أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء4:















المزيد.....



سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء4:


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4395 - 2014 / 3 / 16 - 13:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نواصل الرد على الإفتراءات التي يدعي فيها صاحبها أنَّه إكتشف، المئات من الأخطاء اللغوية والإنشائية في القرآن. وإنَّه يعمل على تصحيحها وفقاً لإيحاءات وأفكاره. وهذا يذكرني بقصة حكاها الشيخ "علي الطنطاوي" رحمه الله، قال فيها: إنه عندما كان قاضياً جاءهم شخص إدعى أنه رأى هلال رمضان،، فإنتقل معه فريق من القضاة ليشاهدوا الهلال حيث أشار ذلك الشخص، فلم ير أحد منهم شيئاً، فكرر لهم ذلك الشخص أنه الآن ينظر إلى الهلال، حتى إحتار الجمع في أمره لأنهم كانوا ينظرون حيث يشير إليهم فلا يروا شيئاً،، فقال الشيخ إنه نظر إلى وجه الرجل فوجد شعرة من رأسه متدلية أمام عينه، فعندما أبعدها سأله "أين الهلال" فأجاب بأنه قد إختفى. وإنتهت القصة بأن الشخص كان متوهماً لعدة أسباب أهمها: إنه جاهل بأحوال ومطالع الهلال، الثانية أنه متعجل ومندفع فخيل ما كان يدور في خاطره ويحرص على أن يظفر به ويكون له السبق في ذلك،،، والله أعلم.

ماذا قال الذيب في مجموعته الرابعة بعنوان (أخطاء القرآن اللغوية والإنشائية)؟
إعتاد أن يبدأ بمقدمة يعرض فيها تعليقات بعض قراء مواضيعه المفتراة على القرآن الكريم بغير هدى ولا كتاب منير. فنراه يقول ما يلي:
أولاً: سأله أحد القراء قال له:
1. ما هو معيارك الخاص بالقاعدة اللغوية لتحديد الصح والخطاء؟ ولتوضيح اكثر،، وفقا لأي قاعدة عربية قمت باستخدامها كمعيار؟
2. اعتقد انك تعلم جيدا بأنه لا توجد لغة واحدة على وجه الارض تخضع للمنطق. فكيف تحكم بأن هناك اخطاء؟
3. من الذي قال هذا خطاء و هذا صواب؟
أسئلة بديهية وعقلانية ومحورية،، كان يفترض أن يكون جوابه متسقاً مع هذه الأسئلة الواضحة والهادفة،، ولكن كان رده بعيداً عن مقاصد السؤال،، فلنر معاً كيف كان رده؟؟؟:

قال ... وردي:
1. قام النحويون بملاحظة أن القرآن وغيره من النصوص ترفع الفاعل وتنصب المفعول به، الخ. وعلى اساس ملاحظة اللغة تم وضع قواعد اللغة. وعندما لا يلتزم نص بهذه القواعد يعتبر نصاً معابا. ونفس الأمر تم مع القواعد الإنشائية.
2. القرآن بذاته يلتزم بهذه القواعد، وحيث لم يلتزم، يعتبر ذلك خطأ إما من المؤلف أو من النساخ. وقد قام المسلمون بتصليح بعض هذه الأخطاء من خلال ما يعرف باختلاف القراءات والتقديم والتأخير والمحذوفات والمقدرات.
3. وتعترف المصادر الإسلامية ذاتها أن الحجاج قام بتصليح بعض أخطاء القرآن. ولكن يستحيل على من يؤمن بأن القرآن كتاب منزل أن يقر بأن في القرآن اخطاء لغوية أو انشائية لأن هذا ينسف الإسلام ويعرضة للعقاب. ولذا فهو يدور ويلف للبحث عن التبريرات. وعليه يمكن القول بأن تبريراته لا يمكن قبولها لأنها نابعة من منطق لا يخضع للعقل أو لأنها صادرة نتيجة اكراه - والمكره لا يؤخذ بكلامه.
4. وبطبيعة الحال، أنا لا ادعي العصمة فيما اكتب، ولن احكم على أحد بالردة إذا ما خالف ما اقوله.

في الحقيقة وددت أن أتجاهل الرد على مثل هذا اللغط،، ولكن ليس لي خيار، ولا أرد لهواي وإرضاء نفسي أو ذوقي،، الموضوع أكبر من ذلك بكثير، (يجب أن توضع الحقائق تماماً كما هي أمام القراء) فهذه مسئولية أخلاقية في المقام الأول، وهذه بالطبع تقتضي الأمانة العلمية، ونكران الذات والذاتية، والشفافية، والموضوعية، والصبر مع تقبل الآخر بعلاته. لذا سأكتفي هنا ببعض التعليقات العامة، التي تلفت نظر القاريء إلى مواطن الضعف والقوة والتلفيق والدس فيما يلي:

أولاً سأطرح بعض الأسئلة العامة:
1. هل هذا الرد الذي جادت به قريحة الذيب يعتبر رداً علمياً أو منطقياً مقنعاً لأحد، بالنظر إلى بساطة وموضوعية الأسئلة التي تقدم بها أحد قرائه؟
2. هل هذا الرد قد أجاب "كلياً" أو حتى "جزئياً" على ذلك السائل؟

ثانياً: يقول: ((-- قام النحويون بملاحظة أن القرآن وغيره من النصوص ترفع الفاعل وتنصب المفعول به، الخ. وعلى اساس ملاحظة اللغة تم وضع قواعد اللغة. وعندما لا يلتزم نص بهذه القواعد يعتبر نصاً معابا. ونفس الأمر تم مع القواعد الإنشائية. --)): نقول له، وبالله التوفيق:
1. النحويون لم يقوموا بملاحظة القرآن، كما تزعم، لا... بل قاموا بدراسته وتمحيصه وتدبره "بالبصيرة" وليس بالبصر، فإستخرجوا بعض كنوزه الإعجازية في دقة وثبات وأصالة تلك القواعد الفريدة المتفردة،
2. وهل بديع القرآن هو "رفع فاعل ونصب مفعول؟؟؟"، هل يعلم صاحبنا أن حتى علم الأسوت والصوتيات، والعلامات الموسيقية كلها وبقيمها الزمنية وتدرجها على السلم الموسيقي، وتوزيعها، والضابط الإيقاعي، والميزان الموسيقي،،، الخ كلها مستوحاة أساسا من هذا القرآن الكريم الجامع لكل العلوم والفنون، التي سنتناول بعضها لاحقاً؟؟؟ وهل يفهم من أين جاءت علامات التجويد الفريدة التي يتميز بها القرآن الكريم عما سواه؟
3. ما هي تلك النصوص التي يدعي أن النحاة لاحظوها مع أو بجانب القرآن حتى يستنبطوا منها قواعد النحو؟، وأي نص في الوجود يمكنه أن يضيف إلى القرآن شيئاً غير موجود فيه؟ إن كان يعرف شيئاً من ذلك فليأتنا به إن كان من الصادقين ... ولكن هيهات،
4. أما قوله (وعلى اساس ملاحظة اللغة تم وضع قواعد اللغة ...)، هذه تعميم "خبيث" مكشوف يريد من خلاله أن يشرك مع القرآن الكريم غيره كمصادر لعلم فقه اللغة والنحو والصرف ... هذا كلام مرسل سخيف، نطالبه أن يثبته ولو فبركةً، وإن لم يفعل ... ولن يفعل يكون قد أكد صدق رأينا فيه وفي علمه وقدراته على الأقل حيال القرآن الكريم،
5. هنا بخبث "تمهيداً" لإضفاء شرعية ومصداقية لفريته يقول: ((-- وعندما لا يلتزم نص بهذه القواعد يعتبر نصاً معابا. ونفس الأمر تم مع القواعد الإنشائية --))، فهو يريد بكلمة "نص" أن يموه ويوهم القراء بأن القرآن مضمن في هذه الكلمة"، ويظهر من هنا تناقضه الغريب مع نفسه،، فهو يقول ما لا يفهم، ويظن أن القراء أيضا لا يفهمون كالنعامة التي تخفي عينيها تحت الرمال فتحجب عن نفسها الرؤية فتظن أن صيادها أيضا لا يراها فيتم صيدها بسهولة ويسر. ونسي أن القرآن "حصرياً" هو مصدر قواعد علم النحو ومؤصله وضابطه ومعياره، فكل ما يتعارض معه لا بد من أن يكون "معيباً" حتى قواعد النحو نفسها مما يقتضي على الفور إعادة النظر في تلك القاعدة التي تعارضت معه وليس العكس.

