أحمد فؤاد نجم شاعر الفقراء وصورة العصر .. المربي علي خليل حمد

أبو زيد جموضة

الحوار المتمدن-العدد: 4346 - 2014 / 1 / 26 - 22:52
المحور: الادب والفن
    

الورقة التي قدمها المربي علي خليل حمد في الأربعين على رحيل شاعر الشعب أحمد فؤاد نجم في المنتدى التنويري الثقافي الفلسطيني في فلسطين المحتلة نابلس .. وهي دراسة مهمة وعميقة في آن حول شخصية الراحل ننشرها للافادة وللاهمية .. أبو زيد

أحمد فؤاد نجم أشهر شعراء العامية المصرية. رسمت أشعاره صورة صادقة لتاريخ مصر السياسي وواقعها الاقتصادي والاجتماعي في السنوات الخمسة الأخيرة كما تمثلا في ضمير الشعب المصري.
حظيت أشعاره بانتشار واسع في الوطن العربي بفضل محتواها الثوري العميق وبنيتها الغنائية الجميلة التي أبدع في أدائها وتلحينها المطرب الشعبي الشيخ إمام.
اعتقل نجم وسجن عدة مرات بسبب اتجاهاته الاشتراكية، وفضحه سياسات أنظمة الحكم المستبدة والفاسدة، ومناصرته القضايا الوطنية والإنسانية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي بقي يدافع عنها بقوة وإخلاص حتى آخر يوم في حياته.
1. سيرة حياته

الاسم: ( أحمد فؤاد ) نجم، والكنية : أبو النجوم ، واللقب : الفاجومي.
والفاجومي ، كما ذكر في كتابه " يا أهلي يا حبي، يا حته من قلبي " كلمة عامية مصرية تعني " الشخص المندفع اللي بقدر يقول يا غولة عينك حمرا ـ بنفس السهولة اللي بقول بيها كلمة سلامو عليكو. "
ولد في 22/5/1929 في عزبة "أبو نجم " بقرب الزقازيق، لوالدين من العزبة، هما محمد عزت ـ ضابط البوليس ـ وهانم مرسي؛ وكان له 17 شقيقا مات منهم أحد عشر. يمكن تلخيص طفولته بأنها " قليل من التعليم وكثير من الشقاء والشقاوة؛ ففي الكتّاب الذي التحق به بعض الوقت كان الشيخ قد قسم التلاميذ ثلاث طبقات بحسب حظهم من الثراء: فرقة القمح، وفرقة الذرة، وفرقة الشعير التي كان حامل لوائها أحمد فواد نجم، وكانت معاملة الشيخ له سيئة جدا؛ مما بغض إليه الدراسة وزاد من تقبله للعمل في الحقول، الذي فرض عليه بعد وفاة والده.
في عام 1936 أدخل الصبي نجم ملجأ للأيتام في الزقازيق، مكث فيه حوالي عشر سنوات عجاف، اعتبرها سنوات ضائعة من عمره، عديمة المعنى إلا من أويقات قليلة كان بردد فيها الأغاني الشعبية منفردا أو بصحبة زميله في الملجا عبد الحليم شبانة الذي أصبح المطرب الكبير عبد الحليم حافظ فيما بعد.
وبعد خروجه من ملجأ الأيتام في عام 1945 عاد إلى العزبة ليعمل راعيا عند عمته بعض الوقت، ثم سافر مع أخيه إلى القاهرة حيث عمل عند أحد الخياطين، ثم في مصنع عمل للغزل عند أحد الخواجات، ثم في توزيع ظروف الرسائل في التراموايات؛ ولم يكن عمله ولا عمل أخيه ناجحا، فعاد إلى العزبة بخفي حنين.
عمل أحمد فؤاد نجم في معسكرات الإنجليز بمنطقة الإسماعيلية عددا من الأعمال، وفي تلك الأثناء تعرف في مدينة فايد عددا من المثقفين الشيوعيين، وقرأ كتاب الأم لمكسيم
غوركي، وأصبح رفيقا طليعيا. وعندما أضرب العمال المصريون عن العمل في معسكرات الإنجليز كان نجم من أول ستة عمال تركوا العمل في معسكرات الاحتلال قبل أن يقرر البرلمان إلغاء معاهدة 1936 مع بريطانيا.
وكانت حكومة الوفد تدعم الانتفاضة ضد الاحتلال آنذاك، فعملت على استيعاب العمال المضربين، وتم تعيين نجم موظفا في السكة الحديد، ثم في البريد، وأخيرا في ورش النقل الميكانيكي، حيث اتهم بالتزوير، وحكم عليه باالحبس في سجن أرميدان عام 1959.

