أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر نواف المسعودي - عزيز نيسين - السخرية حد المرارة والوجع















المزيد.....



عزيز نيسين - السخرية حد المرارة والوجع


حيدر نواف المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 4585 - 2014 / 9 / 25 - 22:43
المحور: الادب والفن
    



"لست من اؤلئك الذين يقولون لو اتيت الى هذا العالم مرة ثانية لفعلت الاشياء التي قمت بها مرة اخرى .. ففي رحلة العمر الثانية اذا ما اتيحت لي فانني اريد ان افعل ما هو اكثر وافضل واجمل بما لايقاس بما فعلته في الحياة الاولى ..."

عزيز نيسين – قصة عاش الوطن

عزيز نيسين( 1915- 1955 ) اسمه الحقيقي محمد نصرت نيسين من مواليد تركيا عام 1915 في جزيرة قرب استانبول واستخدم اسم عزيز نيسن الذي عرف به فيما بعد كأسم مستعار كنوع من الحماية ضد مطاردات الأمن السياسي في تركيا ورغم ذلك فقد دخل السجون مرات عديدة يعتبر عزيز نيسن واحد من أفضل كتاب ما يعرف بالكوميديا السوداء في العالم أو ما تسمى بالقصص المضحكة المبكية و المضحك المبكي في حياته انه وبرغم شهرته الواسعة في كل ارجاء العالم كمبدع فذ إلا أن بلده الأم تركيا لم تعطه من حقه سوى القليل توفي عزيز نيسن في تموز عام 1995 قالت عنه الاديبة و الاعلامية الجزائرية "د . هدى درويش" في حوار اذاعي أنه : "موليير الأدب التركي". (1)

علاقته بأمه :
كانت للعلاقة الدراماتيكية بين عزيز نيسين وامه أثرها الكبير في مخيلته منذ كان طفلاً و سطرت منهجه الفكري بخطوط حزينة أخذت شكل السخرية السوداء الناقمة على التخلف البغيض و النفاق المستشري في المجتمع التركي آنذاك .. لقد جاءت كتابات “عزيز نيسين” عن أمه بقدر عظيم من التبجيل و الحب الذي وصل إلى درجة عالية من القدسية يتجلى ذلك من خلال منحها هالة ملائكية جميلة, فقد كانت هذه الهالة الملائكية المحفز القوي له في معترك كفاحه الطويل ضد قوى الظلام و الجهل و التخلف. ما بين المساحة الملائكية المقدسة التي أحاطها بها و ما بين قلة الحيلة و جلد الذات لتقصيره بحقها حيث الوقت الذي لم يسعفه كما ينبغي لكي يمنحها حقها كما يجب في زمن كانت المرأة فيه لا شيء سوى وعاء إنجاب.. ويبدو جلياً حجم جلد الذات و الشعور بأن والدته ضحية مجتمع أهان كينونتها و إنسانيتها عندما قال نيسين : ( اعتدت تخيل أمي البالغة من العمر الثامنة عشر عاماً فقط وهي تطرز و لكن ليس بالخيوط الملونة، بل كانت تطرز بدموعها والنور المشع من عينيها. لكم تمنيت لو أعطي مقابل كل قطعة واحدة من تلك القطع التي طرزتها يدا أمي, كل كتبي وكل ما سأكتبه)
لقد تجلى وضع “عزيز نيسين” أمه في الإطار الملائكي في سرده عن حادثة الزهور ، حيث يقول: ( لم تكن أمي تستطيع القراءة ولا الكتابة. إلا أنها كانت سيدة غاية في رقة المشاعر والإحساس. إن كل الأمهات هن أفضل نساء العالم
. وأمي، لأنها أمي، كانت أفضل امرأة في العالم في إحدى المرات ، قطفت زهوراً من الحديقة وأحضرتهم لها . كانت سعيدة بتلك الزهور . قالت لي: ” تعال ، دعنا نقطف المزيد” . ذهبنا إلى الحديقة .. أشرت إلى بعض الزهور. قالت لي:” أنظر، الى جمال الزهور، إن تلك الزهور تعيش كما نعيش نحن أيضاً. إذا قطفناها تموت. إنها ستكون أجمل وهي هكذا واقفة على ساقها. ولن يبدو عليها الجمال وهي في كوبٍ زجاجي . كلما مررنا بكل زهرة كانت تخبرني:” أقتلها ، أقطفها لو أردت ذلك “. كل تعلمته وما من شيء جيدٍ أعرفه، الا وأعزوه إلى أمي ...) (2)
لقد جسد عزيز القهر والحرمان الذي كانت تعانيه امه وكل النساء في تركيا في ذبك الوقت بهذه القصيدة النادرة :

أنت الأجمل من بين كل الأمهات..
أنت الأجمل من بين أجمل الأمهات..
في الثالثة عشر كان زواجك
في الخامسة عشر كانت أمومتك..
في السادسة والعشرين جاءت منيتك..
هكذا قبل أن تعيشي
كم أدين إليك بهذا القلب المليء بالحب
فأنا لا أملك حتى صورتك
كانت خطيئة أن تكون لكِ صورةً فوتوغرافية
لم تشاهدي الأفلام ولا المسرحيات
ولم تشهدي الكهرباء ولا الغاز ولا الموقد الكهربائي
ولم توجد أغراض البيت ومستلزماته لديك
لم تسبحي في البحر يوماً
لم تستطيعي القراءة ولا الكتابة
ولكن من وراء حجابٍ أسود
كانت عيناك الجميلتان تنظران إلى العالم.
أتتك المنية وأنتي في السادسة والعشرين، قبل أن تعيشي
من هنا أقول: لن تموت الأمهات قبل أن يعشن
هذا ما كان عليه الأمر أما الآن فهذا ما يصير إليه الأمر