ثالثاً: قال أيضاً: ((-- القرآن بذاته يلتزم بهذه القواعد، وحيث لم يلتزم، يعتبر ذلك خطأ إما من المؤلف أو من النساخ. وقد قام المسلمون بتصليح بعض هذه الأخطاء من خلال ما يعرف باختلاف القراءات والتقديم والتأخير والمحذوفات والمقدرات --)) ... فنقول له وبالله التوفيق وعليه السداد:
1. دعك من التحايل والتمويه وعرض مسميات مأخوذه من هنا وهناك ما أنزل الله بها من سلطان (والتقديم والتأخير والمحذوفات والمقدرات)، هذه الخدعة قد إنكشفت حتى عند الحواة والسحرة، فإن كنت لا بد فاعل، فلا أقل من أن تكلف نفسك ببيان مقاصدك منها للناس،
2. قولك إن " القرآن بذاته يلتزم بهذه القواعد"، ... إذاً إرنا كيف لا يلتزم القرآن بقاعدة هو في الأساس مصدرها ومنبعها ومهندسها بكاملها؟؟؟
3. أما قوله ((-- وحيث لم يلتزم، يعتبر ذلك خطأ إما من المؤلف أو من النساخ --))، هذه طبعاً هي الغاية التي يلف ويدور حولها،، هو أن القرآن مؤلف وليس وحياً من عند الله تعالى،، بالله عليكم أليس هذا "خبلاً" من العيار الثقيل؟؟؟ ... يا أخي بالعقل والمنطق إذا كان النبي الكريم "كما تدعي وتفتري" بأنه قد ألف القرآن الكريم الذي به أكثر من ستة آلاف آية في مائة وأربعة عشر سورة،، وبعض الآيات عدد كلماتها أكثر من مائة كلمة،، وأنت قد فرغت نفسك تماماً للتنقيب بين آياته وسوره لتجد خطأً واحداً فلم تستطع رغم إستخدامك كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة،،، وقد نسف القرآن كل مجهوداتك فجعلها هباءاً منثورةً (كما رأيت وسترى لاحقاً)، ثم بعد ذلك "تحداك" بأن تأتي بعشر سور من مثله فلم تستطع، ثم عدل عن ذلك إلى سورة واحدة من مثله فلم ولن تستطع،،، أيعقل أن تأتي بهذا العجز والقدرات المحدودة والمشروخة، وتستدرك عليه وتلصق به أخطاءك ؟؟؟ (ألا يعتبر أعظم من ألف على وجه البسيطة؟؟؟)، هذا مقام يستحقه، ولكن القرآن الكريم شرف لا يدعيه، بل ينسبه إلى صاحبه الذي هو عبد له ورسول من عنده. ألا تعقل ما تقول يا رجل؟؟؟ أما مسألة "خطأ الناسخ" فهذا أمر مضحك حقاً، وكنه لا يستحق الوقوف عنده طويلاً.

رابعاً: تقول: ((-- وتعترف المصادر الإسلامية ذاتها أن الحجاج قام بتصليح بعض أخطاء القرآن...))، نقول وبالله التوفيق:
1. ما هي تلك المصادر الإسلامية التي تدعيها؟؟؟، ولنفرض أن أحداً قال بما تقول به أنت الآن ،، فهل هذا يغير من الواقع والحقائق على الأرض؟؟؟ ها هم ذا قد سبقوكم، وأنتم الآن على آثارهم تهرعون،،، وبينكم وبينهم أكثر من أربعة عشر قرناً جرت فيها ملايين المحاولات البائسة الفاشلة، فهل رأيت القرآن الكريم نقص حرفاً واحداً أو حتى علامة ضبط واحدة. ألم يقل الله تعالى عنهم وعن خلفائكم إلى يوم الدين في سورة العنكبوت: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰ-;-كِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ 40)، (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ 41)، سنترك الوهن لأصحابه، ونسد عنهم المنافذ بالحق والحقيقة والحقائق.

خامساً: ثم يقول: ((-- وبطبيعة الحال، أنا لا ادعي العصمة فيما اكتب، ولن احكم على أحد بالردة إذا ما خالف ما اقوله --)) ... نقول له،، وبالله التوفيق:
1. ألَّا تدعي العصمة، فهذا تواضع منك ويحسب لك حقيقةً،، ترى هل هذا تواضع منك أم أنك تطمع إلى ما هو أكبر من مجرد العصمة؟؟؟ فالعصمة أقصى مدى لها "نبياً أو رسولاً"،
2. واضح من قولك إنك (لا تحكم على أحد بالردة إذا ما خالف ما تقوله)، ألا يعني أن ذلك "تأله"، أم ماذا يكون في رأيك؟ فلنفرض أنك حكمت على أحد بالردة، فهل سيكون مرتداً؟ وإذا كان مرتداً فهل ستكون ردته عن الإسلام أم عن الطاغوت؟؟؟
على أية حال،، دعونا نقف على حقيقة قواعد اللغة العربية: (ما هو مصدرها؟ ... ومتى وضعت؟ ... ومن واضعها؟ ... ولماذا وضعت؟ ... وما مدى قدسيتها؟):

أولاً: مصدرها هو القرآن الكريم: حيث لم يكن أحد قبل الإسلام قد وضع قواعدَ للغة العربية، فالعرب ينطقونها بالفطرة والملكة، فيرفعون الفاعل وينصبون المفعول به، فمن نطق بكلمة أو جملة لم يراعى فيها ذلك أعتبر لحناً. ولا شك في أن مصدرها الأصلي هو الله تعالى،، لسبب بسيط،، لا يعقل أن يفجأ الله تعالى بخلقه يبتكرون لغةً فيتعاملون بها من تلقاء أنفسهم، ثم يأخذها منهم ويوحي بها كتابه إليهم. وهذا يقودنا إلى أن لغة البشر "الأم" هي اللغة العربية بلا منازع. ويكفي أن نعلم أن أول نبي من فتق لسانه بالعربية الفصحى هو "نبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، وكان ابن اربعة عشر عاماً،

ثانياً: ما دام أن القرآن عربياً مبيناً وغير ذي عوج إذاً تكون اللغة العربية قديمة قدم الخلق كله، لأن الله تعالى قال في سورة الرحمن: (الرحمن 1)، (علم القرآن 1)، وذلك قبل خلق الإنسان ثم بعد ذلك، (خلق الإنسان 3)، (علمه البيان 4). فما دام أنه قد علمه البيان ليعرف القرآن، فلعل ذلك البيان هو فصاحة وبلاغة اللغة العربية.

ثالثاً: اللغة العربية لم يضعها بشر،، بل مصدرها مباشرة هو الله تعالى،، بدليل أن القرآن الكريم نزل بها من اللوح المحفوظ، وبالتالي فإن أصول قواعد اللغة العربية لم يبتكرها أحد بل أخذت مباشرة من التنزيل (تلاوةً وتجويداً وترتيلاً), لم تعرف قواعد اللغة العربية من قبل وإنما أكتشفها العلماء وتحروها وتدبروا آيات الله تعالى فوجدوها غنية بهذا العلم الرفيع الدقيق البديع. إكتشفوه كما أكتشف علماء الطبيعة الطاقة المغنطيسية والمجال المغناطيسي وقطبيته،، وإكتشفوا الموجات الأثيرية والكهربائية والصوتية وفوق الصوتية، والإشعاعات المختلفة السينية وتحت الحمراء وفوق البنفسجية، والطاقة النووية ... الخ لم يَدَّعِ أحد أنه إخترع شيء من هذه الأسرار أو غير طبيعتها، وإنما إكتشفها وتعامل معها وسخرها، ولا يزال هناك الكثير من الأسرار في الكون التي – إن أذن الرحمن بها – فإنه سيكتشفها بالدراسة والعلم والمراقبة أو حتى بالصدفة كما هو حال الكثير من المكتشفات.

رابعا: قواعد اللغة العربية لم يدعيها أحد قبل الإسلام وقبل نزول القرآن الكريم، فكل الباحثين من النحويين واللغويين وعلماء الصرف والبلاغة،،، إستنبطوا قواعدها ومعاييرها وأبوابها وعلاقات بعضها ببعض من القرآن الكريم كمصدر رئيس فإكتشفوا أنها تتطابق مع سبعة ألسن عربية وكان أوسطها اللسان القرشي لغة بني هاشم. فمرت بمراحل عديدة وتنقيح وتهذيب وتبويب "شأنها شأن كل العلوم المكتشفة"، حتى وصلت إلى حالها الماثل، والقرآن شاهدٌ على صحتها ومهيمنٌ عليها وحافظها من العبث والتغيير وهذا من أسرار حفظ الله تعالى لكتابه المبين، لذا قال سبحانه (قرآناً عربياً غير ذي عوج). ومن ثم، إذا تعارضت القواعد التي إستنبطها العلماء اللغويين مع القرآن فسرعان ما يعاد النظر في تلك القاعدة حتى تتفق مع القرآن وليس العكس كما قد يظن الجهلاء من العامة.

خامساً: وضعت قواعد اللغة العربية "أساساً" لضمان عدم إنقراض العربية الفصحى "لغة القرآن" بإنقراض أهلها عبر الحقب والقرون،، فلا بد أن ذلك كان إيحاءاً من الله تعالى لأن ضياعها أو ضعفها يقض على أهم معجزات القرآن والتي تمثل تحدٍ لكل من حاول التطاول عليه من المغبونين المحبطين بعربية وبلاغة وإحكام القرآن الكريم.

تقول الروايات إنَّ أول من وضع أسس علم النحو الأولى هو "أبو الأسود الدُّؤلِي"، ولكن الإختلاف بين الروايات يكمن في تحديد من الذي أوصى له بذلك:
1. منهم من قال هو سيدنا عمر بن الخطاب،
2. وآخرون قالوا بل هو سيدنا علي بن أبي طالب
3. وغير هؤلاء وأولئك آخرون قالوا،، لا هذا ولا ذاك بل هو أمير البصرة "زياد بن أبيه".
لذا،، لن نقف عند هذه النقطة طويلاً لأن الذي يهمنا هو أن قواعد النحو والصرف والبديع وضعت كلها بعد الإسلام (ومن أجل القرآن وبه ووفق منهجه)، وهذا يعني أنها وضعت على هدي القرآن الكريم كآلية للتعمق فيه وتدبر آياته البينات.

سادساً: ضرورة وضع قواعد تضبط اللسان العربي من الإنحراف والوقوع في اللحن الذي بدأ يظهر جلياً ومتنامياً بين الناس، لزيادة طغيان العامية على الفصحى وإختلاط العرب بالملل الأخرى من يهود ونصارى. ومع تقدم الزمن وتداخل الأمم والتقارب والتزاوج فيما بينها، أصبح لا بد من التأصيل والتوثيق لهذه اللغة المقدسة التي نزل بها كلام الله تعالى، (مع إستحالة ترجمة هذا القرآن إلى أي لغة أخرى)،،، أقول إستحالة ذلك،، وسنبين هذه الحقيقة التي يجهلها الكثيرون بالدليل القاطع في حينه.

فمثلاً هناك رواية عن إعرابي في زمن عمر بن الخطاب قدم المدينة فقال (من يُقْرِؤُنِي مِمَّا أنزل اللهُ على محمد صلى الله عليه وسلم؟)،، فَأقْرَأَهُ رجلٌ جاهلٌ شيئاً من سورة براءة فقال (... إن اللهَ بَرِيءٌ من المشركين « ورسولِهِ » ...)، "بكسر حرف "اللام" من كلمة "رسوله" فأصبحت الكلمة مفعول به معطوفاً على كلمة "المشركين" مفعول به أيضاً... ففطن الإعرابي "بفطرته" إلى مدلول الكلمة المكسورة، فقال (أَوَقَدْ بَرِيءَ اللهُ مِن رَسُوْلِهِ؟؟ ... إنْ يَكُنِ اللهُ قَد بَرِيءَ مِن رَسُوْلِهِ فأنَا أبْرَأُ مِنْهُ). فبلغ عمر مقالة الإعرابي فدعاه، قال: (يا إعرابي: أتَبْرَأُ مِن رسُوْلِ اللهِ صَلى الله عليه وسلم؟) ... قال: (يا أميرَ المؤمنينَ إنِّيْ قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ ولا عِلْمَ لِي بالقرآنِ فسَألتُ مَنْ يُقْرِؤُنِيَ،، فَأقْرَأنِي هَذَا سورة براءةٍ فقال " إنَّ اللهَ بَرِيءٌ من المُشْرِكِيْنَ « ورسولِهِ »" فقلتُ لَهُ كَذَاْ،،، وكذا ... فقال عمر: (ليس هكذا يا إعرابي)، قال فكيف هي يا أمير المؤمنين؟ ... قال: (إنَّ اللهَ بَرِيءٌ من المشركين « ورسولُهُ »). برفع اللام من كلمة "رسوله"، فقال الإعرابي: (وأنا والله ابْرَأُ مِمَّا بَرِيءَ اللهُ وَرَسُوْلَهُ مِنْهُ).

هناك روايات أخرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لسنا هنا بصدد هذا، التويثق، المهم أن النحو مصدره القرآن الكريم، والقرآن موحاً من عند الله تعالى وهو قد علمه الله لجميع خلقه قبل أن يخلق الإنسان، ويعلمه البيان. فمن هذا المنطلق فمسألة الحديث عن قدسية اللغة العربية تحصيل حاصل لن نتطرق إليه لعدم ضرورته إذ القدسية مثبتة ومؤكدة بتأكيد قدسية القرآن الكريم.

الآن ... آن لنا أن نناقش هذه المجموعة الرابعة من الأخطاء اللغوية والإنشائية المفتراة، فنقول:

الخطأ 31:
قال الله تعالى في سورة القلم: (لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ 49)،
فإدعى صاحبنا بأن هذه الآية الكريمة المحكمة الرائعة البيان والإبيان بها خطأ لغوي وإنشائي،، فقال إنَّ تذكير الفعل " تَدَارَكَهُ" مع كلمة " نِعْمَةٌ" المؤنثة تعتبر عنده خطأ وأن الصواب – في رايه - هو تأنيث ذلك الفعل وعلى ذلك يكون النص الصحيح لديه هو " تداركته نعمة":،، ولكن،، يكفي أن نذكره بأن العوام من الناس يعرفون أن كلمة "نعمة" هي مؤنث مجازي وبالتالي يستوي معها التذكير والتأنيث. وهذا يكفي إذا كنا بصدد نص أدبي في فلم أو مسرحية أو كلام عام ليس له غاية سوى ذكر ذلك المؤنت والحدث الذي وقع منه أو عليه،، ولكننا نحن الآن أمام (كلام الله تعالى المُؤْجَزُ،، المُعْجِزُ,, المُحْكَمُ,, المُفَصَّلُ ...)، فلا بد من "التدبر،،، فالتدبر،،،، فالتدبر" ... قال تعالى في سورة الأعراف: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ «« وَأَنْصِتُوا »» لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 204)، فنرد على صاحبنا فنقول له، وبالله التوفيق:

أولا: مفاهيم عامة:
1. حيال المؤنث المجازي "لغوياً وإنشائياً" لا يقف عاقل يعرف فقه اللغة أو حتى أساسياتها عند تأنيث أو تذكير الفعل معه،، إلَّا من حيث التفضيل "ذوقياً" فيمكننا إما أن نقول (تداركه نعمة) أو نقول: (تداركته معمة)، دون أي حرج من حيث التركيب وإلتزام القواعد النحوية بإتفاق أهل اللغة،
2. القرآن الكريم،، ليس نصاً بشرياً كما يتوهم الجهلاء، بل هو كلام الذي "أوقد الشمس بلا وقود" لملايين السنين وإلى أن تقوم الساعة دون مصدر لوقودها سوى "كن فيكون"، فإن كانت تأكل من ذاتها لبلغت العدم منذ ملايين السنين، أو على الأقل لنقص جرمها وتضائل، وبالتالي إختلت سرعة جريانها في مدارها ولإختل الزمن تبعاً لذلك، وفي نفس الوقت لإنعدمت الحياة من على الأرض التي ستصبح حينئذ كتلة من الجليد الصلب الذي يكفي لتدمير الأرض نفسها وتفتيتها، ليس ذلك فحسب، بل لأنْبَغَىْ للشمس أن تدرك القمر، ولأمكن لليل أن يسبق النهار، ولكن من نَزَّلَ القرآن قال في سورة يس "تأكيداً وضماناً لصدق رسالة محمد: (ي)(لَا الشَّمْسُ « يَنبَغِي » لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ...), (س)(... وَلَا اللَّيْلُ « سَابِقُ » النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ 40)،
3. سبق أن قلنا بأن الله تعالى له في السياق القرآني قيماً إضافية ومقاصد لا يدركها البشر بقدراتهم المحدودة لذلك يُوْصِلُ لهم هذه القدرات عبر "التدبر" وقد جعل لهم القرآن مبسطاً وميسراً رغم أنه بعلم الله اللا محدود الذي لن يحيط به مخلوق قط، (قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً)، وبالتالي لا يمكن أن يقف عند ظواهر المعاني بل هناك خصوصية تخاطب "البصيرة"، وليس غريباً أن تغيب عن الذين "ختم الله تعالى على عناصرها لديهم بظلمهم لأنفسهم" أو الذين "طمس عليها عندهم بنفاقهم"، بالكفر والشرك والعناد،، لذلك يتخيلون أن كلام الله تعالى به أخطاء لغوية أو إنشائية أو بيانية وبلاغية،
4. أثبتنا فيما سبق أنَّ للتذكير والتأنيث مع المؤنث مقاصد أخرى عليا وفصلناها،، نرجوا من السادة القراء الكرام مراجعة الخطأ 29، "بالجزء السابق" من موضوعنا: (سأصليه سقر ... لواحة للبشر - 3)، فقد فصلنا موضوع تذكير وتأنيث الفعل مع الفاعل المؤنث، وعالجناه في كل الصور المكنة بل أيضا الفرق الشاسع في المعنى والمدلول، والإحكام اللغوي والإنشائي والبلاغي الذي تفرد به القرآن،، وسيجد القاريء أنَّ عبارة " تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ" بتذكير الفعل مع كلمة "نعمة" تتفق مع قاعدتين لغويتين، وفي نفس الوقت تحقق الغاية البيانية البلاغية التي قصد توضيحها للمتدبر لهذه الآية المحكمة الرائعة البيان. فالذي يراجع ما قلناه في تذكير الفعل مع كلمة "العاقبة" يعرف أن المقصود "بعاقبة المنذرين" في الدنيا دون الآخرة، وقد مثلنا لذلك بما جاء في سورة الصافات: (فَانْظُرْ كَيْفَ « كَانَ عَاقِبَةُ » الْمُنْذَرِينَ 73)،

ثانياً: الإشكالية التي وقع فيها صاحبنا،، وظن أن الساحة خاليةً يصول ويجول فيها بغير حساب، ولكن هيهات،، سنناقش الآن عبارة (لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ)، ولماذا "يجب" أن يذكر الفعل مع كلمة "نعمة" ولا يمكن أن تكون العبارة (تداركته نعمة) التي قال بها الذيب:
1. فلننظر إلى الآيات من قوله تعالى عن صاحب الحوت الذي لم يصبر لحكم ربه فذهب مغاضباً، فعاقبه الله فإبتلعه الحوت، ولكنه لم ينس ذكر الله تعالى فقبل الله منه توبته وتضرعه فأخرجه من بطن الحوت الذي لفظه خارج البحر، رحمة منه تعالى،
2. وقلنا فيما سبق أن تذكير الفعل مع كلمة "العاقبة" يقصد بها العاقبة في الدنيا، ولتأنيثه معها يعني العاقبة في الآخرة يوم القيامة، فالعاقبة في الحالتين إستحقت تذكير الفعل، ولكن مع الفرق الشاسع ما بين العاقبتين،، فعاقبة الهالكين كانت العذاب في الدنيا والإستئصال،، أما عاقبة صاحب الحوت بعد التوبة والإستغفار كانت سعيدة ولكنها أيضاً في الدنيا لذا قال فيه (لَّوْلَا أَن « تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ » مِّن رَّبِّهِ « لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ »)، ولكنه بالطبع لم يُنْبَذْ بالعراء وهو مذموم،، بل إجتباه ربه فجعله من الصالحين،، يؤكد ذلك قوله تعالى في الآية التالية لها: (فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ 50 ).
3. أما إذا أُنِّثَ الفعل مع كلمة "نعمة"، كما يقول صحبنا، لعنى ذلك أن الله تعالى لم يغفر لصاحب الحوت ولم يجتبيه ولم يجعله نبياً، بل نبذه بالعراء وهم مذموم،،، ثم بعد هذا وذاك ستكون عاقبته في الآخرة كعاقبة الذين عاقبهم الله "تعجيلاً" في الدنيا وأجل لهم العذاب العظيم المقيم في الآخرة.

**********************************************************

الخطأ 32:
قال الله تعالى في سورة القلم: (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ 5)، (بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ 6)، ولكن صاحبنا قال بأن الآية الكريمة المحكمة (بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ)، فيها خطأ لغوي وإنشائي،، فإدعى أن حرف "الباء" في كلمة "بأييكم" زائدة ويقترح أن تكون (أييكم المفتون)، فأدخل فيها عبارات غريبة عجيبة منها: ("مأذق..." و "رأي البعض ..." و "قراءة مختلفة ...")،، من مثل هذا الكلام المرسل لمثل هؤلاء الذين قال الله فيهم (ذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون) ... ولكن، فلنتناول الموضوع بالمعايير العلمية الصحيحة والأدلة والبراهين الدامغة،، فنحن الآن في حضرة كتاب الله تعالى حيث تسكت كل الأصوات ويبقى "الإستماع و الإنصات" لأن الرحمة مرهونة بذلك. لذا نقول الآتي وبالله التوفيق:

أولاً: نستغرب من الباحث عن الأخطاء في القرآن، أن يتجاوز آية في فاتحة السورة التي يتحدث عن أخطاء بآية/آيات بها، ومع ذلك لا تلقطها عدسته، ألم يلحظ وجود الحرف "ن" الذي يسبق عبارة "... وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ"؟ لماذا تجاهلها؟؟؟ أيظن أنه لا معنى لها ووضعت هناك في فاتحة السورة عبثاً وحشواً كما يدعي المبطلوب؟؟؟ ... فإن كان ذلك كذلك، فلماذا لم يقل عنها إنها "حرف زائد لا معنى له" كما قال عن حرف "الباء" بكلمة " بِأَييِّكُمُ"؟؟؟ علماً بأن الله تعالى قد أقسم بها قبل "القلم وما يسطرون" ... هل نعتبر ذلك تقصيراً منه في تتبع وإلتقاط الأخطاء وخيانة لتعهده بتلك المهمة أم أنه تخوف من المعاني "العالية المبدعة المفحمة" التي تكمن وراء هذه الفواتح من الحروف المقطعة في فواتح بعض السور والتي سنفاجئهم بها لنسكت هديرهم وضجيجهم نهائياً؟؟؟

ثانياً: عندما عجز المشركون "بالجاهلية الأولى" عن التصدي للقرآن الكريم، حاولو كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة للوقوف في وجهه، ولكن "يأب الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون". فقالوا عنه الكثير ورجعوا عن كل ما قالوه لأنهم لم يعقلوه ويصدقوه بالنظر إلى شخصية النبي التي أمامهم منذ طفولته،، فقالوا ساحر،، ثم قالوا مجنون، ليس تشككاً أو طعناً في قواه العقلية،، بل لأن الذي يقوله كان فوق قدرات البشر فنسبوه إلى الجن حتى يتفادوا الإعتراف بأنه من عند الله الواحد الأحد، لأن إعترافهم يعني زوال آلهتهم التي يتكسبون منها ممن يحجون إليها. فآلم ذلك القول منهم النبي صلى الله عليه وسلم، فواساه الله بهذه السورة التي بدأها بالقسم على الآتي:
1. أن الكفار الذين يقولون على النبي "مجنون" يمثلون "طرفاً" مُدَّعِيَاً، والنبي بوحي الله تعالى معه يمثل "الطرف الآخر"، المُدَّعَىْ عليه ... إذاً هناك طرفان وليس فردان متحاجان،
2. قال الله تعالى لنبيه الكريم بأنْ لَا يبتئس ولا يحزن لأن قولهم ينعكس عليهم وأكد له بأنه فوق كل ذلك، ثم قال "بقسم ثالث عظيم": أ-(مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ 2)، ب-(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ 3)، ج-(وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ-;- خُلُقٍ عَظِيمٍ 4) ... ولكن،، هل سينتهي الأمر عند هذه الموآساة وهذا الحد؟ أم لا بد من معرفة من هو المجنون الحقيقي بالطرفين مع إقامة الدليل على ذلك؟؟ فلنر ماذا بعد هذه الآيات فيما يلي.

قال الله – تقدست أسماؤه - لنبيه الكريم،، إنَّكَ بنفسك "ستبصر" الحقائق، وكذلك هم أنفسهم "سيبصرون" أيضاً تلك الحقائق والبراهين، لذا قال له: (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ 5)، وسيعرفون بأي من الفريقين يوجد "الجنون"، وبأي من الفريقين ذلك "المفتون", قال: (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ 6)، وبالفعل قد أبصر وأبصروا وتأكد لهم أن المجنون والمفتون بطرفهم وبفريقهم وليس بطرف النبي صلى الله عليه وسلم،، لذا قال: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ 7):

فلنحلل نص الآية الكريمة: (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ)، ثم نقارنها بما قاله صاحبنا وهو قوله (أييكم المفتون):
أولاً: ليس المقصود بها هنا شخصان فقط يتهم أحدهم الآخر، بل هما فريقان كما قلنا سابقاً، فريق المشركين من جهة وفريق النبي والوحي من جهة أخرى،، لذا لا بد من أن يكون "المفتون" أو "المفتونون" من بين أفراد أحد الفريقين، فاكد الله تعالى أن المفتون يقع بفريق المشركين. إذاً،، لا بد من وجود حرف "الباء" بكلمة "بأييكم"،، كأن تقول مثلاً (ستعلمون « بأي من الفريقين » يوجد ذلك المفتون الذي تتحدثون عنه),

ثانياً: إعراب الآية الكريمة (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ)، سيضفي مزيداً من التأكيد والتوثيق، كما يلي:
فَسَتُبْصِرُ: ... "السين" للاستقبال،، و "تُبْصِرُ" فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة، وفاعله ضمير مستتر تقديره "أنت"،، والجملة استئنافية لا محل لها من الإعراب،
وَيُبْصِرُونَ: ... "الواو" حرف عطف، و "يُبْصِرُونَ" فعل مضارع مرفوع بثبون النون و"واو الجماعة" في محل رفع فاعل، والجملة معطوفة على ما قبلها.

ثالثاً: إعراب الآية الكريمة التالية لها، قوله تعالى: (بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ):
بِأَيِّكُمُ: ... "الباء" حرف جر، و "أيِّ"، ضمير مبني على الكسر في محل جر، والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم،
الْمَفْتُونُ: ... مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة، والجملة الإسمية في محل نصب مفعول به لأحد الفعلين بالآية السابقة ("تُبْصِرُ" أو "يُبْصِرُونَ").

أما عبارتكم التي تقولون فيها: (أييكم المفتون)، واضح أنها تفيد الإستفهام كأن يسأل أحدهم جماعة يقول – موجهاً حديثك لهم جميعا - (أييكم المفتون ؟)، فهذا الإستفهام لا يتفق مع سياق الآيات التي قبلها أو حتى التي بعدها،، أو حتى يفيد أي معنى مقبول؟؟؟

نخلص من ذلك بأن الخطأ ليس في الآية الكريمة المحكمة،، ولكنه خطأ لدى صاحبنا ويحتاج منه إلى وقفة ومراجعة للنفس ونقد الذات بشجاعة.

**********************************************************

الخطأ 33:
قال تعالى في سورة النجم: (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى 31)، قال صاحبنا أن هناك خطأ في هذه الآية الكريمة المحكمة المبينة،، فقال إن كلمة (لِيَجْزِيَ)، غير صحيحة،، وبرر هذا الإدعاء بقوله ((-- احتار المفسرون في حرف اللام في كلمة "ليجزي" ولكن الأقرب أن هناك خطأ، وصحيحه: يجزي --)).

هو إذاً يتبع نفس منهج "زكريا بطرس"، و تلميذه "رشيد المغربي"، في البحث عن غاياتهم من بين خلافات العلماء في كتب السيرة والتفاسير والتاريخ، التي تعكس آراء أصحابها، والتي هي ليست حجةً على القرآن،، فهي وسيلة سهلة متوفرة بكثرة وتعج بالإختلافات في الرأي رغم الإتفاق في المضمون في الغالب، لذا يترمم هؤلاء على الفتات، ليتفادوا به المواجهة المباشرة مع القرآن الكريم، التي يعلمون تماماً أنهم الخاسرون فيها لا محالة. لذا كان لابد لنا من أن نرد عليه في ذلك من القرآن مباشرة،، فيما يلي:

أولاً: فليقل المؤرخون وعلماء السيرة والمفسرون ما يرونه بقدراتهم وملكاتهم ومقاصدهم ووفق ما إستوعبته عقولهم، فهم دائماً في مرحلة متقدمة كثيراً قياساً بمفاهيم وقدرات أممهم وأجيالهم. فنحن نحترم ما يقولوه، ولكننا لسنا ملزمين بالأخذ به كله وبالطبع لن ندير ظهورنا عنه ونهمله، فهذا يعتبر مراحل متكاملة للتعمق أكثر فأكثر في كتاب الله المقروء الذي يفسر كتابه المشاهد والمكتشف مع تقدم الزمن وتطور وسائل الأبحاث والدراسات (تفعيل البيان الذي علمه الرحمن للإنسان)، فالقرآن الكريم متاح للتفكير والتدبر وإعمال الملكات السامية لدى الإنسان الذي علمه الله البيان، وحفظ له هذا البيان في وجدانه الذي يحتضن "البصيرة"، ولكن ما يقوله أو يدعيه لن يكون مقبولاً إلَّا إذا توفر فيه أمران إثنان:
1. مراجعته وتصحيحه مع القرآن الكريم، فإن إختلف معه رفض تماماً ولن ينظر إليه أو يحتج به، حتى لو مرت عليه آلاف السنين، وحتى لو كان مصدره أي كان من البشر،
2. خلوه تماماً من الإبتداع في الدين بما ليس فيه،، والمعيار (أن يكون ذلك في الإطار العام الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وطبَّقَهُ أصحابه الكرام رضى الله عنهم ولم يعارضهم فيه أو يأمرهم به). فما دون ذلك فهو رد وإبتداع ضال مضل. أما فيما يتعلق بأمور الدنيا فالمعيار هو: لا ضرر ولا ضرار، (وما لم يكن حراماً منصوصاً عليه أو بالقياس، أو فيه تجني أو ضياع أو بخس لحقوق الآخرين) بغض النظر عن أديانهم ومعتقداتهم ما دام أنهم إلتزموا التسامح وقبول الآخر وتفعيل مبدأ الحوار وإحترام خصوصية وحرية الإنسان وحقوقه كاملة.
3. يجب أن يفهم هؤلاء المتطفلون المحبطون المعتدون، أننا على أتم الإستعداد لمحاورة أي شخص له فكرة أو سؤال مهما كانت درجة تجنيه على مقدساتنا إذا كان مستفسراً أو لديه مفاهيم خاطئة وسنصبر عليه كثيراً "كما أُمِرْنَا، تأسياً بإمام أولي العزم من الرسل"، ونحاوره بكل ود وأدب ما دام إلتزم بالآداب العامة للحوار والمحاججة بالتي هي أحسن، أما إن قصد الخوض في كتابنا وسنة نبينا بالجهالة، نقول له حسبك، إنك لن تستطيع لذلك سبيلاً وسنرد عليك بمنتهى الهدوء والرصانة ولكن بقدر حجم الإدعاء، ونقول له إنَّ حقه علينا إلزاماً وإلتزاماً أن نوصل له ما عندنا بالبينة والحجة والأدلة والبراهين في الإطار العلمي والحضاري للتعامل مع البشر الذي أسسه أنبياء ورسل الله تعالى وعلى رأسهم إمامهم وخاتمهم محمد سيد ولد آدم, ونقبل منه ما يقدمه لنا من أدلة وبراهين من مصادر موثوقة.
4. وهنا نسأل،، ما الذي جعل المفسرين يحتارون في حرف اللام في كلمة "ليجزي"؟، وما هو المعيار الذي إستندت عليه في إدعائك بأن الأقرب أن هناك خطأ؟؟، وعلى أي أساس قلت (وصحيحه: "يجزي")؟؟؟

ثانياً: دعونا نقطع الشك باليقين وذلك بإعراب الآية الكريمة كاملةً، ليرى الجميع إن كان فيها خطأ لغوي أو إنشائي كما إدعى صاحبنا، ثم بعد ذلك سنفند خطأه في عبارته (ِيَجْزِيَ الَّذِينَ) بدون اللام:

إعراب الآية الكريمة، قوله تعالى: (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى):

وَلِلَّهِ: ... "الواو" استئنافيّة، و لفظ الجلالة "للَّه"، جار ومجرور، متعلّق بمحذوف خبر مقدّم للمبتدأ المؤخّر،
ما: ... إسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر،
في السموات: ... "في" حرف جر، و "السموات" إسم مجرور بحرف الجر وعلامة جره الكسرة الظاهرة ، والجار والمجرور متعلّق بمحذوف صلة الموصول "ما"،
وَما فِي الْأَرْضِ: ... "الواو" حرف عطف، و "ما" إسم موصول، و "في" حرف جر، و"الأرض" مجرور بحرف الجر،، والجار والمجرور متعلّق بمحذوف صلة الموصول "ما"،
لِيَجْزِيَ: ... "اللام" حرف تعليل ونصب وإستقبال،، و "يجزي" فعل مضارع منصوب "بأن" مضمرة بعد "لام التعليل"، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، والفاعل ضمير مستتر تقديره "هو" يعود على لفظ الجلالة "الله"،
الَّذِينَ أَساؤُا: ... "الذين" إسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ، و "أساؤا" فعل ماض مبني على الضم لإتصاله بواو الجماعة، و "واو الجماعة" ضمير متصل في محل رفع فاعل، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعول به،

*********************************************************

الخطأ 34:
قال تعالى في سورة ق: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰ-;-ذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ 23)، (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ 24)، فصاحبنا،، كما عودنا دائماً،، يدعي بأن هذه الآية المحكمة بها خطأ لغوي وإنشائي،، فظن أنَّ "فعل الأمر" لشخص مفرد وليس لمثنى، لذا قال حرفياً: ((-- خطأ في كلمة "القيا"، وصحيحه: القي --))، وعلى هذا تكون العبارة – في رأيه - هكذا "القي في جهنم ..."، فصعقت والله لهذا القول.
على أية حال، لن أقف طويلاً هنا فقط سأشير إلى مواطن الخلل، ثم أعرض الآيات لتنبيء عن نفسها بنفسها بأنها أكبر من أن تتأثر بزوابع الفناجين، هذه:

أولاً: يا من تخوض في دقة المحكم، وتدعي أن به أخطاء،، نقول لك الآتي:
1. ألم تعلم يا أخي أنَّ فعل الأمر يكون مبنياً مطلقاً،، وهناك تفاصيل لحالات بنائه؟
2. وأنه يُبْنَىْ على السكون إذا كان صحيحاً مثل "قُمْ، إذْهَبْ"، أو إن إتصلت به نون النسوة مثل "قُمْنَ، إذْهَبْنَ"، على أن يكون قد خلا من ألف الإثنين، ويا المخاطبة، وواو الجماعة؟؟
3. وأنه يُبْنَىْ على الفتح إذا لحق به ألف الإثنين مثل (قُوْمَاْ، إذْهَبَاْ)؟
4. وأنه يُبْنَىْ على الكسر إذا لحقت به ياء المخاطبة مثل (قُوْمِيْ، إذْهَبِيْ)؟
5. وأنه يُبْنَىْ على الضم إذا لحقت به واو الجماعة مثل (قُوْمُوْا، إذْهَبُوْا)؟
6. وأنه يُبْنَىْ على حزف حرف العلة إذا كان معتل الآخر مثل (إجْرِ، إخْشَ، أُدْعُ) و « القِ »؟
7. أليس من العيب أن تأتيَ بفعل أمر معتل وتُبْقِيَ على حرف العلة فيه فتقول ما قلت بأن كلمة "القيا"، خطأ، وأن كلمة "القي" هي الصحيحه؟

ثانياً: فلندع الآيات تتحدث عن نفسها في مايلي،، فنقول:
الله تعالى - مبيناً حال المجرمين يوم القيامة - قال:
1. (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَٰ-;-لِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ 20)، عندها يخرج الأشقياء التعساء من أجداثهم يجرون أذيال الخيبة والندم، هيئتهم ووجوههم تنم عن حالهم ومآلهم (ووجوه يومئذ عليها غبرة، ترهقها قترة، أولئك هم الكفرة الفجرة) ...
2. ولكن، كيف سيكون مجيئهم؟ هل هم طلقاء أم مَقُوْدُوْنَ،، مُقَيَّدُوْنَ،، مَسُوْقُوْنَ إلى مصيرهم المحتوم؟ ومن الذي سيأتي بهم؟ قال تعالى في ذلك: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا «سَائِقٌ» وَ «شَهِيدٌ» 21). إذاً، واضح من سياق الآية الكريمة أن كل نفس سيكون معها إثنان وليس واحداً كما يظن الناس (سائق) يسوقها، و (شهيد) عليها. ولكن ما هي حيثيات الحكم وما هي الجريمة النكراء التي سيعاقب عليها ذلك المسوق؟؟؟
3. يقال له في ذلك "تبكيتاً" ومواجهة: (لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰ-;-ذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ 22). ولكن،، هل سيستسلم أم سيحاول المراوغة التي إعتادها في الدنيا واللف والدوران والكذب، وهل قرينه سيشهد معه أم ضده؟ ولماذا؟؟
4. لا!!!... بل سيتخلى عنه ويخاصمه ويشهد عليه لينجو هو من العذاب كما يظن: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَٰ-;-ذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ 23)، ... ولكن هل هذا القرين سينجو بشهادته تلك إن كانت معه أو ضده؟؟
5. الجواب واضح في قوله تعالى للملائكة: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ 24), ... فهل القرين لم يكن مجرماً مثل صاحبه ويستحق نفس العقاب أو أشد، بإعتبار أنه كان محرضاً له وشريكاً في كل أعماله الإجرامية والكفرية والشركية التي قامت بها تلك النفس الأمارة،، إذاً الذي سيلقى في النار ليس فقط "النفس"، بل سيلقى معها "قرينها"،
6. ولكن من هم الذين سليقيان النفس ومعها قرينها في النار؟؟ أكيد الفاعل هو مثنى (السائق) و (الشهيد)، فيكون الأمر لهما "ألقيا" في جهنم، كل جبار عنيد سواءاً أكانت النفس أم قرينها، ولكن من هو ذلك الكَفَّارُ العَنِيْدُ الذي سيلقى في جهنم؟؟؟
7. يقول تعالى واصفاً الكَفَّار العنيد هذا بعدة أوصاف منها قوله: (مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ 25)، (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰ-;-هًا آخَرَ « فَأَلْقِيَاهُ » فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ 26)... فالملاحظ أن هذه الآية أيضاً جائت بنفس الكلمة بصيغة المثنى "فألقياه"، فأين هذا الخطأ المزعوم؟

فمعلوم أن أهل الشقاء والتعاسة في حالة خصام دائم وسباب وتدابر وكذب حتى يوم القيامة ولكنهم يفاجئون بأن كل هذا لا ولن يغني عنهم من الله شيئاً، حيث قال: (يوم تكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)، ليس فقط القرين، بل هناك الخليل في الدنيا (الأخلاء يوم إذن الأعداء). ... فلنلق نظرة إلى بعض الحوارات الخائبة والتخاصم بين أهل النار الذي لا يجديهم نفعاً ولا يصرف عنهم بأساً،، يصوره الله في القرآن الكريم تصويراً مروعاً،، ولكن فلنبقى في جو السورة المحكمة وفقاً لتتابع الآيات حيث قال تعالى: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَٰ-;-كِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ 27)، لينجو ويورط النفس التي كان قرينها، ولكن هيهات، إذ يأتيه الرد من رب الأرباب فيقول لهم مُيَئِّسَاً: (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ 28)،،

فكأنما الله تعالى يذكرهم فيقول: (لقد قلت لكم على لسان الأنبياء والرسل "إتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله" فلم تستمعوا لذلك،، وأضعتم الفرصة، وقلتُ لكم إنِّي سأدخل النار كل كفار عنيد، فكذبتم وقلتم ما أنزل الله من شيء،، والآن هذا ما كنتم توعدون،، لذا قال لهم: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ 29) بل العبيد هم الذين ظلموا أنفسهم،، ولن تكون هناك أزمة أماكن، بل جهنم تبحث عن المزيد من الكفار لتنتقم منهم لربها الذي خاضوا فيه بغير علم، ولعباده الصالحين الذين تأذوا في سماع ما لا يليق به منهم، قال تعالى: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ 30). فمن أراد أن يعرف كم بقي له من زمن حتى يكون وجهاً لوجه مع هذا السيناريو فليقدر لنفسه كم بقي له من العمر في الدنيا؟ وليبالغ في ذلك كما يشاء،، ولكن سيؤول إلى نهاية محتومة لا مفر منها، لأنه بعد الموت يتوقف الزمن فإذا سئل أي من البشر منذ بدأ خلق آدم عليه السلام وإلى يوم القيامة (كَمْ لبِثْتَ ؟؟؟)، فسيكون جوانبه الوحيد (يوماً أو بعض يوم) لا أكثر. فمن أراد أن يرى الآخرة بعينيه عياناً بياناً فما عليه سوى النظر إلى أي مقبرة تليه،، فهؤلاء الرقود ليس بينهم وبين ما يوعدون سوى "نفقة في سور"، فإذا هم "من الأجداث سراعاً" قال تعالى في سورة المعارج: (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ-;- يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ 42)، (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ-;- نُصُبٍ يُوفِضُونَ 43)، («« خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ »» ذَٰ-;-لِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ 44)، فمن لم يصدق هذا فلن يطول إنتظاره ليراه بنفسه عياناً بياناً.

**********************************************************

الخطأ 35:
قال الله تعالى في سورة الطارق: (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ 4)،، فقال صاحبنا إن كلمة " كُلُّ" خطأ وكان يجب ان تكون منصوبة هكذا " كُلَّ"، ويبرر ذلك فيقول (كما جاء في قراءة مختلفة) لأنها اسم إنَّ.

ولكي نصل إلى الحقيقة كاملة ونضعها أمام السادة القراء الأجلاء، علينا أن نناقش مفردات هذه الآية الكريمة حتى لا نكون قد فرضنا تحليلنا على الآخرين دون إشراكهم معنا في الحوار والقناعة، لذا تقول:
أولاً: المفردة "إنْ" - تأتي على أربعة وجوه:
1. شرطية جازمة لفعلين أولهما للشرط والآخر جواب له وجزاء، نحو: «إِنْ تحذر تسلم».
2. نافية مهملة، وتدخل على الجمل الاسمية نحو "إنْ خالدٌ مُثَقَّفٌ"، والفعلية نحو قوله تعالى: « إنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى »، بمعنى: ما أردنا إلاّ الحسنى،، وقوله: »إنْ يَقُوْلُوْنَ إلاَّ كَذبَاً «، بمعنى ما يقولون إلاّ كذباً.
3. مخففة مِن "إِنَّ"،، فهذه تُهمَل، وعندها، يُؤتى في الكلام بعدها بـِ "لامٍ" ، هي: اللامَ الفارقة، نحو: «إنْ سعيدٌ لمبدعٌ، وإن نَظُنُّهُ لَمِن الفَائِزِيْنَ».
4. زائدة، وتدخل على الجمل الفعلية والاسمية، نحو: «ما إنْ حَضَرَ المُدِيْرُ حَتَى انْصَرَفَ» و «ما إنْ هم قُادِمُوْنَ للإحتفالِ».

ثانياً: "كُلُّ" - عادةً - بعد إعرابها - تكون "مضافاً"، والإسم الذي بعدها يعرب مضافاً إليه مجرور، مثلاً (... كُلٌّ نَفْسٍ)، حيث تعرب (كلُ: مبتدأ مرفوع بالضمة، وهو مضاف، ونفسٍ مضاف إليه مجرور بالمضاف وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخرة،)

ثالثاً: "لَمَّا" – وهي تأتي على وجهين:
1. إما: حرفٌ (نفي وجزم وقلب)، يجزم المضارع، ويقلب زمنه إلى الزمن الماضي، وينفيه نفياً يمتدّ إلى زمن التكلّم، نحو: « حضر الزُّوَّارُ ولَمَّا تَحْضُرْ سُعَادُ »،
2. أو: ظرف زمان بمعنى "حين"، حيث تدخل على الفعل الماضي نحو قوله تعالى: (فلمَّا جَاءَ أمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحَاً). وتقتضي جواباً يكون فعلاً ماضياً، أو جملة إسمية مقترنة بــِ "إذا" الفجائية, نحو قوله تعالى: " فلمَّا جَاءَهُمْ بِآيَاتِنَا إذَاْ هُمْ مِنْهَا يَضْحَكُوْنَ ".
ولكن،، لمَّا هذه فيها مسائل:
1. قد يتقدم عليها جوابها نحو: «أفْتَيْتُهُمْ لمَّا إسْتَشَارُوْنِي» بمعنى " لمَّا إسْتَشَارُوْنِي أفْتَيْتُهُمْ".
2. وقد تكون حرف إستثناء بمعنى "إلَّا"، مبنية على السكون لا محل لها من الإعراب، وهي تدخل على الجمل الإسمية وعلى الماضي، مثال ذلك قوله تعالى (إن كل نفس لما عليها حافظ).
مما تقدم يكون إعراب الآية (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) كما يلي:
إِنْ: ... نافية مهملة،
كُلُّ نَفْسٍ: ... " كُلُّ"، مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة، وهو مضاف،، و " نَفْسٍ"، مضاف إليه مجرور بالمضاف وعلامة جره الكسرة الظاهرة،
لَمَّا: ... حرف إستثناء بمعنى "إلَّا"، مبني على السكون لا محل له من الإعراب،
عَلَيْهَا حَافِظٌ: ... "على" حرف جر، و "ها"، ضمير متصل مبني على السكون في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم،، و "حافظ"، مبتدأ ثاني مؤخر مرفوع بالضمة،، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول "كل".

وتكون السيغة بمعنى: (ما كل نفس إلا عليها حافظ).

**********************************************************

الخطأ 36:
قال تعالى في سورة القمر: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ 54)، فلم يجد صاحبنا شيئاً يقول عنه خطأ، وأوشك على بلوغ نهاية السورة فساءه أن يخرج من المولد بلا حمص،، فهداه تفكيره إلى الوقوف عند هذه الآية المحكمة، فالمسألة أولاً وأخيراً (تشكيك،، فالعيار الذي لا يصيب يدوش)، ظناً منه بأن كثير من المسلمين لن يلتفتوا إلى هذه الفرية وأن الذين معه بالطبع لن يغالطوه في هذا العك الذي يدل على الغباء والخبث والشر. ولكن لتعاسة حظه أن هذه السورة بالذات قد إلتزمت نسقاً جميلاً مميزا لها حيث إلتزمت كل آياتها دون إستثناء بالسجع الجميل الذي تتلذذ به الأسماع، فهو من النثر بمثابة القوافي من الشعر،، ولكن للقرآن الكريم معه شأناً آخر. ولكن صحبنا هو الذي "خرقه" ثم إدعى بأن الآية هي التي قرقته،، ولتأكيد خطأه وإخفاقه في حسن التقدير لم يجد سوى كلمة "أنهار" بدلا من كلمة نهر. ولكي أبين هذا الإستخفاف بعقول الناس سأعرض السورة بكاملها ليرى القراء مدى بعد الإدعاء عن قيقة السورة بتتبع آخر كل آية من السورة بكاملها فيما يلي ... لاحظ أنك - للإستمتاع بجمال هذا السجع أكثر - قف في آخر كل آية على السكون "إن شئت":

قال تعالى: (« اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ 1»، « وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ 2»، « وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ 3»، « وَلَقَدْ جَاءَهُم مِّنَ الأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ 4»، « حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ 5»، « فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ 6»، « خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ 7»، « مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ 8»، « كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ 9»، « فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ 10»، « فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاء مُّنْهَمِرٍ 11»،

« وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ 12»، « وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ 13»، « تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ 14»، « وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ 15»، « فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ 16»، « وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ 17»، « كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ 18»، « إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ 19»، « تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ 20»، « فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ 21»، « وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ 22»،

« كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ 23»، « فَقَالُوا أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَّفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ 24»، « أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ 25»، « سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَّنِ الْكَذَّابُ الأَشِرُ 26»، « إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ 27»، « وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ 28»، « فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ 29»، « فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ 30»، « إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ 31»، « وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ 32»، « كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ 33»،

« إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ 34»، « نِعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ 35»، « وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ 36»، « وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ 37»، « وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ 38»، « فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ 39»، « وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ 40»، « وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ 41»، « كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ 42»، « أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ 43»، « أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ 44»،

« سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ 45»، « بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ 46»، « إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ 47»، « يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ 48»، « إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ 49»، « وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ 50»، « وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ 51»، « وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ 52»، « وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ 53»، « إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ 54»، « فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ 55»،).

الآن،، فأي من الصيغتين تتمشى من سياق هذه السورة،، هل هي: ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ 54)، أم ((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وأنهارٍ)؟ علماً بأن الكلمتين جمع تكثير، لا إختلاف بينهما من حيث القواعد النحوية, ولكن الأخيرة لا تنسجم مع سياق السورة بكاملها وسجعها المتفرد اللذيذ.

