أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الإسلاميون بين التقية والتمكين















المزيد.....

الإسلاميون بين التقية والتمكين


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4360 - 2014 / 2 / 9 - 13:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما كانت السنن والأدبيات الإسلامية في أي يوم منذ نشأة الإسلام ذاته تُرجع الولاية والحكم لغير الله. فوق هذه الفكرة القاعدة، المرجعية والتسليم لحكم الله وحده دون شريك له، تراكم الصرح الإسلامي واستمد منها كيانه واسمه ذاته- الإسلام. لولا الاعتقاد والإيمان في وجود آلهة وقوى عليا غير مرئية، ما وجب "الإسلام" لأي قوة غير أرضية، واضطر البشر لإدارة وتدبير أمورهم الحياتية بالاعتماد على أنفسهم. أما أن الاعتقاد بوجود الإله لا يزال راسخاً، حينئذٍ لا يكون من تفسير مقنع لـ"الإسلام" والرجوع والاحتكام لغيره، خاصة من البشر، في أمور الحكم والحياة إلا شركاً صريحاً بالإلوهية؛ وأن يكون الإسلاميون أنفسهم هم المشركون بهذه الإلوهية والحاكمية لله وحده، هذه متناقضة مستحيلة التوفيق مع السنن والأدبيات الإسلامية ذاتها محل الإجماع والتقديس والتسليم التام منهم. الأدبيات والسنن الإسلامية لا تعترف بحكم لغير الله وحده، بينما الدولة الحديثة قامت في الأساس على مفهوم "السيادة للشعب" وحده، أفراد الشعب هم أنفسهم الذين يديرون شئونهم ويقررون مصيرهم بالإرادة الحرة عبر نوابهم المنتخبين، دون تدخل من أي قوة عليا أو أخرى من خارجهم. هكذا بنيت أجهزة ومؤسسات الدولة على أساس ومرجع علماني صريح، لا يرفض الدين، لكنه أيضاً لا يتخذ من الدين مرجعاً أو منظماً أو ضابطاً أو حاكماً له. بالعكس، في المفهوم الحديث الدين هو الذي يخضع للضبط والتنظيم من الدولة، لا الدولة تخضع للدين. كيف، والحال كذلك، يمكن تفسير إمساك الإسلاميين في مصر وتونس وغيرهما أثناء حقبة الربع العربي بناصية أجهزة ومؤسسات الدولة العلمانية، وبدلاً من الانقضاض عليها لهدمها وإقامة مشروعهم الإسلامي من أنقاضها يدعون الحرص والمحافظة عليها والرغبة في حمايتها وتقويتها حتى أكثر من قبل؟

الدولة الحديثة تأسست على مفهوم "القانون الطبيعي"، تلك النظرة إلى الإنسان والكون من منطلق ما هو موجود بالفعل وحقيقي في "الطبيعة"، دون الانشغال أو الاكتراث بما يدور فعلاً أو تخيلاً في "ما وراء الطبيعة"، طالما في كل الأحوال ليس له تأثير على صيرورة ودوران ونواميس وقوانين الحياة الطبيعية. القانون الطبيعي تنتهي حدوده ويصل غايته عند حدود الطبيعة الإنسانية والكونية ذاتها، لا يتخطاها ولا يدعي ولا يحاول تخطيها إلى ما وراء ذلك من مجردات متصورة مثل الآلهة والقوى العليا الخيرة والشريرة والغيبيات، لا يعترف بأي من ذلك ولا يبحث فيه. إنما نطاق بحث القانون الطبيعي يبدأ من الوجود الفعلي القابل للتحقق منه وإثباته بالأدلة المادية المقبولة والبراهين المنطقية المعقولة، لا بالوحي أو الرؤيا، للإنسان والكون ويتوقف عند هذا الحد. على هذا الأساس، القانون الطبيعي، عكس كافة القوانين الإلهية أو المنسوبة إلى قوى عليا في "ما وراء الطبيعة"، لا يفرق إطلاقاً بين رجل ورجل آخر أو امرأة وامرأة أخرى أو بين رجل وامرأة، أو بين جماعة بشرية وأخرى، ببساطة لأن جميع البشر "في الطبيعة" متساوون في المولد والنشأة البدنية والنفسية. الأصل الطبيعي الأساسي لكل البشر واحد، ومن ثم الاحتياجات والمتطلبات الأساسية لكل البشر واحدة- ما يغذي أي بشر يغذي كافة البشر الآخرين وما يسمم أياً منهم يسمم جميع الآخرين، وما يؤلم أياً منهم يؤلم كل الآخرين. القانون الطبيعي لا يرى في الحياة الفعلية وسط البشر أي آلهة أو ملائكة أو شياطين أو جان أو أي من الغيبيات الأخرى التي لا سبيل إلى إثبات وجودها على الأرض، في "الطبيعة". على هذا الأساس قامت الدولة الحديثة، التي تُرجع السيادة الفعلية على حياة ومصير البشر للبشر الطبيعيين أنفسهم، لا لأي قوى أخرى غير مؤكدة الوجود. طبقاً للقانون الطبيعي، الشعب وحده هو مصدر السيادة والحاكمية والسلطات.

على النقيض تماماً من وحدة واتساق ونظام الكون والمساواة الطبيعية بين البشر من منظور "القانون الطبيعي" الوضعي، "القانون السماوي" الإلهي يقسم الكون، والبشر أيضاً، إلى ثنائية قطبية متعددة المستويات، حيث يتصور في الغيب ثنائيات متضادة متقابلة بين الآلهة والشياطين، الملائكة والجان، الجنة والنار، وبين أخيار وأشرار العفاريت والأشباح والأرواح...الخ. ثم تنعكس هذه الثنائية القطبية المتضادة في حياة البشر أنفسهم، ونظرتهم لأنفسهم والآخرين المختلفين عنهم في العرق أو الثقافة أو الدين أو اللغة أو أسلوب الحياة، وللكون كله بجميع كائناته وعناصره من حولهم. هذه الثنائية القطبية بين السماء والأرض، الخير والشر، الخالق والخلق لم، ولا ولن، تسمح أبداً للإنسان بإدارة شئون حياته وتقرير مصيره وحكم نفسه بنفسه، لأنه دائماً أبداً، في هذا التصور، يسكن الطرف الأدنى المتلقي السلبي في علاقة رأسية متصورة بين الإله والإنسان. بالتالي لا تنشأ ولا يمكن أن تنشأ أبداً أي علاقة ندية ومساواة بين الطرفين، ويصبح الإنسان مجرد تابع مأمور ومخلوق وعبد ذليل بمنطق ونتيجة هذا التصور الاستقطابي. هكذا في "القانون السماوي" أو الشرائع السماوية الإلهية، الإنسان ليس أكثر من طرف سفلي متدني متلقي للأوامر والنواهي والتعليمات، يثاب لطاعتها ويعاقب لعصيانها، ليس حراً ولا يملك من تقرير مصيره شيء. كافة الشرائع الدينية تتفق وتجمع على أن الحكم للآلهة وحدهم، عبر كتبهم ورسلهم وأئمتهم وعلمائهم وفقهائهم، كمجرد أدوات تابعة ناقلة ومفسرة للحكمة الإلهية، دون أي استقلالية ذاتية، حتى للأنبياء والرسول أنفسهم، أو أي قدر من إمكانية إدارة حياتهم وتقرير مصيرهم بعيداً عن المشيئة والإرادة والحكمة الإلهية.

مفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة مشتق كله من "القانون الطبيعي" ولا يمت بصلة ولا يعترف بما تسمى القوانين السماوية أو الشرائع الدينية، لأن المواطنون في الدولة الحديثة هم الحكام أنفسهم عبر نواب لهم. والمرجعية العليا تكون لدستور مشتق بدوره من مبادئ القانون الطبيعي ذاته، ومن صنع وكتابة المواطنون الأفراد أنفسهم عبر جمعياتهم ولجانهم الدستورية التأسيسية المنتخبة أو المعينة. في المعمار الدستوري والقانوني للدولة الحديثة، لا مكان للشرائع الدينية سوى في دوائر ومربعات فرعية صغيرة وشكلية داخل الهيكل الأساسي المدني للدولة، مثلها مثل الفن والشعر والأدب والتاريخ وسائر أنشطة المجتمع الطوعية غير الإلزامية الأخرى.

إذا كانت الدولة الحديثة علمانية في الأساس والبناء بهذا الشكل القاطع، وقد ظل الإسلاميون، ومعهم الحق، يلعنوها منذ نشأتها ويصفوها بالعلمانية والكفر والإلحاد والزندقة والحكم بغير ما أنزل الله والإفساد والتقليد والتشبه الأعمى بالغرب المادي المنحل أخلاقياً، ويؤكدون باستمرار أنها دسيسة ومخلفة من دسائس ومخلفات الاستعمار البغيض، أراد منها تقسيم وتفريق وتمزيق وإضعاف العالم العربي والإسلامي أمام أطماعه، كيف أصبحوا هكذا فجأة خلال الربيع العربي أكثر إيماناً بالدولة وتشدقاً بالإخلاص والحب لها والسهر على مصالحها من حتى العلمانيين، البناة الأصليين لهذه الدول، أنفسهم؟

في حقبة الربيع العربي وبعد استيلاء الإسلاميين على قصور الحكم في مصر وتونس ومحاولاتهم المستمرة للوصول إليها في أماكن أخرى، قد تكون الدول العربية كما تأسست بهياكلها العلمانية الأولية طوال نحو مائتي عام منذ بدايات القرن التاسع عشر أمام واحد من ثلاثة سيناريوهات: (1) أن يكون الإسلاميون قد كفروا بسننهم وأدبياتهم الدينية وأقروا أخيراً بقيمة وأهمية الدولة العلمانية الحديثة ويريدون صدقاً الحفاظ عليها وتنميتها أكثر؛ (2) أن يكونوا لا يزالون على اعتقاداتهم وقناعاتهم الأزلية السابقة لكنهم لمسوا بأجسادهم ودمائهم وأرواح أخوانهم مدى قوة وبطش أجهزة وأسلحة الدولة ويريدون الاستحواذ عليها وتسخيرها لخدمة أهدافهم الخاصة؛ أو (3) أن يكونوا، في ضوء الشروط المحلية والإقليمية والدولية غير المواتية، لا يزالون في طور التقية والخديعة والتورية لحين التمكين والهيمنة والتسلط، وساعتها يستطيعون المجاهرة بسننهم وأدبياتهم الحقيقية، والبدء في تطبيق مشروعهم الأزلي.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحدود انتهاك بشع لكرامة الإنسان
- على ميزان القيمة الإنسانية
- السيسي وعنان، وبينهما الإخوان
- عن ضرورة ترويض الإسلاميين
- أنت مين قولي...
- خرافة الإسلام المدني
- هيا بنا نقضي على الإسلام
- ثورة القرضاوي، انتقامية أم إصلاحية؟
- إذا نجحت ثورة الإخوان
- وماذا يريد الإخوان من مصر؟
- في كراهية بشار الأسد
- عن الديمقراطية الإسلامية في إيران
- هل الديمقراطية ضد الدين؟
- في رياضة الإسلام السياسي
- سلميتنا أقوى من الرصاص
- شلباية ولميس، وكمان أم أيمن
- هل مصر على فوهة فوضى؟
- الأنثى الداجنة
- هيا بنا نقتل إسرائيل
- حكومتها مدنية


المزيد.....




- سوناك يدعو لحماية الطلاب اليهود بالجامعات ووقف معاداة السامي ...
- هل يتسبّب -الإسلاميون- الأتراك في إنهاء حقبة أردوغان؟!
- -المسلمون في أمريكا-.. كيف تتحدى هذه الصور المفاهيم الخاطئة ...
- سوناك يدعو إلى حماية الطلاب اليهود ويتهم -شرذمة- في الجامعات ...
- بسبب وصف المحرقة بـ-الأسطورة-.. احتجاج يهودي في هنغاريا
- شاهد.. رئيس وزراء العراق يستقبل وفد المجمع العالمي للتقريب ب ...
- عمليات المقاومة الاسلامية ضد مواقع وانتشار جيش الاحتلال
- إضرام النيران في مقام النبي يوشع تمهيدا لاقتحامه في سلفيت
- أبسطي صغارك بأغاني البيبي..ثبتها اليوم تردد قناة طيور الجنة ...
- إيهود أولمرت: عملية رفح لن تخدم هدف استعادة الأسرى وستؤدي لن ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الإسلاميون بين التقية والتمكين