بداياته ..
يقول عزيز نيسين عن بداياته الادبية : كنت عسكرياً في قارص وكنت أكتب الشعر والقصص القصيرة، ولما كانت كانت كتابة العسكريين غير مستحبة استعملت منذ ذلك الوقت اسم " عزيز نيسين " المستعار، وصرت أنشر قصصي القصيرة بهذا الاسم في مجلة ( الأمة ) اليمينية ، التي كانت تصدر في أنقرة ، ثم صدرت هذه القصص فيما بعد عن دار ( الرجل الجديد )، أما أشعاري فقد كنت أنشرها منذ عام 1937 باسم وديعة نيسين في مجلة ( الأيام السبعة ) ، وبسبب سجني عام 1944 سُرحت من الجيش،فجئت إلى استانبول وعملت في مجلة (Yedigün ) فكانت بداياتي الصحفية
كتب في العديد من الصحف التركية ومنها ( الأراجوز والفجر .. ) كما عمد إل إصدار مجلة أسبوعية خاصة به باسم ( السبت ) لم تستمر أكثر من ثمانية أسابيع. • كانون الثاني/ 1946: تمكن بالتعاون مع الأديب التركي صباح الدين علي من إصدار جريدته الشهيرة ( ماركو باشا ) التي وصلت مبيعاتها إلى( 60000) نسخة يومياً . في 1946 :اعتقل بسبب مقالاته في الجريدة التي سبق ذكرها.في 1947 :حوكم أمام محكمة عسكرية عرفية وحكم عليه بالسجن عشرة أشهر وبالنفي إلى ( بورصة ) ثلاثة أشهر ونصف بعد انقضاء المدة ، وذلك بسبب انتقاده في أحد مقالاته للرئيس الأمريكي هنري ترومان.
وأغلقت على إثر مواقفه هذه جريدة ( ماركو باشا ) مع اعتقال صاحبها عزيز نسين،فعاود إصدارها باسم ( معلوم باشا ) وهكذا راح عزيز نسين يعيد إصدار المجلة مع تغيير اسمها في كل مرة يتم فيها اعتقاله و إيقاف الجريدة عن الصدور. :أكثر من فمن معلوم باشا إلى مرحوم باشا، ثم علي بابا، ثم باشاتنا ، ثم ماركو باشا الحر ، وأخيراً جريدة مَدَدْ. في1950: حكم عليه بالسجن ستة عشر شهراً بسبب ترجمته لأجزاء من كتاب ماركس. في 1951 : خرج من السجن لكنه لم يجد عملاً في الصحافة، فعمد لفتح دكان لبيع الكتب لكنه لم ينجح • في ( 1952 في 1954 عمل مصوراً. •في 1955 : اعتقل من دون يعرف سبب اعتقاله وأمضى بضعة أشهر في السجن. •في 1956 : نال جائزة السعفة الذهبية من إيطاليا. •في 1956 : أسس بالاشتراك مع الأديب التركي كمال طاهر داراً للنشر باسم ( دار الفكر) لكنها احترقت في العام 1963 مع آلاف الكتب التي كانت بداخلها. • في1957: نال جائزة السعفة الذهبية من إيطاليا ( للمرة الثانية على التوالي ). • في تشرين الثاني / 1966 : شارك في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا في القاهرة • في 1966 : نال جائزة القنفذ الذهبي من بلغاريا. • في 16 نيسان / 1967: انتخب نائباً لرئيس اتحاد الأدباء الأتراك، ثم انتخب رئيساً لنقابة الكتاب الأتراك بعد تأسيسها. •في أيار / 1967 : شارك في مؤتمر اتحاد الكتاب السوفييت في موسكو . •في 1968 : نال الجائزة الأولى في المسابقة التي أجريت في تركيا تخليداً لذكرى الشاعر الشعبي ( قراجه أوغلان ) عن مسرحياته ( ثلاث مسرحيات أراجوزية). • في 1969 : نال جائزة التمساح الأولى من الاتحاد السوفيتي. • في 1969 : نال جائزة المجمع اللغوي التركي عن مسرحيته (جيجو ). •في 1975: نال جائزة اللوتس الأولى من اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا • أنشأ عزيز نيسين وقفاً نذر له ريع كل أعماله الأدبية، وكانت مهمة هذا الوقف رعاية الأطفال الأيتام حتى آخر مراحل الدراسة الجامعية ، وتأمين عمل أو مهنة لمن تعثر منهم في دراسته ،وقد استقبل هذا الوقف أول فوج من الأطفال الأيتام في أواخر العام 1977. •في 1979 : شارك في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا في لواندا ( عاصمة أنغولا ). •في 1982 : شارك في مؤتمر اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا في هانوي ( عاصمة فيتنام ) (3)

