أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيدة عشتار بن علي - المتحذلقون















المزيد.....

المتحذلقون


سيدة عشتار بن علي

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 10:38
المحور: الادب والفن
    



كثيرا ما تعترضني بعض النصوص الأدبية سواء كانت شعرية أو نثرية تجبرني على التوقف وقراءتها بتمعن مرة او مرتين واحيانا أكثر وانا في حيرة من أمري ولا أعرف ان كان علي أن انبهر أو استغرب أو أستنكر... اسهال كلامي أو لنقل دفق لغوي ينخرط فيه الكاتب بما يشبه حالات الهذيان الّتي يصاب بها عادة اولئك الذين يصابون بنوبات صرع ويقولون ان هناك مخلوقا من الجن كان يتحدث على لسانهم دون وعي منهم ....هذا النوع من النّصوص وكما سبق ان قلت اجد نفسي مضطرة الى متابعته ومحاولة القبض على تفاصيله وتبين ملامحه ,فصاحبه يصول ويجول مستعرضا كل ما حفلت به اللغة من غريب الالفاظ الطنّانة والرنّانة مستعرضا حذلقاته اللفظية دون الالتفات الى معنى الكلمات الّتي يستعملها وما يمكن ان ترمز له أمام... هذا النّوع من النّصوص أجدني أجاهد واغالب في محاولة للفهم الى ان اصاب بالصداع واحس بدوخة ,لكن اخرج خالية الوفاض من أي معنى رغم انبهاري بالكرنفال اللفظي لصاحبه فأتساءل بيني وبين نفسي :ماذا تريد?! الى اين ?!توقف ارجوك اريد ان افهم ?!قطعت نفسي الله يقطع نفسك... ولا أخفيكم أحيانا ينتابني شك بأني أعاني من قصور في الفهم وان ليس لدي ما يكفي من الذكاء الفلسفي والبلاغي لاستيعاب معاني مثل هذه النصوص الباذخة فالحوارالذي دار بين ابي سعيد الضرير و ابي تمام والذي كثيرا ما ردده أساتذننا أمامنا شكل في نفوسنا عقدة أصيلة هي عقدة الخوف من انكشاف جهلنا واكتشاف الاخرين بأننا قاصرون عن الفهم فقد ورد في شرح الصولي لديوان أبي تمّام أن أبا سعيد الضرير سأل أبا تمّام قائلا
يا ابا تمام لم لا تقول ما يفهم? فما كان منه الا ان أجابه و انت يا ابا سعيد لم لا تفهم من الشعر ما يقال ?لكن أليس معنى الفصاحة هو خلوص الكلام من كل تلك العيوب التي قد تجعله ثقيلا متنافرا أو مبهما غير مستبين المعنى ?
أليس معنى البلاغة أن يكون للفظ يكون في جملة تبلغ المعنى المنشود فيصبح بليغا ?....نصوص مبهرة شكلا لكنها أشبه ما تكون بطلاسم السحرة والمشعوذين والقصد طبعا من ذلك هو ابهار القارئ واستعراض العضلات اللغوية في حين انه في الحقيقة كاتبها يرهق نفسه بذلك ويرهق القارئ معتقدا بذلك انه بليغ والحال ان البلاغة الحقيقية كما فسرها بعض الادباء هي التي اذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن مثلها :اي انها بسيطة وغير متكلفة


