أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف نكادي - من مظاهر الحداثة في الحب في أوساط المثقفين خلال العصر الوسيط















المزيد.....

من مظاهر الحداثة في الحب في أوساط المثقفين خلال العصر الوسيط


يوسف نكادي

الحوار المتمدن-العدد: 4681 - 2015 / 1 / 3 - 01:04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من مظاهر الحداثة في الحب
في أوساط المثقفين
خلال العصر الوسيط




تداولت عدة منابر إعلامية ورقية والكترونية منذ بضعة أيام أخبارا كثيرة عن علاقات غرامية وقع في شركها في بحر سنة 2014 رجال أعمال وسياسيين ومفكرين. ومن بينها خبر عن علاقة أقامها الباحث والأكاديمي أحمد عصيد مع الشاعرة مليكة مزان.
ورغم أن صحة الخبر لم تتأكد بعد، فإن الذين اختاروا التوقف عنده دون غيره اختلفوا بين متحفظ رأى في تلك العلاقة فضيحة أخلاقية لأنها تمت خارج مؤسسة الزواج، وبين قائل بأنها مظهر حداثي في الحب يتوق إليه كثير من رجال ونساء المغرب المعاصر في سياق رغبتهم في إقرار حق من حقوق الإنسان يتمثل في حرية الفرد في إقامة أية صيغة من صيغ العلاقات الحميمية مع من يريد من جنسه أو من غير جنسه.
وفي الأزمنة الماضية نشأت، في المجال الإسلامي كما في المجال المسيحي، علاقات عشق وهيام بين رجال ونساء خارج مؤسسة الزواج، كما قامت علاقات بين مثليين تحدثت عنها الإخباريات وكتب الأدب. ويكفي أن نتصفح بعضا منها لنقف على تفاصيلها.
وقد تصدت المؤسسات الدينية آنذاك لتلك العلاقات بكل صرامة هنا وهناك. وتباينت مواقف خاصة وعامة الناس منها كما تتباين في عالمنا اليوم مواقف عامة الناس، والمثقفين منها ومن أبطالها.

ونود أن نقف في هذه الصفحات عند نموذجين من علاقات حميمية وقع في شركها ثنائي في الأندلس وآخر في غالة (فرنسا). وفي كلتا الحالتين كان الرجلان ينتميان للأوساط التي ننعتها اليوم بالمثقفة. ارتأى كل منهما الارتباط بالمرأة التي أحب بالطريقة التي ارتضياها. كان بطل النموذج الأول أحد المنتمين لأهل القلم (لم يمدنا المصدر المعتمد بإسمه)، بينما تتعلق وقائع النموذج الثاني برجل الدين والفيلسوف بيير أبيلار(Pierre Abélard).
دارت فصول العلاقة الأولى في مدينة بطليوس عند بداية سيطرة المرابطين على الأندلس. ووردت في "كتاب الفتاوى" للفقيه المفتي والقاضي أبي الوليد محمد بن رشد تحت مسمى "مسألة في نكاح المتعة". وتتعلق "برجل من أهل العلم والمعرفة الصحيحة" تعلق قلبه بامرأة، فارتبط بها بطريقة ارتضياها. وبعد فترة، شاع بين عامة الناس أنه مقترن بتلك المرأة بنكاح متعة إلى أجل مسمى دون أن يحضر قرانهما ولي، أو يقم لها صداقا إلا نصف درهم من "القراريط اليوسفية". فقام نفر منهم بالتبليغ عنه، فاقتيد أمام حاكم المدينة الذي أقر بين يديه بالمنسوب إليه، "وأقام شاهدين غير عدلين على ذلك". فقال له أحد رجال مجلس الحاكم ما قولك في كونك "تزوجت نكاح متعة وهو حرام". "وأوقعت هذا الزواج بلا ولي ولا صداق. ما أنت إلا زان". فأجاب الرجل بكونه لا ينكر تحريم نكاح المتعة، غير أنه استغل اختلاف القول فيه بين الفقهاء للارتباط بهذه المرأة التي تعلق بها قلبه، ولم يكن قادرا على الزواج بها على طريقة عامة الرجال نظرا لاعتراض أبيه. وأضاف بأنه ارتأى استغلال الاختلاف الفقهي المشار إليه للارتباط بالمرأة التي أحب بدل الوقوع في الزنا السافر. وقدم لها صداقا على الصفة المذكورة، لأن الفقهاء القائلين بجواز المتعة لا يحددون عند القيام به حدا أدنى للصداق. أما عن كونه لم يشهد في زواجه عدلان، فأجاب بأنه خاف أن ينكشف أمره عند غير الشاهدين اللذين اختارهما. وأكد أنه قام بكل هذا مخافة الوقوع في الزنا، ولعل الله يقبل منه هذا العذر.
فرآى ابن رشد بأن الأمر يتعلق بنكاح متعة نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحرمه، كما أجمع العلماء على تحريمه، إلا من شذ منهم. وأقر بأن من توافق مع امرأة على أن يستمتع بها مدة من الزمان على شيء يقدمه لها من ماله، فليس ذلك بنكاح، وإنما هو زنى. وفي مثل هذه الحالة، فالواجب أن يحد هذا الرجل حد الزنى "لكونه لم يشهد على زواجه من تجوز شهادته، ولم يدخل بالمرأة الدخول المنتشر والمعلوم. وينبغي بعد إقامة الحد عليه أن يضرب الضرب الموجع، إن كان بكرا، ويسجن السجن الطويل لاستخفافه بالدين وإلباسه على المسلمين". ويضيف ابن رشد مبررا حكمه، بأن "ما ذكر من كون الرجل من أهل العلم والمعرفة، حجة عليه توجب له الخزي في الدنيا وفي الآخرة، لأنه عرف الصواب فخالفه، وعرف المحظور فاقتحمه افتراء على الله واستخفافا بحدوده، وتلاعبا بدينه". وقد روي في مثل هذا الرجل "أن من شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة عالم لم ينتفع بعلمه" فكيف بمن أضرت به معرفته، وارتكب بها المحظور، وخالف الجمهور.