ان القارئ لكتابات عزيز نيسين القصصية الساخرة يجد ان ان هذه القصص برغم سخريتها اللاذعة واسلوبها الكوميدي جدا الا انها لا تهدف الى اضحاك القارئ وبث الشعور بالسعادة لديه بقدر ماتهدف في الاساس الى اثارة مشاعر الالم والحزن فيه والى استفزازه واستثارته ووضع الاصبع بقوة على الجرح العميق الذي يعانيه الفقراء والمحرومين والمضطهدين والمعذبين وبسبب ذلك فقد دفع عزيز نيسين مرارا ضريبة وثمن كتاباته اللاذعة والخطرة تلك سنوات من الاعتقال والسجن والملاحقة من قبل الشرطة السرية ..
ان انتماء عزيز نيسين الطبقي ووطاة هذا الانتماء والفوارق الاجتماعية الشاسعة بين الاغنياء والفقراء واحساس عزيز بهذه الفوارق وبشلعتها اضافة الى الفترة الزمنية الصعبة التي ولد فيها كل هذه الظروف التاريخية والاجتماعية كان لها الاكثر الاكبر والاعمق في تشكل شخصية وادب عزيز نيسين فيقول عن ذلك : (لَم يكن لدي أدنى خيار عندما ولدت في أكثر الأيام ناريّة وربما أكثرها دموية . فالتوقيت كان غير مناسب أبدا ، حيث اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام مولدي أي 1915. ولسخرية الأقدار أن جاءت ولادتي في مكانِ غير مناسب أيضا ، وذلك على جزيرةِ Heybeli التي تقبع بعيدة عن شاطئ اسطنبول التي كانت المصيف المميز لسكان تركيا الاثرياء
وبطبيعة الحال الأغنياء لا يَستطيعونَ العيش بدون فقراء ، فكَان هذا الاحتياج سببا عظيماً كي أعيش وعائلتي على هذه الجزيرة.
أنا لا أَقْصد بهذه الدلالات أني كُنْت سيئ الحظ أبدا , بل العكس هو الصحيح ، حيث بقيت - طيلة حياتي – أَعتبر نفسي محظوظاً جداً في عدم المَجيء مِنْ عائلةٍِ مشهورةٍ ، نبيلةِ ، وغنية
أطلقت عليّ عائلتي اسم نصرت "Nusret" بالتركية ، المستمدة من "نصر من اللهِ" بالعربية ، واختيار الاسم دلالته لدى معدمي وفقراء العائلة حيث كان بالنسبة لهم آخر أمل يرَبطَ كُل أمالهم باللهِ (4)
وبرغم سطوة وقسوة الظروف والحياة والمجتمع التي عاش فيها عزيز نيسين وقسوة الصراع مع هذه العوامل مجتمعة من اجل العيش والبقاء فقد تمكن عزيز نيسين وبقوة جراته واصراره وتحديه لكل هذه العوامل من الاستمرار والبقاء والاستمرار وبل وخوض معركة شرسة وقاسية ضد قمع وقسوة الحياة والمجتمع والظلم : ( المتقشّفون القدماءُ كما كان معروفا، كانوا يقتلون وبأيديهم نسلهم الذي يولد ضعيفاً وضئيلاً، ويبقون فقط على القوي منهم، مع تعظيم شأنهم . هذا العرف كنا نمارسه بلا خيار نحن معشر الأتراك من خلال منطق الطبيعة والمجتمع. وقد اَكتْشفت أنّ إخوتي الأربعة قد ماتوا في مرحلة الطفولةِ بسبب عدم قدرتهم على تَحَمُّل بيئتِهم القاسية. أمّا أمّي وفي سن السادسة والعشرينِ من عمرها ، فهي الأخرى لم تحتمل الحياة، فماتت تاركة هذا العالمِ الجميلِ لمن يَستحقوه من هؤلاء الأقوياء. وربما تستطيعون إذن تفهم عنادي و تصميمي على ممارسة حق البَقاء) (5)
وفي خضم الصراع الطبقي والفكري المرير الذي كان يدور في تلك الفترة فقدد حدد عزيز نيسين لنفسه في وسط دوامة هذا الصراع منهجا فكريا وايديولوجيا كان طبيعيا ان يتناسب ويتلائم مع الحياة الاجتماعية التي نشا في خضمها وان يتلائم ايضا مع ضميره ومايؤمن به من معتقدات وافكار وذلك كان بالطبع بالعكس من رغبة وحلم والده في رؤية ابنه وقد اصبح تاجرا ثريا للخروج من مستنقع الفقر والحرمان : (الأجواء في الدول الرأسمالية تبدو ملائمة للتجار، أمّا في البلدان الاشتراكية الأمر يبدو مناسب أكثر لمعشر الكتّاب. و بذلك يستطيع الرجل أن يحدد إلى مَن وأين سينتمي، فمهنة الكتابة تعني الانتماء للحالة الاشتراكية. لهذا حددت منذ كان عمري عشر سنوات أي في طفولتي المبكرة موقفي في أن لا أصير تاجرا رأسماليا ففي تركيا ما يكفيها من كومه نفاياتٍ رأسمالية. فكان علي إذن أَنْ أصبح كاتبا حتى و إَنّ خلت عائلتي تماما من أي شخص يستطيع القراءة أو الكتابة..
والدي ككلّ الآباء الجيدين إذ كان يعتقد بأنَّ نصائحه المستقبلية لابنه قد تثنية عن هذه الفكرةِ السخيفة للكتابة، وأن يختار مستقبلا أكثر استقامة لكسب العيش وكنت أحسن الاستماع إليه.
أما عنادي فقد كان الأقوى من من نصائح أبي، لأنني اتخذت القرار بأنْ أكُونَ كاتبا..
دَخلتُ المدرسة بشغف، وحلم جارف لقلمِ يكون في متناول يدي . إلاّ أنني وجدتهم يَدْفعونَ ببندقيةَ في يَديَّ بدلا من القلم. (6)
استطاع عزيز نيسين ان يتحدى كل المعوقات وكل ما اعرضه في بدايات حياته الاولى من اسباب الفشل والاحباط لانه كان يصر ان يكون حرا وان يصبح كاتبا وليس كاي كاتب فحسب بل ضميرا حيا وصوتا قويا للفقراء والمحرومين في وجه الظلم والاستبداد والتمييز : (أثناء سنوات عمري الأولى ، لم أَستطع فعل ما أريد، وبالمقابل لم أحب ما أعْمل ، فقد أردتُ وحلمت بأَنْ أكون كاتبا ، إلاّ أنني وجدت نفسي جندياً. ففي ذَلِك الوَقت كان الأطفال تعساء سيئي الحظ ولا يمكن لهم دراسة معنى الحُريَّة في مدارس كانت عسكريةَ ، لذلك اضطررت الالتحاق بمدرسة داخليةَ عسكريةَ..!
في عام 1933 ظهر إلى الوجود قانون اللقب ، هذا القانون الذي يمنح كل تركي الحق في اختيار الاسم الأخير لنفسه كلقب. ومن خلال هذا القانون أتضح مكنون النفوس الوضيعة فأصبح أشد الناس بخلاً معروفا ب "الكريم", وأكثر الجبناء اتخذوا لقب "الشجعان" ، وأشد الناس كسلا منحوا أنفسهم لقب "دؤوب" . أمّا المثير للمرارة فقد كان في اختيار أحد معلمينا لقبَ "بارعِ " وهو بالكاد يستطيع توقيع اسمه تحت ذيل رسالته .
لقد أصبح هذا القانون هديةُ للتمييز العنصري الذي انتشر بين الناس من خلال خليط من الألقابِ ،التي فقط جعلت منهم أتراك. (7)
ماذا يعني نيسين .. يقول عزيز عن لقبه الذي اختاره لنفسه وهو ( نيسين ) : (دوما كنت أحل بالمرتبة الأخيرة في أيّ نوع من أنواع الصراعات, فكيف إذن بالألقاب .! فقد تخلفت أيضا في معركة الألقاب اللطيفة و لم يتبقى لي أي لقب يمكنني الزهو و الفخر به. لذا اتخذت اسمَ "Nesin" الذي يعني "هذا صحيح" ، ربما كان بدافع التأمل والتفكير في مسائلة ذاتي ما إذا كان هذا صحيح..! (8)

