وأمدّها بالمال والسلاح في سوريا وليبيا وغيرها من دول المنطقة، ولا يزال "العالم الحر" غير جاد في إيجاد حلول ناجعة للقضاء على آفة الإرهاب، بل إنّه يحاول تجاهل المصادر الرئيسيّة لهذا الفكر الخطير، بسبب العلاقات السياسيّة والإقتصاديّة التي تربطه بمنابع هذا الفكر المتطرّف الممزوج بالنفط، ولا يتّخذ إجراءات لمحاربته الفكريّة من خلال إغلاق قنوات نشره سواء القنوات الفضائيّة أو مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الإجتماعي، في الوقت الذي يتمّ فيه إغلاق الصفحات التي تنشر المعرفة والعلوم والفنون بسبب إبلاغات تقوم بها تكتّلات المتعاطفين مع الإرهاب، فيما يعجز الآخرون عن إغلاق صفحات نشر العنف. إنّها حرب فكريّة وعسكريّة وإعلاميّة، ولا يمكن أبدا الفصل بين هذه العناصر الثلاثة، وإلاّ لن يتمّ كسبها وستنتهي الحضارة الإنسانيّة الحديثة على يد قوّة همجيّة، وعندها سننسى كلّ ما تعنيه كلمات حريّة وعدالة وإخاء ومساواة، بل وإنسانيّة.

ختاما، لم تكن هذه الجريمة النكراء إلاّ تعبيرا عن مدى تعاظم الخطر الذي يتهدّد العالم والحضارة الإنسانيّة، وإثباتا على ضيق أفق من قام به، وإعتداءا سافرا على حريّة التعبير، لكنّه في الوقت ذاته نصر لشارلي إيبدو ووسام شجاعة لأنّها رفضت أن ترضخ لضغوطات وإملاءات الجماعات المتطرّفة، ولم تغيّر خطّها الحر وتبيع قلمها خوفا أو إرضاءا لأيّ جهة. لقد خطّ رسّامو الصحيفة كلمة حريّة Liberte بدماءهم بكلّ لغات العالم بعد هذه الجريمة، وما هي إلاّ رسالة لكل أحرار العالم أن يواصلوا طريقهم ويتحدّون الخوف والترهيب، لأنّنا إذا ما خفنا وتراجعنا، فهذا يعني بأنّهم إنتصروا على العالم وفرضوا سلطتهم وحكمهم القمعي عليه. المجد والخلود لأرواح الصحفيين الإثني عشر، وستكون دماءهم هذه إلتزاما يجبرنا على أن نواصل طريق الرسالة الحرّة، ولا نستسلم للإرهاب أبدا.



#كلكامش_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لم يحن الوقت بعد - قصة قصيرة
- عبث الحياة - قصيدة
- تراجيديا عراقيّة – قراءة في رواية -فرانكشتاين في بغداد- للكا ...
- ألف ليلة وليلة الفرنسية – قراءة في رواية زديج لفولتير
- قبول الآخر – قراءة في رسالة الفيلسوف جون لوك عن التسامح
- إطلالة قصيرة على كافكا
- تناقضات النفس البشريّة – قراءة في رواية -الإنسان الصرصار- لل ...
- لا يزال ثبت الملوك السومري يحيّر المؤرّخين بعد مرور اكثر من ...
- أنشودة في عشق الطبيعة – قراءة في رواية بيتر كامينتسند للكاتب ...
- إعادة قراءة التاريخ - قراءة في كتاب -الفتوحات العربية في روا ...
- إكتشاف أنفاق سريّة تحت الأرض تعود لعقيدة نهرينيّة قديمة تحت ...
- علماء يستعدّون لحل لغز الحمض النووي السومري - موضوع مترجم
- ملحمة وطن – قراءة في رواية -الحريّة أو الموت- للكاتب نيكوس ك ...
- أحيانا - قصيدة
- الإنسانيّة هي كل ما نحتاج إليه
- أن تناقش حقّ الحياة والحريّة في القرن الحادي والعشرين
- كان هنالك شرق - قصيدة
- مجتمع المظاهر وسقوط المثاليّة - قراءة في مسرحيّة الزوج المثا ...
- إغفر يا قلب لهم - قصيدة
- جنازة السلام - قصّة قصيرة


المزيد.....




- شاهد: دروس خاصة للتلاميذ الأمريكيين تحضيراً لاستقبال كسوف ال ...
- خان يونس تحت نيران القوات الإسرائيلية مجددا
- انطلاق شفق قطبي مبهر بسبب أقوى عاصفة شمسية تضرب الأرض منذ 20 ...
- صحيفة تكشف سبب قطع العلاقة بين توم كروز وعارضة أزياء روسية
- الصين.. تطوير بطارية قابلة للزرع يعاد شحنها بواسطة الجسم
- بيع هاتف آيفون من الجيل الأول بأكثر من 130 ألف دولار!
- وزير خارجية الهند: سنواصل التشجيع على إيجاد حل سلمي للصراع ف ...
- الهند.. قرار قضائي جديد بحق أحد كبار زعماء المعارضة على خلفي ...
- ملك شعب الماوري يطلب من نيوزيلندا منح الحيتان نفس حقوق البشر ...
- بالأسماء والصور.. ولي العهد السعودي يستقبل 13 أميرا على مناط ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - كلكامش نبيل - شارلي إيبدو – ضريبة الحريّة الباهظة