أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلال خشيب - الدولة والمجتمع المدني، حدود التأثير والتأثّر / الانتفاضات العربية أنموذجا .















المزيد.....

الدولة والمجتمع المدني، حدود التأثير والتأثّر / الانتفاضات العربية أنموذجا .


جلال خشيب

الحوار المتمدن-العدد: 4447 - 2014 / 5 / 8 - 13:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدولة والمجتمع المدني، حدود التأثير والتأثّر / الانتفاضات العربية أنموذجا :

جلال خشيب*
آمال وشنان**

كما في بقية أنحاء العالم الثالث، تمّ بثّ الحياة في مفهوم المجتمع المدني في العالم العربي، في سياق مناقشة الخيارات الديمقراطية التّي تطرحها أزمة الأنظمة السلطوية العربية الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية، إذ تمّ استحضار النقاش الدائر حول دور المجتمع المدني في مواجهة الدولة التوتاليتارية من جديد .
ويزخر العالم العربي بعدد هائل من المنظمات والاتحادات والجمعيات غير الحكومية، إذ يشير علي الكنز سنة 1992 إلى أنّه في الجزائر وحدها قام أكثر من 25 ألف منظمة واتحاد ورابطة غير حكومية منذ انهيار النظام الحزبي الذّي كان سائدا هناك في أكتوبر 1988، أمّا سعد الدين إبراهيم فيذكر رقم 70 ألف منظمة غير حكومية في الوطن العربي كانت سائدة سنة 1996، ولاشّك أنّ هذه الأعداد في تصاعد مستمر منذ ذلك الحين، ويذكر الباحث عزمي بشارة أنّ كثير من المنظمات تسيطر عليها إمّا قوى دينية (إسلام سياسي، قوى سلفية، قوى دينية تقليدية محافظة) وإمّا يسيطر عليها ناشطون في العمل القومي واليساري سابقا، وخريجو العمل النقابي القديم وبخاصة مؤسسات حقوق الإنسان ومراكز الأبحاث، ويبحث هؤلاء عن استراتيجيات مختلفة للتغيير، مدفوعين بفشل العمل الحزبي القومي اليساري، إمّا بسبب قمع السلطة وإمّا بسبب التحالف معها .1
لقد عرف العالم العربي ابتداءً من سنة 2011 موجة من الاحتجاجات الشعبية هزّت مشرقه ومغربه، وتداول تسميتها بالربيع العربي، وقد حملت هذه الاحتجاجات مجموعة مطالب تصاعدية ومستدامة ترمي إلى إحداث تغيير اقتصادي-اجتماعي شامل وتحوّل سياسي جذري لما هو قائم . لقد كسرت الشعوب في كلّ بلد من بلدان المنطقة حاجز الخوف مطالبة باحترام حقوقها الإنسانية ووضع حدّ للاستبداد، وبلورة عقد اجتماعي جديد قائم على التمثيل . لم تتبع البلدان كلّها المسار نفسه، ولكنّها فرضت على السلطة والعلاقات القائمة بين الدولة والمجتمع تحدّيات كبرى على نحو لا رجعة فيه .2
ورغم أنّ هذه الحركات الاحتجاجية كانت نابعة من المواطنين في مواجهة طرف آخر ألا وهو الحكومات، إلاّ أنّه من الأهمية بمكان عدم إغفال الدور الذّي لعبه المجتمع المدني في هذه الاحتجاجات، وفيما يمكن أن يلعبه مستقبلا أيضا في أي نظام سياسي ستفرزه هذه الانتفاضات .
ومن الملاحظ بدايةً تفاوت دور المجتمع المدني وتأثيره المتباين في شقي العالم العربي مشرقا ومغربا، ولكن يُنظر إليه عادة على أنّه غير فعّال مقارنة بمناطق أخرى في العالم، ويعود جزء من ذلك إلى أسباب وعوامل تاريخية بالإضافة إلى الدور السلبي الذّي لعبته نظم الحكم الاستبدادية المدعومة غالبا من قوى خارجية في تحجيم المجتمع المدني وتحييده أو احتواءه، والتّي تعتبر أنّ وجود مجتمع مدني قوي يُعّد بمثابة بداية لوجود معارضة قوية تُهدّد استقرار هذه الأنظمة3 ، لذا عملت أنظمة الدول العربية على إذابة مؤسسات المجتمع المدني بالسلطة وأجهزة الدولة، وأصبح من هذا المنطق تعيين قيادات المجتمع المدني من اختصاص أجهزة الدولة تبعا لولاء أشخاصه والمصالح المستفادة منهم، وصار يُجنّد هؤلاء ومنظماتهم في المناسبات الرسمية على وجه الخصوص، من أجل القيام بحملات واسعة لصالح مشاريع السلطة وتأطير الانتخابات السياسية، مثلما يحدث في الجزائر مثلا .