ميزات اسلوبه القصصي الساخر :
القاريء الدقيق لكتابات وقصص عزيز نيسين المترجمة يلاحظ عدم اهتمامه كثيرا بالصور الجمالية والبلاغية حيث استخدامه للمفردات البسيطة رغم البعد النقدي السياسي لقصصه.
الامر الاخر الذي يلفت انتباه القاريء او الناقد في قصص نيسين من حيث الأسلوب هو اعتماده الموقف الفردي في التعبير عن الفكرة فكانت قصصه تتضمن في الاغلب على ارائه الفكرية والايدلوجية ومايؤمن به دون الاهتمام كثيرا بالاراء الاخرى المخالفة او المعارضة لرايه
اخيرا معظم اعمال نيسين كانت تتسم بلمسة عميقة جدا من التشاؤم والحزن والسوداوية والمرارة , وقد يكون ذلك له تبريره عند نيسين فهو قد عاصر حقبة تاريخية حرجة وصعبة جدا من تاريخ تركيا والعالم تزامنت مع اندلاع الحرب العالمية والتحول الاقتصادي والاجتماعي الذي كانت تشهده تركيا انذاك .. ولا سيما ان نيسين ركز قصصه على الشان السياسي والاجتماعي المتردي انذاك .

نقد السلطة الفاسدة
,, لكني كنت ساكتب عن الهواء والماء وقصدي عن امور بسيطة
كتابتك عن شيء مثل الهواء,,تعني انك ستكتب عن تجارة الدولة التي ارباحها كالهواء,,وتجارة الدولة تعني وزير التجارة , والوزير جزء من الحكومة صح ام لا ؟
- من قصة هل فعلت هذا ام لا-

لم يكن اسم عزيز الاسم الوحيد المستعار الذي كتب به.. وان كان اشهرها.. فقد استخدم 200 من الأسماء المستعارة.. بسبب مطاردات الامن السياسي له.. وهي مطاردات في تركيا من النوع الثقيل جدا.. وهو ما جعله يكتب في احدى قصصه انه قرر ان ينظم حياته.. فوضع برنامجا للاسبوع:

الاثنين ـ استجواب في قضية نشر..
الثلاثاء ـ تفتيش البيت..
الاربعاء والخميس ـ جلسات محاكمة..
الجمعة والسبت ـ استيفاء المحاضر..
الاحد ـ اجازة..
اما بقية ايام الاسبوع فتخصص للكتابة. (يجب الاستمرار.. لا يجوز ترك هذا الجمهور من الناس ـ الشرطة والمحققين ورؤساء النيابة والقضاة ـ عاطلين عن العمل.. ليس لدي رغبة كبيرة في التفكير في الموت.. لكنني اعتقد انهم سيقولون عني بعد موتي: كان انسانا موهوبا.. يجيد استعمال قلمه.. ولولا كل هذه الاستدعاءات والتفتيشات والاستجوابات والمحاكمات لكان يمكن ان يكون كاتبا) .

