أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رونا صبري - فن الموشحات الأندلسية (التكوين والبناء )















المزيد.....



فن الموشحات الأندلسية (التكوين والبناء )


رونا صبري

الحوار المتمدن-العدد: 4564 - 2014 / 9 / 4 - 14:26
المحور: الادب والفن
    


الموشح ضرب من ضروب الشعر استحدثه المتأخرون بدافع الخروج على نظام القصيدة والثورة على النهج القديم للقصيدة وانسجاماً مع روح الطبيعة الجديدة في بلاد الأندلس واندماجاً في تنوع التلحين والغناء.

الموشحات فن أنيق من فنون الشعر العربي اتخذ قوال بعينها في نطاق تعدد الأوزان الشعرية، وكان ظهوره في نطاق إطاره هذا بأرض الأندلس، وقد اتسعت الموشحات لاحتضان كل موضوعات الشعر وأغراضه بحيث أن النقاد القدامى حين حددوا فنون الشعر بسبعة حدود جعلوا الموشح واحداً من هذه الفنون التي حصرها الأبشيهي في الشعر القريض،والموشح،والدوبيت، والزجل، والمواليا، والكان كان، والقوما.

ما الموشحة؟ ما الوشاح؟

يقول صاحب لسان العرب نقلاً عن الجوهري في صحاحه: ( الوشاح يُنسج من أديمٍ عريض ويُرصّع بالجواهر،وتشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها).

المراد بالعاتق:مابين العنق والكتف، وبالكشح: الخاصرة التي يدور الحزام حولها.

ولعل هذا النوع من الوشاح مما كان يتخذه أهل البوادي،فينسجون أديماً عريضاً من سيور رفيعة، ثم يرصّعونه بالجواهر المختلفة الأقدار والألوان على نسب خاصة، ثم تشده المرأة في الأعراس ونحوها بين عاتقيها وكشيحها بصيغة التثنية أي أنها تتخذ وشاحين، وربما فعله بعض النسوة مبالغة في الزينة أو تظاهراً بالغنى والثراء.

ويقول الأستاذ مصطفى السقا في كتابه المختار من الموشحات تعليقاً على السطور السابقة: ( هذا أصل معنى الموشحات كما جاء في معاجم اللغة،وقد توسع العرب في الكلمة، فأطلقوها مجازاً على أشياء منها القوس فتكون في وضعها على الكتف أشبه بالوشاح،ومنها الثوب يلتف به صاحبه كما كما يوضع الوشاح بين العاتق والكشح، ومنها السيف سموه وشاحاً على التشبيه به لأن صاحبه يتوشح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه الأيسر ويكون الأيمن مكشوفاً،وربما يُسمى السيف وشاحة ـ بالتاءـ أيضا كما يُقال إزار و إزارة، وقد يُسمى الكشح وشاحاً لأن الوشاح يُعقد عند الكشح يُقال امرأة غرثى الوشاح إذا كانت هيفاء.

الموشح فن شعري مستحدث، يختلف عن ضروب الشعر الغنائي العربي في أمور عدة، وذلك بالتزامه بقواعد معينة في التقنية وبخروجه غالباً على الأعاريض الخليلية، وباستعماله اللغة الدارجة أو الأعجمية في خرجته،ثم باتصاله القوي بالغناء.

ومن الملفت أن المصادر التي تناولت تاريخ الأدب العربي لم تقدم تعريفاً شاملاً للموشح، واكتفت بالإشارة إليه إشارة عابرة حتى أن البعض منها تحاشى تناوله معتذراً عن ذلك بأسباب مختلفة. فابن بسام الشنتريني لايذكر عن هذا الفن خلا عبارات متناثرة أوردها في كتابه الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة وأشار إلى أنه لن يتعرض للموشحات لأن أوزانها خارجة عن غرض الديوان، ولأن أكثرها على غير أعاريض أشعار العرب. أما ابن سناء الملك فيقول: ( الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص وهو يتألف في الأكثر من ستة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له التام، وفي الأقل من خمسة أقفال وخمسة أبيات ويُقال له الأقرع، فالتام ما ابتدئ فيه بالأقفال، والأقرع ما ابتدئ فيه بالأبيات).

