أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس عبد الحسين - أبو العود















المزيد.....

أبو العود


فراس عبد الحسين

الحوار المتمدن-العدد: 4355 - 2014 / 2 / 4 - 02:16
المحور: الادب والفن
    


أبو العود
فراس عبد الحسين
جالساً بباب المدرسة المنزوية عن القرية, محتضناً عودة ينظر لقرية قارع ونهرها من بعيد, بساتين فاكهة تعلوها أشجار نخيل فارعة, تحيط بها حقول حنطة شاسعة ذهبيةً صفراء متلألئة تحت أشعة الشمس, يخترقها نهرٌ واسعٌ بماء رقراق, كخاتم ذهب لامع بحجر زمرد كبير يغطي أصبع عاجي رشيق لامرأة بيضاء.
يراقب الفلاحين يخرجون وينتشرون في حقولهم القريبة كل صباح, سعداء بسطاء متواضعين يأكلون مما يزرعون, يساعد أحدهم الاخر في أوقات الحاجة والشدائد.
يستقبل ابناءهم في مدرسة القرية الوحيدة, يحبه الجميع ويستشيره الصغار قبل الكبار, لثقافته الواسعة ورأيه السديد الحكيم, يساعدهم بمختلف أعمالهم, يغمر أفراحهم في فترات الزراعة والحصاد بالبهجة والسرور, يجتمعون عنده كل مساء بجلسات سمر يطربون لصوته الرخيم وأنغام عوده الذي لم يفارقه يوماً لذلك سمي المعلم أبو العود.
بدأت مناسيب مياه النهر تنخفض ذات يوم وأخذت تنحسر عن مستوى الحقول والبساتين, الى ان جف تماماً نهر القرية الوحيد, جفت بجفافه حقول الحنطة الواسعة, يبست عرائش الكروم وأشجار الفاكهة المتنوعة, ذبلت وماتت حدائق الورد المنشرة, جاعت بجفافه بطون الفلاحين وهزلت ضروع حيواناتهم.
جمع المعلم أبو العود الفلاحين, قسّمهم لمجاميع لكل مجموعة مسافة محددة لكري النهر يتناوبون على العمل اليومي فيما بينهم, عمل الجميع بجد واثمرت جهودهم وصول الماء لمزارعهم في أقل من شهر.
نزلت المياه عن مستوى الانهار الفرعية للبساتين من جديد, ماهي إلا أيام حتى جف النهر, عرفوا بعد حين أن اهالي قرية (البو كاطع) التي يمر في أراضيهم النهر, عملوا سدة وحولوا مجراه لداخل أراضيهم, بحجة أن المياه لا تكفي لسقي حقولهم.
ترأس المعلم وفد من أهل القرية وذهب معهم لشيخ عشيرة (البو كاطع), وطالبوا بحصتهم من ماء النهر, كون العطش قضى على بساتينهم وحقولهم وجعلها صحاري جرداء مجدبة.
طالب وجهاء قرية قارع عن حصتهم بالمياه ليومين فقط من كل أسبوع, تكفي لسقي محاصيلهم وأشجار بساتينهم, لم يصلوا لحل يقنع الطرفين, ولن يحصلوا من شيخ العشيرة ووجهائها سوى الرفض القاطع والجفاء,.
تأزم الامر كثيراً ما بين العشيرتين, نشبت الحرب وسقط الكثير من القتلى وسالت الدماء, كان صوت العيارات النارية من البنادق أعلى من صراخ المعلم أبو العود ومطالبته بالكف عن العنف والقتل والدمار الذي لحق بالقريتين.
أُطُفئت نار الحرب وهدأت الاوضاع بعد أن أجبر المعلم أهالي قرية قارع التنازل عن حصتهم بمياه النهر, سعياً منه لإنهاء الحرب التي أحرقت الاخضر واليابس للحفاظ على دماء ما تبقى من أبنائهم,.
نمَت وازدهرت نباتات الشوك والعاقول في كل مكان, بعد أن قحلت أرض البساتين الخصبة وماتت الاشجار المثمرة.
دخلت القرية عصابات من القرى المجاورة عاثت بمشاركة الكثير من رجالات القرية الفاسدين قتلاً ورعباً ودمار, أشاعت الرعب السلب النهب, سفكت دماء الابرياء, حولت قريتهم الجميلة لمدينة مرعبة مسكونة بالأشباح.
أخذ الناس يترددون لجامع القرية القريب, تعالت دعوات الاستغفار وازدادت القرابين والنذور, باتوا يرشون قاع النهر الجاف يومياً لشهور بمختلف السوائل, أشكال التعويذات التي يصنعها لهم عراف القرية, عسى أن يعود ماء النهر لجريانه.
هاجرت الكثير من العوائل للقرى المجاورة, يفلحون عند إقطاعيين بأقل وأبخس الاجور, يعملون بالمدينة القريبة بأصعب المهن مرغمين كانوا يستصغرون من يقوم بها سابقاً.
أمتعض المعلم ابو العود وأحزنه حال القرية وما حل بأهلها, أخذ يترجم ألآمه كل مساء بالحان حزينة تفطر قلب كل من يسمعها, بعد أن كانت تفوح بهجة وأفراحاً ومسرة.
ظل يبحث عن حل ينقذ به ناسها الطيبين من عصابات القتل والجريمة, حزم أمره وقرر السفر لأقاربه في المدينة.
هاجر والدمع مدراراً من عينيه, أحس بحبه للقرية والتصاقه بها, مثل جنين سحب عنوة من رحم أمه, فقد عالمه الهادئ الدافئ السرمدي, أخرجوه لوجود مجهول مبهم, عرف ساعتها سر تمسك الطفل الوليد برحم أمه, علم سبب بكائه الشديد عند ولادته, وخروجه لحياة غامضة المستقبل.
بعد شهور من رحيله, كان يتذكر مع كل قطرة مطر تسقط على أسفلت الشوارع في المدينة, رائحة الأشجار وتراب البساتين الرطبة بعد المطر, أفتقد رؤية الحمائم, العصافير والبلابل المبللة التي تلوذ بأغصان الأشجار الندية, كان مع الاطفال بعد كل مطر يبحثون عن الفطر بالحقول القريبة, أشتاق لهم كثيراً هناك.
لم يستطع الانتظار والصبر أكثر, أستدان مبلغاً من المال وقرر العودة من جديد.
حين وصوله جمع أهلها, أخبرهم نيته أنشاء مشروع معمل للدبس, يشارك الجميع بالبناء دون مقابل لحين الانتاج, يستعملون ما تبقى لديهم من تمور كمواد أولية, يسدون به رمقهم ويبيعون ما يفيض عن الحاجة, لحين للتغلب على قحط الجفاف وعودة جريان النهر زوال الغمة...!
آمن به البعض القليل, بدأوا معه العمل بجدٍ ونشاط, حتى اكتمال البناء وبدأ الانتاج, تضاعفت أعداد العمال شيئاً فشياً حتى شملت جميع أبناء القرية من نسائها ورجالها حتى الاطفال منهم, بدأ الحلم يتحقق ويتشكل في الوجود بعد ان تضاعف منتوجهم وتجاوز حدود حاجتهم, باعوا الفائض المتبقي للقرى المجاورة, تحسنت إثر ذلك حالتهم, بعد أن أمنوا لقمه العيش لهم ولعوائلهم.
انتهت بذلك مظاهر القتل, أختفى السلب والنهب, بعدما أصبح الجميع مشغولين بعملهم يأكلون مما يصنعون.
غسل المعلم بمساعدة الفلاحين كل آثار بقع الدم التي غطت طرقات المدينة, زرع الورود بمختلف الأنواع, فاح عبير الورد بدل رائحة الدم, أنقشع الحزن أنجلى لون السواد وتبددت عتمة الخوف, عاد الفرح وبهجة الالوان للحياة من جديد.
جمع المعلم المبلغ الذي استدانة من إيراد المعمل ورده لقريبه.
بعد عودته جمع الفلاحين, أخبرهم بان المعمل أصبح ملكا للقرية, مشاعاً للجميع, توزع ايراداته على العاملين بالتساوي.
انتشرت المعامل في القرية بشكل كبير وازدادت خيرات إنتاجها, تعلم أهالي القرية أهمية العمل المنتظم لثمان ساعات بكل جهد وإخلاص.
أصاب القحط والجفاف لسنوات عجاف قرية (البو كاطع), غاب فيها قطر المطر وتفطر قاع النهر, مما اضطرهم طلب العمل في معامل قرية قارع للدبس, سمحوا لهم بذلك بعد أن طلبهم العفو والمغفرة ودفع الدية لأهالي من قتلوا.
عَلَمَ أبو العود الفلاحين, أن التعاون والمساعدة وتوحيد الجهود بين الجميع هو مفتاح لكل مشكلة وعقدة, وأجمل لحظات الحياة سعادة هي مشاركة الناس لقمه العيش. أوصاهم تعليم أبنائهم أهمية تغليب العقل وأتباع الحكمة في حل مشاكل حياتهم المستقبلية, لتوحيد كلمتهم كي لا يستطع العدوان الدخول بينهم والعمل على تفرقتهم وتشتيت أصواتهم.
بفضل أبي العود أصبحت قريه قارع محط انظار ومثالاً يحتذى به من الجميع.
أنتهى موسم الجدب والجفاف بعد أن تساقطت الامطار بغزارة, عادت بعودة جريان الماء في النهر الافراح بالرقص والغناء, رجعت البسمة للوجوه كما كانت, على بهجة أنغام المعلم أبي العود.. في احتفالات الزراعة والحصاد.



#فراس_عبد_الحسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم بلا أصوات
- خيال
- فنجان قهوه
- ابو العود
- قلم الكاتب
- صحوه بلدوزر
- السوق
- فتاه اللوحه.. لوحه الفتاه
- المقهى
- الشيخ والطفل
- ثوره الصمت
- من المسؤول
- دموع تحت الصفيح
- احذروا الحليم اذا غضب
- شيوعيا انا
- التغيير بات بأيديكم
- كابوس
- الشيوعي العراقي ..والانتخابات
- الشباب والربيع العربي
- الاشتراكيه ...حلم البشريه


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فراس عبد الحسين - أبو العود