كان عزيز نيسيين لاذعا وشديدا في نقده للسلطة والظواهر الاجتماعية الى حد جعله في دائرة الاتهام الدائم من قبل السلطة وبعض الطبقات الاجتماعية .. لقد نشر عزيز نيسين قصة قصيرة جدا بحجم
نصف صفحة كتاب صغير الحجم اصبحت نكتة شهيرة في العالم كله وهي قصة السمكة ..
لقد اصطاد رجل سمكة.. فسارع بها الى زوجته طالبا منها ان تقليها.. لكن الزوجة اعتذرت لعدم وجود زيت.. فقال الرجل لها: اشويها.. فاعتذرت الزوجة لعدم وجود ردة.. فطلب منها ان تسلقها. فصرخت فيه الزوجة: لا نملك غازا.. فحمل الرجل السمك وراح الى البحر وألقاها في الماء.. فهتفت السمكة: (تعيش الحكومة)

. ان هذه القصة التي ترددت كنكتة دون ان نعرف مؤلفها الاصلي هي التي رشحت عزيز نيسين لجائزة (القنفذ الذهبي) التي اعطيت لافضل كاتب ساخر في بلغاريا في عام 1966. بعد نشر هذه القصة احترقت دار النشر التي اشترك مع الروائي التركي المعروف كمال طاهر في تأسيسها واطلقا عليها اسم (فكر) .. كانت تدعو الى الحرية في مواجهة الديكتاتورية العسكرية.. والى التنوير في مواجهة التكفير.. وكان ذلك في عام 1956.. و في عام 1963 احترقت دار النشر.. وبها 110 آلاف كتاب وسجلت الحكومة الحريق (ضد مجهول)

كتب عزيز نيسين ايضا المسرحيات ومثلت مسرحياته في سبعة بلدان خارج تركيا . ان واحدة من مسرحياته التي شهدها العالم تدور حول فلاح بسيط كان يدفع كل سنة رشوة لمهندس الري حتى يسمح له بالماء المطلوب لارضه.. وفي كل سنة كان المهندس يرفع قيمة الرشوة حتى جاءت سنة وعجز الفلاح الفقير عن دفع المطلوب منه.. فقرر ان يشكو المهندس لرئيسه.. وغضب الرئيس مما يفعله مرؤوسه وقرر ضبطه ومحاسبته في قضية رشوة.. وبالفعل.. ما ان قدم الفلاح للمهندس الرشوة حتى هجمت الشرطة على مكتبه.. لكن المهندس تصرف بسرعة مذهلة واخفى الرشوة وراء صورة حاكم الاقليم التي يعلقها فوق رأسه.. وفشلت قضية الرشوة ونجا منها.. وما ان خرجت الشرطة من مكتبه وبقي فيه وحيدا حتى مد يده وراء صورة حاكم الاقليم ليحصل على الرشوة وهو سعيد بما فعل.. لكن ما اثار دهشته.. انه لم يجد المال الذي وضعه بنفسه منذ دقائق.. على انه احس ان الصورة لاول مرة تبتسم في سخرية لم يلحظها من قبل.

قصة أسفل السافلين
هذه القصة تدور حول رجل ذهب إلى قرية من القرى التركية النائية, وعندما وصل إلى القرية, استقل سيارة ليتنزه, وبينما هو في نزهته لفت نظره بيتا جميلا من طابق واحد وقد تجمهر حوله عدد كبير من رجال ونساء وأطفال القرية. . فقال للسائق بيت من هذا؟ فوجد السائق يتذمر ويقول: بيت الزفت السافل ربنا ياخده!! إنه الرجل الذي أرسلته الحكومة ليرعى شئون القرية . . فقال الرجل: وما أسمه؟ . . فقال السائق: ليذهب إلى الجحيم هو وإسمه . . إننا ننعته بالرجل السافل الحقير . . سافل بمعنى الكلمة. وأندهش الرجل, فهو يعلم أن السائق رجل طيب وعلى خلق فكيف ينعت الرجل هكذا بأبشع الصفات!.
وهكذا فكل من كان يصلدفه الرجل كان يذم ويلعن ويسب ويشتم هذا الموظف ويصفه بابشع واقذر الصفات حتى دفع الفضول ذلك الرجل لزيارة هذا الموظف في بيته فوجده انسانا طيبا ورقيقا وخلوقا ومؤدبا ورحوما هو وزوجته وكان يساعد ويقدم مختلف اشكال العون والعطف لاهل القرية .. فجن جنون ذلك الرجل وقبل مغادرته تلك القرية قرر زيارة محامي القرية اكثر الاشخاص ثقافة فيها وساله : هل ذلك الموظف المسؤول عن القرية يسرق؟! فأجابه المحامي: لايمكن, إنه هو وزوجته من أغنى العائلات . . وهل في هذه القرية ما يسرق؟! فسأل الرجل: هل تعطلت الهواتف في القرية بسببه؟! فقال المحامي: كانت الهواتف كلها معطلة, ومنذ أن جاء هذا الحقير تم إصلاحها واشتغلت كلها . . فاستشاط الرجل في غيظ وقال للمحامي: طالما أن أهل القرية يكرهونه ويرونه سافلاً هكذا لماذا لا يشكونه للمسؤولين؟! فأخرج المحامي دوسيهاً ممتلأً وقال: تفضل . . أنظر . . آلاف الشكاوى أُرسلت فيه ولكن لم يتم نقله وسيظل هذا السافل كاتماً على أنفاسنا. قرر الرجل أن يترك القرية بعد أن كاد عقله يختل ولم يعد يفهم شيئا.ً وعند الرحيل, كان المحامي في وداعه عند المحطة. وهنا قال المحامي بعد أن وثق بالرجل وتأكد من رحيله: هناك شيئا أود أن أخبرك به قبل رحيلك . . لقد أدركت أنا وأهل القرية جميعاً من خلال تجاربنا مع الحكومة . . إنهم عندما يرسلون إلينا موظفا عموميا جيدا ونرتاح إليه ويرتاح إلينا تبادر الدولة فورا بترحيله من قريتنا بالرغم من تمسكنا به . . وأنه كلما كثرت شكاوى أهل القرية وكراهيتهم لموظف عمومي كلما احتفظ المسؤولون به . . ولذا فنحن جميعاً قد إتفقنا على أن نسب هذا الموظف وننعته بأبشع الصفات حتى يظل معنا لأطول فترة ممكنه, ولذا فنحن نعلن رفضنا له ولسفالته, ونرسل عرائض وشكاوى ليبعدوه عن القرية . . وبهذا الشكل تمكنا من إبقائه عندنا أربعة أعوام . . آه . . لو تمكنا من أن نوفق في إبقائه أربعة أعوام أخرى, ستصبح قريتنا جنة.