سبب تسميتها بالموشحات:

سمي موشحاً لأناقته وتنميقه تشبيهاً له بوشاح المرأة. إن الموشحات الشعرية إنما سميت بذلك لأن تعدد قوافيها على نظام خاص جعل لها جرساً موسيقياً لذيذاً ونغماً حلواً تتقبله الأسماع، وترتاح له النفوس،وقد قامت القوافي فيها مقام الترصيع بالجواهر واللآلئ في الوشح فلذلك أطلق عليها (الموشحات) أي الأشعار المزينة بالقوافي والأجزاء الخاصة، ومفردها موشح ينظم فمعناها منظومة موشحة أي مزينة؛ ولذا لا يقال قصيدة موشحة لأن لفظ القصيدة خاص بأشعار العرب المنظومة في البحور الستة عشر كما جاءت في علم العروض.

ظهورها ونشأتها:

والموشحات قد نشأت في الأندلس أواخر القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وكانت نشأتها في تلك الفترة التي حكم فيها الأمير عبدالله، وفي هذه السنين التي ازدهرت فيها الموسيقى وشاع الغناء من جانب،وقوي احتكاك العنصر العربي بالعنصر الاسباني من جانب آخر،فكانت نشأة الموشحات استجابة لحاجة فنية أولاً،ونتيجة لظاهرة اجتماعية ثانياً.أما كونها استجابة لحاجة فنية فبيانه أن الأندلسيين كانوا قد أولعوا بالموسيقى وكلفوا بالغناء منذ أن قدم عليهم زرياب وأشاع فيهم فنه والموسيقى والغناء إذا ازدهرا كان لازدهارهما تأثير في الشعر أي تأثير، وقد اتخذ هذا التأثير صورة خاصة في الحجاز والعراق حين ازدهر فيهما الغناء والموسيقى في العصر الأموي ثم العصر العباسي، وكذلك اتخذ هذا التأثير صورة مغايرة في الأندلس حين ازدهر فيها الغناء والموسيقى في الفترة التي نسوق عنها الحديث، فيظهر أن الأندلسيين أحسوا بتخلف القصيدة الموحدة إزاء الألحان المنوعة، وشعروا بجمود الشعر في ماضيه التقليدي الصارم أمام النغم في حاضره التجديدي المرن، وأصبحت الحاجة ماسة إلى لون من الشعر جديد يواكب الموسيقى والغناء في تنوعها واختلاف ألحانها ومن هنا ظهر هذا الفن الشعري الغنائي الذي تتنوع فيه الأوزان وتتعدد القوافي، والذي تعتبر الموسيقى أساساً من أسسه فهو ينظم ابتداء التلحين والغناء،و أما كون نشأة الموشحات قد جاءت نتيجة لظاهرة اجتماعية فبيانه أن العرب امتزجوا بالأسبان، وألفوا شعباً جديداً فيه عروبة وفيه اسبانية وكان من مظاهر الامتزاج أن عرف الشعب الأندلسي العامية اللاتينية كما عرف العامية العربية، أي أنه كان هناك ازدواج لغوي نتيجة للازدواج العنصري.

تطور الموشحات:

وقد كانت فترة نشأة الموشحات كفترة نشأة أي فن من حيث مشاهدتها لأولى المحاولات التي غالباً ما يعفى عليها الزمن،ومن هنا ولبعد الزمن بتلك الفترة لم تبقَ لنا من هذه الموشحات الأولى التي نظمها مقدم و أمثاله أي نماذج. ولكننا نستطيع أن نتصورها موشحات بسيطة كلها باللغة العربية ماعدا الخرجة التي تكتب باللغة الأندلسية المحلية،كما كانت ترضي معانيها ولغتها و أغراضها حاجة الأندلسيين حينئذ، وتعكس اختلاط عنصريهما وامتزاج لغتيهما وشيوع الغناء والموسيقى بينهم.
وقد تطورت الموشحات بعد فترة من نشأتها تطورات عديدة وكان من أهمها تطور أصابها في القرن الخامس الهجري أيام ملوك الطوائف،ثم تطور آخر بعد ذلك بقليل فرع عنها ما يسمى بالزجل حتى أصبح هذا الاتجاه الشعبي ممثلاً في لونين:لون الموشحات وقد صارت تكتب جميعاً باللغة الفصحى، ولون الأزجال وقد صارت تكتب جميعاً باللغة العامية، وانتقل هذان اللونان من الأندلس إلى المشرق فكثر فيه الوشاحون والزجالون ، وعرفهما كذلك الأدب الأوروبي، فتأثر بهما شعراء جنوب فرنسا المسلمون (التروبادور) كما تأثر بهما كثيرون من الشعراء الأسبان الغنائيين، وانتقل التأثير إلى الشعر الايطالي ممثلاً في عدة أنواع مثل النوع الديني المسمى (لاوديس) والنوع الغنائي المسمى (بالاتا).

الرواد من شعراء الموشح:

اخترع فن التوشيح الأندلسي مقدم بن معافى القبري،ويجيء اسم أحمد بن عبدربه صاحب العقد الفريد في مقدمة مبتدعي الموشحات في الأندلس، أما المؤلف الفعلي لهذا الفن كما أجمع المؤرخين فهو أبوبكر عبادة بن ماء السماء المتوفى عام422هـ،ثم يجيء بعد ذلك عبادة القزاز، ثم الأعمى التطيلي كبير شعراء الموشحات،في عصر المرابطين المتوفى عام 520هـ،وابن باجه الفيلسوف الشاعر المتوفى 533هـ، ولسان الدين بن الخطيب وزير بني الأحمر بغرناطة المتوفى سنة 776هـ.
استمر هذا الفن في الأندلس منذ أن جددت مدرسة زرياب في الشعر،فأخرجت لنا الموشحات إلى أن سقطت غرناطة في القرن التاسع الهجري 879هـ،وفي المشرق كان الفضل لابن سناء الملك المصري المتوفى608هـ ـ 1212م في انتشار فن الموشحات في مصر والشام وهو صاحب موشحة :

كللي يا سحب تيجان الربى بالحلى

و اجعلي سوارها منعطف الجدول
ورئاسة فن التوشيح فهي لأبي عبدالله بن الخطيب صاحب الموشحة الشهيرة "جادك الغيث" توفي أبو عبدالله سنة 1374م في مدينة فاس شاعر الأندلس والمغرب تولى الوزارة بغرناطة عُرِف بذي الوزارتين(الأدب والسيف)وتعتبر موشحة ابن الخطيب من أشهر الموشحات وأغناها بالفكرة والصورة والإحساس والتلوين الكلامي.
درس الطب والفلسفة والفقه واللغة و الأدب وخدم الوزير علي بن الجياب واستوزره بنو الأحمر، ألّف حوالي ستين كتاباً معظمها في التاريخ والجغرافيا و الأدب والطب، أهمها (الإحاطة في تاريخ غرناطة)،و( اللمحة البدرية في الدولة النصرية)،و(معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار)، و(خطرة الطيف في رحلة الشتاء والصيف)،و(ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب)، وله خطب معروفة ورسائل مطنبة ومسجوعة،و موشحات رقيقة، وديوان شعر،ويعد لسان الدين من أعظم رجال الأندلس في عهدها الأخير.
يقول لسان الدين بن الخطيب: جادك الغيث إذا الغيث همى
يا زمـــان الـوصل بالأنــدلـــسِ


أغراض الموشحات:

بدأت الموشحات في خدمة الحب والغزل فإنه وبمرور الزمان مالبثت أغراض القول فيها أن تعددت ومافتئت موضوعاتها أن تشبعت فأصبح الوشاحون ينشئونها في فنون الغناء والخمر ومجالس اللهو و وصف الطبيعة والمدح والرثاء والهجاء وكثيراً ما كانت قصور الخلفاء و الأمراء تضم مجالس الغناء حيث يلتقي الشاعر و الوشّاح والمغنّي والملحن، فيطرب الخليفة وتكون الفرصة سانحة لأن ينال كل من الوشاح والمغنّي شيئاً من عطاء الخليفة.
على أن الموشحة مالبثت أن اتخذت طريقاً بعيداً عن الغرض الذي ابتُدِعت من أجله، فإذا كانت قد بدأت بالقول في الغزل ومجالس اللهو فإنها لم تلبث أن وصلت إلى موضوع القول في الزهد وهو أمر طبيعي فطالما أن الموشحة اتسعت لكي تشمل كل موضوعات الشعر العربي فإنه لايبدو مستغرباً إذا ما أنشئت الموشحة في الزهد، ويقول ابن سناء الملك:"إن ما كان منها في الزهد يقال له المكفر، والرسم في المكفر خاصة ألا يعمل على وزن موشح معروف وقوافي أقفاله،ويختم بخرجة ذلك الموشح ليدل على أنه مكفرة ومستقيل ربه عن شاعره ومستغفره".

أجزاء الموشحة:

تتعدد أجزاء الموشحة التي تتركب منها ولكل جزء من هذه الأجزاء اسم يميزه عن غيره، وحتى نستطيع توضيح الأجزاء على الطبيعة فإنه يحسن بنا أن نقدم موشحة ثم نشير إلى كل جزء من أجزائها في نطاق المصطلحات التي نمر على ذكرها. وقد وقع الاختيار على هذه الموشحة القصيرة لابن مهلهل التي يصف فيها الطبيعة وصفاً رقيقاً:

النهر سلّ حساما على قدود الغصون
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مدّت عليه ظلال
والزهر شقّ كماما وجداّ بتلك اللحون
أما ترى الطير صاحا
والصبح في الأفق لاحا
والزهر في الروض فاحا
والبرق ساق الغماما تبكي بدمع هتون
1. المطلع أو المذهب: كلاهما اصطلاح يطلق على مطلع الموشحة الذي يتكون عادة من شطر أو شطرين أو أربعة أشطر وهو هنا في موشحة ابن مهلهل يتكون من قسمين أو شطرين أو غصنين هما:
النهر سلّ حساما على قدود الغصون
وقد تختلف قافية الغصنين كما هو الحال في المثال السابق،وقد تتفق كما هو الحال في إحدى موشحات ابن زهر:
فتق المسك بكافور الصباح و وشت بالروض أعراف الرياح
2. الدور: وهو مجموعة الأبيات التي تلي المطلع، وإن كان الموشح أقرع فإن الدور يقع في مستهل الموشح، ويتكون الدور من مجموعة من الأقسمة لاتقل عن ثلاثة ولا مانع من أن تزيد عن ثلاثة بشرط أن تتكرر بنفس العدد في بقية الموشح وأن تكون من وزن المطلع ولكن بقافية مختلفة عن قافيته وتلتزم في أشطر الدور الواحد. والدور في الموشح موضع التمثيل هو:
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مدت عليه ظلال
3. السمط: هو كل شطر من أشطر الدور،وقد يكون السمط مكوناً من فقرة واحدة كما هو في الحال في موشحنا هذا،وربما يتألف من فقرتين.
4. القفل: هو مايلي الدور مباشرة ويسمّى أيضاً مركزاً، وهو شبيه بالمطلع في الموشح التام من جميع النواحي أي أنه شبيهه في القوافي وعدد الأغصان وليست الموشحة مشروطة بعدد ثابت من الأقفال. والقفل في موشحنا هو:
والزهر شق كماما وجداً بتلك اللحون
5. البيت:وهو في الموشحة غيره في القصيدة ، فالبيت في القصيدة معروف أما في الموشحة فيتكون البيت من الدور مضافاً إليه القفل الذي يليه وعلى ذلك فالبيت في موشحنا هو:
وللنسيم مجال
والروض فيه اختيال
مُدّت عليه ظلال
والزهر شق كماما وجداً بتلك اللحون
6. الغصن: هو كل شطر من أشطر المطلع أو القفل أو الخرجة وتتساوى الأغصان عدداً وترتيباً وقافية في كل الموشحة وقلّما يشذ الوشاح عن هذه القاعدة، وأقل عدد للأغصان في مطلع أية موشحة ـ وبالتالي في الأقفال والخرجة ـ اثنان، وكما سبق القول يجوز أن تتفق قافية الغصنين ويجوز أن تختلف، على أنه من المألوف أن تتكون أقفال الموشحة من أربعة أغصان مثل موشح لسان الدين:
جادك الغيث إذا الغيث همى يـازمــان الـوصـــل بالأنـدلــس
لم يـكـــن وصــلك إلا حـــلـــماً في الكرى أو خلسة المختلس
7. الخرجة: هي آخر قفل في الموشحة وهي قفل كل شروطه، غير أنها تقع في آخر الموشحة وهي مايسبقها من أقفال تشكل أجزاء أساسية في بناء الموشحة وبدون الأقفال والخرجة لا يمكن أن تسمى المنظومة موشحاً.
والخرجة نوعان:
أ. خرجة معربة وهي التي تكون فصيحة اللفظ بعيدة عن العامية.
ب. خرجة رجلية أي عامية أو أعجمية الألفاظ وهي المفضلة المستحسنة.
نضرب مثالاً نستصوب أن نقدمها مع الدور الذي يسبقها والدور وخرجته اجتزأناه من موشح لابن القزاز: وغـــــادة لـم تــزل تشكو لمن لاينصف
ياويح من يتصــــل بحبل من لايعسف
لما رأته بــــطـــــل وهي غراماً تكلـف
غنت وما للأمـل إلا إليه مـصــــرف
مسيو سيدي إبراهيم يا نوامن دلج فأنت ميب دي نخت
إن نون شنون كارش بيريم تيــــب غـــرمي أوب لــقـــرت
ومعنى هذه الخرجة الأعجمية ياسيدي إبراهيم ياصاحب الاسم العذب أقبل إلي وفي المساء إن لم ترد جئت إليك ولكن أين أجدك؟.

موضوعات الموشحات:

بعد أن بدأ الفن الرفيع يتقبل الموشحة كفن ثابت ويفسح له في نطاق الشعر الراقي مكاناً رحيباً، رأى الوشاحون أن يجعلوا كل موضوعات الشعر المألوفة ميادين لتواشيحهم وقد وجدت موشحات في جميع الأنواع.
وسنعرض لنماذج من الموشحات الأندلسية تبعاً لأسبقية الموضوع الذي أنشئت فيه،بمعنى أن نبدأ بعرض الموشحات الغزلية ثم الخمرية ثم وصف الطبيعة وكثيراً ما كانت تتشابك هذه الموضوعات وتشترك كلها في موشحة واحدة ولكن يظل للموشحة وجه متميز على الوجهين الآخرين، ثم نعرض لموشحات المدائح،ثم الرثاء ، ثم التصوف.

الغزل:
من أشهر الوشاحين الغزلين الأعمى التطيلي وموشحته تلك التي تعتبر مثلاً أعلى لفن الموشحات عن وشاحي الأندلس الذين استولى هذا الفن على مجامع قلوبهم، وملك عليهم تفكيرهم فأخذوا يتأنقون في رصف الموشحات ويجرون المقارنات بينها، وقد ذكر أن جماعة من الوشاحين اجتمعوا في أحد المجالس في اشبيليه، وقد استحضر كل واحد منهم موشحة ألّفها وتأنق فيها فتقدم الأعمى التطيلي لإنشاد موشحته وماكاد ينتهي منها حتى قام كل وشاح بتمزيق موشحته إجلالاً للتطيلي وإعجاباً بموشحته وفيها يقول:
ضاحك عن جمان سافر عن بدر
ضاق عنه الزمان وحواه صدري

آه مــــــــما أجـــد شفني ما أجـد
قــــام بي وقـــــعـد باطــش متئــــد
كــلمـــــا قلت قد قال لي أين قد

وانـثنى خوط بان ذا مهـز نضير
عـــابثــــتــــه يــــدان للـصبا والقطر
توشيح الخمر:
الوشاحون الذين أجادوا في معاني الخمر هم أنفسهم الشعراء الذين رويت لهم مقطوعات في ذلك الميدان من القول أعجب بها النقاد والمتأدبون، ولا تكاد تخرج معاني الخمر في التواشيح عن معانيها في القصائد والمقطوعات الشعرية، وفي مقدمة الشعراء الوشاحين الذين أحسنوا القول في هذا السبيل يحيى بن بقي القرطبي الذي قضى حياته بين الكأس والوتر وحل العذار وله شعر رقيق وموشحات عذبة،ومن أرق موشحاته في الخمر قوله:
أدر لـــنــا أكــــــــواب ينسى به الوجـد
واستصحب الجلاس كما اقتضى العهد

دن بالهــــوى شرعاً ما عشت ياصــــاح
ونـــــزّه الســــمـــعـــا عن منطق اللاحي
والحـــــكم أن يدعى إليـــك بـــــالــــراح

أنامــــل العــــنـــــاب ونقلك الورد
حفا بصــدغي آس يلويهــــما الخد
وصف الطبيعة:
الأندلس باب الطبيعة الخلابة الرقيقة التي خلّد جمالها شعراؤها،فلم يكن معقولاً والأمر كذلك أن يختلف الوشاحون عن اللحاق بركب الشعراء في هذا المجال لقد لحقوا بهم حقاً لكنهم لم يستووا معهم في نفس المرتبة إنما جاءوا في مرتبة تالية ذلك لأن ملوك شعر الطبيعة في الأندلس رفضوا أن يكونوا وشاحين.
فمن الموشحات الجميلة التي قيلت في وصف الرياض موشحة الوزير الأديب الشاعر أبي جعفر أحمد بن سعيد، وموشحته قيلت في منتزه جميل في ضواحي غرناطة عُرِف بـ(حور مؤمل) حيناً،و (حوز مؤمل) حيناً آخر.
وموشحة الوزير الشاعر تجمع إلى وصف الروض وصف النهر الذي خلع عليه الوزير الوشاح عدداً من الألوان البهيجة حين سلّط شمس الأصيل على مائه المفضفض وجعل منه سيفاً مصقولاً يضحك من الزهر الأكمام، ويبكي الغمام، وينطق ورق الحمام، ويصف أيضاً جمال الحور وفتنة الروض التي توحي بالشراب والشراب في الغالب يمد الشاعر أو الوشاح الأندلسي بالغزل الساقي.
إن موشحة الوزير أبي جعفر موشحة رقيقة وهي من النوع التام لافتتاحها بالمذهب، ولكن خرجتها عامية يقول أبو جعفر بن سعيد:
ذهبت شمس الأصيل فضة النهر
أي نهر كالمدامة
صيّر الظل فدامه
نسجته الريح لامه
وثنت للغصن لامه
فهو كالعضب الصقيل حف بالشـفـــر
مضحكاً ثغر الكمام
مبكــياً جفن الغمام
منطقاً وِرق الحمام
داعــــياً إلى المدام
فلــــهذا بالـــقـــبــــول خط كالسطـــر
وعد الحب فـــأخــــلــــف
واشتهى المطل وسوّف
ورســـــــولي قد تعرّف
منـــــــه بما أدري فحرف
بالله قل يارسولي لش يغب بدري
كلمة حق يجب أن تقال في شأن موشحات الروضيات بالقياس إلى شعر الروضيات، إن الوشاحين الأندلسيين على مابذلوا من جهد وعلى ما أبدعوا من صور وعلى ما وفروا من موسيقى فإن كل موشحاتهم تنحني حياء أمام جلال شعر الروضيات وجماله ومافيه من إتقان وحلاوة ورقة وافتنان.
موشحات المديح:
أكثر الموشحات التي قيلت في المديح إن لم تكن جميعها قد مزجت بين الطبيعة والغزل قبل أن تدلف إلى صميم المديح،ولعل أشهر موشحة في هذا السبيل هي لسان الدين بن الخطيب في مدح الأمير الغني بالله صاحب غرناطة، وموشحة لسان الدين تعتبر من اللون الراقي المتماسك من هذا الفن رصعها بوصف الطبيعة،وزينها بالتوريات اللطيفة ورنقها بالصور البديعية، وداعب الورد ولاطف الآس،ويغزل وشكا والتاع كل ذلك حتى يجعل هذه المعاني مهاداً يلقي من خلالها بباقات المديح التي أراد أن يقدمها لأميره ولم ينس لسان الدين نفسه حين بسط عليها شيئاً من الفخر، كما لم ينس الرجل الذي سلك نهجه وهو يكتب موشحته ونعني به إيراهيم بن سهل الإسرائيلي في موشحته:" هل درى ظبي الحمى"فقد جعل لسان الدين هذا المذهب خرجة لموشحته،وكرم من خلالها في نطاق من العجب والخيلاء الوشاح الكبير ابن سهل.يقول لسان الدين الخطيب:
جادك الغيث إذا الغيث همى يازمان الوصل بالأنـــدلــــــس
لم يكــن وصـــــلك إلا حـــلماً في الكرى أو خلسة المختلس
الرثاء في التوشيح:
لقد أسهم التوشيح في الرثاء تبعاً لطموحه في تغطية كل موضوعات الشعر، ومن ذلك موشحة أبي الحسن علي ابن حزمون الشاعر الوشاح ذو المقدرة الخارقة على خلق الصورة البارعة اللاذعة من خلال شعره الذي عاش في أواخر القرن السادس و أوائل القرن السابع يقول ابن حزمون في رثاء أبي الحملات قائد الأعنة ببلنسية وقد قتله نصارى أسبانيا:
ياعين بكى السـراج الأزهر النيـــــرا اللامع
وكان نعـــم الــرتاج فكسرا كي تنثرا مدامع
من آل سعيد أغر مثل الشهاب المتـــــقد
بكى جميع البـــــشر علـــــيــــه لما أن فــقــــد
شق الصفوف وكر عـــلى العــــدو مــــــتئد
لو أنه منعاج على الورى على الورى من الثرى أو راجع
عادت لنا الأفراج بلا افترا ولا أمترا تضاجع

أوزان الموشحات:
كانت الموشحات ثورة على الأوزان التقليدية للشعر العربي وعلى نظام قوافيه وقد لاحظ ابن سناء الملك أن الموشحات تنقسم إلى قسمين:
1. ماجاء على أوزان أشعار العرب.
2. ما لاوزن له فيها ولا إلمام له بها.

خصائص الموشحات:
بالإضافة إلى الجمع بين الفصحى والعامية تميزت الموشحات بتحرير الوزن والقافية وتوشيح أي ترصيع أبياتها بفنون صناعة النظم المختلفة من تقابل وتناظر واستعراض أوزان وقوافي جديدة تكسر ملل القصائد،وتبع ذلك أن تلحينها جاء أيضاً مغايراً لتلحين القصيدة، فاللحن ينطوي على تغيرات الهدف منها الإكثار من التشكيل والتلوين، ويمكن تلحين الموشح على أي وزن موسيقي لكن عُرفت لها موازين خاصة غير معتادة في القصائد وأشكال الغناء الأخرى.

نعرج بعد الموشحات إلى فن الزجل ولقد ظهرا في وقت واحد مع ترجيح أن لهما أصلاً مشتركاً في البيئة الأندلسية منذ عهودها القديمة فالفرق بين الموشح والزجل يظهر في:

فن الموشح

فن الزجل

احتضنت بعض العبارات العامية أو الأعجمية في خرجتها وأحياناً في كيانها وبنائها.

فن الشعر العامي

إدخال العامية إلى الشعر مع تحوير في بناء القصيدة وتعدد الأوزان والقوافي

لا يلتزم الإعراب أو الكلمات الفصيحة ويعمد إلى استعمال العبارات الشعبية

أخذ به الجمهور لسلاسته وتنميق كلامه وترصيع أجزائه

ظهوره جاء مستهدفاً إرضاء العوام بشعر يفهمونه ويطربون له، يعبر عن خواطرهم ، ويلتقي مع عواطفهم ويتسق مع قدراتهم على الفهم والتذوق والإدراك.



#رونا_صبري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في مجموعة قصصية
- نص اقصر من الليل
- ذكريات خريفية
- صباح يفي بوعده ( قصة )
- سر القمر
- أمنيةٌ للريح
- علي مولود الطالبي يذيبُ ثلجَ الحروفِ بشمسِ قصائده ، ( قراءة ...
- مُصَادرةُ حُلمٍ
- شَكوْى الْحسين
- صَلاةُ الضَوءِ
- شِهابُ اَلْروحِ
- بُرهةُ لِقْاءٍ
- أَيْنَكَ
- شذرات روحي
- أَتَكأ اَلْسَرَاب وَعَادَ
- إلى صديقة
- رَقْصَةُ اَلْماَءِ
- قراءة كف (قصيدة نثر )


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رونا صبري - فن الموشحات الأندلسية (التكوين والبناء )