إنّ جوهر مشكلة المجتمع المدني في العالم العربي تتركز في انتشار سلطة الدولة في كلّ مجالات الحياة المجتمعية، ممّا يجعل من هذه السلطة أداة مراقبة تقف عائقا أمام إمكانية تحرّر الأفراد واستقلال المؤسسات الاجتماعية. فالدولة العربية تكتسح كلّ مجالات الحياة المجتمعية في إطار مشروع شمولي ل"دولنة" المجتمع .. كما صارت الدولة توظِف سيطرتها المطلقة هذه لأجل خدمة مصالح الفئة الحاكمة بدلا من تعظيم الصالح العام، لذا صارت تنظر إلى أي حركة أو تحرك صادر عن مؤسسات المجتمع المدني تُنادي بالحق العام ومصلحة الشعوب على أنّه معارضة سياسية ورفض للدولة وسلطتها، ممّا يدفعا إلى اللجوء إلى الوسائل الردعية، وهذا ما أدّى إلى إحداث خلل سياسي في المجتمع-الدولة ، ودخول الدولة ومؤسسات المجتمع المدني في مواجهات دموية 4 ، مثلما حدث في الجزائر سنوات التسعينيات ومصر والسعودية، ويتكرّر في الآونة الأخيرة منذ حادثة البوعزيزي في تونس سنة 2011 ، والتّي كانت شرارة أوليّة لتفجر احتقان اجتماعي مكبوت أدّى إلى مواجهة ضدّية ما بين الدولة والمجتمع، أدّت بدورها إلى تدمير مختلف بنى المجتمع ومؤسساته، كونها أفضت إلى تغييب السلطة المدنية الوسيطة، واستبعاد كلّ رمز مدني في مقابل استحضار مختلف الولاءات ما قبل المدنية والعصبوية من عشائرية ومذهبية ودينية طائفية .
إنّ ما قامت به منظمات المجتمع المدني من دور أساسي خلال "موجات الربيع العربي" لاسيما في تونس ومصر كان له دور كبير في تجييش المواطنين باتجاه التغيير الذّي بُني على تراكمات واحتقانات ناتجة عن ممارسات خاطئة وسياسيات غير قويمة انتهجتها أنظمة سياسية أوتوقراطية بحق مواطنيها، وبحكم أنّ معظم منظمات المجتمع المدني القائمة في هذه الدول هي منظمات حقوقية، فقد سعت إلى تعريف المواطنين بحقوقهم المنتهكة، وحثّهم على نيل حقوقهم، الأمر الذّي قُوبل بالرفض من قِبل الأنظمة، لذا يمكن القول أنّ هذه المنظمات كانت بمثابة المحفز والمحرك لخروج الجماهير الساعية للتغيير خاصة في تونس ومصر، الأمر الذّي فتح الباب أمام محاولات عربية أخرى تهدف إلى تعميم التجربة 5 .
وبشكل أكثر تفصيلا وتمييزا فيمكننا الحديث هنا عن تبلور ثلاث وجهات نظر متباينة تحاول رصد مدى مساهمة المجتمع المدني أثناء "الانتفاضات العربية" في عملية التغيير وكذا أشكال هذه المساهمة :
1-ترى وجهة النظر الأولى أنّ منظمات المجتمع المدني لعبت دورا أساسيا في "ربيع العرب"، وإن كان دورا متفاوتا بين بلد وآخر . وتنطلق هذه الرؤية من وجهة نظر ليبرالية تؤمن بأنّ للتشكيلات المدنية دورا مهما في الحدّ من توغل الدولة وتغوّلها . وترى أنّ حركة المجتمع المدني كانت قد مهدت من خلال برامج التدريب وورش العمل والأنشطة الثقافية والمعرفية والميدانية والإعلامية لعملية التحوّل الثوري وعملت على تهيئة الرأي العام باتجاه رفض القهر والاستغلال وتكميم الأفواه ومن أجل حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وغيرها .. وقد لاحظ الدكتور عزمي بشارة في معرض تحليله للثورة في تونس أنّ ثمّة علاقة بين الثورة/أي التوق للحرية والتخلص من الاستبداد وبين درجة تطوّر المجتمع المدني في تونس ونضوجه .. ويفترض أصحاب هذا الاتجاه تنامي دور المجتمع المدني بقوة في مرحلة ما بعد الثورة وتحديدا في قضايا إعادة التوازن السياسي وبناء عقد اجتماعي جديد وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التحول الديمقراطي في هذه البلدان .