نقد الدين والجهل
قصة اعرف نفسك
الاسم يشبه الاسم والمكان يشبه المكان والإنسان يشبه الإنسان والرجل كأنه الرجل والمرأة كأنها المرأة. إن ما نحكيه حكاية.. فإذا زل لساننا وذكرنا اسمكم فنرجو عفوكم ».. كان يامكان في أحد الأيام رجل في مدينة «بخارى» قلبه أطهر من الماء. عيناه في الأرض.جبينه في السماء.. ولا يتوانى لحظة عن ذكر الله. لا يقدم على سوء.. ولا يخطو خطوتين دون وضوء.. لا يعير انتباها لهراء.. ولا يقطع وقت صلاة.. بلغ الأربعين.. طوال حياته ما حفر أمام إنسان.. وما خلع ثيابه في الحرام. وما كتب حرفا دون معنى في كلام.. كان ملاكا لا ينقصه إلا جناحان.. اعتكف على الدعاء والرجاء وهو يكرر : «اللهم اجعلني أسمو في طريق الحق».. وفي نهاية الليلة الثالثة للدعاء سمع صوتا يدعوه أن يفتش في الأرض عن الشيخ «شزالت » ليهب نفسه له ويكون عبدا من عبيده.
قطع الرجل الجبال والوديان وسار على مدى صيفين وشتاء وفي النهاية وصل مدينة «بغداد ».. كان يسأل من يقابله عن الشيخ «شزالت».. لكن لا أحد كان يعرفه.. ووصل مدينة دمشق ومنها إلى مدينة شيراز لكنه لم يجد مايريد.. صار الرجل عجوزا شعره منسدل على كتفيه ولحيته إلى صدره وعاد من جديد إلى مدينته : «بخارى».. مرت أيام لم يذق فيها زادا ولم يغمض له جفن ولم تعد ركبتاه تقدران على حملة فانهار على جانب النهر.. نظر إلى الماء قائلا لنفسه : «لأجدد وضوئي وأقيم الصلاة ». وبينما كان يتوضأ رأى خيارة تنساب إليه مع تيارالماء..لم يستطع المقاومة.. التقط الخيارة ليسد جوعه.. خيارة كبيرة أكلها على مرتين مضغها وبلعها.. لكنه سرعان ما قال لنفسه : «أكلت خيارة لا أعرف صاحبها.. هذه ثمرة محرمة.. سأبحث عن حقلها ثم سأعرف صاحبها واستسمحه عن الخيارة التي أكلتها.. ونهض بسرعة وسار في عكس التيار فوجد حقل خيار وسأل عن صاحبه وعرف مكانه.
قرع الباب فوجد أصوات شتائم قوية تنبعث من الداخل.. وفتح الباب رجلا تتطاير من وجهه علامات الشر. وسأله : «ماذا تريد يا حمار ؟. فقال : أريد صاحب حقل الخيار
ودخل الرجل ليجد أربعين غرفة في الدار.. في كل غرفة أربعون من اللصوص والأشرار يلعبون القمار.. كان صاحب حقل الخيار يجلس متربعا يجمع حصته من الرابحين. قال له الرجل مزمجرا : «ماذا تريد يا حمار ؟.. فروى له قصة الخيارة وطلب أن يسامحه فيها.. فقال الرجل : هذا الحقل ليس لي وحدي.. نحن ثلاثة أخوة. رجلان وامرأة. أخي الأصغر يسكن في مدينة تدعى بلخ أما أختي فتسكن في مدينة مروة والخيارة التي أكلتها ليس لي فيها سوى الثلث.. سأسامحك فيه إذا ما خدمت في هذا البيت الذي أديره في القمار عشر سنوات. ثم بعد ذلك اذهب لتحصل على ثلثي السماح من أخي وأختي
لم يجد الرجل الزاهد مفرا من العمل عشر سنوات في المقمرة حارسا وكانسا وماسحا.. وخلال هذه السنوات تعلم كل ألعاب القمار وحيل الغش ليصبح مقامرا ما عرف التاريخ مثله. وما أن انتهت المدة حتى قال له الرجل : «سامحتك بثلث الخيارة التي أكلتها والآن اذهب إلى أخوي واستسمحهما.. أخذ العنوان وخرج إلى الطريق.. لكن لأنه اعتاد على القمار ما عاد يستطيع الاستغناء عنه. وفي كل مكان ينزل فيه كان يكسب من يلاعبهم. وإذا وقع في طريقه بيت في قرية حوله إلى مقمرة.
وصل إلى البيت الذي يبحث عنه وقرعه ليجد رجلا ثملا يفتح له وسأله : ماذا تريد يا حمار ؟.. وحكى حكايته.. فأخذوه إلى صاحب البيت الذي طلب منه أن يسامحه في ثلث الخيارة. لكن الرجل أصر على أن يخدم في بيته المكون من أربعين غرفة في كل غرفة مشرب لمدة عشر سنوات حتى يسامحه.. وبعد أن انتهت المدة حلل الثلث الثاني من الخيارة التي أكلها في الحرام.. لكنه في المقابل تعلم فنون الشراب وطرد السكارى وأصبح سكيرا لا يوجد له مثيل في العالم.. صار يشرب في وقفة زجاجة وفي جلسة برميلا. وقال له صاحب البيت : سامحتك بثلث خيارتي والآن اذهب إلى أختي وها هو العنوان.
أخذ العنوان وذهب.. ولأنه اعتاد على الخمر والقمار فما عاد يستطيع دونهما صبرا. ولو صادف في طريقه قرية مؤلفة من بيتين حول الأول إلى مقمرة وحول الثاني إلى خمارة..وواصل سيره حتى وصل إلى البيت الثالث.. وما ان طرق الباب حتى وجد إمرأة عارية تفتح له الباب وهي تقول : تفضل يا روحي.. دخل.. كان في الداخل 40 غرفة في كل غرفة نساء عاريات ورجال يحتضونهن مع موسيقى وشراب وغناء. صاحبة البيت عجوز شمطاء صرخت في وجهه : ماذا تريد يا حمار ؟. فحكى لها الحكاية وطلب منها أن تسامحه في ثلث الخيارة الباقي ليستريح ضميره.
قالت له : بيتي هذا بيت دعارة. أديره بعيدا عن الدولة. إذا عملت عندي هنا عشر سنوات سأسامحك بثلث الخيارة. وإلا فلن أسامحك.. وعبثا حاول المقاومة.. وعندما لم يجد مخرجا خدم في البيت عشرة أعوام.. وفي هذه الفترة استقبل الزبائن واشترى واصبح في هذا العمل خبيرا ما عرف التاريخ مثله. وعندما انتهت المدة قبل ثوب المرأة واستأذنها.. فقالت له : سامحتك بثلث الخيارة التي أكلت.. هيا اذهب سهل الله لك الطريق. ليجعل الله التراب ذهبا بين يديك.
ومشى بلاد الله وعرف خلق الله.. قطع ودياناً وجبالاً..سار على مدى صيفين وشتاء.. ثم رأى في صباح أحد الأيام مدينة لا يعرف اسمها. كان ينبعث منها صوت الطبل والزمر.. قال لنفسه : لابد أنه العيد. دخل من باب المدينة ليجد زينة. أعلام وفوانيس.. طبول تقرع. ومزامير تصدح.. كان يسير وأمامه خمسة عازفين. وعلى بعد كل مئة خطوة تذبح الكباش والعجول والجمال والأغنام قرابين.. آلاف الأشخاص على جانبي الطريق احتشدوا وهتفوا بكل قوتهم «عاش الشيخ شزالت » دهش الرجل عندما وجد أشخاصا يلبسون معاطف رسمية يتوجهون إليه ويقبلون قدميه وثوبه ويديه. قال الرجل وهو في ذهول : ما هذا ؟. من هو الشيخ شزالت ؟ انني أبحث عنه منذ سنوات.. قال مقبلو اليدين والثوب والقدمين : «رحماك.. نحن الذين نبحث عن الشيخ شزالت.. تعال لتكون على رأسنا.. قال : لا بد أن في الأمر خطأ.. قالوا «شهرتكم ملأت الأصقاع ». قالوا : «توقفوا. أنا مصاب بعلة ». قالوا : «كلنا مصابون بعلة ».. قال : «لكنني مقامر».. قالوا : «كلنا مقامرون لكن لم يرتق أحد منا لسموك.. لهذا ستكون ملكنا » قال : «لكني أيضا سكير » قالوا : «نحن جميعا نشرب ولكن لا أحد يشرب مثلك ».. قال : «وأنا كذلك.....» قالوا : أحسن يا سلطاننا.. تفضل بالجلوس على عرشكم
فهم الرجل أنه أمضى ثلاثين عاما.. كل عشرة في مكان لكي يصل إلى علو «شزالت » وأن الشخص الذي يبحث عنه هو ذاته.. وقد انتظروه سنوات طويلة لكي يتوجوه وسط فرق الموسيقى. ودخل القصر. وجلس على العرش.