يقول أحمد فؤاد نجم إن السنوات الثلاث التي قضاها في سجن أرميدان صنعت منه إنسانا آخر: في هذا السجن اكتشف وحشية معاملة رجال المخابرات وضباط السجن للسجناء، ومن أولئك الوحوش ضابط لم يذكره بالاسم لئلا يشرفه بذكره في كتاب مذكراته، وفيه يقول:
"كانت أمجاده اللي هارش دماغنا بيها أنه قتل مجموعة من المسجونين السياسيين في أبو زعبل، وكان دائما يذكر اسم واحد كل مرة ويقول عنه "الواد" اللي كان عامل لي زعيم ما استحملش غلوة في إيدي... الشخص ده اسمه شهدي عطية الشافعي واللي عرفت بعد كده إنه كان مفتش أول للغة الإنجليزية بوزارة التربية والتعليم."
يبدو أن هذه التجارب قد رسمت صورة نظام الحكم ـ الدائمة ـ في ذهن أحمد فؤاد نجم وحددت العلاقة الصراعية بينهما إلى آخر أيام حياته.
وفي المقابل أحدث السجن انقلابا في حياة نجم الفكرية، فقد تخلى عن وجهة النظر السائدة التي تمجد الشعراء الرسميين أمثال أحمد شوقي بالمقارنة مع شعراء الشعب أمثال بيرم التونسي؛ بل لقد حل هؤلاء محل أولئك في تقديره وإعجابه، كما أسهم تفاعله اليومي مع عدد من كبار المثقفين الشيوعيين من مثل الروائي عبد الحكيم قاسم ، والناقد سامي خشبة، والكاتب السياسي حسين شعلان ـ أسهم في الأدلجة اليسارية لنجم وفي تفتح موهبته الشعرية، وفي ذلك يقول:
"كانوا بيسمعوني قصائد شاعرهم العظيم فؤاد حداد، ولو أن الكم اللي كانوا حافظينه من أشعاره قليل جدا، إلا أنه دخل قلبي، وأيامها كنت باكتب قصائد ديواني الأول "صور من الحياة والسجن" فاعتقدت إني بساهم في نشر أشعار فؤاد حداد الممنوعة فأخذت مقاطع منها على قد ما أسعفتني الذاكرة وأضفتها لأشعاري."
خرج ديوان أحمد فؤاد نجم ( عام 1962 ) قبل صاحبه من السجن، ولقي تقديرا و إعجابا بالغين من النقاد، فقررت لجنة الشعر بمجلس الفنون نشره بعد فوزه في مسابقة مشروع الكتاب الأول.
وعندما خرج نجم من السجن توجه إلى الكاتبة المعروفة سهير القلماوي ليشكر لها تقديمها للديوان، فأرسلته إلى يوسف السباعي سكرتير عام مجلس الفنون والآداب الذي عينه موظفا في منظمة التضامن.


