أحمد القبانجي
الحوار المتمدن-العدد: 4376 - 2014 / 2 / 25 - 17:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قالوا وقلنا:.........
.
قالوا: ان فلان(اي احمد القبانجي) يتهجم على الاسلام والمقدسات ويطعن بالذات الالهية ويستهزي بالقران ويكذب النبي وجبرئيل ويتعرض للشعائر الدينية من الحج والزيارة وينكر ثوابت الدين من الخمس والعصمة وو..كل ذلك بحجة العقل والعقلانية ومعلوم ان العقل البشري لا يدرك الامور الغيبية وقاصر عن فهم حقائق الدين والوحي.
.
أقول: نلاحظ على هذا الكلام عدة نقاط:
1- انكم ايضا تتهجمون على مقدسات الاخرين,ومعلوم ان لكل قوم مقدساتهم الدينية وغير الدينية,فالشيعة يتهجمون على مقدسات اهل السنة ويطعنون بالصحابة وعائشة والبخاري وغير ذلك,والسنة يطعنون بعقائد الشيعة من العصمة والامام المنتظر والشعائر الحسينية وانها بدعة وخرافة,ومشايخ الاسلام يطعنون بالثالوث المسيحي وكذلك بمقدسات الغرب من حقوق الانسان والحريات ويسخفون عقائد الهندوس والثنويين والصوفية وحتى الليبراليين والعلمانيين لم يسلموا من تهجمكم وتكفيركم, والقاعدة الاخلاقية تقرر بانه:عامل الناس بمثل ماتحب ان يعاملوك به.
2- يجب علينا اولا معرفة المقصود من العقلانية والقداسة لئلا تختلط علينا المقدسات الموهومة والحقيقية وكذلك معرفة دور العقل في التمييز بينهما, وهل يمكن الجمع بين العقلانية والقداسة ام لا؟ومعنى المقدس هو(مافوق النقد)او (الكمال المطلق الذي لا نقص فيه)او (مايرتبط بالله) والقداسة هي حالة من الانجذاب والانشداد الشديد نحو شئ والشعور بالحاجة اليه بحيث اذا فقد الانسان هذا الشئ المقدس فكانما فقد ذاته وكرامته وتصبح الحياة عنده بلا معنى,والمقدسات كثيرة وخاصة في الاسلام من الله والانبياء والكتب المقدسة والاماكن المقدسة كالكعبة والمساجد وقبور الاولياء والحسينيات والزوايا وهناك ازمنة مقدسة واشخاص مقدسين كالصحابة والائمة ومراجع الدين وكتب الحديث وكتب الفتوى بل حتى رجال الدين والشعائر والطقوس التي ماأنزل الله بها من سلطان,ومعلوم ان هذه المقدسات الكثيرة تكبل عقل الانسان وتشل ارادته وحريته ولذلك كان شعار الحداثة ازاحة المقدسات وفسح المجال للعقل بالحركة بحرية ولم يبق من المقدسات سوى الانسان ذاته. والعقلانية بهذا المعنى ضد المقدسات اي انها تخضع جميع الافكار والعقائد الدينية وغير الدينية لمبضع النقد فلا يبقى شئ مقدس حينئذ .
3- نحن نتفق معكم بأن المقدس الاصل هو الله فقط وتتفرع منه القداسة الى كل مايرتبط به من انبياء واولياء وكتب سماوية و...الخ,ولكن المشكلة في فهم الله,فانتم كمشايخ ومتدينين تعتقدون بالله الخالق والمفارق للانسان وقد ارسل له رسلا وانبياء وكتب سماوية وشريعة وو..كل ذلك خارج الانسان نفسه وبالتالي كانت المقدسات كلها تقع خارج الانسان فكل شئ يرتبط بالدين مقدس الا الانسان وعقله,بينما نحن نعتقد بالله المتصل بالانسان والذي يمثل ذاته الحقيقية وانسانيته كما يقول العرفاء(قلب المؤمن عرش الرحمن) اي ان الله يسكن في اعماق الانسان ووجدانه,ويترتب على ذلك ان الانسان سيكون مقدسا لانه محل تواجد الله وتجلياته,وتبعا لذلك تكون حقوق الانسان مقدسة وعقله مقدس ايضا لان العقل هو الذي يساعده في سلوك الطريق الى الله ويميزه عن الحيوان.
4- من هنا يتبين الفرق بين العقل كقوة في الانسان تقوده الى الكمال المعنوي والانساني وبين العقلانية كحركة للعقل لغربلة الافكار ونقدها,فالمقدس هو العقل لا العقلانية او التعقل ولكن المشايخ لا يرون القداسة لا للعقل ولا للتعقل ولذلك يوجبون على الانسان التمسك بجميع المقدسات حتى المخالفة للعقل, ومن جهة اخرى لا يرون القداسة للانسان فيفتون بقتله اذا تعرض للمقدسات كما لو سب الامام او القران او اهان الكعبة او ارتد عن الدين ويأمرونه بالتضحية بنفسة من اجل المقدسات بمختلف اشكالها من الاسلام والقران الى الاشخاص والرموز المقدسة وحتى القبور ايضا كما يجري تطويع مئات العراقيين للدفاع عن قبر السيدة زينب في الشام وهي كما نعلم لعبة سياسية الغرض منها الدفاع عن نظام الاسد وحكومته,نعم لو كان الغرض التصدي للارهابيين والتكفيريين ومحاربتهم لكان هذا موافقا للعقل والوجدان لان هؤلاء ضد الانسانية وبما ان الانسان هو المقدس كما تقدم كان كل من يحارب الانسان والقيم الانسانية يجب قتاله والتصدي له,وحتى الوطن غير مقدس ولا يصح التضحية في سبيله الا اذا كان القصد الدفاع عن المواطنين ودفع الاذى عن الناس الساكنين في هذا الوطن.وبذلك يتبين عدم وجود تعارض بين القداسة بهذا المعنى وبين العقلانية.
5- والان يجب بيان المعيار الذي نميز به بين القداسة الحقيقية التي يجب احترامها وعدم المساس بها وبين القداسات الزائفة التي يجب دحضها وازاحتها والتخلص من ضررها,وهنا لابد من القول بان جميع العرفاء وعلماء النفس والفلاسفة الوجوديين يعتقدون بأن الانسان يملك ذات حقيقية واخرى وهمية(وهي الانا) وثمة صراع بينهما, فالانا الوهمية او المجازية بمثابة القشرة على الذات الحقيقية وهي الله باصطلاح العرفاء,والروح الانسانية باصطلاح الوجوديين,وتسعى الانا الوهمية لاستغلال كل العقائد والمقدسات الدينية لسحق الذات الحقيقية في الانسان وتحقيق الغلبة عليها وهذا مايقوم به رجال الدين في عملية ادلجة للانسان والدين وكما يقول فويرباخ ان مثل هذا الدين المؤدلج يعطي هوية كاذبة للانسان ويقول له هذا هو انت وعليك بالدفاع عن ذاتك هذه,اي انت المسلم او انت الشيعي وشخصيتك تكمن في دينك ومذهبك وانت بدونها لا شئ ولا انسان وبذلك تتحقق حالة الاغتراب في الانسان اي يكون بعيدا وغريبا عن ذاته الحقيقية والانسانية وهكذا يتم مسخ الانسان فلا عجب ان نرى في المتدينين من يفجر نفسه بين الابرياء لينال الجنة ويتمتع بالحوريات,او يقاتل من اجل الدفاع عن قبر او عن اي مقدس اخر غير الانسان.
اعتقد ان هذا الموضوع عميق ويحتاج الى الكثير من التفصيل ولكن هذا المقال فقط لبيان الفكرة ورسم نقاط سريعة للموضوع.........وشكرا لكم
#أحمد_القبانجي (هاشتاغ)