يعبّر أحد الكتّاب في هذا الاطار باسلوب خفيف الظل واعترافات أشبه ما تكون باعترافات روسو متحدثا عن بداياته مع عالم الصحافة والكتابة فقد اعترف هذا الكاتب أنه كان يراهن على الابهار لأنه فهم اللعبة وعرف ان نفش الريش اللفظي وعدم فهم الاخرين لما يتشدق به بعض الكتاب والشعراء من الفاظ طنّانة ورنانة الغرض منها ليس تبليغ رسالة بل جعل القارئ يحس بدونيته وجهله امام هذا العبقري البليغ ....يقول الكاتب صاحب الاعتراف الجريء :
كنت استفيد من هذا الابهار لتغطية قصوري أمام مخضرمين ولدوا وترعرعوا في مستنقع المناورات السياسية وحيلها التي لا تنتهي. أقابل مثلا قائدا نقابيا سابقا. أتصيد حديثه بدقة لأضع في أعقابه بمهارة مثل هذه المقولة لكولون ولسن "لقد تحول كل من فان جوخ ونيتشة إلي شعلة متوهجة من اللا انتمائية، ولكن أكثر اللا منتمين لا يتحولون إلي أكثر من جمرة خابية، فلا ينتجون إلا بعض الدخان الأسود يلطخهم ويلطخ كل من حولهم". كنت أشعر بعدها وفي كل مرة كما لو أنني أكبر في المقام صاعدا علي أنقاض حسرات جهلهم الكظيم.
ولو أن أحدهم تجاوز معي وقتها حدود تلك العبارات، لتهدم معبد المعرفة الزائف علي رأسي بلا شفقة، لكنه ذلك الخوف الكامن في دواخلنا من السؤال عما لا نعرفه خشية أن يكتشف ذلك الخواء ويفضح وجودهم عن جهل بذلوا ما في وسعهم لإخفائه عبر مدارات الصمت البائسة
يقول رولان بارتأن ثمة مستويات ثلاثة من النصوص الأول تمكن قراءته واعادة كتابته انطلاقا من كون القارئ منتجا وليس مجرد مستهلك له, والثاني نص تمكن قراءته فقط , والثالث نص لا تمكن قراءته أو إعادة كتابته
حال هؤلاء المتحذلقين هو اشبه ما يكون بحال بطلتي مسرحية المتحذلقات للمبدع الفرنسي موليير والمتحذلقات هي ملهاة ساخرة تعرض فيها موليير لعيوب مجتمعه الغارق آنذاك في التخلف والاسراف والرياء وتدور أحداث المسرحية حول عائلة متكونة من اب وابنتيه نزحوا من الرّيف الفرنسي الى المدينة اين راحت البنتان تحاولان تقليد صاحبات الصّالونات اللاتي كن يفتحن بيوتهن كمنتديات لاستقبال أهل الشعر والموسيقى والأدب ويحدث ان يتقدم للبنتين خاطبين راغبين في الزواج منهما فيقع رفضهما من قبل الاختين بتعلّة انهما لا يتقنان فنون الغزل وليس بارعين في الألفاظ الرنانة والطّنّانة فما كان من الخاطبين الا ان قاما بتدبير مكيدة للانتقام لكرامتهما من الأختين المتحذلقتين فقاما بارسال خادميهما بعد ان جعلاهما يتنكران في ثياب أنيقة ليوهما الفتاتين انهما من النّبلاء والعظماء فراحا الخادمين يتشدقان بغريب الألفظ ورنّانها ويغدقان على الأختين ما وقع تلقينهما من عبارات الغزل المثقل بالزخرف اللفظي مما جعل البنتين تنبهران بالخاطبين ا الجديدين وتقبلهما كعريسن ثم تتوالى أحداث المسرحية حتى تقوم الفتاتين باحياء حفلة موسيقية راقصة رقصتا فيها بشغف وانبهار مع الخادمين المتنكرين المتحذلقين فاذا بالصدمة والمفاجأة تقطع كل ذلك واذا بالخادمين المتنكرين يتلقيان الضرب بالعصي من طرف سيّديهما أمام الجميع لتنكشف الحقيقة والفضيحة التي جعلت البنتين تصدمان وتدركان مدى سطحيتهما وتفاهتهما ويكون ما حدث لهما عبرة ودرسا بان المظاهر والتّشّدق بالألفاظ الرنانة ليس دليلا على نبل صاحبها ونبل فكره والحذلقة اللفظية كثيرا ما تخفي بين طيّاتها سخفا وسطحية في التّفكير وحاله كحال البط الذي يواصل ركضه وهو مقطوع الرّأ س
هذا بالنسبة للمتحذلق الذي فقط يرنو الى ابهار الآخرين واثارة دهشتهم دون ان تكون لدية نيّة الاساءة أو الحاق المضرة أمّا اذا وقعت ثروة الالفاظ بين يدي شخص سافل فحدث ولا حرج
ولم يبالغ تشيخوف عندما قال إن الحضارة إذا اقتربت من سافلٍ صغيرٍ فسرعان ما يصبح سافلاً كبيراً، فالكتابة كمرتبة من مراتب التحضر الإنساني التي تعقب مرحلتي الكلام واللغة يمكن استخدامها كأبشع ما يمكن ان يكون اذا وقعت بين يدي سافل من ذوي الأصوات العالية والضمائر الخرساء وما اكثرهم...! وللاسف الكثير منهم يتصدّرون المشهد الثقافي في مجتمعاتنا حيث تنهار القيمة الابداعية امام سطوة الظاهرة الاعلامية فاذا بالكتابة تتحول من وسيلة للتنوير والتوعية وتحفيز الضمائر بين ايادي بعض السفلة تتحول الى وسيلة للامتهان وتزوير الحقائق والاجرام في حق مجتمع بأسره وما أكثرهم أولئك الذين يضطهدون اقلامهم ويجرمون في حقها بعدم استغلالها فيما يمكن ان يفيدهم ويفيد الاخرين


عالم المفردات بحر لا نهاية ولا قرارله وفيه ما يكفي لاقامة مهرجانات وحدائق وناطحات سحاب من الكلمات ,لكن مهما بلغت درجة الترف والبذخ اللغوي فهي لا تعني شيئا اذا غاب المعنى أو تصدّع والكتابة ليست مجرد فراسة وشطارة في رصف الحروف بل يلزمها كمّ لا بأس به من الشقاء والمعاناة والأخلاق ويلزمها أيضا وعي وايمان بأنها فعل مقدّس لكن هيهات هيهات



#سيدة_عشتار_بن_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردّدي تراتيلك أيّتها الحياة
- سيمون دي بوفوار والجنس الآخر يا نساء العالم ، أنتن مدينات بك ...
- حديث في حقيقة الصّداقة بين المرأة والرّجل
- عشّاق الحور
- وانتخبنا ......أصوات سرقت ,ومع ذلك تونس انتصرت
- رسالة الى وجدي غنيم
- لقاء وحوار مع الكاتبة والشاعرة سيدة بن علي
- نشيد التّلاشي
- ماذا يجري في العراق ?ثورة أم مؤامرة ?
- سوريا تردّ على الضّباع الغادرة
- ما يجوز ولا يجوز في نكاح البهيمة والعجوز
- القصيدة الّتي لم أقع في حبّها
- الدّيمقراطية هي أن تمنحني الحق في تكفيرك واهدار دمك
- حين شهق الزّهر بالنّدى
- فينوس
- استضعفوك فوصفوك
- عاصفة وحنين
- لن أحبّك
- لنترك حديث الحب ....الى حين
- حديث في استراتيجية افشال الدّول أو الجيل الرّابع من الحرب ال ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سيدة عشتار بن علي - المتحذلقون