وفي هذه البيئة الجديدة، تعرف الشاعر نجم عددا من المهتمين بقضايا الأدب والفن وكان من هؤلاء سعد الموجي مدير دائرة المطبوعات في وزارة السياحة الذي مضى به إلى حارة حوش قدم ليقدمه إلى رفيقي المستقبل :الرسام محمد علي والمغني الشيخ إمام عيسى؛ وقد وصف نجم تلك الليلة من صيف عام 1962 التي تعرف فيها إليهما بقوله:
" ثلاثين سنة مروا على الليلة دي لكن لسه نغمها وسحرها مالي قلبي وسمعي وروحي إلى الآن. "
في الواقع، شهدت تلك الليلة مولد الدويتو الثقافي الفني أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام اللذين بدءا نشاطهما الفني بإحياء ليالي الأفراح والاحتفالات التقليدية، وبقي الجال كذلك إلى أن وقعت الواقعة، أي هزيمة الخامس من حزيران؛ فعندئذ اختفى نجم في حجرته العتيقة أياما خرج بعدها وقد كتب البلاغ رقم واحد الذي لحنه الشيخ إمام في ساعات معدودة، وكان مطلعه:

الحمد الله خبطنا ، تحت بطاطنا
يا محلا رجعة ضباطنا من خط النار.


ومنذئذ، فتحت الشهرة أوسع أبوابها لأشعار أحمد فؤاد نجم، وأصبح نجما بالفعل يتألق في سماوات الإعلام المصري والعربي؛ ولكن ذلك لم يكن دون ثمن، فقد زج في عام 1968 في سجن القناطر الخيرية هو وزميله المغني الضرير والكاتب صلاح عيسى؛ وقد حاول الزعيم الفلسطيني نايف حواتمة، رئيس الجبهة الديمقراطية التوسط عند عبد الناصر له ولزميليه، وكان جواب عبد الناصر له:
ما تتعبش نفسك الثلاثة دول مش ح يطلعوا م المعتقل طول ما أنا عايش.
وكذلك كان. فلم يخرج نجم من السجن إلا عام 1971 بعد وفاة عبد الناصر؛ أما في عهد السادات فقد بلغ عدد مرات اعتقاله ست مرات، وصف التهمة الموجهة إليه في الأخيرة منها عام 1981 بقوله إنه ضبط متلبسا بكتابة الشعر.
لم يتوقف نجم عن فضح سياسات الحكم فيما بعد السادات، وإن تكن نغمته أصبحت أكثر تشاؤما ويساريته أقل حدة مما كانتا عليه في مراحل حياته السابقة. وربما كان لتردي العلاقة بينه وبين الشيخ إمام عام 1985 أثر في ذلك.
تزوج أحمد فؤاد نجم عدة مرات، وله ثلاث بنات هن عفاف وزينب ونوارة التي اشتهرت بنشاطها الثوري والإعلامي، وبخاصة في ثورة يناير وما بعدها. في عام 2007 اختارته المجموعة العربية في صندوق مكافحة الفقر سفيرا للفقراء. حصل على جائزة مؤسسة الامير كلاوس الهولندية للثقافة والتنمية والتي كان من المفروض أن يتسلمها في 10ك1 /2013 .
توفي في 3/12/2013 بعد عودته مباشرة من عمان، حيث أحيا أمسية شعرية مع فرقة الحنونة بمناسبة ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

2. الفكر الاشتراكي

تمثل أشعار أحمد فؤاد نجم نقلة نوعية في شعر العامية المصرية من النقد الاجتماعي للأوضاع في البلد، كما كان عليه الحال لدى بيرم التونسي، إلى الشعر الاجتماعي السياسي الموجه اشتراكيا؛ ومنظوره الأساسي هو انقسام المجتمع إلى كتلتين: كتلة مستغلّة (بفتح الغين) مكونة من العمال والفلاحين المنتجين، وكتلة مستغلّة (بكسر الغين) مؤلفة من رجال الأعمال والحكم؛ وتتجلي هذه القسمة الثنائية بوضوح في قصيدته "همّا مين واحنا مين" متماهيا فيها مع الكتلة الأولى كتلة الشعب.
يبدأ نجم الفصيدة بتحديد كتلتي الصراع :

همّا مين واحنا مين
هما الأمرا والسلاطين
هما المال والحكم معاهم
واحنا فقرا ومحكومين.