أما أبيلار، فقد اشتهر في تاريخ فرنسا الوسيط بكونه كان فيلسوفا وعالم لاهوت يلقن المعرفة في إحدى المدارس الكاتدرائية بباريس. فحدث سنة 1113، وهو كهل في سن الخامسة والثلاثين، عازب ويخشى العاهرات، أن وقع في حب إلواز (Heloïse) احدى تلميذاته الجميلات النجيبات. وكانت تنتمي لأسرة أرستقراطية. ونتج عن ذلك الحب ميلاد طفل.وكانت نتيجة هذه العلاقة وخيمة جدا حين اكتشف أمر العشيقين. فقد عارضها بشدة فولبير (Fulbert) خال الفتاة، وهو راهب بكنيسة سيدتنا (نوتردام) بباريس. ثم أقنع أبيلار بالزواج من الفتاة سرا. وبعد أن تم ذلك شهر به أمام الملأ، لأن رجال الدين كانوا ممنوعين من الزواج. ورغم ذلك، لم يهدأ للخال بال، فقرر في أحد أيام غشت من العام 1117 الانتقام لشرف العائلة، فسخر مجموعة رجال من "البلطجية" قاموا بسل خصيتي أبيلار.
والتف الطلبة حول أستاذهم لمآزرته ومواساته. وشاع الخبر في سائر أنحاء غالة. وتأسف عامة الناس لما أصاب عالما كان ذائع الصيت. وألقي القبض على "بلطجيين" من المجموعة. فتم خصيهما وسمل عينيهما، بينما تم توقيف خال الواز عن مباشرة مهامه لمدة سنتين. ولكن الحادث أثر صحيا ونفسيا في أبيلار، فاتفق مع الواز على الانفصال. فقضت هي ما تبقى من عمرها راهبة في أحد الموناستيرات، بينما قضى أبيلار بقية سنوات حياته متأرجحا بين الاعتكاف في الموناستيرات ومعاودة الاتصال بطلبة العلم والمعرفة، ومجابهة المؤسسات الدينية (وعلى رأسها البابوية).
ورغم الانفصال ظل العاشقان يتواصلان، حتى وفاتهما، عبر رسائل كثيرة تفيض بالوله والهيام. يمكن انطلاقا منها تقديم أجوبة عن بعض الأسئلة المتصلة بالحب في غرب أوروبا رغم صعوبة تعميم تلك الأجوبة على جميع حالات الحب، من قبيل القول بأن الحب العصري هو حب جسدي، وأن الاتجاه الغالب عليه هو كونه شعور ينمو ويتطور خارج مؤسسة الزواج.
ويبدو واضحا أن كلا من البطليوسي (المنتمي لأهل العلم والمعرفة) وأبيلار سعيا إلى إضفاء طابع الشرعية على علاقتهما بالمرأتين اللتين ارتبطا بهما. ولكن الصيغة التي أرادا بها تحقيق ذلك تثير، الاستغراب، لأنها تبدو "حداثية" بالمقارنة مع زمانها.
وفضلا عما قيل بخصوص أبيلار، تسمح بعض الرسائل التي بعثت بها إلواز إليه، بالقول بأنه كان من الصعب على مثقف مثله أن يتزوج وفق الطريقة المتعارف عليها، ويوفق بين العمل الفكري والتدريس، وتدبير بيت الزوجية.
ومما لا شك فيه أن المعطيات المتصلة بقصة الثنائيين تكتسي أهمية بالغة، لأنها تفيد بوجود نخبة مثقفة في غرب البحر المتوسط تبنى بعض أفرادها مواقف "حداثية" في وقت جد مبكر، كما تسمح بتكوين فكرة عن موقع الحب في أوساط تلك النخبة.









#يوسف_نكادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البابا فرانسوا ومعضلتا الفقر والكساد الاقتصادي
- مدينة نابلس وسكانها في أعين الرحالة ميشو والأخوين بوجولا
- حول المصالحة بين اليسار و الاسلام السياسي في المغرب
- واقع و آفاق اليسار العربي في ضوء الحراك الاجتماعي الذي تشهده ...
- حول البلطجية و البلطه جي و بلنطجني أو تسخير فتوة الشباب للهد ...
- من وحي ما حدث في تونس و مصر أو اختلال العلاقة بين عنف الطرف ...
- من تداعيات الظاهرة البوعزيزية في المغرب
- مساهمة في اثراء النقاش حول امكانية اطلاق فضائية تقدمية
- أضواء حول حق الملكية في الأندلس
- الفيودالية و النظام الفيودالي في غرب أوربا


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - يوسف نكادي - من مظاهر الحداثة في الحب في أوساط المثقفين خلال العصر الوسيط