2-تنفي وجهة النظر الثانية أي دور إيجابي قام به المجتمع المدني في "الثورات" بل وتذهب حدّ اتهامه بالعمل لمصلحة القوى الخارجية . تتأسس هذه الرؤية فكريا على المدرسة الماركسية التقليدية التّي ترى في التشكيلات المدنية (أي منظمات المجتمع المدني) مجرد مؤسسات رأسمالية وأدوات طيّعة في يدّ الدولة وقوى النظام الرأسمالي العالمي تستخدمها لامتصاص الحنق المجتمعي وتكريس السيطرة الاقتصادية. كما تستند في زعمها إلى مجموعة من الشواهد، كتدفق الأموال وتلقي التدريب في دوائر غربية أو برعايتها6 ، هذا ما يجعلها رهينة لبرامج وأجندات غير محلية .. إنّ الوقائع تؤكد ذلك –حسب هؤلاء- خاصة أثناء وبعد "الثورة المصرية"، فقد دار الحديث عن ملايين الدولارات قُدمت لبعض المنظمات المصرية التّي دفعت باتجاه تغيير النظام ما أوقع هذه المنظمات حتّى بعد "نجاح الثورة" في موقع المساءلة والتدقيق حول مصادر تمويلها، وإذا ما تأكد أنّ هذه المنظمات قد مُوّلت من الخارج فسيطرح ذلك العديد من التساؤلات حول دور هذه المنظمات في المستقبل القريب في تشكيل الرأي العام والتأثير على شكل النظم السياسية المنبثقة عن "الثورة"7 .. في هذا الصدد يقول الأستاذ عادل سمارة أنّ: "نخبة المجتمع المدني مدجّنة، مُحرّفة لنظرية غرامشي، لي لها مساهمة في التحرّر الوطني وهي أداة تخريب وتطويع في يد الغرب الرأسمالي"، أمّا الكاتب الإسلامي الشهير فهمي هويدي فيتّهم المنظمات بأنّها أصبحت تؤدي دور المستشرقين في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين لإنجاح التحكم في الشعوب .
وهناك من يرى –ضمن هذه المدونة الفكرية- أنّ المجتمع المدني لعب دورا هامشيا في "الربيع العربي" لأسباب أخرى، ويرى أحد الكتّاب الأتراك أنّ العالم العربي لأسباب عديدة (الافتقار للمؤسسة وضعف قطاع الأعمال) لم يعرف المؤسسات الوسيطة بين الفرد والدولة، وبالتالي فالشروط الممهدة للديمقراطية غير مكتملة بعد. بينما يرى آخرون أنّ الجمعيات التقليدية لم يعد لها دور يُذكر، إذ عوضتها المدونات الشخصية والشبكات الاجتماعية على الانترنت كالفايسبوك والتويتر .
3-في حين تُقّر وجهة النظر الثالثة بالدور الذّي لعبته منظمات المجتمع المدني التقليدية (من خلال التعبئة الجماهيرية والاجتماعية، الدعم اللوجستي، التمكين وبناء الوعي، التنظيم، رصد الانتهاكات ونقد السلطة..) .. غير أنّ أصحاب هذا الرأي يُسلمون ببعض المثالب والسلبيات وخصوصا الاعتماد المفرط على الدعم الخارجي، نضوب الجذور الجماهيرية والطوعية وبالتالي ضعف المشاركة من قِبل الجمهور، الافتقار للديمقراطية الداخلية، الاندراج بصورة أو بأخرى في نسق المعرفة والممارسة الذّي تفرضه قوى العولمة ومؤسسات النظام الرأسمالي العالمي، القرب من النظام الحاكم والعمل ضمن قواعده ومحدّداته. ومن ناحية أخرى، يُقّر هؤلاء بأنّ استمرار دور المجتمع المدني بُعيد "الربيع العربي" منوط بمدى قدرته على استلهام الدروس وإحداث التغييرات المطلوبة وتشكيل وعي متكامل بالتحديات الجدّية والجديدة التّي تواجهه في المستقبل القريب8 .
وبغض النظر عن التباين الحاصل في قراءات الأطراف لحدود أدوار لمجتمع المدني في "انتفاضات الربيع العربي"، يكاد يجمع الباحثين أنّ هذه الأدوار قد بدت جلّيةً متجليةً في "الثورة التونسية" أكثر من بقية الدول العربية التّي عرفت انتفاضات مماثلة، وهذا راجع لأساب عدّة أهمها ذلك التطوّر الملحوظ في الوعي السياسي لمؤسسات المجتمع المدني المختلفة في تونس على غرار الاتحاد العام للشغل والاتحاد العام للطلبة التونسيين وجمعيات ونوادي أخرى منذ المرحلة الاستعمارية، والذّي أفرز نخبا سياسية ونقابية صنعت الفعل السياسي الوطني خلال النصف الثاني من القرن الماضي، أي منذ الاستقلال بالرغم من النظام التسلطي البوليسي الذّي حطم تونس طيلة هذه المرحلة.
وقد أضحى الحزب الدستوري منسجما مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية، التّي عرفتها الأبنية المختلفة للمجتمع التونسي. أمّا المنظمات النقابية متمثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد الوطني للطلبة التونسيين، فقد جسّدت الأداة الفعلية لعملية التعبئة الاجتماعية والسياسية، التّي هيكلت المشروع الوطني للمجتمع التونسي حول ركيزتين أساسيتين:
-;- العمل السياسي الدستوري الذّي حرّك الساحة السياسية التونسية من منطلق أنّ الأغلبية الساحقة من الشخصيات السياسية التّي قادت تيارات سياسية فيما بعد، تكوّنت وترعرعت في أحضان الحزب الدستوري الجديد .
-;- أمّا العمل النقابي الاجتماعي، فهو الذّي ساهم في بلورة المشروع الحداثي الذّي ينفرد به المجتمع التونسي عن كثير من الدول العربية.9
لقد لعبت القوى العمالية والمهنية دورا مهما في تأييد "الثورات الشعبية" وتأجيجها، وقد أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل انضمامه المبكر للثورة التونسية وأسهم ذلك بشكل كبير في تغيير موازين القوى وفي تشجيع قوى سياسية ونقابية أخرى ومنظمات حقوق الإنسان على إعلان تأييدها وانضمامها للثورة، كما ظهر تحالف واسع بين مختلف فئات المجتمع التونسي الرافضة لنظام بن علي، فبالرغم من أنّ الانتفاضة بدأت على أرضية مطلبية من قِبل الشباب العاطل عن العمل، فانّ التفاف الأحزاب السياسية، الاتحادات العمالية والنقابات العمالية، مؤسسات المجتمع المدني وطبقة المثقفين وغيرهم حول الشباب وتضامنهم معهم وانضمامهم إلى انتفاضتهم، كلّ ذلك ساعد على توسيع نطاق الانتفاضة طبقيا ومناطقيا، ممّا أدّى إلى تزايد الضغوط على النظام بشكل غير مسبوق.10
لذا يمكن القول أنّ نواة الانتفاضة التونسية كانت الحركة الشبانية فهي التّي أسهمت بشكل كبير في زعزعة نظام بن علي وحشد جميع القوى السياسية والعمالية التّي تنشد الخلاص وإرساء معالم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، مستخدمة هذه المرة وبشكل غير مسبوق فضاءات السيبرنيتيك و التواصل الاجتماعي كالفايسبوك وتويتر بشكل جعل البعض يتحدث عن تبلور "مجتمع مدني افتراضي" إن صح التعبير، تجاوز بقدراته وفعاليته منظمات المجتمع المدني التقليدية في التعبئة والدعوة إلى النضال ضدّ بن علي والديكتاتورية، محققا ما أخفقت فيه مؤسسات المجتمع المدني التقليدية والأحزاب السياسية في استقطاب الشباب الذّي يعاني الفقر والحرمان والبطالة والتهميش، لاسيما الشباب الجامعي منه، وتوحيده تحت هدف واحد .. لذا لم تكن "للثورة التونسية" إيديولوجية ولا قيادة معيّنة، ولم تتخذ علامة أو شارة رمزية تحيل إلى انتماء اجتماعي أو فكري محدّد، فلم يحمل المتظاهرون، على سبيل المثال، لافتات تشير إلى أنّ ثورتهم عمالية أو فلاحية أو برجوازية أو دينية أو عرقية.. فشعاراتها كانت فضفاضة تتيح لأي مواطن ساخط على الوضع العام في البلاد أن ينضوي فيها، الأمر الذّي خلق لحمة بين الجميع حملت شعارا واحدا: "الشعب يريد إسقاط النظام .. إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابّد أن يستجيب القدر" .. فالهدف كان التخلص من الاستبداد الذّي أورثهم ذلاّ ومهانة وتخلفا عمّر لسنوات .11 وانطلاقا ممّا سبق، يمكننا القول أنّ مؤسسات المجتمع المدني في تونس استفادت كثيرا من تجاربها السابقة مع المجتمع السياسي الخاضع لهيمنة السلطة الحاكمة، فقد صقلتها هذه التجارب وتجلّت نتائجها الايجابية في "ثورة الياسمين" ، التّي ألهمت حتّى الجيش التونسي الذّي رفض الانصياع لسلطة الديكتاتور والتزم بحماية مصالح الدولة وراهن على وعي وآمال الشعب التونسي. وعليه يمكن القول أنّ مؤسسات المجتمع المدني قد تميّزت بكونها:
-;- استطاعت بلورة مصالحها والمشاركة في الاحتجاجات في المناهضة للاستبداد.
-;- تميّزت بتجذّر قواعدها الاحتجاجية ورفعها لمطالب معتدلة غير متحزّبة.
-;- أصبحت أداة فعلية جامعة بين مختلف الجماعات الوطنية والأبنية الرسمية.12

في النهاية نقول، أنّه وعلى الرغم من كل المثالب والعيوب التّي اعترت المجتمع المدني العربي، فقد شكّل الأخير في تونس ومصر وغيرها من البلدان العربية نقيضا نظريا وعمليا في كثير من الأحيان للمجتمع الثيوقراطي والمجتمع الشمولي الاستبدادي والمجتمع القبلي العشائري أو الطائفي .. وإذا كانت "الثورة أو الانتفاضة" قد أعادت الاعتبار للحياة السياسية ولدور الأحزاب السياسية، غير أنّها أكدّت مدى الحاجة للمنظمات الوسيطة ولأشكال التنظيم الاجتماعي الطوعي كقنوات للتعبئة والتعبير عن المشاعر والقضايا المشتركة وأداة لمساءلة السلطة والتدريب على الديمقراطية واستنفار الطاقات المجتمعية المكبوتة وتعبئتها على أساس غايات وأهداف مشتركة تنشد التغيير إلى الأحسن وإصلاح الدولة والمجتمع على حدّ سواء.

المراجع المعتمدة:

- عزمي بشارة، المجتمع المدني: دراسة نقدية مع إشارة للمجتمع المدني العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، الطبعة الثالثة، فبراير 2008.ص: 300، 301 .
2 - المجتمعات المدنية في العالم العربي بعد الثورات، التحديات خلال مرحلة الانتقالات السياسية، مركز دراسات النزاعات والتنمية وبناء السلام، أوت 2012 . www . graduateinstitute. Chu/ccdp
3 - رود ماكلويد، النزاع ومرحلة ما بعد النزاع-ماهو دور المجتمع المدني، مجلة أونتراك، العدد 48، أيّار 2011، ص: 02 .
4 - بلعيور الطاهر، المجتمع المدني كبديل سياسي في الوطن العربي، مجلة العلوم السياسية، العدد العاشر، نوفمبر 2006، جامعة محمد خيضر، بسكرة- الجزائر، ص: 129، 130 .
5- ماجد سراج، منظمات المجتمع المدني والثورات العربية .. من يؤثر في الآخر؟ ، مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية، 18،أكتوبر 2011 ، ص: 02 .
www.shebacss.com .
6- تيسير محيسن، قراءة في دور المجتمع المدني في مرحلة ما بعد الربيع العربي، فلسطين نموذجا، مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، 22-12-2011 .
www.maatpeace.org

7- ماجد سراج، مرجع سبق ذكره ، ص: 02 .
8 - تيسير محيسن، مرجع سبق ذكره.
9 - د.عبد الوهاب بن خليف، دور المجتمع المدني في عملية التحوّل الديمقراطي في تونس،أعمال الملتقى الوطني الثالث حول موضوع: المجتمع المدني والتطور السياسي بالمنطقة المغاربية، مخبر البحوث والدراسات في العلاقات الدولية، جامعة الجزائر3 ، 2012،ص: 129،130.
10- عبد الجبار أحمد عبد الله وفراس كوركيس عزيز، دور شبكات التواصل الاجتماعي في ثورات الربيع العربي، مجلة العلوم السياسية، العدد 44، بغداد-العراق، 2011،ص: 205.
11 - توفيق بوقاعدة، دور المجتمع المدني التونسي في التحوّل الديمقراطي، أعمال الملتقى الوطني الثالث حول موضوع: المجتمع المدني والتطور السياسي بالمنطقة المغاربية، مخبر البحوث والدراسات في العلاقات الدولية، جامعة الجزائر3 ، 2012،ص: 149،150.
12 - د.عبد الوهاب بن خليف، مرجع سبق ذكره،ص: 134،135.

جلال خشيب* : باحث مهتم بالدراسات الدولية والإستراتيجية، التنظير في العلاقات الدولية، الجيوبوليتيكا والفلسفة السياسية، دراسات عليا/تخصص دراسات آسيوية قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3 .
آمال وشنان**: باحثة مهتمة بالدراسات الدولية، دراسات الطاقة والموارد والنزاعات الدولية، دراسات عليا/تخصص دراسات إفريقية قسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3.



#جلال_خشيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ستكون الجزائر إحدى مناطق الارتكاز في إستراتيجية التالاسوك ...
- النظر إلى الماضي بغضب .. بوتين مُحاصرٌ بالتاريخ .
- صدام التيّارات .. جوزيف ناي في مواجهة فريد زكريا : هل صارت أ ...
- هل يُعتبر الواقعيون كذئاب وحيدة ؟ ليندساي هاندلي في مواجهة س ...
- القوة الدولية
- إدوارد هاليت كار في مواجهة المثالية : وتحتدم المعركة
- الفرق بين الواقعيين واللبيراليين .
- عيد المرأة .. فلسفتي .
- صعود الصين و الثورة المعرفية الجديدة .
- صاموئيل هنثنغتون وحروب خط الصدع .
- الجزائر في مهّب التحوّلات الدولية والإقليمية .. ما الذي يمكن ...
- النظرية و الممارسة في العلاقات الدولية : بعض من التصورات الش ...
- تراجيديا المغرب العربي الجديد و الحلف المقدس الجديد .
- النقد الإحيائي و إعادة بعث مفهوم الخِلافة .. مجرد فكرة :
- -مغامرة- جديدة بحثا عن عمل في مملكة الإله .. و يتكلم زراديشت ...
- الغرب و البقية ، تحوّلات ميزان القوى العالمي في المنظور التا ...
- الواقعية : العالم الحقيقي و العالم الأكاديمي / جون ميرشايمر ...
- لماذا وُجدنا ؟ أسئلة الإستخلاف و رسالة المثقف المسلم في الحي ...
- إمبريالية مُصمّمة/ جون ميرشايمر
- نظرة خاصة لمفهوم الأمن / مجرد فكرة .


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلال خشيب - الدولة والمجتمع المدني، حدود التأثير والتأثّر / الانتفاضات العربية أنموذجا .