وينتقل بعد مزيد من التحديد إلى تبيين دور كل من الكتلتين : الدور الإيجابي الإنتاجي للطبقات الشعبية، والدور السلبي الاستهلاكي للكتلة الأخرى الطفيلية:

من عافيتنا تقوم الأرض
وعرقنا يخضّر بساتين
هما الفيلا والعربية
والنساوين المتنقية
حيوانات استهلاكية
شغلتهم حشو المصارين.

وفي حين تقوم كتلة الشعب بالدفاع عن الوطن مقدمة في ذلك الشهداء والضحايا تشتغل الكتلة الأخرى الاستهلاكية بالرقص والزفة ومختلف أشكال اللهو..
ويختم قصيدتة برسالة إلى المواطن، يطالبه فيها بالوقوف إلى جانب الشعب عندما يحتدم الصراع بين الكتلتين:

حادي بادي يا عبد الهادي
ياللي عليك قصد الغنوا دي
لما الشعب يقوم ينادي
حزر فزر
شغل مخك
شوف مين فينا
بيغلب مين.

والسبيل الوحيد لتحقيق أهداف الجماهير في الاشتراكية هو الثورة، ولا شيئ غيرها، يقول:

بينا وفينا ولينا الثورة
احنا الثورة وهيّ الناس.

وفي المستوبين العربي والدولي يقف نجم بقوة إلى جانب الحركات والقوى الاشتراكية داعيا شعب مصر إلى مناصرة تلك الحركات والقوى والاقتداء بها؛ ففي قصيدته "شقع بقع" يتحدث عن الثورة الاشتراكية في السودان عام 1968 بقوله :

ياشعب مصر يا خم النوم
ما تفوق بقى
وتشوف لك يوم
الثورة قامت
في الخرطوم
وانت اللي نايم بإلمندار
شقع بضع ياديل الفار.

ويقول في قصيدته الساخنة حول انتصار الثورة الفيتنامية:
اأبجد هوز
سايغون عادت للثوار
فوق الدم وتحت النار
جدوا فوجدوا
زرعوا فحصدوا
واحنا إدينا للسمسار.

وفي هذا السياق أيضا، أي مناصرة الاشتراكية يمكن الإشارة إلى أن الرموز الإنسانية التي حظيت بالتمجيد في شعر أحمد فؤاد نجم وأقواله بعامة، هي كلها أوجلّها من الاشتراكيين أواليساريين بوجه عام، مثل: جيفارا ونيرودا وغيرهما.

3: الكلمة الهادفة
مثلما أن للكلمة سحرها، كذلك للكلمة قدسيتها عنداحمد فؤاد نجم، فهو يقول ( قصائد وراء الشمس، ص 43 ) :
"الكلمة بالنسبة لي أقدس شيء، فأنا أحترمها وأحافظ عليها ولا أهينها. أدفع ثمن هذا من حسابي الخاص ولا أقدر أن اساوم بالكلمة. هذه هي وجهة نظري في الشعر."
الكلمة عنده معشوقة الأديب، ولا يمكنه إلا أن ييوح بها:
عشقي للكلام غالب سكوتي
وكرهي للسكات جالب شقايا

وهنا تطرح مسألة : من أين جاءت للكلام/الشعر هذه السلطة المستبدة بنفس الأديب/الشاعر ؟
والإجابة هي: إن له رسالة يؤمن بها، وإن للشعر القدرة على إبلاغ تلك الرسالة مهما كانت الظروف والأحوال؛ يقول نجم في رسالة إلى زوجته "عزة" من السجن:

الراسل شاعر عاشق موت
وشيوعي مصري بعلو الصوت
عنوان الشاعر قلب العالم
والعالم عامر بالأشواق
والشعر حصان
رغم القضبان
بيلف العالم
كيف يشاء.

