أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - البعثية السورية: من الإرادوية إلى الإداروية















المزيد.....

البعثية السورية: من الإرادوية إلى الإداروية


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1269 - 2005 / 7 / 28 - 10:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في ايار الفائت تناقلت وسائل الإعلام خبر استعانة السلطات السورية "بالأمم المتحدة لمحاربة التعصب الديني وتأهيل المؤسسات الدينية في سورية". وقيل إن الاتفاق الذي وقعته سوريا مع المنظمة الدولية يركز على الدور التنموي للدين و"سيقدم لرجال الدين والمؤسسات الدينية برنامجاً للتأهيل ولتطوير وتعزيز قدرات المؤسسة الدينية ومهارات العاملين فيها". وبعد مؤتمر حزب البعث في الثلث الأول من حزيران الفائت نقلت مصادر غربية عن الرئيس السوري قوله "ان المشكلة الكبرى في الوضع الداخلي السوري هي في استفحال حجم دائرة الفساد"، وان "الحكومة ستعمل على استقدام خبراء في الإدارة والاستعانة ببعض الكوادر المعروفة في هذا الشأن". وقبل ذلك كانت الحكومة السورية قد استعانت بفريق فرنسي ليقدم مشورته في سبل إصلاح القضاء، وهو ما تم فعلا العام الماضي.
كان يمكن أن يخطر ببال المرء اقتراح حرية العمل العام للسوريين، بما فيه العمل السياسي والثقافي والاجتماعي، كعلاج للتعصب الديني، هذا لو سلمنا بصحة تشخيص الحكومة السورية الذي يجعل التعصب خصيصة أصيلة للمجتمع السوري أو للدين الإسلامي غير ذات صلة بنمط ممارسة السلطة ولا بتعصب النظام السياسي بالذات. ولربما اعتقد أن أفضل آلية لمواجهة الفساد هي ضرب كبار الفاسدين وقمعهم بصرامة، وأن تقييد السلطة هو شرط كبح جماح الفساد بالنظر إلى أن السلطة المطلقة تفسد إفسادا مطلقا حسب القول المأثور للورد اكتون. ومن الوارد أن يظن أن إصلاح القضاء يقتضي أولا إلغاء المحاكم والقوانين الاستثنائية واستقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية.
لكن العلاجات المزكاة رسميا للتعصب الديني ولاستفحال الفساد ولإصلاح القضاء تصدر عن تصور للمجتمع السوري ومشكلاته مضاد للتفكير بحلول ومعالجات سياسية من الصنف الذي أشرنا إليه، تصور إداروي تقنوي من النوع الذي تعالج به آلة معطوبة. وللوهلة الأولى تبدو الإداروية المهيمنة في فلسفة العهد الحالي الإصلاحية على تعارض تام مع الإرادوية التي وسمت بواكير العصر البعثي. غير أن الأمر ليس كذلك.
معلوم أن المرحلة البعثية الباكرة، وبالخصوص العهد الثاني من الحكم البعثي(1966 -1970)، تميزت بنزعة ثورية إرادوية مفرطة. أصل هذه النزعة، باختصار، نظرة شيئية للمجتمع تعتبره "صفحة بيضاء" يمكن للنخبة الثورية أن تخط عليها المصير الذي تشاء. وبقدر ما كان المجتمع كتلة سلبية عاطلة كانت النخبة أو الطليعة الثورية فاعلية محض أو إرادة لا تعترف بغير اندفاعها الذاتي وأهدافها المحددة بصورة غير تعاقدية. كان الزمن السوري زمن الثورة وحرق المراحل و"تحدي القدر". وبينما الإرادوية إغراء مستمر وطبيعي لكل دعوة ثورية، فقد أفادت لدى البعثيين أفادت في مركزة السلطة وعزل الخصوم ومنح النفس شعورا بالرسالة والتفوق ينقذها من الإحساس بعقدة النقص وقلة الشأن.
كان بعثيو تلك المرحلة نزهاء مخلصون متحمسون، لكن هذا هو كل شيء. فعلوا كل ما في وسعهم من أجل بلدهم، لكن ما كان في وسعهم ضئيل ومحدود حسب كمال خلف الطويل. كانوا عصبة رثة من شبان متحمسين لتغيير نظام اجتماعي يحتلون فيه موقعا ثانويا وعاشقين للسلطة إلى درجة الهوس. إرادويتهم وحماستهم كانت تحجب ضآلة الوسع تلك وتخفي مستوى سياسيا وفكريا متواضعا. والأهم أنها كانت تغطي ضعفهم الاجتماعي والثقافي والسياسي باصطناع تفوق عقيدي، قومي وطبقي، مطلق على طبقة تجار وأعيان المدن الآفلة. احترقت إرادوية حرق المراحل البعثية في لهيب هزيمة حزيران المخزية. سياسة الدولة كانت تحتاج إلى شيء مختلف عن الحماسة والنقاء الشخصي.
كان العهد البعثي الثالث (1970-2000) أقل إرادوية وثوروية، لكنه ثابر على وفائه للتصور الشيئي الكتلي للمجتمع المحلي، تصور تمتزج فيه سلبية الشيء مع غياب التعدد عن الكتلة. في سياسته الداخلية جمع نظام "الحركة التصحيحية" بين الاختراق الأمني الجهازي والاحتواء الشعبوي عبر ما يسمى "المنظمات الشعبية" التي لا تكاد تترك أحدا من السوريين خارج عضويتها. يشترك المقومان الأمني والشعبوي في نزع السياسة من المجتمع السوري ويكمل أحدهما الآخر.
العهد الحالي متفرع عن سالفه ووريث نزع السياسة القسري. لكن فلسفته الإصلاحية تقوم على الإداروية بعد إرادوية المرحلة الباكرة واحتوائية عهد ما بعد 1970. وبدورها تجد الإداروية شرط إمكانها في نزع السياسة والمبادرة من المجتمع السوري وتركيزهما في السلطة.
يقر العهد الحالي بوجود مشكلات و"سلبيات"، لكنه يردها إلى طبيعة المجتمع الجوهرية (الولاءات الطائفية والعشائرية)، أو الطبيعة البشرية (الفساد)، أو المرحلة التاريخية من تطور سوريا كبلد عالم ثالثي (نقص الكفاءات)، أو من شروط البيئة الإقليمية (إسرائيل...) او من الدين الإسلامي (التعصب الديني...). وحين لا تكون حلول هذه المشكلات أمنية، فإنها إدراية وتقنية بالضرورة. بالمقابل، النظام السياسي، المحتكر للسياسة والمانع من الانتظام المستقل، ليس مشكلة ولا يعاني من مشكلة ولا يتسبب في مشكلة، والمجتمع السوري والدولة السورية لا يشكوان من مشكلات سياسية ولا يحتاجان تاليا إلى حلول سياسية.
واضح أن المشترك بين العهود البعثية المتوالية، وفيما وراء التحول من الإرادوية إلى الاحتوائية إلى الإداروية الحالية، هو منطق وصاية مستمر وتكبيل المجتمع السوري بوصفه منبع مبادرة وفاعلا مستقلا قادرا على الاختيار وتمثيل نفسه.
على أن الاشتراك هذا لا ينفي فوارق بين المراحل والعهود. كانت الإرادوية إيديولوجية حزب البعث في مرحلة فتوته وصعوده، خدمت في تثبيت موقعه وتركيز السلطة والقيم الوطنية في يده وتبديد شمل خصومه. الاحتوائية التي استندت إلى توازن دقيق بين الشعبوية والأمنية، هي نظام السلطة الحزبية في طور نضجها واستقرارها. أما الإداروية فهي إيديولوجية السلطة البعثية في مرحلة الكهولة، حيث الدفاع عن مواقع ومصالح مكتسبة يتقدم على اي شيء آخر. باختصار، الإرادوية إيديولوجية تغييرية و"تقدمية" فيما الإداروية إيديولوجية محافظة و"رجعية". وهي وريثة سحق كل أشكال الاعتراض الاجتماعي الذي أنجزته الاحتوائية الصارمة في العهد السابق.
لا يكاد يحتاج إلى بيان أن الإداروية والتقنوية الراهنة تؤشران على افتقار العهد إلى إرادة سياسية للإصلاح الاجتماعي والسياسي. وراء مظهرها التقنوي البريئ، الإداروية سياسة بالغة الانحياز إلى نظام المصالح الخصوصية التي استفادت من غياب السوريين عن شانهم المشترك طوال العقيدن الأخيرين من القرن العشرين.
مثلها كانت الإرادوية تغطي بثوروية هائجة على الحاجة إلى سياسة متماسكة للتغيير الاجتماعي وبناء الدولة. فعلاقة الإرادوية بالإرادة السياسية الواعية لذاتها ليست اقوى من علاقة الإداروية بها. لقد تحول النظام البعثي من إيمان مطلق بمونولوجه الذاتي وإرادته الطليقة إلى ركون مطلق إلى مبدأ الاستمرارية والقصور الذاتي، دون المرور بالسياسة والإرادة السياسية المتوازنة، الدستورية، التي تدرك وتقبل وجود إرادات سياسية أخرى معارضة لها.
المشترك، كما قلنا، هو مصادرة السياسة والوصاية على المجتمع. فالإداروية استمرار لنزع السياسة الإرادوي بوسيلة مختلفة.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استعصاء
- وحيدا على قيد البقاء المطلق: حزب البعث في أسر السلطة
- هايل ابو زيد: آخر ضحايا نظام الاستثناء الأمني
- كلام على هيبة الدولة
- بين السلطة والإخوان: لا بديل عن التفاوض
- مخرج عقلاني من وضع مقلق
- حزب الشعب الديمقراطي السوري وتحدي بناء الذات
- المـوت الضـروري لـسـميـر قصيـر
- شعارات حرب في شوارع المدينة!
- ديمقراطية وتنمية في الشرق الأوسط!
- ماذا يريد -الإخوان المستلمون-؟
- هيمنة بوجوه متعددة، لكن بلا روح
- أزمة أحزاب وإيديولوجيات أم أزمة حضارة؟
- سوريا، حزب البعث، ونظام الحزب الواحد: الانفصال هو الحل
- كلام على غائب في ذكرى إنشتاين ونظرية النسبية
- مبارك انتهاء الخط العسكري!
- الطائفية والطغيان: الأسفلان في لبنان وسوريا
- حزب الله والبشمركة: مشكلات السيادة والسياسة والعدالة
- على غرار ما تتغير الأنظمة يكون مستقبل البلدان
- مناقشة لتقرير -المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات-: سوريا ما ب ...


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - البعثية السورية: من الإرادوية إلى الإداروية