**********************************************************

الخطأ 37 و38 :
قال تعالى في سورة ص: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ 21)، فقال صاحبنا إن الآية الكريمة بها خطأ، ظناً منه أن كلمة "الخصم إذ تسوروا المحراب"، خطأ والصحيح "حسب رأيه" تكون "الخصمين تسورا المحراب"، ويبرر ذلك بقوله (وفقاً لمضمون القصة).
فنقول له وبالله التوفيق:

أولاً: كلمة خصم في الحقيقة تطلق على المفرد وتطلق أيضاً على المثنى والجماعة الزائدة عن أثنين، (من ثلاثة فما فوق)،

ثانياً: الخصم الذين تسوروا المحراب كانوا جماعة أكثر من إثنين يمثلون الخصمين ومعهم الشهود، وتؤكد ذلك وتفصله الآية التالية لها مباشرة،

ثالثاً: قوله تعالى (إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ-;- دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ « قَالُوا » لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ-;- بَعْضُنَا عَلَىٰ-;- بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ-;- سَوَاءِ الصِّرَاطِ 22)، تؤكد أن المتسورون المحراب كانوا مجموعة بها أكثر من شخصين،، وذلك للآتي:
1. الأفعال الثلاثة في الآيتين (" تَسَوَّرُوا " ، " دَخَلُوا " ، " قَالُوا ")، بالإضافة إلى ضمير الجماعة في كلمة " مِنْهُمْ"، كلها كاءت بضمير الجمع وليس بضمير المثنى، فمن البديهي أن يتكلموا كلهم بصيغة الجمع ليعرفوا داود بأنفسهم وليطمئنوه بقولهم، (نحن لا نقصد شراً),
2. لا بد من أن يعرض الخصمان فقط القضية لذا سكت الباقون. فهما الذان تحدثا هذه المرة فقالا لداود عليه السلام،، نحن: (... « خَصْمَانِ » بَغَىٰ-;- بَعْضُنَا عَلَىٰ-;- بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ-;- سَوَاءِ الصِّرَاطِ 22),

القصة في منتهى الوضع والجمال،، (بينما كان سليمان جالساً في محرابه دخل عليه مجموعة من الناس من على السور، فخاف داود منهم للطريقة التي دخلوا بها عليه، ولكنهم طمئنوه بصوت واحد قائلين له "لا تخف"، لا نريد بك شرا. ثم تقدم الخصمان فقالا لداود "معاً" نحن "خصمان" أحدنا بغى على الآخر وقد جئناك طالبين حكمك فينا بالحق دون أن تجور علينا وتظلمنا،، وقدم لنا النصيحة). لا توجد أي أخطاء يا عزيزي،،، بل روعة الروائع وعظمة البدائع البيانية ذات النسق الجميل.

فالعبارة التي إقترحها صاحبنا لا يمكن أن تستقيم مع الواقع لأنه من المعروف الخصومة لا تعرض على القاضي بدون شهود، فضمن الآية الكريمة ذكر الشهود مع الخصمين بإستعمال ضمير الجمع في الآية الأولى، ثم أشارت إلى الخصمين دون سواهما بإستخدام ضمين الإثنين في الآية الثانية. هذا من أروع فن البلاغة والبيان المتفرد في القرآن الكريم.

**********************************************************

الخطأ 39:
قال تعالى في سورة ص أيضاً: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ 38)، فقال صاحبنا إن الآية فيها خطأ، لأنه يعتقد أن كلمة " وَعَزَّنِي" غير صحيحة ، ويرى أن الصحيحة هي "غرَّني"،، وتبريره لذلك قال إن" عزني: فسرت بمعنى غلبني. ولكن يكون خطأ نساخ
نقول له وبالله التوفيق:
أولاً: كلمة العزيز معناها "القوي الشديد"، وكلمة "عزني"، معنها شدد علي وأغلظ في القول وإستعلى،،
ثانياً: كلمة "غرني"، معناها "غرر بي"، والغرر في البيع عكس الجهالة، فإن أخفى البائع عيب المبيع جهلاً، فتلك "جهالة"، وإن أخفاها "قصداً"، فذلك "غرر"، فلا أدري ما الذي يعنية صاحبنا بهذه الكلمة علماً بأنه لم يذكر بيع بين الخصمين، وليست المخاصمة في بيع معيوب، ومن ثم فكلمة غرر لا تتفق مع الواقع ولا مع سياق القصة.

القصة بإختصار: (قال الشاكي لداود عليه السلام أن أخي هذا أراد أن يأخذ مني نعجتي ويضمها إلى نعاجه، وقد شدد عليَّ وأغلظ في القول وإستعلى، ليأخذها قهراً). فليس هناك أي خطأ، بل روعة من روائع القرآن الكريم بلا منازع.

**********************************************************

أخطاء القرآن/ الخطأ 40
قال تعالى في سورة ص: (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 73)، قال صاحبنا إنها خطأ: وإعتبر أن كلمتي " كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ "، فيهما لغو وتكرار. وهذا لبس وارد في غياب ملكة التدبر، فإذا فكر قليلاً وكان لماحاً ذكياً لإكتشف من فوره ضرورة الجمع بين هاتين الكلمتين للآتي:

أولاً: جاء الأمر من الله تعالى إلى الملائكة وكان مشمولاً معهم إبليس اللعين، وكان مشروطاً أمره وموقوتاً بخلق آدم والنفخ فيه من روحه، قال لهم: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ 72)،، وبالتالي ليس هناك مجال لمخلوق أن يتأخر عن الطاعة الفورية لأمر الله دون تراخٍ أو إبطاء أو تأجيل،، ومعروف عن الملائكة أنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فكانت كلمة "كلهم" تعطي أمرين إثنين:
1. أن يسجد الملائكة كلهم دون إستثناء لأي ممن يطلق عليه ملك، في سجدة واحدة وفي زمن واحد، وهذا يترك شكاً منطقياً يقول (ما الذي يمنع من أنهم سجدوا على دفعات وفي أوقات متفرقة ومختلفة، ولكن تأتي كلمة "أجمعون" لتزيل هذا اللبس والتشكك والإحتمال لتبين بما لا يدع مجال للشك بأن سجود الملائكة "شملهم جميعاً" و "كان السجود في وقت واحد" و أنه "شملهم جميعاً معاً وليسوا متفرقين،، وهذا هو المعنى الذي تحققه كلمة "أجمعون"، لذا قال تعالى: (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ 73)،
2. ألا يعرف صاحبنا أن التوكيد يقوَّى بتوكيد آخر وهو لفظ « أَجمع » مطابقاً للمؤكَّد نحو قولك: " أزاع البَيَانَ كلَّه أَجْمَعَ "، و " كتبت الرسالة كلَّها جمعاءَ "، و " إتَّفَقَ المُؤتَمِرُوْنَ كُلُّهُم أَجْمَعُونَ"،، هذه هي قواعد اللغة العربية ولم نبتكرها أو ندعيها، فكلمة " أَجْمَعُونَ" في الآية الكريمة (فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ...)، هي توكيد يقوي توكيداً قبله بلفظة "أجمع"،
3. هنا، قوله تعالى: (إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ 74)، هذه الآية تؤكد تأكداً إضافياً بأهمية كلمة "أجمعون"، لأن بدونها يجعل إحتمال التراخي موجوداً، وبالتالي عدم سجود إبليس يكون مبرراً بأنه يريد أن يسجد في وقت آخر مع مجموعة أخرى من الملائكة التي لم تسجد بعد. فكلمة ""، تؤكد المؤكد بأنه لم يبق ملك إلا وقد سجد طاعةً لله تعالى. ما عدا ذلك التعس الشقي وأعوانه من الجن الإنس.

لقد قلنا لكم مراراً وتكراراً إن عدم فهمكم لروح القرآن هذا أمر بديهي لأنكم مصرون على الإستمرار في دعم وتأكيد "طمس البصيرة" أو "الختم عليها"، فها أنتم ذا تتخبطون هنا وهناك بلا هدى ولا كتاب منير، والنتيجة دائماً سالبة بالنسبة لكم، ولكنكم لا ترتدعون ولا تتقون،، بل ولا ترجعون.

قال تعالى في سورة البقرة (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ-;- مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ 203)، (وَإِذَا تَوَلَّىٰ-;- سَعَىٰ-;- فِي الْأَرْضِ « لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ » « وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ » 204)، (وَإِذَا قِيلَ لَهُ « اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ » فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ 205).



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم - والأخلاق وآداب الحوار:
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء3:
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء2:
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء1:
- هؤلاء هم الرجال الذين أسسوا الدولة الإسلامية:
- على الحكيم أن يكون عارفاً ... كي لا يسقط:
- براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثالث:
- هل للاسلام إله غير اله اليهود:
- تصحيح مفاهيم خاطئة (جزء 1):
- براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الأول:
- فّلْنَعُدْ إلَىْ رُشْدَنَاْ وَنُحَكِّمْ عُقُوْلَنَاْ:
- الجُبُّ والجَّيْبُ والحِجَابُ في أدبيات الكَذَّابَ:
- تعليقنا على: بين اسلام مكة واسلام المدينة:
- تعليق على سامي الذيب - صورة الحمار:
- ردنا على تعليق: أحمد حسن البغدادي - (قل هو الله أحد):
- براءة سورة التوبة من تهمة السيف – الجزء الثاني:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الأول:
- تعليق على -أنا VS غشاء البكارة- - الجزء الثاني:


المزيد.....




- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...
- صابرين الروح جودة.. وفاة الطفلة المعجزة بعد 4 أيام من ولادته ...
- سفير إيران بأنقرة يلتقي مدير عام مركز أبحاث اقتصاد واجتماع ا ...
- بالفصح اليهودي.. المستوطنون يستبيحون الينابيع والمواقع الأثر ...
- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء4: