نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1274 - 2005 / 8 / 2 - 11:41
المحور:
كتابات ساخرة
قنوات الخلوعة والشخلعة والصرمعة,الممولة بترودولاريا لأصحابها طويلي العمر شيوخ النفط الأعراب ,التي تتناسل كالفئران,وتتحفنا دوما بقصيرات التنورات اللهلوبات لوسي وبوسي وسوسي ,والتي كانت تبث بالأمس القريب ,وحتى الصباح الباكر ,وعذرا من القراء الكرام,مؤخرة روبي بعدة "بوزات" مثيرة للمراهقين والفتيان ,وسيقان نانسي المسبوكة الفضية التي تداعب مخيلة الصبيان ,وصدر هيفاء الناهد, أكثر من الرمان البلدي هذه الأيام في "مشقيتا وبللوران" ,الذي يثير حتى غرائز العجزة والخصيان ,تحولت هذه الفضائيات الملعلعة الجوفاء, بقدرة إعرابي ملهم هُمام فهمان ,وبين طرفة عين وانتباهتها ,إلى قنوات صارمة مثل قناة البي بي سي والفاتيكان, تبث سورا عطرة من القرآن الكريم, نترفع عن ذكرها احتراما لقدسيتها أمام بعض من هذه المفردات التي يفتقر بعضها للحشمة والوقار.لاشك,من حق أي كان أن يعبر عن حزنه وفرحه بطريقته الخاصة والأسلوب الذي يرتئيه ,ويعكس الحالة السايكولوجية التي هو فيها,ولكن لكل مقام مقال,ولكل قناة غاية وأهداف,فلا يعقل أن يذهب الإنسان إلى الخمارة -والعياذ بالله- حيث يحتسي الكفرة المنكر,ويحمل بيده سجادة صلاة"المصلاية"حسب تعبير أحبتنا في الشام,كما لا يعقل أن يرتدي أبو عنتر قبقاب غوار,ولا أن يحمل "الشبرية" حسني البورظان.فهذا من كبائر الجحود والجهل والإجحاف.فهل يتوقع أحد ما مثلا أن تبث قناة "سكس بلص" مثلا تعاليم ووصايا من العهد القديم والإنجيل في حال وفاة بيرلسكوني , ولا سمح الله ,وأطال الله في عمره ,وأبقاه ذخرا للإعلام , والبورنو ,وأصحابنا الطليان.
ولا ننكر أيضا على أي كان حقه في مواساة من يعتبره عزيزا وجديرا بالأسى والأحزان,ولكن أيضا هناك قنوات خاصة معروفة تبث البرامج الدينية والمواعظ ,وتقدم الوعاظ المتفيقهين البلغاء ليل نهار, نعتقد – بكل تواضع – أنها المخولة للقيام بواجب العزاء ومراسمه ,وهو مكانها الطبيعي, وعائدية واختصاص هذا الموضوع برمته في مرماها ,أما قنوات "فيفي أخت هزهازة خالة شخلوع السكران" فلا ,وأيم الله.
وفي الغرب,الذي استوردنا منه كل شيء حتى التفاهة ,والإسفاف والوقاحة,والأيدز,و"الكوندوم" لزوم غزوات الشبقين وفتوحات فحول العربان ,هناك قنوات مختصة بكل شيء ولا تبث سواه.هناك قنوات خاصة للوعظ الديني .نعم الوعظ الديني والأخلاق أبطالها رجال يرتدون بذّات فاخرة بدون ربطات عنق ,وهم يتجولون في صالة ملآى بالمؤمنين المشدودين وهم يستمعون للواعظ المتفوه وهو يبث ما يعتقدونه حقيقة وطريق خلاص,بالنسبة لهم على الأقل,وهناك قنوات للحياة البرية,وقنوات خاصة للأطفال,والبورصات,وللرياضة,والبولينغ,والغولف,ولترويج المنتجات,ولـ"السكس" حبيب العربان وجميع متابعيه-طبعا-من المراهقين وأصحاب العفاف ,وتكاد تكون الوحيدة المعروفة في أوساطهم الثقافية العالية,وقنوات لعرض الأزياء "بتاع نعومي السمراء مصقولة القد والقوام, وكلوديا شيفر طويلة العمر والسيقان"التي تُظهر من النهود والصدور والمؤخرات و"المقدمات"أكثر مما تظهر من الأثواب ,ولله في خلقه برامج وتلفزيونات وقنوات. وهكذا حال الدنيا عند جميع البشر, إلا هؤلاء الأدعياء الشطّار الذين يخلطون الدبس بخل الرمان,وتمتزج, ببعضها,عندهم جميع الأشياء.
مهلا, فلم تنته المحاضرة ,فما ينسحب على قنوات الطرب والغناء , ينطبق على فضاء السياسة الذي يتبدل ,ويتغير ,ويتذبذب ويتأرجح كمؤشر داو جونز حسب المزاج ,وأحوال الطقس السياسي السائدة في دنيا النفاق,ورغبة الباب العالي في البيت الأبيض الوالي,والوصي المطلق على محميات العربان. وتتراوح هذه الأنواء المائجة بين العواصف الديكتاتورية العاتية المستمرة,وأعاصير الطغيان المتسلطة, ورياح الأصولية السلفية الطاغية,مع كثير من الغيوم الزرقاوية المتلبدة,إضافة لبعض الهدوء الحذر الديمقراطي النادر, وشيء لايذكر من نسائم الليبرالية والعلمانية والتحرر التي لا تعرفها المناطق الصحراوية عادة في هذه الحقب المديدة من الدهر الخاوي .
فلا تستغربوا عندما تروا أحدهم في الصباح ثوريا هائجا ,وفي المساء أصوليا كاسدا قاطعا للرقاب ,وفي اليوم التالي مخبرا رخيصا للأجهزة المتسرطنة في مداجن القمع والأمان, وغدا متمركسا تروتسكيا قبل ان يصبح لحويا يرتدي الجبة والعمامة والجلباب, ويرفع المصحف فوق الرماح عندما يحين موعد "الآذان", وقبض الشيكات,وعندما ينام في المساء يصبح سيمون دي بوفوار وينادي بحقوق النسوان ,كما ذكر "ابن نعيسة "في غير مكان ,يغازل سبيته وجاريته الحسناء المغلفة بالسواد حتى يكمل مهمته الحيوانية الرجولية, ليعود في الصباح الباكر وحشا كاسرا يطارد العصافير والبلابل والفراشات. ويصبح الجنرال ,والعريف الغرّ في الجيش المهزوم الجائع الطفران ليبراليا ويدعو للتعددية والديمقراطية والرأفة والحنان على الشعب المسكين الغلبان,ومن دعاة حقوق الإنسان ,ليبزّ فولتير وجان جاك روسو ومونتسكيو في هذا الميدان,وتتصابى العجوز المحدودبة الشمطاء,ويتذاكى الجهلة والأغبياء,ويتشدق الصم البكم الخرسان,ويتنطح المخرفون الأدعياء ,وتذرف الدموع التماسيح والغربان,ويهرول المقعدون الأعنة في المضمار,ويتاجر الشطار أصحاب الأسهم ,والأرصدة والبورصات ,والمليارات بآمال وأحلام الفقراء ,ويتحولون إلى شخصيات بسيطة وديعة عجز هوغو عن تصويرها في ملحمته الرائعة الواقعية "البؤساء".
ونختتم إزعاجناهذا بوصلة معطاء, لفيفي طيّبة الأرداف,وبمقتطفات غثة ونادرة من أقوال الزعماء.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