رسالة الى الموت
وقبل الرحيل كتب عزيز نيسين الى الموت.. زائره الاخير يقول: (لا تغافلني في النوم كما يفعل الجبناء.. وحين تأتي لا تتصرف كما يتصرف الضيوف ثقيلو الظل.. ولتكن اقامتك عندي قصيرة.. لا تجعلني اشعر بك كدرا مزمنا.. التصق بجلدي وتسلل في هدوء الى روحي.. تذكر انني انتظرك منذ بدأت اعي وجودي.. تعال محترما كما يليق بزائر طال انتظاره كل هذا العدد من السنين.. لا تضطرني الى فقد الاحترام الذي اكنه لك.. عشت حياتي مرفوع الرأس.. ناصع الجبين.. فعانقني واقفا مرفوع الرأس حين تأتي لتأخذني.. لا تنصب كمينا.. لا تطعن في الظهر.. لنلتق واقفين كما يليق بالاصلاء.. كن سريعا ورشيقا.. يجب ان ينتهي كل شيء في غمضة عين. انك واحد من اكثر حقائق الحياة حدة وحتمية ولا مجال معك لاي نوع من المناورة والمداورة.. انت تعرف انني لم اشعر بالغيرة من الذين عاصروني في حياتي كلها.. لا لأنني طيب القلب بل لانني لم ار احدا اكبر مني.. وتعرف ايضا انني كثير الاعتزاز بما فعلت وبما خططت له ولم استطع تحقيقه. كلانا مناضل صمد في وجه غريمه.. كلانا كافح ضد الاخر كل هذه السنين دونما توقف.. ولعلي اشير هنا الى ان نضالي انا كان اعظم واكبر من نضالك انت.. ذلك لانك كنت واثقا من البداية من ان النصر في النهاية سيكون مهما حصل الى جانبك.. في حين كنت انا اعلم علم اليقين بان الهزيمة في نهاية المطاف ستكون من نصيبي.. الم ابق مصرا على اقتحام مواقع ذاك الذي سيهزمني كما لو كنت غير مرشح للهزيمة ابدا رغم معرفتي الاكيدة بأنني مهزوم ولا محالة؟.. هل انتابني الخوف ولو للحظة؟.. هل فكرت في الهروب؟.. هل قدمت لك اي تنازل مهما صغر بغية ان اعيش اكثر.. بغية ان احيا حياة افضل.. بغية ان احصل على المزيد من مفاتن هذه الدنيا الرائعة في جمالها؟. تسألني ماذا فعلت؟.. اليك جوابي.. كيميائيو العصور الوسطى عجزوا عن قلب الحجر الى ذهب.. اما انا فكيميائي نجحت في قلب دموعي الى ضحكات قدمتها الى العالم.

في 6 تموز من عام 1995 توفي عزيز نيسين إثر إصابته بالسكتة القلبية لكن شهرته وكتبه لازالت تملا الدنيا فكتبه توزع اليوم اكثر من مليون نسخة سنويا في تركيا ومليون نسخة اخرى في باقي دول العالم.. لكن.. الرجل الذي عاش الفقر والقهر حتى اخرج البسمة من الظلام لم يعش ليستمتع بما يجنيه الناشرون من ارباح طائلة من وراء نشر روائعه.

حيدر نواف المسعودي
25 سبتمبر 2014

-------------------------------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
1. ويكيبديا الموسوعة الحرة – عزيز نيسين
2. المصدر نفسه
3. قصتي – عزيز نيسين –ترجمة: أوزجان يشار
4. المصدر نفسه
5. المصدر نفسه
6. المصدر نفسه
7. المصدر نفسه
8. المصدر نفسه



#حيدر_نواف_المسعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تضحي ايران بالمالكي حفاظا على بقاء الحكم الشيعي الموالي و ...
- غابريل غارسيا ماركيز - موت حالم
- المعقول واللامعقول في قرار مقتدى حل التيار الصدري
- صباحكم تظاهرات وديمقراطية
- دلالات الرموز الطائفية في اعلان المعركة المقدسة لبطل التحرير ...
- معركة الرمادي .. معركة سياسية ام عسكرية ام ورقة المالكي الاخ ...
- فيروز وقصيدة حب ضاعت في صباح من دخان
- هل ثمة ثقافة ... في عاصمة الثقافة ؟؟؟
- امطار .. فيضانات .. انتخابات .. حكومات
- احمد القبانجي امام محاكم التفتيش
- هل سينجح المالكي فيما فشل فيه الامريكان ؟
- فنتازيا المدينة الكونية البدء من خارج الأرض وبلا ذاكرة أو م ...
- سقط الاخوان في في السياسة و الحكم و -الميدان- *
- الربيع العراقي ... خارطة طريق
- ايران اثارة الفوضى وحلم الدولة الكبرى
- قناة الشرقية اعلام هادف وادوار متنوعة وعطاء انساني
- استنساخ المالكي والتجربة !!!
- الديكتاتورية تتعرى بلا حياء في العراق
- دراسة - من الاستبداد الديكتاتوري الى الاستبداد الديمقراطي
- دراسة - بانتظار المنقذ هل هي فكرة لتأجيل الثورة ؟


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر نواف المسعودي - عزيز نيسين - السخرية حد المرارة والوجع