الرسالة عند أحمد فؤاد نجم واضحة لا لبس فيها، تتلخص في خلاص الإنسان المصري، والإنسان بعامة، من ثالوث الاستغلال: الاستعمار، ورأس المال، والنظام الحاكم المستبد؛ وهو يعزو تشكل التوجه الأساسي لديه فيها إلى بيرم التونسي (قصائد من وراء الشمس، ص 42):
"في البداية كنت متجها إلى الأغنية الإذاعية ... وذات يوم قرأت الجزء الأول من ديوان الشاعر الكبير بيرم التونسي، ولما قرأته بدأت أفهم أن الشعر له وظيفة غير "يا حبيبي" "نجوم الليل" والكلام الفارغ المذاع في الراديو، فانقطعت عن الكتابة فترة طويلة، ورحت أبحث عن شعر بيرم أقرؤه. والفضل يرجع إلى بيرم الذي أفهمني وظيفة الشعر... الكلمة سلاح وإنها في بعض الاحيان ظاهرة تعلقها على صدر صديق أو تسلمها له هدية ، وتكون في بعض الأحيان خنجرا تطعن به عدوا."
وفي الواقع، اقتصر استعمال نجم هداياه وخناجره الشعرية، أوكاد يقتصر على المجال السياسي، فقد اختص بهداياه عددا قليلا من السياسيين الثوريين أمثال جيفارا وألليندي؛ أما الخناجر فكانت أكثر استعمالا؛ وممن وجهها إليهم الرؤساء المصريون وبعض الإعلاميين ممن عدهم أعداء للثورة أمثال محمد حسنين هيكل الذي رأى في دعوته إلى الحل السلمي بعد حرب حزيران 67 بذريعة ما نقدرش نناطح أمريكا استفزازا لمشاعر الجيش المصري والشعب المصري، فكتب فيه قصيدة بعنوان "ميكي":

بصراحة يا أستاذ ميكي
إنك رجعي وتشكيكي
قاعد لامؤاخذة تهلفظ
وكلامك رومانتيكي
عن دور الحل السلمي
واستعماله التكتيكي
والشعب يقول يا بلادي
بالروح والدم أفديكي
لو بات الثار يا ولادي
ح يبات الذل شريكي
بصراحة ولا انت معايا
ولا طالل من شبابيكي
وكأنك مثلا موميا
للسلطان الأنتيكي
أحياها لاستعمالها
الاستعمار الأمريكي
رجعت على هيئة
ميكي.

4 : مصر الوطن
لمصر عند أحمد فؤاد نجم مدلولان مختلفان جمعهما في قوله " مصر العشة ومصر القصر". فأما مصر القصر فهي مصر الاستغلال والظلم اللذين يمارسهما رأس المال ونظام الحكم في البلد ، وأما مصر العشة فهي مصر الخيرات التي يهبها النيل والأرض الطيبة وصناع الحياة في مصر من عمال وفلاحين؛ ومصر هذه هي التي رسمها نجم في لوحته الشعرية الجميلة التي مطلعها "صباح الخير ع الورد اللى فتح في جناين مصر" ورأى فيها بلسما لجراحه من مصر الأخرى.
وفي هاتين المصرين المتضادتين، يقول :

يا مصر وانت الحبيبة
وانت اغترابي وشقايا
وانت الجراح الرهيبة
وانت اللي عندك دوايا

من حق أحمد فؤاد نجم أن يقال إنه صور أنظمة الحكم والواقع الاقتصادي في مصر عبر السنوات الخمسين الأخيرة، بدرجة من الشمول والعمق لم تتوافر لأي شاعر مصري آخر ، سواء أكان من شعراء العامية أم اللغة الفصيحة، ومن الجدير بنا في هذا الصدد أن نستذكر وجود كتل اقتصادية كبيرة في مصر في هذه الفترة وهي: كتلة الجيش، وكتلة الكومبرادور، وكتلة راس المال الوطني، وكتلة الإخوان المسلمين.
أشار نجم إلى الكتلة الإولى التي تشكلت في عهد عبد الناصر بقوله من قصيدة النكسة:

الحمد لله وأهي
باظت
والبيه حاطط
في كل حتة
مدير ظابط
وإن شا الله
حمار.

كما يقول في قصيدته " شقع بقع ":

يا شعب ثور داهية تسمك
وشيل أصول أسباب همّك
عصابة
بتمص في دمك
والاسم قال ضباط أحرار
شقع بقع يا ديل الفار.

في عهد أنور السادات تعاظمت هيمنة رأس المال الأجنبي وزبائنه الكونمبرادور على الاقتصاد المصري؛ وقد رعى السادات هذا التوجه الذي أطلق عليه اسم الانفتاح، وقمع المقاومة الاشتراكية بشراسة بالغة، واعتقل رموزها ومنهم أحمد فؤاد نجم الذي بلغ عدد مرات اعتقاله ست مرات.
كتب نجم عدة قصائد في فضح سياسة السادات هذه ومنها قصيدة "البتاع " وقصيدة " شقلبان " وغيرهما. وفي قصيدته الشائعة الرائعة "يعيش أهل بلدي" هاجم عصابة الكو مبرادور الطفيلية التي سماها التنابلة ذوي الكروش السمينة والعقول التخينة، وفضح دعوة كبيرهم للتحالف بين الطبقات التي هي في حقيقتها دعوة الجماهير للتواكل والاستسلام ، يقول متهكما:

يافلاح يا صانع
يا شحم السواقي
ما تتعبش عقلك
في شغل السياسة
وشوف انت شغلك
بهمة وحماسة
وعوّد عيالك
فضيلة الرضا
لأن احنا طبعا
عبيد القضا
ورزقك ورزقي ورزق الكلاب
دا موضوع مؤجل ليوم الحساب.

أما في عهد مبارك فيشير نجم إلى غضه الطرف عن تفاقم الخصحصة وتركه الحبل على الغارب للاستغلاليين الذين "لهفوا" القطاع العام؛ وذلك بقوله: "كانك مفيش " قي قصيدته، من حسني مبارك إلى الشعب:

باعونا ف حضورك
ببركة عُبيدك وغالي وسرورك
باعوا الأراضي .. وكل المصانع
وباعوا البنوك
وقدام عينيك صوتنا انبح
ننادي عليك
الحق يا ريس ده باعوا الحديد!
وإنت منشّف دماغك عنيد
كأنك مفيش.

لا يختلف عهد مرسي عن عهد مبارك كما يرى نجم ، فهو أيضا كأنك مفيش، وإن كانت الكلمة الاقتصادية ذات الصلة هنا لكتلة أخرى هي كتلة الإخوان المسلمين وزعيمها المرشد.

5: مع الوطن العربي
تحظى قصائد أحمد فؤاد نجم بانتشار واسع لم تحظ به أية قصائد لشعراء العامية في مختلف أرجاء الوطن العربين ويعود ذلك إلى المزايا الآتية:
* أن العامية المصرية مألوفة لدى الكثيرين من أبناء الامة العربية.
* جمع القصائد بين بساطة التعبير وعمق المحتوى.
* تمتعها بروح الفكاهة التي تسود الحياة المصرية.
* تجملها بغناء الشيخ إمام وألحانه الجميلة.
* جراءتها في فضح سياسات الاستعمار وأنظمة الحكم العميلة.
* دفاعها عن القضايا الوطنية وطليعتها القضية الفلسطينية.
* نقلها الصادق لمشاعر الفقراء في مصر والوطن العربي.
يتجلى الحسّ القومي العميق لدى نجم وإيمانه القوي بعروبة مصر في قصيدته الرائعة " يا عرب " التي شجب فيها تنكر السادات للعروبة، وعقده الصلح المنفرد مع إسرائيل (انظر أيضا: يا أهلي يا حبي يا حتة من قلبي، ص ص 23/24 ) . في هذه القصيدة يصف الشاعر العرب بأنهم أهل مصر؛ وهنا تجدرالإشارة إلى أن كلمة أهل في هذا السياق كما في قصيدة " يعيش أهل بلدي " تجمع بين مفهومين: القرابة والجماهير. يقول نجم :

يا عرب يا عرب .. يا عرب في أي مصر
يا عرب يا عرب ... اسمعوا صوت شعب مصر
احفظوا لمصر المكان واحنا عالعهد اللي كان
مصر أوفى من الزمان
وانتو عارفين شعب مصر
يا عرب يا عرب يا أهل مصر

اللي خانوا العهد بينّا واستباحوا كل حاجة
واستهانوا بالعروبة واستكانوا للخواجة
ستحيل حيكونو منا همّا حاجة واحنا حاجة
همّا باعوا الجلابية والوطن والبندقية
واحنا اصحاب القضية
احنا ما بينبعش مصر.

6 . ومع فلسطين

للقضية الفلسطينية حضور قوي في أشعار احمد فؤاد نجم؛ وقد اتصف موقفه تجاهها بالصلابة، وعدم المهادنة، والاستعداد للمشاركة في النضال المسلح إلى جانب الفدائيين؛ ومما ذكره في هذا الشأن قوله (قصائد من وراء الشمس ص ص 44، 45 )؛
" اقترحت على أحد القادة الفلسطينين ـ لا داعي لذكر اسمه ـ إرسالي إلى الجبهة للمشاركة في النضال المسلح، فرد علي بأن الثورة الفلسطينية ليست بحاجة إلى مقاتل من الدرجة الرابعة بقدر ما هي بحاجة إلى شاعر من الدرجة الأولى، وأني أخدم الثورة بشعري أكثر مما أخدمها بالسلاح."
تبدو توجهات نجم هذه جلية تماما في قصيدته " يا فلسطينية " التي يمكن تسميتها "موال فلسطيني مصري " ( المخ ، ص 29 )، والتي تذكّر بقصيدة نزار قباني " أصبح عندي الآن بندقية" ( تنظر المقارنة في نهاية هذا المقال).
ومما يشير إلى شدة ارتباط الشاعر نجم بالقضية الفلسطينية تأثره البالغ بالصلح المنفرد الذي عقده السادات مع بيغن على حساب فلسطين والقضايا العربية بعامة؛ فقد ذكر نجم ( قصائد وراء الشمس ، ص 39 ) أنه أصبح يسمي نفسه منذئذ "شاعر الأرض المحتلة"؛ وفي هذا الشان كتب قصيدته آنفة الذكر " يا عرب " والتي يقول فيها:

سينا ، ولا يافا، ولا حيفا، ولا دير يا سين
اسألوا الشمس اللي هالله : عللي صحيوا مبدرين
يزرعوها نور وغلة : دول جدودنا ولا مين
حقنا وحتماً يعاد : بَسّ لو بانت سعاد
والبيان ده له ميعاد
والمعاد حيكون في مصر
يا عرب يا عرب يا أهل مصر.

بقي شاعر الفقراء، أحمد فؤاد نجم، نصيرا مخلصا للقضية الفلسطينية حتى آخر أيام حياته، وذلك عندما أحيا ، مع فرقة الحنونة، أمسية بمناسبة يوم التضامن العالمي مع فلسطين قبل ساعات من رحيله في 3/12/2013 .


بين أحمد فؤاد نجم ونزار قباني
نظم كل من الشاعرين الكبيرين: أحمد فؤاد نجم ونزار قباني، قصيدة في تمجيد الكفاح المسلح، بوصفه الطريق الأوحد لتحرير فلسطين.
وقبل إجراء مقارنة قائمة على الأيديولوجيا بين القصيدتين، يجدر التذكير بالاختلاف الكبير بين الشاعرين في هذا الشأن، أي بين نزار قباني الليبرالي وأحمد فؤاد نجم اليساري الاشتراكي.
ـ التناقض الأساسي في قصيدة نزار هو بين الحل السلمي والحل بالكفاح المسلح.
أما عند نجم فهو بين الفلسطينيين( والمظلومين في العالم) والصهيونية (والإمبريالية).
ـ المخاطب عند نزار فرد (الشاب الفلسطيني) الأقرب إسى أن يكون مالكا.
وهو عند نجم مجموع(الشعب الفلسطيني الفلاح والعامل).
ـ لا يوجد في قصيدة نزار ما يدل على أن الشاعر مشارك في المعركة.
الشاعر نجم مشارك في المعركة.
ـ المعركة عند نزار هي بين الفلسطينيين والصهاينة.
وهي عند نجم بين الفلسطينيين والمصريين (يمثلهم نجم) وشعوب العالم
من جهة والصهاينة والإمبريالية من جهة أخرى.
ـ تبدأ القصيدة عند نزار بحالة تأهب من قبل شاب فلسطيني للقتال.
وعند نجم بعدوان على الإنسان والأرض والحياة من قبل الإمبريالية ورأس حربتها الصهيونية.
ـ لا توجد نهاية متوقعة للمعركة عند نزار.
النهاية المتوقعة عند نجم هي النصر على غرار ما حدث في فيتنام.
ـ الغاية عند نزار استعادة الأرض.
وهي عند نجم تحقيق الثورة (الاشتراكية) بعد استعادة الأرض.


يا فلسطينية
( أحمد فؤاد نجم )

يا فلسطينية والبندقاني رماكو
بالصهونية تقتل حمامكو في حماكو
يا فلسطينية وانا بدي اسافر حداكو
ناري بإيديا وإيديا تنزل معا كو
على راس الحية وتموت شريعة هولا كو.

يا فلسطينية والغربة طالت كفاية
والصحرا أنّت من اللاجئين والضحايا
والأرض حنّت للفلاحين والسقايا
والثورة غاية والنصر أول خطاكو.

يا فلسطينية والثورة هي الأكيدة
بالبندقية نفرض حياتنا الجديدة
والسكة مهما طالت وباتت بعيدة
مد الخطاوي هو اللي يبقى معاكو.

يا فلسطينية فيتنام عليكو البشارة
بالنصر طالعة من تحت مية ألف غارة
والشمس والعة والأمركان بالخسارة
راجعين حيارى عقبال ما يحصل معاكو.

( 2 )
( أصبح عندي الآن بندقية )

أريد بندقية
خاتم أمي بعته
من أجل بندقية
محفظتي رهنتها
من أجل بندقية
اللغة التي بها درسنا
الكتب التي بها قرأنا
قصائد الشعر التي حفظنا
ليست تساوي درهما
أمام بندقية

أصبح عندي الآن بندقية
إلى فلسطين خذوني معكم
إلى ربى حزينة كوجه مجدلية
غلى القباب الخضر والحجارة الندية
عشرون عاما وأنا
أبحث عن أرض وعن هوية
أبحث عن بيتي الذي هناك
عن وطني المحاط بالأسلاك
أبحث عن طفولتي
وعن رفاق حارتي
عن كتبي ... عن صورتي
عن كل ركن دافئ وكل مزهرية
اصبح عندي الآن بندقية
إلى فلسطين خذوني معكم
يا أيها الرجال
أريد أن أعيش أو أموت كالرجال
أريد أن أنبت في ترابها
زيتونة أو حقل برتقال
أو زهرة شذية
قولوا لمن يسأل عن قضيتي
يارودتي صارت هي القضية
أصبح عندي الآن بندقية
أصبحت في قائمة الثوار
أفترش الأشواك والغبار
وألبس المنية
مشيئة الأقدار لا تردني
أنا الذي أغير الأقدار
يا أيها الثوار.

في القدس في الخليل
في بسان في الاغوار
في بيت لحم حيث كنتم ايها الاحرار
تقدموا
تقدموا
قضية السلام مسرحية
إلى فلسطين طريق واحد
يمر من فوهة بندقية .

#أبو_زيد_جموضة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات