مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 4555 - 2014 / 8 / 26 - 16:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- كل شيء في سوريا اليوم قابل للنقد و للتمجيد في نفس الوقت .. لذلك , فإن النقد الذي لا يطال كل ما يستحق النقد أو الرفض , أي كل شيء , و يرفض رؤية الواقع بكل تعقيداته هو تزييف للواقع السوري , تزييف غير نزيه أبدا , لأنه ينطلق من مصالح شخصية و مواقف أنانية لا علاقة لها بما يسميه الجميع الشعب السوري بل تتناقض معها في الواقع
- الخطاب السائد في المعارضة السورية , بكل أطيافها , عسكريا و سياسيا , هو ما سماه ناشط أمريكي بإيديولوجيا تكريس الضحية * التي وجدها في صلب كل حركات التحرر الجزئي للإنسان أو للناس المضطهدين , مثل حركات تحرير المرأة , تحرير الشعوب المستعمرة , العمال , السود الخ .. طبعا وجود الضحية هو نتاج وجود قهر و اضطهاد حقيقيين , لكن الذي يحدث هو أن حركات التحرر الجزئي هذه تعمد إلى تكريس جو الخوف الذي يحيط بالضحية و شعورها بالضعف بحيث تصاب الضحية بالشلل و تفقد قدرتها على التفكير و النضال المستقلين و تصبح معتمدة بالكامل على "المساعدة الأبوية" لتلك الحركات و انتظار أن تقوم تلك الحركات "بتحريرها" , معيدة بذلك إنتاجهم كضحايا , و في النهاية , محولة إياهم من ضحايا لنظام إلى ضحايا نظام آخر .. في أحسن الأحوال , اي عندما يتبنى المضطهدون أنفسهم إيديولوجيا تكريس الضحية , فإنها لن تؤدي إلى أكثر من تحرير جزئي , و الإبقاء على أشكال و آليات الاضطهاد الأخرى , إن لم تكن من الأساس محاولة للدفاع عن آليات و أنماط الاضطهاد الأخرى من البداية , و لتطبيقها بحرية ضد نفس المضطهدين بعد"تحريرهم" من الاضطهاد السابق .. تحريرالمرأة , إن أنجز فعلا , لن يلغي اضطهادها كقومية أو كطبقة أو كعرق مضطهد , الخ , وهكذا .. الرأسمالية مثلا لا مشكلة لديها مع حركات تحرير المرأة , بل قد تستخدمها كغطاء لاضطهادها للعمال مثلا أو كديكور لتزيين ذلك الاضطهاد ....
- القومية العربية , التي أنتجت أنظمة عبد الناصر و الأسد و صدام والقذافي , هي أقرب الأمثلة على حركات التحرير الجزئية تلك .. ليست الإيديولوجيا القومية إلا نموذجا عن إيديولوجيا تكريس الضحية ... ونعرف جميعا النتيجة التي انتهت إليها , كأنظمة , و كإيديولوجيا
- حركات المعارضة السورية العسكرية هي بهذا المعنى حركات تحرر طائفية ( بالنسبة للكتائب الإسلامية ) و مناطقية ( بالنسبة للجيش الحر ) .. المعارضة السياسية ( إذا استثنينا هيئة التنسيق التي لا تريد تغييرا جذريا في النظام القائم أساسا ) هي نفس الشيء تقريبا , العلمانية منها ضمنا ( العلمانية هنا هي محاولة للتمايز عن المعارضة الإسلامية في الصراع على السلطة سواء داخل المجلس الوطني أو الائتلاف أو في سوريا المحررة أو المستقبلية , و لا علاقة لها بالموقف من الدين أو الطائفية ) ..
- مصدر الموقف الوطني للمعارضة السورية السياسية هو رغبتها بحكم نفس الأراضي التي كانت خاضعة لحكم آل الأسد , هذا هو أيضا تعريفها للوطنية , و للوطن , الذي يتشابه , للغرابة , مع تعريف آل الأسد .. المعنى الحقيقي للوطن السوري يمنحه إياه النظام المركزي , خاصة أجهزته القمعية الفكرية و الجسدية .. تختلف داعش فقط في أممية مشروعها عن هذه المشاريع الوطنية , لإنشاء سلطة جديدة بدلا من نظام الأسد المأزوم أو في حال انهياره .. تفترض المعارضة السياسية والمسلحة أنها المخولة بتشكيل تلك السلطة و لا ترى منافسا لها في ذلك , وتعتيرها ضرورة , و مصلحة للسوريين أولا , رعايا المستقبل .. هكذا نجد أن شعار الأسد أو نحرق البلد , قد أصبح شعارا عاما , طبعا بعد استبدال الأسد .. إيديولوجيا تكريس الضحية تقوم بهذه المهمة للجميع , الأسد بحاجة ليحرق سوريا بالفعل , لكن المعارضة تعيد إنتاج شعار الأسد لكن داخل عقول و قلوب السوريين : إذا لم نكن نحن من يحكمكم فستحترق البلد , و تردد هذه كحقيقة بديهية أو موضوعية .. و يستخدم الجميع الفوضى السائدة , أي وجود عدد لا متناهي من السلطات المافيوية التي تحكم السوريين اليوم , بدلا من سلطة مافيوية واحدة كما في الماضي أو كما يفترض في المستقبل , لإقناع السوريين بعبثية و مضار الحرية , و أيضا بفضائل الاستبداد و البسطار العسكري
- نجد تطبيقات تلك الإيديولوجيا في دفع السوريين دفعا للاعتماد حتى في طعامهم على قوى منفصلة عنهم , على أنظمة و قوى سلطوية و شمولية , بعضها لا يقل سلطوية و استبدادا عن آل الأسد , أيضا في طريقة انتقاد السوريين للمعارضة لأنها لم تقم بدور نظام متكامل و أيضا في حجج تلك المعارضة في دفاعها عن نفسها , و في انتقاد المعارضة المسلحة لعجزها عن إسقاط النظام , و في انتقاد السوريين للنظام العالمي و على رأسه أمريكا و الأمم المتحدة , نظريا على الأقل , لمشاركتهم بالصمت في جرائم الأسد .. كل هذا صحيح , لكن لا معنى له .. إننا أمام إيديولوجيا تكريس الضحية بمختلف تجلياتها .. لكن النتيجة قد تأتي مخالفة للتوقعات أحيانا : فشعور الضحايا بالعجز و بأنهم سيبقون ضحايا , الذي تخلقه و تعززه إيديولوجيا تكريس الضحية , يدفعهم دفعا , في بعض الأحيان , إلى حضن النظام السابق
- النظام ينكر أن في سوريا ضحايا أصلا , هناك من يقتلون لأنهم يستحقون القتل , أما الباقون فهم عبارة عن عبيد سعداء .. الطغاة , و أزلامهم , وحدهم الذين يلومون الضحية .. الغريب هنا أن الإسلاميين السوريين أيضا لاموا الضحية على "تأخر" النصر مثلا ..
- الاستشهادي أو الانتحاري هو التجسيد الأكمل لإيديولوجيا تكريس الضحية
- قد يكون السوريون في وضع صعب جدا بالفعل , لكن وعيهم بواقعهم ضروري جدا لأي فعل جدي سيقومون به .. الأكيد أنهم قادرين دائما على أن يختاروا ألا يكونوا ضحية غبية , و أن يتخذوا خيارات واعية بعيدا عن الترهات الإيديولوجية و عن التعميمات الغبية التي تشكل ثقافة الحرب الأهلية .. و أيضا على أساس مثل هذا الوعي فقط يمكنهم مراكمة و إعادة إنتاج مقاومتهم ضد النظام و من يتاجر بدمائهم و مصيرهم .. من الاشياء المهمة جدا اليوم مثلا أن يدرك السوريون في بلدان اللجوء الاختلاف الهائل لدرجة التناقض بين مصالح المعارضات السورية و رجال الأعمال السوريين المرتبطة لحد كبير بمصالح الفئات و الطبقات الحاكمة في البلدان التي يلجؤون إليها , و بين مصالح غالبية اللاجئين الذين يشكلون يد عاملة رخيصة تنضم فورا لأكثر الطبقات الاجتماعية تهميشا في تلك البلدان , و أيضا الانفصام التام بين مصالح غالبية العلويين مثلا و العلويين أعضاء الفئة الحاكمة و المالكة في سوريا .. هذا الوعي أساسي جدا و ضروري ليس فقط ليتمكنوا من العيش بحرية و عدالة و مساواة حقيقية , بل أيضا للخروج من عنق الزجاجة ... هذه دروس باهظة الثمن جدا جدا , لكن الاستمرار بتجاهلها سيعني فقط دماءا أكثر و أكثر , و المزيد من العبث و اللاجدوى , هذا من جانب المهمشين و المضطهدين , لأن القوى السلطوية ترى الأمور بشكل مختلف
* The Ideology of Victimization
للمزيد يمكن مراجعة
http://theanarchistlibrary.org/library/feral-faun-essays
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